إن أعظم ما يرفع الإنسان المسلم إلى مقام الولاية لله تعالى والفوز بمرضاته، الإيمان به والتعظيم لكمال صفاته وجلال أسمائه، "اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا " (البقرة: 257)، فهذا مشترك بين جميع المسلمين بدخولهم تحت مسمى الإيمان الذي يجعلهم يختصون بهذه المكانة الرفيعة والمنزلة العالية، والإيمان هنا بشطريه : قول وعمل، وهذا ما يسمى عند أهل العلم بالولاية العامة. ونجد في مقابل هذا الصنف الولاية الخاصة ، وتكون لخاصة الناس من أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، " إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ "( الأعراف:196 )، إلا أنها لا تسقط العمل ولا تبطل الفرائض ولا تجعل المتصف بها مختلفا عن باقي المسلمين من حيث ما كلفوا به من الأحكام والشرائع، قياما بها والتزاما بأصولها، ودعوة إليها وتطبيقا لها في الحياة. وإن ادعاء هذه المرتبة والرقي إلى هذه المنزلة دون حق، فرية عظيمة وخطيئة كبيرة، يلزم الوقوف عندها وتأمل أسبابها النفسية والاجتماعية، التي كانت ولا زالت سببا في وجود العديد ممن ارتموا في أحضان هذه الدعوة وتشبثوا بها، وتشبهوا بما لم يكن لهم ولا لمسوا حظا منه. إن الظروف التي مرت بها الأمة ولا زالت، ساهمت في كثير من الانتكاسات الفكرية التي كان من نتائجها ظهور دعوات كثيرة، كالمهدية والولاية لله تعالى، وذلك راجع إلى تعلق نفوس الناس بحصول الانتصارات والتفوق والرفعة في مختلف المجلات، من خلال التمسك ممن ادعو هذه الأحوال والمقامات، دون وعي تام بأن أي نصر له مقدماته ومقوماته، وله أسبابه التي يتحقق النصر من خلالها، " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ " ( الأنفال: 60). إنه في ظل هذه الهزيمة النفسية التي يعيشها الكثير من أبناء المسلمين، تتكون أرض خصبة لظهور مثل هذا الانحراف في السلوك، والميل عن الحق، واتباع الهوى، تلبيسا على الناس وخداعهم، وتحقيقا لمصالح ورغبات إما ذاتية أو خارجية، هدفها خلخلة البنية الدينية للمجتمعات المسلمة. لم تكن عادة من اشتهر بالولاية من هذه الأمة، الظهور بمظهر الترف والتزين بما هو خاص بسفهاء الرجال، بل ظهرت صفاتهم وعرفت أنسابهم واشتهر علمهم وعملهم بين الناس إلى درجة القطعية ونفي الريب والكذب ، حتى تحققوا مما وصفوا به، وكانوا سببا في انتشار العلم والصلاح وإرشاد الأمة في أصعب مواقفها، ودونك أسمائهم التي لم تنس على مار تاريخ الأمة، وظلت خالدة بخلود هذا الدين. لقد أصبحت مهمة أهل العلم أكبر مما يُتخيل، وصار أمر رجوعهم إلى مكانهم الاصلي لازم، يتحمل مسؤوليته مجموع الامة بأفرادها، فكلما غُيب دور العلماء وتم إقصائهم، إلا وظهرت مثل هذه الآفات الخطيرة التي تتسبب في فساد تدين الناس، والوقع في مظاهر الشرك والخضوع لغير الله في سلطان أوامره ونواهيه، والتاريخ يشهد على ما مر من صنوف وأنواع من مثل هذه المظاهر والطقوس التي باءت كلها بالزوال، وانطمست في عالم النسيان. ولعل مما يجب التنبه له أن المبالغة في التدين دون الالتزام بمنهج قويم يضبط تصرفات المكلفين في تدينهم، ينتج عنه إما تنكر لدين وانسلاخ منه بالكلية، أو ادعاء للولاية والمقامات العرفانية بغير حق، كذبا وبهتانا وزورا، ودعوة إلى وضع الأغلال على قلوب العباد واسترقاقهم، بعد أن أنقدهم الله عز وجل بإرسال الرسل وإنزال الكتب وإقامة الحجة، حتى يكونوا عبادا لرب العباد وأولياء له متمسكين بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .