السلفية الجهادية والإنصاف والمصالحة يقول المثل "فاقد الشيء لا يعطيه"؛ لا توجد عبارة أوفر معنى ومدلولا من هذه للجواب على إقدام عبد العالي حامي الدين، القيادي في العدالة والتنمية ورئيس منتدى كرامة لحقوق الإنسان، على محاولة التأسيس لما سماه مصالحة بين الدولة والسلفية الجهادية أو بالأحرى إنصاف معتقلي التيار الجهادي. لا يحق لحامي الدين الإشراف على مبادرة من هذا النوع، حتى وإن كانت مشروعة، لأنه مشتبه فيه في قضية اغتيال الطالب اليساري أيت الجيد محمد بنعيسى. كيف تنصف الجهاديين ودماء أخرى ضاعت بين محاكم متعددة؟ لسنا ضد حل ملف السلفية الجهادية، لكن لدينا أسئلة واستشكالات كثيرة نود طرحها، سواء تعلق الأمر بأطراف القضية أو بالمتدخلين أو من يطرحون أنفسهم وسطاء في الملف. ففي ركوب حامي الدين ملف السلفية الجهادية يتداخل عنصران، ذاتي وموضوعي وكلاهما يخدم الآخر، وبمجرد أن تظهر الشبهات تنتفي صفة الطرف الثالث التي ينبغي أن يتميز بها أي وسيط في الملف. فحامي الدين يجري مسرعا لتبني الملف كي يغطي على الضجة التي أحدثتها مطالبة عائلة أيت الجيد بتقديم قياديين في العدالة والتنمية بمن فيهم حامي الدين للمحاكمة. فقبل أن يطرح حامي الدين نفسه وسيطا في ملف السلفية الجهادية عليه أن يصفي ملفه مع القضاء ويثبت براءته إن كان بريئا، أما واسمه متداول في ملف أيت الجيد فمن الإنصاف إنصاف هذه العائلة أولا. أما موضوعيا فالعدالة والتنمية لا يمكن أن يكون وسيطا في ملف معتقلي السلفية الجهادية، لأنه طرف في القضية كما سنوضح، لكن لابد من وضع محددات ضرورية في الملف. فهناك الدولة التي لم تقل كلمتها في قضية المصالحة. وهناك السلفية الجهادية التي تريد إنهاء الملف بلباس المظلومية. وهناك من يدعمها في مسعاها. لكن هناك الطرف المنسي والذي لا يتحدث عنه أحد. إنهم العائلات وذوي الدم والضحايا وأبناء وأرامل الشهداء. فالدولة قامت بدورها في حماية أمن المواطن، لكن المسؤول عن سجن هؤلاء وعن مدد المحكومية هو القضاء، وهذا الأخير له الكلمة الفصل. غير أنه فيما يخص الدولة ولما نتحدث عن الإنصاف والمصالحة فإننا نتحدث عن مبدإ تم تطبيقه في مرحلة تاريخية معينة. تم تطبيقه فيما يتعلق بسنوات الرصاص. لم تقل الدولة إنها أخطأت في الاعتقال ولكن أخطأت في المسارات القانونية وفي انتفاء شروط المحاكمة العادلة وتحملت مسؤوليتها في ذلك عن طريق جبر الضرر. فهل الموضوع نفسه يتعلق بالسلفية الجهادية؟ لقد قامت الدولة فيما يتعلق بها بإجراءات كثيرة لتصحيح بعض الأخطاء المرتكبة في الملف. وهي أخطاء ناتجة عن الدهشة التي عاشها المغرب الذي لم يألف التفجيرات الإرهابية. وتم تطبيق مسطرة العفو في حق العديد من الحالات. وتم أيضا الاستجابة لمبدإ إعادة المحاكمة. كما تم تخفيف أحكام الكثيرين في الاستئناف. لكن قضية الإنصاف والمصالحة تعني خطأ الدولة في الملف ككتلة مجتمعة وهو ما لم يحصل. أما الطرف المنسي فهم ذوي الدم والحقوق وهم وحدهم من يقرر المسامحة وليس غيرهم. أنصفوا هؤلاء قبل أن تتحدثوا عن المصالحة. وفي الموضوع لفتة غريبة هو الحديث عن المصالحة في إيحاء خبيث إلى المساواة بين الأطراف. بين دولة تحمي المواطنين وبين عائلات مكلومة وبين إرهابيين زعزعوا الاستقرار وأمن المواطن وقال القضاء كلمته في حقهم. لكن العدالة والتنمية لا يلتفت إلى كل ذلك، فكل همه أن يستفيد من السلفية والسلفية الجهادية المسماة ثائبة. فالسلفيون حتى لو أسسوا حزبا وأحزابا لن يكونوا منافسا له بل سيمنحونه السند ويسلمون له الأمر كما هو حاصل في دول الخريف العربي.