صنف ناذر الوجود هي السيدة خديجة ، التي نالت من اسم السيدة خديجة أم المومنين رضي الله عنها الشيء الكثير ، تأسيا وحضنا ومحبة ودثارا . عاشت في عز الاعتقالات ، السجون والترهيب سنوات الحسن الثاني ،و اختارت هذه المرأة الشريفة العفيفة أن تعيش في كنف أكبر معارض سياسي للفساد والاستبداد بالمعنى الحديث للكلمة ، وكانت خير سند ، حين عرف الرجل ناصحا للملوك بجبروتهم وطغيانهم أيام السبعينات والثمانيات لمن عاشها وعرف خطورتها . صبرت السيدة ،احتسبت ،عانت ،احتضنت وآوت دعوة العدل والإحسان في بيتها ، في قلبها ، صانتها وبذلت النفس والنفيس ، لتخدم المشروع في أشد المحن والإحن ، وما أدراك ما البدايات التأسيسية والناس في عز سنوات الجمر والرصاص . كانت قليلة الكلام والظهور، إلا من حوار وحيد يتيم وآخر مصور ، كشفت فيه عن جزء من حياة الإمام رحمه الله تعالى ، ولقائها به أول عهدها ، لم تدع يوما لنفسها أو طلبت جاها ولا رياسة، بل كانت قمة في التربية ونكران الذات والإقبال على المطلوب المحبوب ، فقد كانت سيدة وهبت نفسها لله ولدعوته ،خادمة صموتة كلها حياء ووقار لا تغيب ابتسامتها حتى بعد رحيل الزوج "الحدث الجلل " والجرح الغائر في قلبها تجاهه وكتمت كمدها وتفتت كبدها ، وانتدبت عمرها لتذكر الله وتطلب وجهه الكريم وأحبت الإمام بصدق وتجرد وكانت تحب أن يقال لها "الفقيرة" وثبتت على العهد ، وابك أنت على زمن يتسابق فيه الناس إلى الفخفخة والألقاب والأعتاب والظهور . يقول عنها المقربون أنها كانت صوامة قوامة ، ذاكرة ، تالية لكتاب الله فكانت حافظة للب الرسالة ملتزمة بما كان الرجل يحث عليه ويدعو له ليل نهار . لاإله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، في عز انشغالات الناس وجريهم وراء الدنيا وملذاتها، كانت توصي الناس بالآخرة. ولمن يعرف نساء "اليوم". لا مجال للمقارنة، فالبون شاسع جدا مابين "مهاجرة" بما هي قيم تنضح بالبذل والمحبة والعطاء الدائم والصبر المتواصل والاحتساب لله وبين نساء أكثر همهن الدنيا وما يتصل بها. مَنْ مِنَ النساء تقبل أن يدخل زوجها مستشفى المجانين وهي على ذمته ، وبيتها مراقب لأزيد من 30 سنة ، لاتفارقه أعين المخبرين ؟ ومن منهن تلد أبنائها والوالد رحمه الله رهن الاعتقال بعيد عنهم ؟ ومن منهن في كل ليلة يخالجها شعور التهديد بالاختطاف أو اقتحام المنزل وزوجها معارض سياسي معروف ؟ ورغم ذلك تحملت بيتها وربت أبنائها وفتحت قلبها للزوار والمومنين من كل حدب وصوب دون كلل أو ممل ، بل بترحيب شديد وفرحين كبيرين ، فكانت تحرص رحمها الله على إكرامهم وتضييفهم بأدب جم وحس تطوعي عال جدا . وكانت رحمها الله على شدة بساطتها وعظم محبتها للإمام رحمه الله وتعلقها به على قدر تحملها للمعاناة والشدائد وكأنها تقول :" يا سيدي ، كل مصيبة بعدك تهون" و الحبيب رحل ، فكتمت وصبرت ووزعت الابتسامة بسخاء وصفاء ، وبقيت رمزا للعطاء والوفاء والإباء . إن الواقف على هذه السيرة وهذه المدرسة المتفردة ، حق له أن يدعو إلى تدريسها للأجيال ، وما أحوجنا إلى هذه النماذج ، إلى مصابيح الطريق تضيء لنا عالما مظلما مفتونا مهووسا بغير الله . ما أحوجنا إلى مدرسة "الأم" للتربية على معاني المحبة والوفاء، أكثر من أي وقت آخر، ورحم الله حافظ إبراهيم حين قال: الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق الأم روض إن تعهده الحيا بالريّ أورق أيما إيراق الأم أستاذ الأساتذة الألى شغلت مآثرهم مدى الآفاق عزائي كلم كتبته هذه الليلة وصغته بدمع جار على سيدة لم أوف حقها ولم أعرف قدرها… رحم الله السيدة للا خديجة المالكي زوج الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمهما الله جميعا ، ورزق الأسرة الصغيرة والكبيرة الصبر والسلوان ، إنه ولي ذلك والقادر عليه سبحانه ، آمين .