أزمة حكومية وليست سياسية بعد أسبوعين من قرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال الخروج من الأغلبية الحكومية، وبنكيران، ومعه جماعته، يحاول تصوير الأمر على أنه أزمة سياسية تعيشها البلاد وليست أزمة حكومية كما هو الظاهر، وذلك من خلال الخروج عن سياق التوتر الذي يعيشه التحالف الحكومي ومحاولة إلصاق فشل التدبير والتسيير بجهات غامضة، وكأن شباط لم يعلن انسحابه من التحالف الحكومي وكأن حزب الاستقلال ليس حزبا عريقا له قواعد وأدوات للاشتغال وهيئات مقررة. وواقع الحال يقول إن الأزمة التي يعيشها المغرب اليوم ليست أزمة سياسية وإنما أزمة حكومية، فالأزمة السياسية يمكن الحديث عنها لما يتعلق الأمر ب"بلوكاج" في المؤسسات، وهي الآن تعيش وضعها الطبيعي، أما غير الطبيعي هو أن الحكومة تعيش أزمة أفكار وليس أزمة أدوات، فموضوع رهن إشارتها كافة أدوات الدولة ومؤسساتها ولها ضمانات وقواعد دستورية قوية، وبالتالي فإن فشلها هو ناتج عن غياب الفكرة والتخطيط والتأزم الذي تعيشه مكوناتها، فلا مجال إذن للحديث عن أزمة سياسية وإنما الأجدى والأجدر الحديث عن أزمة في الحكومة. لا يمكن الحديث عن أزمة سياسية، والملك باعتباره ضامن السير الطبيعي للمؤسسات السياسية موجود خارج البلاد، والمؤسسات تسير بشكل طبيعي، والسير العام للبلاد لم يطرأ عليه أي تغيير مفاجئ، في حين توجد الحكومة خارج السياق الطبيعي لسير المؤسسات التدبيرية. فمشكلة الحكومة اليوم يتحملها بنكيران أولا وأخيرا، لأن الأزمة الحكومية تهم تدبير بنكيران لموارده البشرية، أي التعامل مع مرؤوسيه من وزراء وغيرهم، ومن علامات أن الأزمة حكومية وليست سياسية، أن الاتصال الذي تم بشباط من قبل الديوان الملكي طلب شرح أسباب الانسحاب والمآخذ التي سجلها حزب الاستقلال على طريقة بنكيران في التعامل مع الأغلبية. فالموضوع الذي يريد بنكيران تصويره على أنه أزمة سياسية ليس كذلك. فالواقع أن بنكيران فشل في تسيير الحكومة، وأن هناك حزبا سياسيا هو الثاني في الأغلبية يطالب بإعادة توزيع الأوراق والأدوار داخل العمل الحكومي. هناك رئيس حكومة يرفض الجلوس إلى طاولة الحوار بدعوى أنه منتخب وأن لديه دعما ملكيا، وهناك أمين عام حزب سياسي يرى أن تدبير العديد من القطاعات برأسين يعرقل عمل بعض الوزارات. الخلاصة أن الأزمة حكومية بالدرجة الأولى ويجب حلها في إطار الحكومة وفق القواعد الدستورية لا خارجها. بمعنى أن شباط إذا رأى أن بنكيران يتعامل مع الوزراء وأحزاب الأغلبية كمرشد عام والباقي كمريدين فما عليه سوى الإسراع بتقديم استقالة وزرائه. وهم عمليا في عداد المستقيلين. فالأزمة الحكومية كشفت أن بنكيران يتقن الخطاب الشعبوي، الذي يفيد في الانتخابات لكن لا يفيد في حل الأزمات، فالتدبير السياسي للحكم لا ينبني على لغة الشارع والخطابات المطولة الشبيهة بخطابات كاسترو، ولكن تتأسس على خلق جو من الانسجام وسط الحكومة والسهر على الاستراتيجيات بدل اللغط اليومي. فالقضية اليوم لم تعد سوى إجرائية. فسواء تقدم وزراء حزب الاستقلال باستقالتهم أم لم يفعلوا فإن حكومة بنكيران لا يمكن أن تعيش دون أغلبية وقد فقدتها بعد قرار المجلس الوطني للحزب المذكور.