الاحتقان يرافق الدخول الجامعي بالمغرب .. احتجاجات وإضرابات وطنية    القوات المسلحة تبدأ انتقاء المجندين    القطيع الوطني للماشية: إحصاء أزيد من 32,8 مليون رأس (وزارة)    بورصة البيضاء تبدأ الثلاثاء بالارتفاع    بريطانيا تعزز مكافحة "جرائم الشرف"    بيع 47 ألف تذكرة لمباراة المغرب    مارسيليا يسعى لتجديد عقد بلال ندير    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    حوادث المدن تخلف 27 قتيلا بالمغرب    شاطئ الحسيمة يلفظ جثة في حالة متقدمة من التحلل    الحسيمة.. ست سنوات حبسا نافذا لمروج "كوكايين"    موقوف يفارق الحياة بمستشفى فاس    الصين تحقق سابقة عالمية.. زرع رئة خنزير معدل وراثيا في جسد بشري    عائلة الشهيدين الدريدي وبلهواري تطالبان الدولة بالكشف عن الحقيقة كاملة في ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان    الأميرة للا مريم.. مسار من التفاني في خدمة المرأة والطفولة    جامعة الأخوين أول عضو دولي في "تحالف LearningWell"        المغرب، فاعل رئيسي في صناعة السيارات العالمية (صحيفة إسبانية)    إطلاق مناقصة جديدة لتشييد مبان ومرافق طاقية بميناء الناظور غرب المتوسط    جنرال إسباني يحذر من "مخاطر التنازلات" للمغرب وسط غضب داخل الجيش    ينقل فيروسات حمى الضنك وشيكونغونيا وزيكا.. انتشار بعوض النمر في بلجيكا    بعد غياب طويل .. 320 ألف متفرج يستقبلون سعد لمجرد        المغرب يبحث عن لقبه الثالث في مواجهة نارية مع السنغال    صفقات السلاح .. كيف يوازن المغرب بين تحالفاته الدولية واستقلالية قراره العسكري ؟    "الشان".. "الكاف" يعين الجنوب أفريقي شافاني حكما لمباراة المغرب والسنغال    توضيح بشأن المعطيات المغلوطة بخصوص تنفيذ قانون العقوبات البديلة        مولاي الحسن يستقبل الأطفال المقدسيين المشاركين في المخيم الصيفي لوكالة بيت مال القدس الشريف    أستراليا تتهم إيران بالوقوف وراء هجمات معادية للسامية وتطرد السفير الإيراني    أسود الأطلس يواجهون السنغال وعينهم على النهائي    باكيتا يعود لقائمة المنتخب البرازيلي واستبعاد نيمار وفينسيوس ورودريجو    شي جينبينغ يستقبل رئيس مجلس الدوما الروسي ويؤكد على عمق الشراكة الاستراتيجية بين بكين وموسكو    بطولة ألمانيا: دورتموند يمدد عقد مدربه كوفاتش إلى غاية 2027    فرقة الراب "نيكاب" تلغي جولتها الأميركية بسبب محاكمة أحد أعضائها بتهمة دعم حزب الله    303 وفاة بسبب المجاعة بقطاع غزة        الصحافي والإعلامي علي حسن في ذمة الله    بولتون ‬رأس ‬حربة ‬اللوبي ‬الانفصالي ‬بواشنطن ‬في ‬ورطة ‬جنائية ‬جديدة ‬تبدد ‬ما ‬تبقى ‬له ‬من ‬تأثير ‬و ‬مصداقية ‬    عمالات الدار البيضاء تطلق لقاءات تشاورية لإعداد جيل جديد من برامج التنمية الترابية                    جفاف قياسي يضرب أوروبا وحوض المتوسط مطلع غشت الجاري (مرصد)    الدكتور المغربي يوسف العزوزي يبتكر جهازاً ثورياً لتصفية الدم يفتح آفاقاً جديدة لزراعة الأعضاء    «مهرجان نجوم كناوة».. رواد الفن الكناوي يلهبون حماس جمهور الدار البيضاء    وفاة الإعلامي علي حسن أحد الوجوه البارزة في التلفزيون والسينما المغربية    رأي : الحسيمة الثقافة والهوية    الإعلامي محمد الوالي (علي حسن) في ذمة الله.. مسار حافل في خدمة التلفزيون والسينما    الإعلامي محمد الوالي الملقب بعلي حسن نجم برنامج "سينما الخميس" في ذمة الله    أمر فرنسي بترحيل ثلاثيني مغربي لقيامه بفعل خطير    دراسة: النظام الغذائي النباتي يقلل خطر الإصابة بالسرطان    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما البديل... اليسار المتلاشي بين وهم البديل ومأزق الوجود
نشر في اليوم 24 يوم 20 - 08 - 2025

في ظل ما يبدو من انسداد سياسي وتفاقم للأزمات الاقتصادية والاجتماعية نتيجة لمجموعة من الأحداث، والتي يمكن ان تهتز معها الثقة في المؤسسات والخطاب العام، يعود السؤال الجوهري والصريح ليطرح نفسه بإلحاح: ما هو البديل؟ هل يمكن أن يكون اليسار -رغم ضعفه وتشتته- أهو ذلك البديل الذي يبحث عنه المغاربة اليوم؟
لقد عرف المغرب، في مرحلة دقيقة وصفت بكونها على عتبة "السكتة القلبية"، مساهمة حاسمة لليسار الذي تحمّل مسؤولية جسيمة إلى جانب مؤسسات الدولة في إنقاذ الوطن من أزمة تاريخي، محرجة اجتماعيًا، سياسيا واقتصاديا، بارساء انتقال سياسي هادئ في كنف الاستقرار. وهو ما تجسد في تجربة التناوب التوافقي بقيادة المرحوم عبد الرحمان اليوسفي، هذه التجربة التي أفضت إلى العديد من المكتسبات الوطنية وأخرى خارج الوطن، على سبيل المثال لا الحصر؛ تحقيق توازنات ماكرو-اقتصادية أعادت الثقة إلى الاقتصاد الوطني، انطلاق إصلاحات هامة في مجالات حيوية لعيش المغاربة أساسا في مجال التعليم والقضاء والإدارة العمومي، تعزيز الحريات العامة وحقوق الإنسان والانفتاح السياسي وتقوية ملف الوحدة الترابية بتراجع العديد من الدول في مختلف بقاع المعمور بالاعتراف بالكيان الوهمي، كما أعادت الاعتبار للسياسات الاجتماعية كأولوية للعمل الحكومي، وهو ما يتوافق اليوم مع التوجيهات الملكية التي تدعو إلى تقوية العدالة الاجتماعية والمجالية وتحقيق تنمية أكثر شمولية. ومع ذلك، يبقى السؤال الأكثر إلحاحا: أين هو اليسار اليوم؟ ومن يمثل اليسار الحقيقي في المغرب؟ هل نتحدث عن يسار افتراضي يعيش على وسائط التواصل الاجتماعي؟ أم عن يسار المقاهي الذي يكتفي بالجدل النظري؟ أم عن يسار متخيل لا وجود له إلا في النصوص والخطابات؟ ام عن يسار راكد ينتظر الظروف والفرصة للفعل والتواجد؟
إن اليسار المغربي، في صورته الراهنة، يبدو بعيدا عن "قاعدته المؤسسة" التي كان يفترض أن يظل مرتبطا بها والمتمثلة في: التحليل الملموس للواقع الملموس. فجلّ مناضليه وقياداته اليوم غارقون في النقد والتنظير، وهو جهد لا يُستهان به من حيث قيمته الفكرية، لكنه يظل عاجزا عن مضاهاة تعقيدات الواقع وتحديات التدبير العملي وربما حتى بعيدا عن هموم العيش اليومي للمواطن. النقد، مهما بلغ من العمق والبلاغة، لا يغني عن ممارسة سياسية مسؤولة وفعّالة، لأن الحلول الوسطى والمرحلية -وإن كانت محدودة- قد تؤسس لمسارات أوسع للإصلاح والبناء.
المفارقة أن اليسار المغربي كان دائما عدو نفسه الأول. أقسى المعارضات التي واجهها لم تكن من خصومه التقليديين، بل من داخل بيته، ومن رفاقه الذين يتقاسم معهم القيم ذاتها. تجربة الفقيد عبد الرحمان اليوسفي خلال التناوب شاهدة على ذلك: فقد وجد نفسه في كثير من الأحيان أكثر انشغالا بإدارة انتقادات رفاقه في التوجه اليساري عامة ومزايداتهم من مواجهة القوى المحافظة أو مراكز النفوذ التقليدية. كما استنزف الصراع الداخلي وقتا وجهدا كان من الأولى أن يُستثمر في البناء والإصلاح.
وعلى المستوى الحزبي، يبقى الاتحاد الاشتراكي، رغم ما تعرض له من انشقاقات وصراعات تنظيمية وحملات تشويه، الممثل الأبرز لليسار المؤسساتي. ورغم أن حضوره لم يعد بنفس القوة والفاعلية التي ميّزت مساره التاريخي لكن بالرجوع إلى مساهماته في الحكومة تجد تلك اللمسة اليسارية في القوانين او في نقاشات الفضاء العام وهنا على سبيل المثال لا الحصر قانون الجنسية ومدونة الاسرة.. . أما باقي القوى اليسارية، فغالبا ما اختارت رفع شعارات راديكالية تصل أحيانا إلى العدمية، دون أن تُترجم إلى حضور فعلي في الميدان. بل إن بعض هذه الشعارات، في سعيها إلى دغدغة عواطف الناخبين، انتهت إلى نتائج عكسية، إذ عززت عزلة اليسار وأضعفت قدرته على التأثير.
وهنا يطرح السؤال بعمق: كيف عجزت هذه التيارات عن تحقيق أي اختراق في وقت كانت فيه الدولة أكثر تشددا، وكان المجتمع متعاطفا مع مناضلي هذا اليسار الجذري؟ ولماذا فشلوا حتى حين أتيحت لهم فرص استراتيجية، كما حدث في ملف الوحدة الترابية، حيث تحولت بعض المبادرات إلى ساحات للتنافس الشخصي ومحاولات لتصفية الحسابات بدل أن تكون مجالا لتعزيز الإجماع الوطني؟
إن البلاد اليوم لا تحتمل المزيد من "العيش فوق السحاب". المغرب بحاجة إلى يسار واقعي، يسار يتجاوب مع ثقافة المجتمع وقيمه وخصوصياته. يسار يستوعب طبيعة النظام السياسي ويفهم مقتضيات المرحلة، يسار يعبر ببساطة عن انتظارات المواطن، له حلول لكل مشاكله، حامي لكل مكتسباته، لا يسار يكتفي بترديد شعارات متجاوزة أو الانغلاق في دوائر نظرية. فغياب اليسار الفعّال يفتح المجال أمام قوى أخرى لتحتكر المجال العام ومؤسسات الدولة باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي نفس القيم التي يرفعها اليسار لكنه لا يجسدها في ممارسته اليومية.
إن السؤال الذي يجب أن يطرحه اليسار على نفسه ليس: "هل نحن البديل؟" بل "كيف نصبح البديل؟" والإجابة تبدأ بالتصالح مع الواقع، والتوقف عن جلد الذات في صراعات داخلية، وبناء مشروع سياسي واقعي يزاوج بين العمق الفكري والقدرة على التدبير، لأن التاريخ أثبت أن الشعارات تتبخر، وان الشعوب تلتف حول المشاريع الواضحة والملموسة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.