إعلان نواكشوط.. المغرب وموريتانيا يستعرضان آفاق التعاون الواعدة في مختلف المجالات    زلزال تفوق قوته 5 درجات يضرب هذه الدولة    حريق مهول يلتهم وحدة صناعية للأغطية دون خسائر بشرية    مصرع 6 أشخاص في حادثة سير مروعة بالطريق السيار    زيارة استثنائية وإنسانية للزفزافي تنعش آمال الحل في ملف حراك الريف    في يومها العالمي.. شجرة الأركان تتوّج رمزًا للتراث المغربي والصمود البيئي    الناظور غائبة.. المدن المغربية الكبرى تشارك في منتدى "حوار المدن العربية الأوروبية" بالرياض    البطولة.. الكوكب المراكشي على بعد نقطة من العودة إلى القسم الأول بتعادله مع رجاء بني ملال    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولات الأسبوع على وقع الارتفاع    العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان تستنكر حرمانها من وصل الإيداع القانوني    ترامب يعلن موافقة باكستان والهند على وقف "فوري" لإطلاق النار    وسائل إعلام إسرائيلية: ترامب يستعد للإعلان عن اعتراف رسمي بالدولة الفلسطينية خلال جولته الشرق أوسطية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    سحابة كلور سامة في إسبانيا ترغم 160 ألف شخص على ملازمة منازلهم    إسبانيا تُطلق دراسة جديدة لمشروع النفق مع طنجة بميزانية 1.6 مليون أورو    بعد واقعة انهيار عمارة بفاس..التامني تسائل الداخلية عن نجاعة مشاريع تأهيل المباني الآيلة للسقوط    وساطة أمريكية تنهي التصعيد بين باكستان والهند    مهرجان مغربي في تاراغونا يبرز عمق العلاقات بين المغرب وإسبانيا    أنشيلوتي يفتح الباب أمام شابي ألونسو لخلافته في ريال مدريد: "أثبت أنه من أفضل المدربين في العالم"    الأوروبيون يسعون لهدنة مع موسكو    ديستانكت ومراد يرويان خيبة الحب بثلاث لغات    من الرباط إلى طنجة.. جولة كلاسيكية تحتفي بعبقرية موزارت    مهرجان "كان" يبرز مأساة غزة ويبعث برسائل احتجاجية    تنظيم استثنائي لعيد الأضحى بالمجازر.. هل يتجه الناظور لتطبيق النموذج المعتمد وطنياً؟    وكالة الحوض المائي اللكوس تطلق حملة تحسيسية للتوعية بمخاطر السباحة في حقينات السدود    "كان أقل من 20 سنة".. المنتخب المغربي يواجه سيراليون وعينه على مونديال قطر    نهضة بركان يستعد لنهائي الكونفدرالية وسط ترتيبات مكثفة بملعب بنيامين    طنجة تستقبل العالم وشوارعها ما زالت تبحث عن التهيئة    مهرجان مغربي يضيء سماء طاراغونا بمناسبة مرور 15 سنة على تأسيس قنصلية المملكة    الموت يفجع الفنان المغربي رشيد الوالي    تقارير.. ليفربول وآرسنال يتنافسان على ضم رودريغو    "لجنة طلبة الطب" تتوصل إلى تفاهمات جديدة مع التهراوي وميداوي    القضاء الأمريكي يجمد تسريح موظفين    بالقرعة وطوابير الانتظار.. الجزائريون يتسابقون للحصول على الخراف المستوردة في ظل أزمة اقتصادية خانقة بالبلاد (فيديوهات)    حمد الله يكشف المستور.. رفضت التنازل لبنزيما وهددت بالرحيل    الفيفا يرفع عدد منتخبات كأس العالم للسيدات إلى 48 بدءاً من 2031    المدير العام لمجموعة الوكالة الفرنسية للتنمية في مهمة ميدانية بالصحراء المغربية    بينالي البندقية.. جلالة الملك بوأ الثقافة والفنون المكانة التي تليق بهما في مغرب حديث (مهدي قطبي)    إمبراطور اليابان الفخري يغادر المشفى بعد فحوص ناجحة    النصيري يستعيد بوصلة التسجيل بتوقيع هدف في مرمى باشاك شهير    المغرب يدفع بصغار التجار نحو الرقمنة لتقليص الاقتصاد غير المهيكل    غزة تموت جوعا... كيلو الدقيق ب10 دولارات ولتر الوقود ب27    تطور دينامية سوق الشغل في المغرب .. المكتسبات لا تخفي التفاوتات    إيران وأمريكا تستأنفان المحادثات النووية يوم الأحد    "أسبوع القفطان" يكشف المستجدات    أسود الأطلس... فخر المغرب الذي لم ينقرض بعد    افتتاح فعاليات المعرض الدولي السابع والعشرون للتكنولوجيا المتقدمة في بكين    النظام الجزائري يمنع أساتذة التاريخ من التصريح للإعلام الأجنبي دون إذن مسبق: الخوف من الماضي؟    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ محمد الغزالي ومعركته ضد الاستبداد
بقلم: أحمد بوقجيج

يكتسي الحديث أهمية بالغة، حين يرتبط موضوعه بصناع التاريخ، ومهندسي لحظاته المضيئة، من مفكرين وأئمة ومصلحين، ممن كانت لهم بصمات واضحة على مسيرة الفكر والدعوة والجهاد، فهؤلاء هم البناة الحقيقيون لأمجاد الأمة، وحماة شخصيتها وكرامتها، ولا يمكن لأمة ذاهلة عن تاريخها، أن يكون لها صدى في حاضرها أو مستقبلها، ولا يستقيم سيرها على الطريق السوي في تجاهل سافر لما اختطه هؤلاء المصلحون من معالم، وما سطروه من رؤى وأفكار، شكلت في حينها ثورات على الظلم والاستبداد والقهر والجمود.
والشيخ محمد الغزالي(1917 1996م) من هؤلاء البناة والمصلحين، والأئمة المجددين في هذا العصر، فهو قامة علمية وفكرية من الطراز الأول، "فهو إمام قائد كبير من قادة الفكر والتوجيه، وإمام فذ من أئمة الدعوة والتجديد، ومدرسة متكاملة متميزة من مدارس الدعوة والفكر والإصلاح" .
وحسبي في ذلك شهادة الدكتور محمد عمارة الذي يقول فيها: "لقد أدركت – وأنا الذي سبق ودرست لأكثر من ثلاثين من أعلام الفكر الإسلامي، وكتبت عنهم الكتب والدراسات – أدركت أنني حيال الغزالي، لست بإزاء مجرد داعية متميز، أو عالم من جيل الأساتذة العظام، أو مؤلف غزير الإنتاج، أو مفكر متعدد الاهتمامات، أو واحد من العاملين على تجديد فكر الإسلام؛ لتتجدد به حياة المسلمين، أدركت أنني بإزاء جميع ذلك وأكثر منه"
وقد خاض الشيخ معارك ضارية على جبهات متعددة، تجاه أعداء الإسلام من داخله وخارجه، من ملاحدة ومنصرين وعلمانيين، كما خاضها تجاه ما يسميهم بالأصدقاء الجهلة بالإسلام، الذين يضرون بالإسلام أبلغ الضرر، من حيث يريدون أن ينفعوه، حتى أصبح اسم الشيخ عنوانا بارزا على عصر بكامله، مما حدا بالبعض أن يطلق على ذلك العصر"عصر الشيخ الغزالي" ، فلا تجد قضية من قضايا الأمة إلا والشيخ حامل لوائها، والمتصدر في قائمة المدافعين عنها.
لم يتوقف الشيخ الغزالي عن المواجهة والمنازلة، منذ أن انفتحت عيناه على الدنيا، الاستعمار جاثم على صدر الأمة الإسلامية، والغزو الثقافي آخذ في الامتداد إلى جانب الغزو العسكري، وخصوم الإسلام يمكرون بالليل والنهار، لذلك دخل الشيخ المعركة، وهو لا يزال طالبا على مقاعد الدرس، فقاد أول مظاهرة منددة بالظلم النازل على زملائه في معهد الإسكندرية، ليكون نصيبه الطرد، ثم تلاحقت المواجهات حين تسلم وظيفة الدعوة، ولم يتراجع عن الصدع بما يعتقده، فانبرى لكل القوى المعادية للإسلام في الداخل والخارج، يكشف أستارها، لا يكل ولا يلين، ولا يستسلم ولا يطأطئ، وكأنما هو مقاتل في معركة، "يحمل سيفا لا قلما، لم يفل له حد، طالما أرعب الملاحدة والمنافقين، وحين وافاه الأجل كان في قلب المعركة لم يلق السلاح، ولم يطو الشراع ، بل ظل يصارع الأمواج، ويواجه العواصف التي هبت من يمين وشمال على سفينة الإسلام، تريد أن يبتلعها اليم، وأن تغرقها الرياح الهوج" .
يقول الشيخ الغزالي عن نفسه:" كنت بطبيعة جهادي وكفاحي شخصاً بارزاً، فاشتبكت مع الدولة في مؤتمر وطني في الستينيات، وكان اشتباكاً شديداً، ثم كنت في الجامع الأزهر، والجامع الأزهر الرئة التي تتنفس منها القاهرة، وكنت أتحدث، وكنت بغيضاً إلى الجهة الحاكمة ".
لم تكن جبهات المواجهة جبهة واحدة، ولم يكن خصوم الغزالي لونا واحدا، لذلك تعددت معاركه، وكان الغزالي فارسها، سالكا في ذلك الخطابة والكتابة وإلقاء المحاضرات وحشد الألوف لدعوته، وقيادة المظاهرات، حتى سار بمعاركه الركبان.
ومن المعارك الكبرى الذي انخرط فيها الشيخ مبكرا، معركته ضد الظلم والاستبداد، من خلال كتاباته الأولى، ولم يسبقه إلى ذلك احد، ويعد كتاب " الإسلام والاستبداد السياسي " أول كتاب يحدث ضجيجا وزلزالا في عرش الطغيان- إذا استثنينا كتاب طبائع الاستبداد لعبد الرحمن الكواكبي لاختلاف الظروف والدوافع- ومع تقديرنا لمؤلف طبائع الاستبداد إلا أن الشيخ صرح وواجه وأعلن بصراحة أنه يعادى الاستبداد بشتى صوره وألوانه. سئل يوما عن كتابه هذا فقال: " أشهر كتبي عندما هاجمت فيها الطغيان وفساد الحكم وأسميته " الإسلام والاستبداد السياسي " وكان ذلك في أواخر الأربعينيات وكان هذا اليوم من أهم أيام حياتي واعتبره نقطة انطلاق لي... بمجرد أن نزل الكتاب إلى الأسواق فوجئت بالحكومة كلها تهتز وتصدر قرارا بمصادرة الكتاب. وأحسست أن القصر الملكي اهتز بشدة من هذا الكتاب وقبض علىّ وقدمت للمحاكمة بتهمة مهاجمة الحكومة.. وخرجت من هذه القضية بدون أن يثبت علي شيء" .
حارب الشيخ الاستبداد واعتبره عدو الحرية والدين والعقل والحضارة، "فلا حرية حيث يكون هناك استبداد سياسي، لا دين حيث يكون هناك استبداد سياسي، لا حضارة حيث يكون هناك استبداد سياسي "، بل هو "طاعون يأكل الأخضر واليابس، ويهلك الحرث والنسل" و"الحكم الاستبدادي تهديم للدين وتخريب للدنيا، فهو بلاء يصيب الإيمان والعمران جميعا. وهو دخان مشئوم الظل تختنق الأرواح والأجسام في نطاقه حيث امتد. فلا سوق الفضائل والآداب تنشط، ولا سوق الزراعة والصناعة تروج" .
وفي نفس السياق حارب الشيخ الاستبداد المتلفع باسم الاشتراكية، والدفاع عن الطبقات المسحوقة، في زمن تعالت فيه شعارات حتمية الحل الاشتراكي، وغدا عقيدة للحكم في مصر، فكتب يفضح الظلم، ويكشف سدنته وزبانيته، آتيا على أسسه الفكرية من القواعد، غير هياب لما يمكن أن تحدثه كلماته من رد فعل من قبل الجهاز الحاكم، يقول الشيخ مؤرخا لتلك الفترة العصيبة: «عندما كتبت كتابي «الإسلام في وجه الزحف الأحمر» قلت فيه: لقد شعرت أنني سأتعرض للموت جراء هذا الكتاب، ولكن بئس حياة تبقى ويموت الإسلام، لقد هاجمت الشيوعية مهاجمة مرة، وتكلمت عما فيها من تطبيقات سيئة، فضلاً عن الاستناد الفلسفي الذي ينكر ويحارب الألوهية، ثم كشفت في هول تقاعس أمتنا الإسلامية وسكوتها عن سقوط الجناح الشرقي للعالم الإسلامي كله» .
وفي مقدمه كتاب: «قذائف الحق»كتب الشيخ:"أعداء الإسلام يريدون الانتهاء منه، ويريدون استغلال المصائب التي نزلت بأمته، كي يبنوا أنفسهم علي أنقاضها، يريدون بإيجاز القضاء علي أمة ودين، وقد قررنا نحن أن نبقى، وأن تبقى معنا رسالتنا الخالدة، أو قررنا أن تبقى هذه الرسالة، ولو اقتضى الأمر أن نذهب في سبيلها، لترثها الأجيال اللاحقة!"
ومن ثم شن الشيخ حملة ضارية على الحكم الفردي والوراثي، ولم يستسغ الآراء الفقهية التي ترى أن الشورى غير ملزمة للحاكم، تحت مسميات ظاهرها الدين، وباطنها الاستبداد في أبشع صوره، ولذلك يرى الشيخ أن "الفقه السياسي في أمتنا يجب أن تنحسر عنه ظلال الحجاج، وعبيد الله بن زياد، وبعض ملوك بني العباس، وبعض سلاطين آل عثمان" ، وأن يتوقف متحدثون عن الإسلام، ممن يرددون بإلحاح أن الحاكم لا يلتزم بالشورى، إن هذه "الفهوم قرة عين للجبابرة الذين ساقوا الجماهير بالسياط!! وهو السبب في أن المسلمين منكسرة نفوسهم في أوطانهم، وأن الأحرار منهم يستوردون شارات الكرامة والحقوق الخاصة والعامة من الخارج، لأن الأفاكين لوثوا ينابيع الوحي..!" ، وأن ما أصاب المسلمين من انحطاط وتخلف كان الاستبداد من أهم عوامله، فقد تراجع العطاء الحضاري، وانحسر الإبداع، وتوقف الاجتهاد والتجديد، لأن أجواء الحرية قد اختنقت، ومجالات العمل ضاقت في نطاق يحدده الحاكم، "فتاريخ الاستبداد ناطق بأن السلاطين والأباطرة يضيقون باليقظات العقلية ويتوجسون خيفة من انتشار المعارف، وقد يسمحون بنوع خاص من العلم يعيش في كنفهم وحده، لكن تضييق الخناق على العلم في ناحية يخمد النشاط في نواحيه الأخرى" . ولا تشيع الفهوم المعتلة إلا في ظل الاستبداد، "فهو بيئة خصبة للرياء والملق والعبودية. ووسيلة فذة لتكبير الصغار وتصغير الكبار، وغبط الكفايات ورفع التفاهات..!"
ويعتبر الشيخ فضح الاستبداد، وكشف مرتكزاته من واجبات الدعاة والمفكرين، الذين انكمش بعضهم في زاوية متذرعا بنوع من التعليلات الواهية، يقول الشيخ:" فإنى رأيت من واجبى أن أقض مضاجع البغاة، وأبعث فى وجوههم بصيحة تحذير ترد كيدهم فى نحورهم، وتبصر الضحايا الغافلين بعواقب تراخيهم وكسلهم..
وقد استغرب الشيخ إشاعة بعض الفهوم الغريبة كالجمع بين الاستبداد والعدل في معنى واحد لا يقبله عقل أو دين، لتبرير واقع الاستبداد، "ففكرة المستبد العادل، كانت فلسفة لواقع معين لتبرير وتسويغ الاستبداد السياسي من فقهاء السلطة، وكلمة «مستبد عادل» تساوي «عالم جاهل»، تساوي «تقي فاجر» هذا جمع بين الأضداد .."
هذا النفر من علماء الدين يخدمون الاستبداد من حيث يعلمون أو لا يعلمون، فهم يتعامون عن المظالم السياسية والاقتصادية، ولكنهم "يمكن أن يؤلفوا أسفارا في وصف الخفين اللذين يجوز المسح عليهما، وأخرى في قبول الطلاق البدعي، أما حقوق الإنسان وحرياته، أما حقوق الشعوب في ثرواتها ومنع السطو عليها فهذه قضايا لا يجوز النظر فيها" ، وهذه الأسفار والكتب التي تزحم المكتبات هي خدمة للطغيان، لأن افتعال المعارك حول رؤية الله تعالى مثلا "أحظى لدى الخلفاء غير الراشدين من الخلاف حول أصول الحكم وسياسة الجماهير، وقد انتقل ذلك الخلاف إلى ميدان الفقه، فشغل الشعوب بفروع العبادات، عن سياسة الحكم والمال، وعلاقة الأمة بغيرها، وكيف تقدر على أداء رسالتها العالمية.. واستحياء الخلاف القديم بين السلف والخلف فى عصرنا هذا، ليس إلا مضيا فى تضليل المسلمين عن رسالتهم الكبرى، واستبقاء علل التخلف الخلقى والاجتماعى بينهم..!"
"إن ناسا يصطنعون التدين يشغلون أنفسهم بحكايا من الفقه الظاهرى والخارجى والمعتزلى والسلفى والخلفى تتصل بشئون ما وراء المادة أو بشئون تعبدية خفيفة الوزن.. أما ما يمس الإنسان ومصاير الجماهير ومستوى الحياة العامة ففكرهم فيه طفولى عليل!"
وقد وقف الشيخ في وجه الاستبداد ماضيا وحاضرا، أما تاريخيا فقد دعا إلى تنقية التراث الإسلامي مما علق به من فهوم وانحرافات ألبست لباس الدين، والدين منها براء، فوقف على فترات من تاريخ الإسلام، خاصة بعد الخلافة الراشدة، ليجعل "الاستبداد الفردي أخبث التركات التي آلت للاحقين من السابقين" ، أما حاضرا فقد فضح الاستبداد في مصر والعالم العربي، كما عرى عورات الظلم والإقطاع التي كانت تمارسه السياسة الاستعمارية، وعملاؤها في ما بعد، ويكفي أن نشير إلى أن الشيخ كان سباقا إلى هذا النوع من الكتابات، يقول الشيخ:"إني ألفت كتاباً عن «الإسلام والاستبداد السياسي»، لخصت فيه بعض ما كنت ألقيه على المعتقلين في «طور سينا» والكتاب نابض بكره الفرعنة؛ ومساوئ الحكم الفردي الغشوم، ومفعم بالتوجيهات الإسلامية في سياسة الحكم، وبديهي أن يجعلني هذا الكتاب وما سبقه في القائمة السوداء" .
كانت معارك الشيخ ضد الظلم الاقتصادي ، والظلم الاجتماعي ، استمكالا لسلسلة معاركه ضد الاستبداد، حتى اعتبر الشيخ نصيرا للمرأة، وأحد المدافعين عن مكانتها وحقوقها الضائعة بين التقاليد الجامدة والوافدة، باعتبارها دعامة المجتمع الرئيسة، والمدخل الأهم في الإصلاح والإفساد، وحين طلع كتاب «تحرير المرأة في عصر الرسالة» احتفى به الشيخ، وعده فتحا جديدا في عالم المرأة، يقول الشيخ في مقدمة الكتاب: "وددت لو أن الكتاب ظهر من عدة قرون، وعرض قضية المرأة في المجتمع الإسلامي على هذا النحو الراشد ".
ويكفي أن نعرف أن هذه الكتب ­ خاصة في المجال الاقتصادي ­ تمثل لونا جديدا ومستغربا في ميادين الدين والأدب والسياسة، ويحسب للشيخ أنه هو أول من طرق هذا الميدان.
الهوامش
----------------------------------------------------------------------
الشيخ الغزالي كما عرفته.. رحلة نصف قرن، يوسف القرَضاوي، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1420ه - 2000 م، ص: 295
الشيخ محمد الغزالي، الموقع الفكري والمعارك الفكرية، محمد عمارة، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 1430ه - 2009م، ص: 42
عبد الصبور شاهين مقدما لخطب الغزالي: خطب الشيخ الغزالي في شؤون الدين والحياة،، إعداد: قطب عبد الحميد قطب، دار الاعتصام، 1988م، ج1، ص:3
في وداع الأعلام، يوسف القرضاوي، دار الفكر، بيروت، ط2، 1426ه - 2005م ، ص:65.
حوارات الشيخ الغزالي: السيرة والمسيرة، جمال الدين عطية وآخرون، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، دار السلام، القاهرة، ط1، 1433 ه – 2012م ، ص:30 31
الإسلام والاستبداد السياسي، محمد الغزالي، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، يناير 2005م، ص :7
خطب الشيخ محمد الغزالي، م.س.، ج4، ص:104
الحق المر، محمد الغزالي، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ط4، يناير2005م، ج2، ص: 247
الإسلام والطاقات المعطلة، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ط4، يناير 2005م، ص:40
حوارات الشيخ الغزالي، م.س.، ص29
قذائف الحق، محمد الغزالي، دار القلم، دمشق، ط1، 1411 ه - 1991م ص: 5 – 6.
هموم داعية، محمد الغزالي، نهضة مصر، القاهرة، ط6، يناير2006، ص:112
مستقبل الإسلام خارج أرضه، كيف نفكر فيه ؟ محمد الغزالي، دار الشروق، القاهرة، ط3، 2006م ، ص:32
كيف نفهم الإسلام، محمد الغزالي، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ط3، مارس2005م ، ص:69
الإسلام في وجه الزحف الأحمر، محمد الغزالي، نهضة مصر، القاهرة، يناير 2005م ، ص:124
الإسلام والاستبداد السياسي، م.س.، ص :18
مشكلات في طريق الحياة الإسلامية، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ط7، أكتوبر2005م، ص:127
الغزو الثقافي يمتد في فراغنا، محمد الغزالي، دار الشروق، القاهرة، ط3، 2010م، ص:78 79
المحاور الخمسة للقرآن الكريم، محمد الغزالي، دار الشروق، القاهرة، ط3، 1427ه - 2006م، ، ص:17
الغزو الثقافي يمتد في فراغنا، م.س.، ص:129
الفساد السياسي في المجتمعات العربية والإسلامية، محمد الغزالي، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، يناير 2005م، ص:53
مقتطفات من مذكرات الشيخ: قصة حياة، محمد الغزالي، إسلامية المعرفة، مجلة فكرية فصلية محكمة يصدرها المعهد العالمي للفكر الإسلامي (عدد خاص عن الشيخ محمد الغزالي)، العدد السابع، الثانية، رمضان 1417 ه - 1997م، ص:185
للشيخ كتب في ذلك، منها: «الإسلام والأوضاع الاقتصادية»، «الإسلام والمناهج الاشتراكية»، «الإسلام المفترى عليه بين الشيوعيين والرأسماليين»، و«الإسلام في مواجهة الزحف الأحمر»
من كتبه: «قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة».
تحرير المرأة في عصر الرسالة، عبد الحليم أبو شقة، دار القلم، القاهرة، ط5، 1421ه 1999م، ج1، ص:5


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.