بايتاس يتحدث عن زيادة عامة في الأجور "مطروحة للنقاش مع النقابات" في الحوار الاجتماعي    عدد زبناء مجموعة (اتصالات المغرب) تجاوز 77 مليون زبون عند متم مارس 2024    بورصة الدار البيضاء تستهل التداولات بأداء إيجابي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    "فدرالية اليسار" تنتقد "الإرهاب الفكري" المصاحب لنقاش تعديل مدونة الأسرة    أبيدجان.. أخرباش تشيد بوجاهة واشتمالية قرار الأمم المتحدة بشأن الذكاء الاصطناعي    أرباح اتصالات المغرب ترتفع إلى 1.52 مليار درهم (+0.5%) بنهاية الربع الأول 2024    من بينها رحلات للمغرب.. إلغاء آلاف الرحلات في فرنسا بسبب إضراب للمراقبين الجويين    منصة "تيك توك" تعلق ميزة المكافآت في تطبيقها الجديد    وفينكم يا الاسلاميين اللي طلعتو شعارات سياسية فالشارع وحرضتو المغاربة باش تحرجو الملكية بسباب التطبيع.. هاهي حماس بدات تعترف بالهزيمة وتنازلت على مبادئها: مستعدين نحطو السلاح بشرط تقبل اسرائيل بحل الدولتين    رسميا.. الجزائر تنسحب من منافسات بطولة اليد العربية    لابورتا: تشافي باقي مدرب للبارصا وما غاديش بحالو    الحكومة الإسبانية تعلن وضع اتحاد كرة القدم تحت الوصاية    وكالة : "القط الأنمر" من الأصناف المهددة بالانقراض    توقعات أحوال الطقس غدا الجمعة        استئنافية أكادير تصدر حكمها في قضية وفاة الشاب أمين شاريز    مدريد جاهزة لفتح المعابر الجمركية بانتظار موافقة المغرب    الرباط.. ندوة علمية تناقش النهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة (صور)    ألباريس يبرز تميز علاقات اسبانيا مع المغرب    العلاقة ستظل "استراتيجية ومستقرة" مع المغرب بغض النظر عما تقرره محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الصيد البحري    تتويج المغربي إلياس حجري بلقب القارىء العالمي لتلاوة القرآن الكريم    المالية العمومية: النشرة الشهرية للخزينة العامة للمملكة في خمس نقاط رئيسية    مكناس .. تتويج 12 زيت زيتون من أربع جهات برسم النسخة 14 للمباراة الوطنية    بحر طنجة يلفظ جثة شاب غرق خلال محاولته التسلل إلى عبارة مسافرين نحو أوروبا    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    سيمو السدراتي يعلن الاعتزال    المعرض المحلي للكتاب يجذب جمهور العرائش    تظاهرات تدعم غزة تغزو جامعات أمريكية    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    تحويل الرأسمالية بالاقتصاد اليساري الجديد    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    بوغطاط المغربي | محمد حاجب يهدد بالعودة إلى درب الإرهاب ويتوّعد بتفجير رأس كل من "يهاجمه".. وما السر وراء تحالفه مع "البوليساريو"؟؟    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الرحيم برادة
نشر في اليوم 24 يوم 22 - 07 - 2018

هو الآن يعيش عامه الثمانين. لا شيء تغير فيه، لولا أن شجرة الكاوتشوك الضخمة بحديقة بيته المقابل لكنيسة نوتردام دو لورد بالدار البيضاء، تشغله قليلا. فقد قفزت بأغصانها فوق السور مثل مراهقة ضاقت ذرعا بحكمة أبيها الصموت. وهو يتفرسها ويتلمس فراشة الحرية المثبتة أسفل ياقة قميصه، وقلما يتعقبها بين الشوارع.
في المرات القليلة التي أتيحت لي فرصة الجلوس إليه، وجدتني أمام طينة نادرة من الرجال: ليبرالي بزهد. آنف بتواضع. بواح بصمت. حكيم بمرح. متطرف في علمانيته التي تعتبر أن أصولية الدولة سابقة على أصولية الإسلاميين ولاحقة عليها. مبدئي بقسوة؛ فعندما اتصل به إدريس البصري، ليلة ترحيل أبراهام السرفاتي إلى فرنسا، يطلب منه اللقاء به في مكتبه بوزارة الداخلية على الساعة السابعة صباحا، لم يكن يتوقع أن يصدمه بصرامة: «ما أعرفه هو أن الإدارة تبدأ عملها على الساعة الثامنة وليس السابعة صباحا، وأنا لن أحضر هذا الاجتماع لأنه كان عليك أن تخبرني بمدة معقولة حتى أبرمج هذا الموعد إلى جانب باقي مواعيدي».
عندما كان عبد الرحيم برادة شابا يدرس بكلية الحقوق التابعة لجامعة باريس، بداية الستينيات، زارهم إدغار فور، رئيس وزراء فرنسا خلال اتفاقية إيكس ليبان، لإلقاء محاضرة حول الصين. لم يخطر ببال الطالب المغربي أن هذا الغول السياسي، الذي انتهى محاميا، سيصبح زميلا له يرافع إلى جانبه في المحاكم الفرنسية. حين انتهى إدغار فور من إلقاء محاضرته، رفع طالب فرنسي أصبعه وسأل بلا مقدمة ولا سياق: «لماذا دعمت حكومتك، خلال اتفاقية إيكس ليبان، عودة الملكية الرجعية إلى المغرب؟». نظر فور إلى الطالب، وأجاب: «أنا كنت أتحدث عن الصين، لكن بما أن سؤالك الخارج عن السياق مستفز، فلن أتركه يمر دون أن أجيبك: الدولة الفرنسية، وضمنها حكومتي، لم تدافع عن عودة الملكية إلى المغرب. لقد حاولنا جاهدين إقامة نظام جمهوري بهذا البلد، لكن ممثلي الحركة الوطنية المغربية في مفاوضات الاستقلال تشبثوا بالملكية».
في 1966، سيعود عبد الرحيم إلى المغرب، مشبعا بقيم الحرية والعدالة. كان الحسن الثاني ومستشاره القوي، أحمد رضا اكديرة، يعتنقان ليبرالية مهجنة بالتقاليد المخزنية، مشذبة من أي معنى حقوقي أو تعددي حقيقي. وكانت أغلب النخب الاقتصادية والتقنوقراطية تهرول للدخول تحت مظلة هذه الإيديولوجيا الرسمية تحصينا لمواقعها، وبحثا عن مكاسب وامتيازات أخرى. في هذه الأجواء، قرر عبد الرحيم برادة أن يكون صديقا لاشتراكيي وشيوعيي المعارضة، الذين دافعوا عن الملكية، بدل أن يكون محسوبا على ليبرالية أقصت الأحزاب الوطنية.
كان عبد الرحيم بوعبيد معجبا بذكاء وجدية عبد الرحيم برادة، وتوطدت العلاقة بينهما خلال محاكمة مراكش 1971، حين أهمل كلاهما مكتبيهما بالرباط والدار البيضاء، واكتريا إقامة في مراكش للتفرغ للمحاكمة الكبرى التي واكبتها شخصيات سياسية من طينة فرانسوا ميتران وميشال روكار. سنة بعد هذه المحاكمة، سوف يفاتح الحسن الثاني صديقه اللدود عبد الرحيم بوعبيد في أمر تشكيل حكومة تقودها الكتلة الوطنية. ورغم أن الاتحاد كان يضم الكثير من الحقوقيين، فقد اقترح بوعبيد على عبد الرحيم برادة أن يكون وزيرا للعدل، لكن هذا الأخير رفض ذلك، قبل أن يتراجع الملك عن نزوة اقتسام الحكم مع الحركة الوطنية.
لم يكن بوعبيد وحده من أعجب بهذا المحامي الليبرالي، فحتى عمر بنجلون كان يجد متعة في أفكاره العميقة والخارجة قليلا عن المتفق عليه داخل اليسار، وليلة استشهاده سهر عمر في بيته بالدار البيضاء إلى آخر ساعة.
لم يتورع الحسن الثاني في الاعتراف لعبد الرحيم بوعبيد بكرهه لعبد الرحيم برادة ووصفه بخائن الوطن، خصوصا بعدما دافع برادة بقوة عن رفاق أبراهام السرفاتي. وقد وصل حنق الملك على المحامي أن منعه من جواز السفر لقرابة 15 سنة، مع علمه المسبق بأنه متزوج بسيدة فرنسية. وحدث في نهاية حوار أجرته «ليبيراسيون» الفرنسية مع الحسن الثاني، أن سأله الصحافي، سيرج جيلي، عن أسباب حرمان المحامي عبد الرحيم برادة من جواز سفره، فحدجه الملك بنظرة شزراء، وقال: «لو علمت أنك ستطرح علي سؤالا كهذا ما وافقت على محاورتك إياي».
وأنا أحاول أن أتلمس ملامح عبد الرحيم برادة الدقيقة والمتشعبة، خطر ببالي أن أقصى ما كان الحكيم كونفوشيوس يتمناه هو أن يوهب قدرة وضع كل كلمة في مكانها، وأتساءل بأي الأدوات أرسم وجه رجل رافع أمام كبرى المحاكم في كبرى القضايا، ومازال يعيش ويشتغل في منزل كراء يتخذه مكتبا أيضا؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.