محكمة ألمانية تلغي غرامة رادار من نوعية اقتناها المغرب.. وجدل محلي حول نجاعته    أنغولا تنتصر على زامبيا في "الشان"    حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني بالدار البيضاء    بينهم قاصرون.. عشرات المواطنين يقفزون في البحر للعبور إلى سبتة والترحيل لمدن أخرى يطال الموقوفين    زلزال بقوة 6.19 درجة يضرب تركيا    رسمياً وابتداء من نونبر.. إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تعطي الضوء الأخضر لقطرة VIZZ لعلاج ضعف النظر    صرخة العرائش:قراءة في بلاغ الجسد المديني ومقاومة المعنى !    بعد مشاركتها في مهرجان المضيف .. دعاء يحياوي تحيي حفلها الأول بمهرجان صيف العرائش    عامل إقليم شفشاون يستقبل "مغاربة المهجر" ويشدد على تبسيط المساطر وتحفيز الاستثمار    مسؤول أممي يحذر من الخطة الإسرائيلية بشأن غزة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    أشرف حكيمي: "إنه حلم أن ألعب مع المغرب خلال كأس إفريقيا للأمم"    أشرف حكيمي: اتهامي بالاغتصاب ظالم    تشكيلة المنتخب المحلي أمام كينيا    باحثون مغاربة يرسمون "خرائط التربة الخصبة" من أجل دعم الفلاحين في إدارة التسميد        "البوليساريو" تتدثر بثوب الضحية لمواجهة المواقف الدولية في الصحراء المغربية    مغاربة يحتجون على رسو سفينة بطنجة    رحيل الشيخ جمال .. نور يتجدد وروح لا تموت    شروط قبول المنقطعين بالتعليم العتيق    هل يختفي "البيتكوين"؟ .. "الذهب الرقمي" يواجه امتحان البقاء الأخير    التقلبات ترفع الذهب في المغرب ب"زيادة طفيفة".. وضُعف الطلب مستمر    انطلاق مهرجان "صيف العرائش 2025″+ فيديو        بعثة تجارية بلغارية تستعد لزيارة المغرب    مجلة الشرطة .. ملف خاص حول الدورة السادسة لأيام الأبواب المفتوحة للأمن الوطني    وقفة احتجاجية بألميريا للمطالبة بكشف مصير المختفي مروان المقدم    إذا حضر الاحتراف، يغيب الاختلاف أو التنازع: من يحمي الدستورانية في المغرب؟        يوليوز 2025 هو الأقل حرارة في 6 سنوات في المغرب.. لكنه "مخادع" مناخيا    خط بحري جديد لنقل الفواكه والخضروات المغربية نحو أوروبا    حادث شغل يودي بحياة عاملة زراعية مغربية في إسبانيا    لماذا غابت القوى اليسارية والعلمانية عن مشهد تحرير سوريا؟    مداخل المرجعية الأمازيغية لبناء مغرب جديد    قادة أوروبا يؤكدون دعم أوكرانيا ويواصلون الضغط على روسيا    ميسي يواصل الغياب عن إنتر ميامي بسبب إصابة عضلية طفيفة    تشاد.. 20 عاما سجنًا لرئيس الوزراء السابق    بعد انهيار قاتل.. منجم نحاس في تشيلي يستأنف العمل    دراسة: الفستق مفيد لصحة الأمعاء ومستويات السكر في الدم    ارتفاع ودائع الجالية في البنوك المغربية إلى 213,2 مليار درهم    4 قتلى في محاولة اقتحام مركز شرطة بإيران    أشبال الأطلس يختبرون جاهزيتهم أمام مصر قبل مونديال الشيلي    استشهاد 37 فلسطينيا بنيران الجيش الإسرائيلي في غزة معظمهم من منتظري المساعدات    دراسة تحذر.. البريغابالين قد يضاعف خطر فشل القلب لدى كبار السن    ماذا نعرف عن فيروس "شيكونغونيا" الذي أعاد شبح "كورونا" إلى العالم؟    ليفاندوفسكي ولامين جمال يتبادلان اللكمات في تدريب طريف (فيديو)    إطلاق "GPT-5" يكشف فجوة بين طموحات "OpenAI" وتجربة المستخدمين    سقوط شاب من قنطرة وسط طنجة أثناء تصوير فيديو على "تيك توك" (صور)    "زومبي" الرعب وموت أخلاق الحرب    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    "رابأفريكا" ينطلق بحضور جماهيري لافت    وفاة محمد المنيع عمدة الفنانين الخليجيين    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين        الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بيان جماعة أرسلان: محاولة للفهم
نشر في الرهان يوم 30 - 12 - 2011

عبد العالي اجليليخلف قرار الجماعة الذي سطرته في بيانها بالإحجام عن الخروج مع حركة 20 فبراير والانسحاب منها ،العديد من التساؤلات حول سبب هذا القرار الذي فاجئ البعض مثلما لم يفاجئ الكثيرين ممن يعرفون عن قرب حركة 20 فبراير ودواخلها،ولعل مايمكن لمسه هو نسبة الغموض التي لم يفلح لا بيان الانسحاب ولا تصريحات قياديي الجماعة بعد هذا القرار من إزالته ،خصوصا من حيث توقيته ومبرراته .
وبالرجوع إلى سياق وظروف هذا القرار،بطبيعة الحال من منظور تحليلي وليس عن دراية بدواخل الجماعة التي لايعلمها إلا منتسبوها أو لنقل بعضهم على وجه الدقة،فإنه يمكن إبداء بعض الملاحظات الأولية التي قد تفيد في منح القارئ بعض الوضوح ،في انتظار ماستكشف عنه الأيام والأسابيع القادمة من معطيات أو خطوات من قبل الجماعة :
الملاحظة الأولى : قرار الجماعة بالانسحاب من حركة 20 فبراير هو قرار سياسي محض ،وبالتالي فإن مايسمى بالدائرة السياسية للجماعة هي من اتخذته ،وهذا تحول نوعي داخل الجماعة أصبحت معالمه منذ مدة تتوضح وتتعاظم داخلها ،وأصبح دور هذه الدائرة يتقوى بشكل أكبر على حساب مايسمى مجلس الإرشاد بل وعلى حساب المرشد الأعلى ذاته عبد السلام ياسين، الذي لم يعد وضعه الصحي المتدهور يسمح له بلعب الدور الذي كان يلعبه من قبل، كما لم تنجح ابنته نادية في فرض نفسها كلاعب بديل .
والمعروف أن هذه الدائرة السياسية تخضع بشكل شبه مطلق لسيطرة فتح الله أرسلان وتياره لدرجة يصح إلى حد كبير القول بأنها أصبحت جماعة أرسلان وليس جماعة ياسين كماهو متعارف إعلاميا. وأرسلان معروف بطبيعته الصارمة وغير المرنة وبمواقفه المتصلبة خصوصا اتجاه باقي الأطراف السياسية،كما أنه أصبح بمثابة الطاحونة التنظيمية داخل الجماعة والساهر على الشؤون التنظيمية الداخلية ومحركها،مايعني أن قرار الجماعة في جزء منه مرتبط بوضعها التنظيمي الداخلي وشروطه،لأن طبيعتها التنظيمية المبنية عن الانغلاق والانضباط التامين كانت ستصبح شبه مهددة إذا ما استمرت داخل الحركة نظرا لعاملين أساسيين :
العامل الأول يتمثل في كون الجماعة ،وبعد الركود والسكون الذي عاشته لسنين طويلة ،خصوصا بعد الضربة التي تلقتها إثر مسألة القومة الشهيرة في 2006 ،ربما لم تكن مهيأة كما يجب لدينامية شباب 20 فبراير ووثيرة احتجاجاتهم الأسبوعية واجتماعاتهم اليومية(دون احتساب الاجتماعات الفايسبوكية التي تكاد تكون مستمرة 24 ساعة على 24ساعة وطيلة أيام الأسبوع)،كما أن الكلفة المادية لنقل أعضاءها ومناصريها كل أسبوع لمركز الجهة سواء في الرباط أو الدارالبيضاء أو طنجة من أجل إظهار قوتها وحفظ هيبتها أصبحت جد مرتفعة ومنهكة لدرجة استنزفت ميزانية الجماعة التي تعتمد أساسا على تبرعات أعضاءها،خصوصا مع منطق النضال الطويل الأمد من أجل التغيير الذي خطته الحركة لنفسها.
أما العامل الثاني فيرجع إلى طبيعة تكوين الجماعة وآلية الإقناع من أجل الاستقطاب المبنية أساسا على منطق صدامي مع اليسار،لأن الجماعة منذ تأسيسها كانت تعتمد في استقطاب أعضاءها، إضافة إلى المكون الديني والعمل الخيري،على أطروحة مواجهة اليسار الكافر والملحد ،وكانت هذه الأطروحة المركزية صمام أمان وضمانة للتماسك الداخلي اتجاه العدو المعلن ،ومن شأن استمرار الجماعة داخل الحركة والعمل مع مكونات يسارية أن يصيب أعضاء الجماعة ب"فيروس" الديمقراطية والتعدد والقبول بالاختلاف الذي ليس من أدبياتها ولا من أدبيات المنتسبين لها ، وهو الأمر الذي قد يكون له انعكاس على وضعها الداخلي المتسم بالانضباط التام لرأي القيادة دونما مناقشة أو جدل (علاقة الشيخ والمريد)، وبالتالي فإن استمرارها داخل الحركة من شأنه أن يطلق نزعات تمردية داخلية لاتتحملها الجماعة ولاتقبلها كما لايمكن أن تسمح بها، ولعل العلاقة التي امتدت بين أعضاءها وشباب الحركة طيلة هذه المدة تثبت التحول الذي وقع عند بعضهم بفضل احتكاكهم بشباب الحركة المتحرر والقادر على قتل فكرة السيطرة والاستبداد على العقل أي كان مصدره.
وبالتالي فأن النقطة التي جاءت في بيان انسحاب الجماعة ،والتي هاجمت فيها أطرافا من داخل الحركة واتهمتهم بمحاولة فرض إديولوجيتهم على الحركة ،مخطأ من يعتقد بأنها موجهة لهؤلاء الأطراف فقط بقدر ماهي موجهة وبشكل أكبر لمناصريها من أجل الرجوع للعب على وثر العداء التاريخي مع اليسار والذي أثبت نجاحه في عملية الاستقطاب وكذا في الحفاظ على لحمتها الداخلية طيلة وجودها في الساحة.
الملاحظة الثانية :انسحاب الجماعة والمبرر الذي قدمته بدعوى محاولة فرض بعض الأطراف إديولوجيتهم عليها، يسقط مقولة قديمة للسطة ولصحفها مفادها أن الجماعة تسيطر على الحركة،مع العلم أن هذا الإشهار المجاني الذي كانت تقدمه هذه الصحف للجماعة ،كان مكسبه السياسي جد ثمين لأنه نجح في تخويف الشارع من الحركة ومن طبيعة مشروعها بحكم التخوف الشعبي الموجود أصلا من طبيعة مشروع الجماعة المناقض للنظام الحالي بكل مؤسساته وعلى رأسها الملكية(على مستوى خطابها المعلن على الأقل). كما أنه لاينفي من جهة أخرى الوهم الذي ربما تسرب إلى الجماعة وتقديرها بأن حركة 20 فبراير قد تمثل بؤرة ثورية محتملة على الجماعة اقتحامها ومحاولة السيطرة عليها حتى تسرع من عملية إسقاط النظام كما وقع في البلدان المجاورة وبناء خلافتها المنشودة، إلا أن الجماعة ووجهت بواقع الحركة الذي تعرفت عليه من الداخل وفي جموعها العامة ،والذي لم يكن ليسمح بسيطرة أي طرف على الحركة وقراراتها مهما كانت قوته التنظيمية والعددية ،والذي ساهم فيه بشكل كبير نضج شباب الحركة خصوصا منهم المستقلين،واستمرت علاقات الشد والجذب الداخلي بين أعضاء الجماعة والذين نشجوا تحالفا غير معلن مع أحد المكونات اليسارية من جهة، وبين باقي شباب الحركة من جهة أخرى والذين ساعدهم الإقبال الإعلامي الدولي والوطني عليهم وماوفره من قوة لهم، مما صعب على الجماعة مهمة مجابهتم وتهميشهم رغم محاولتها خلق إعلامها البديل والذي لم يجد التجاوب الذي كانت تتمناه.
ويمكن أن نسوق في هذا السياق ثلاثة أمثلة فقط تؤكد واقع التجاذب هذا، كما تؤكد تفوق شباب الحركة على النزعات الهيمنية للجماعة : المثال الأول هو ماعاناه أعضاء الجماعة داخل الجموعات العامة للحركة على طول التراب الوطني بعد كل مسيرة حاولت فيها الجماعة فرض سياسة الأمر الواقع على الشباب واستغلال المسيرات لاستعراض عضلاتها وإقصاء شباب الحركة من الشعارات والتنظيم ،حيث كان شباب الجماعة يجدون أنفسهم معزولين خلال تلك الجموع العامة في حين يجمع الشباب على استنكار تلك السلوكات واعتبارها تتناقض مع طبيعة الحركة وأهدافها ،مما كان يضطر أعضاء الجماعة إما للاعتذار، أو التبرؤ من تلك السلوكات واعتبارها شخصية لاعلاقة لها بالجماعة، أو التعهد بعدم تكرارها، وفي جميع الحالات كان ذلك يعتبر انتصارا لشباب الحركة الحريصين على استقلاليتها .
المثال الثاني هو عدم قدرة الجماعة على توجيه الحركة للخروج يوم الجمعة ،بالنظر لأن الجماعة ستكون المستفيد الأول من هذه الخطوة بماتتيحه لها من إمكانية استغلال المساجد في التعبئة للمسيرات وكذلك بالنظر لأن القاعدة الكبرى للجماعة ومناصريها هم تجار يعتبرون يوم الجمعة هو عطلتهم الأسبوعية، ومن غير الخفي أنه كانت هناك محاولات لذلك لكنها فشلت (قمع المسيرة التي كانوا ينوون إخراجها من أحد المساجد بمدينة تمارة قرب الرباط في أحد أيام الجمعة ،وكذلك محاولة جعل يوم 20 ماي والذي صادف أنه يوم جمعة ، كيوم وطني للاحتجاج والذي اقترحه أعضاء الجماعة بل وأنشؤا له صفحة خاصة قبل أن يتم إغلاقها بسبب عدم تجاوب شباب الحركة ).
المثال الثالث هو عدم قدرة الجماعة على التحكم في قرار الحركة ومنعها من التظاهر في ليلة القدر برمضان، بمبرر خصوصية هذا اليوم لدى المغاربة وعدم إمكانية تواجد أعضاء الجماعة بسبب اعتكافهم ،فخرجت الحركة في أغلب المدن المغربية إما بشكل وقفات أو أشكال إبداعية أخرى كتوزيع الثمور على المواطنين.
كلها أمثلة،وغيرها كثير، تثبت بأن مقولة سيطرة الجماعة على حركة 20 فبراير(كأسطوانة إعلامية مشروخة) ،وإن كانت لاتنفي هذا المسعى لدى الجماعة فإنها تؤكد نضج شباب الحركة وحرصهم على استقلاليتها والأهم من ذلك نجاحهم في الأمر.
الملاحظة الثالثة: لماذا الإصرار على أن يكون الانسحاب بواسطة بيان في حين أنه كان انسحابا فعليا منذ ثلاث مسيرات قبل البيان ،وهل الجماعة عضو في الحركة حتى تنسحب منها؟ فالمعروف أن الانتماء للحركة ليس انتماءا تنظيميا بقدر ماهو شخصي مرتبط بالأفراد،مايعني بأن جميع نشطاء الحركة هم بالضرورة مستقلين من حيث المبدأ،فالحركة ليس لها هياكل تنظيمية ولايمثل الأفراد فيها على أساس انتماءاتهم السياسية أوغيرها، وهومايؤكد أن الجماعة كان لديها خلل في فهم طبيعة الحركة من الأصل،لأن أي تنظيم ومهما بلغت قوته لايمكنه السيطرة على قرارات الحركة التي تخرج من جموعاتها العامة بشكل توافقي وليس على أساس عددي مرهون بمنطق الأغلبية ،فإذا كانت الجماعة قد استطاعت السيطرة على هياكل منظمة جماهيرية مثل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب فإن التجربة من المستحيل إعادة تكرارها داخل الحركة بالنظر لطبيعة هذه الأخيرة.
لذلك فإصدار الجماعة لبيان تعلن من خلاله انسحابها من الحركة يعتبر غير ذي معنى ،فقد كان حريا بها إعلان هذا الانسحاب من مجلس الدعم الوطني الذي هي ممثلة في لجنة المتابعة الخاصة به،والمرتبطة من خلاله مع باقي التنظيمات الداعمة بالتزامات معينة،وبالتالي سنفهم أن الإصرار على إعلان الانسحاب بواسطة بيان خاص هو نتاج لرغبة الجماعة في تسجيل موقف محدد وحاسم يوصل رسالتين ،الأولى موجهة لأعضاءها داخل الحركة الذين بفعل احتكاكهم مع شباب الحركة ،كما أشرنا أعلاه،والذين من المحتمل أن يفضلوا الاستمرار داخل الحركة رغما عن توجيهات جماعتهم ،لأنهم قد يكونوا اقتنعوا بأهداف الحركة وطبيعة مشروعها وصدقية نضالية نشطاءها وتصححت لديهم نظرتهم لمناضلي باقي الأطراف الأخرى،وبالتالي فالجماعة عن طريق هذا البيان تعلن تبرؤها من هؤلاء الأعضاء والمتعاطفين الذين فضلوا الاستمرار داخل الحركة .
أما الثانية فهي بمثابة تبرؤ من التبعات السياسية للحركة في المستقبل ،فإن نجحت الحركة في تحقيق جزء كبير من مطالبها ستحاول الجماعة الاستفادة من نتائجه على اعتبار أنها كانت من المساهمين فيها ،أما إن فشلت فستكون الجماعة معفية من أداء ضريبة هذا الفشل لأنها انسحبت من الحركة ، وهي عملية حسابية محكومة بمنطق براغماتي محض ،سيهز الكثير من مصداقية الجماعة لدى أنصارها ،والذين اقتنعوا بسذاجة بخطاب الجماعة المعلن عن الاستمرار في النضال والوفاء للشهداء ليكتشفوا أنها مجرد شعارات للاستهلاك والتجييش في حين أنها لاتختلف عن أي فاعل سياسي آخر قد يرهن مصلحة الوطن ومستقبله بمصالحه الشخصية والتنظيمية الضيقة ،فالجماعة بهذا المنطق قد تفضل وطنا مخربا وغير ديمقراطي وموغل في الفقر والتخلف تحث حكمها وسيطرتها وهي اللاعب الوحيد فيه، على نظام ديمقراطي مثالي لها فيه دور هامشي ،وهذه معضلة مشروعها الذي يحتاج للنظر فيه بتمعن وبعين النقد ،ولعل المكسب الأساسي الذي يحسب لحركة 20 فبراير في علاقتها مع الجماعة هو أنها أدخلت بعض العقل النقدي لأتباعها والذي سننتظر نتائجه وانعكاساته على الجماعة في المستقبل.
الملاحظة الرابعة: التبرير الذي قدمته الجماعة لانسحابها بدعوى رغبة بعض الأطراف في وضع سقف معين للحركة، والمقصود به القوى الداعمة التي تنادي بمطلب الملكية البرلمانية ،هو تبرير يؤكد الخلط الواضح ،وربما المقصود،الذي لدى الجماعة بين الحركة والقوى الداعمة لها.
فما يحكم حركة 20 فبراير هو أرضيتها التأسيسية المتوافق حولها يوم 14 فبراير الماضي،(لاحظ أن الجميع برغبة وحدوية تجاوز إثارة الأرضية التأسيسية الفعلية،والتي تطالب بملكية برلمانية ، وأصبحوا فقط يتحدثون عن الأرضية التأسيسية المتوافق حولها)، والتي ساهم بعض أعضاء الجماعة في النقاشات حولها ولو بشكل غير مباشر ،حتى تخرج في صيغتها النهائية التي قدمت خلال الندوة الصحفية ،وهي الصيغة التي ضمت مطلب الدستور الديمقراطي ،وهذه الأرضية التأسيسية التي خرجت الجماعة على أساسها ودافعت عنها طيلة مدة عشرة أشهر هي نفسها مازالت موجودة ومؤطرة للحركة ،وبالتالي إذا كان سقف الدستور الديمقراطي لايلائم الجماعة فالسؤال هو لماذا خرجت طيلة هذه المدة وشبابها يرفعون شعار "الجماهير تقول ...تغيير الدستور".
نفهم إذن بأن المشكل ليس مع سقف الحركة المتوافق حوله بالذات ،هذا إذا اقتنعنا بالمبرر أصلا،بل مشكل الجماعة حسب منطوق البيان هو مع بعض الهيآت الداعمة للحركة المنادية بالملكية البرلمانية ، وهنا لابد من التأكيد على أن التوافق الذي تم على مطلب الدستور الديمقراطي كان على أساس أن يجد الجميع ذاته داخل الحركة ،مع فتح المجال للجميع لتأويل هذا الدستور الديمقراطي بماينسجم مع قناعاته السياسية والمشروع المجتمعي الذي يطمح إليه في المغرب،على اعتبار أنها صيغة رحبة ومفتوحة تضمن وحدة الحركة وانخراط كافة مكونات المجتمع المغربي فيها ،على أساس أن هذا التأويل يبقى من حق الجميع، أي كما أنه من حق الجماعة التي تؤمن بمشروع معين تأويل هذا الدستور وفق منظورها(حتى لو اعتبرته هو القرآن)،فإن من حق باقي الأطراف تأويله وإعطاءه المضمون المقتنعة به ،وبالتالي فتصريح بعض القوى الداعمة بأن طبيعة الدستور الديمقراطي الذي تنشده هو ذلك الذي سيحقق الملكية البرلمانية الحقيقة التي تضمن فصلا حقيقيا وواضحا للسلط وفي ظل نظام يحفظ لكل مؤسسة موقعها وحدودها ،لايتناقض بتاتا مع هذا الالتزام الأولي المشار إليه،لأنه صراع مشاريع ومن حق كل الطرف الدفاع عن مشروعه والحكم في النهاية سيكون للشعب .
وكما أن لاأحد من القوى الداعمة اشترط على الجماعة القبول بأي سقف ،بمافيه الملكية البرلمانية ،للبقاء داخل الحركة ،في المقابل ليس من حق الجماعة أن تصادر حق هاته القوى الداعمة في توضيح رأيها للمغاربة بخصوص الدستور الديمقراطي الذي تدافع عنه الحركة وتدافع عنه هذه القوى بجانبها.
خلاصة القول أن الجماعة أخطأت مرتين ،الأولى عندما أساءت تقدير طبيعة الحركة وأهدافها وراهنت على السياق الإقليمي من أجل توجيهها و تمرير مشروعها ،وهو الرهان الذي كان مآله الفشل ،أما الثانية فعندما أعلنت انسحابها من حركة كانت قد أعادت الحياة في جسم الجماعة شبه الميت إكلينيكيا ،وقدرت بأن هذا الانسحاب سيضعف الحركة أو يقتلها وهذا سوء تقدير آخر لأن طبيعة الحركة بماهي دينامية اجتماعية ستظل وتستمر مادامت أسباب ولادتها موجودة ،قد تخفت أحيانا كما ستكون في صعود مستمر في أحايين كثيرة حسب الظروف والسياق الذي تناضل فيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.