يبدو أن قرار الحكومة إعادة توجيه سياستها نحو تقليص الاعتماد على هبات الخليج لضمان توازن الميزانية العمومية، يجد له مبررا في الأرقام الأخيرة التي تكشف تراجعا حادا في المساعدات التي وعدت بها دول مجلس التعاون الخليجي منذ سنة 2012. الأرقام التي كشفت عنها وزارة المالية، في تقرير أخير صادر عن مديرية الخزينة، والذي يغطي الفترة الممتدة بين يناير ونهاية غشت الماضي، تكشف أن تلك الهبات، لم تتعد في الثمانية أشهر الأولى من العام الجاري 2.50 مليار درهم، مقابل 2.66 مليار درهم في الفترة نفسها من العام الماضي. ما يعني ربع المبالغ التي توقع مشروع قانون المالية لهذه السنة جنيها خلال 2017، والتي حددت في 8 ملايير درهم. علما أن قانون مالية 2016 توقع الحصول على هبات في حدود 13 مليار درهم، لكن مع نهاية العام لم تتجاوز 7.2 ملايير درهم. وقال محمد بوسعيد، وزير الاقتصاد والمالية، في ندوة حول المالية العمومية الأسبوع الماضي، «إنه لمواجهة تراجع عائدات منح دول الخليج وعائدات خوصصة المؤسسات العمومية، سيكون على مقاولات القطاع الخاص التحلي بمزيد من المواطنة الضريبية. هذه واحدة من وصفات الحكومة لمواجهة عدم توازن الميزانية العمومية وارتفاع الدين العمومي، اللذين سينعكسان عاجلا أم آجلا على جودة البنيات التحتية والخدمات العمومية، وآجال التسديد، ويؤديان في نهاية المطاف إلى الرفع من معدل فرض الضرائب أو إحداث ضرائب ورسوم جديدة». بوسعيد شدد أيضا على أن ميزانية الدولة يجب أن تكون أقل تبعية للعائدات ذات الطبيعة الاستثنائية، كمنح دول الخليج، وإيرادات الخوصصة. مضيفا أن على الدولة أن تقوم بتقييم السياسات العمومية وإدراج المالية العمومية ضمن رؤية بعيدة المدى، بعيدا عن الإكراهات القصيرة الأمد المرتبطة بالظرفية الاقتصادية والمالية. ويعول المغرب على تلك الهبات من أجل تعزيز رصيده من العملة الصعبة، وخفض عجز الحساب الجاري وعجز الميزانية، حيث كان عبد اللطيف الجواهري، والي البنك المركزي، توقع، بدوره، أن تصل تلك الهبات إلى 8 ملايير درهم في العام الحالي. ويرتبط صرف هبات دول مجلس التعاون الخليجي بشرط تقديم مشاريع استثمارية، تتم دراستها وتقييمها من طرف لجان مشتركة، قبل التأشير على تحويل المبالغ المالية لإنجاز المشاريع المتفق عليها. والتزمت كل من السعودية وقطر والكويت والإمارات العربية، قبل خمسة أعوام، بمنح المغرب هبات تصل قيمتها إلى حوالي 5 ملايير دولار. ووعدت تلك الدول بأن تساهم كل واحدة منها على مدى خمسة أعوام بما قيمته 1,25 مليار دولار. كما وضع المغرب حسابا خاصة بتلك الهبات، يطلق عليه «الحساب الخاص بمنح دول مجلس التعاون الخليجي». وتسبب تراجع عائدات النفط في إعادة نظر دول الخليج في عدد من التزاماتها مع عدد من الدول المستفيدة، وهي المغرب والأردن والبحرين، ما دفعها لتقليص مساعداتها المالية وتنفيذ برامج تقشف لملاءمة نفقاتها العامة بالإيرادات الفعلية. إضافة إلى الأزمة الحالية بين دول الخليج بسبب قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، والتي يعتقد أنها أثرت بشكل كبير على احترام الجدول الزمني لتسليم الهبات المقررة.