إقبال كبير من الجالية والنساء.. هذا عدد المغاربة المستفيدين من دعم السكن وتمكنوا من اقتناء سكنهم    حزب الله يشن أعمق هجوم في إسرائيل منذ 7 أكتوبر.. والاحتلال يستعد لاجتياح رفح    أبو عبيدة: العدو عالق في رمال غزة.. وهجوم إيران أربك حسابات الاحتلال    محلل رياضي مشهور: أمرابط بمانشستر ليس اللاعب المتألق الذي رأيناه مع المنتخب المغربي في قطر    طقس الأربعاء.. أمطار ورياح مع تناثر غبار بهذه المناطق    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    رد قوي من طرابلس على التكتل مجهول الهوية لي بغات تخلقو الجزائر.. ليبيا شكرات سيدنا على دعمه الثابت لقضيتها وأكدات أهمية تعزيز اتحاد المغرب العربي    "الأحرار" يحسم الاقتراع الجزئي بفاس    رحيمي والعين قصاو بونو والهلال وتأهلو لفينال شومبيونزليگ    موقف بركان قوي واتحاد العاصمة ضعيف وها الأحكام اللي يقدر يصدرها الكاف فقضية الغاء الماتش بسبب حماق الكابرانات    سيراليون دعمات الوحدة الترابية للمملكة.. هو الحل الوحيد لي عندو مصداقية    تلاميذ متميزون يستكشفون آفاق الدراسة في كلية العلوم والتقنيات بالحسيمة    الحوار الاجتماعي.. الحكومة والنقابات داخلين فمفاوضات مكثفة على قبل الحق في الإضراب وحرية العمل    لومبارت كوساك : الفلاحة .. العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي "غنية جدا"    المنتخب الجزائري لكرة اليد شبان ينسحب من مواجهة المغرب بسبب خريطة المملكة    بطولة إيطاليا لكرة القدم.. تأجيل احتفالات فريق إنتر باللقب ومباراته ضد تورينو إلى الأحد المقبل    إليك أبرز أمراض فصل الربيع وكيفية الوقاية منها    وزير فلسطيني: المغرب الأكثر اهتماما وعناية بشؤون القدس    ميارة يستقبل فيرا كوفاروفا نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    الأمثال العامية بتطوان... (580)    يهم البذور والأغنام والحليب.. المغرب وفرنسا يعززان تعاونهما الفلاحي    الأديب عبد الرفيع جواهري ضيفا على برنامج "مدارات"    وزير الخارجية الإسباني يؤكد افتتاح الجمارك بباب سبتة    تفتيش شابة على متن حافلة ببني ملال يسفر عن مفاجأة    تداولات البورصة تغلق على "أداء سلبي"    فرنسا معولة على مخابرات المغرب فتأمين أولمبياد باريس وها شنو گال جيرالد دارمانان    عاجل. حكم قاصح بزاف. الاستيناف طلع العقوبة الحبسية للطاوجني ل4 سنين بسباب شكاية دارها بيه وزير العدل    وهبي لوزيرة العدل ديال الساو تومي فاجتماع دولي: تكلمي السيدة الوزيرة أنت كإمراة عندك الحق تتكلمي عشرين مرة    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    وزارة إسبانية: "سيام" من أكثر المعارض الفلاحية الواعرة فشمال إفريقيا    آيت طالب: أمراض القلب والسكري والسرطان والجهاز التنفسي مزال كتشكل خطر فالمغرب..85 في المائة من الوفيات بسبابها    ضمن جولة إقليمية.. حموشي يقود وفدا أمنيا مغربيا إلى الدوحة ويتباحث مع مدير "أمن الدولة"    جائزتها 25 مليون.. "ديزي دروس" و"طوطو" يترأسان لجنة تحكيم مسابقة في فن "الراب"    الأمم المتحدة تطالب بتحقيق دولي في المقابر الجماعية في مستشفيات غزة    مديرية الضرائب تعلن عن آخر أجل لإيداع الدخول المهنية    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    خارطة طريق فلاحية جديدة بين المغرب وفرنسا    الأقمصة الرياضية التي أرعبت السلطات الجزائرية!    وزير الزراعة والأمن الغذائي بنيجيريا: "نرغب في تعميق علاقات التعاون مع المغرب في المجال الفلاحي"    أمل تيزنيت يستنكر الأخطاء التحكيمية التي ارتكبت في مباراته أمام جمعية المنصورية    بعد أزمة نهضة بركان.. الاتحاد الدولي للمصارعة يعتمد خريطة المملكة في أقمصة المنتخب    بكين تنفي "كل المزاعم بتجسس صيني"    أكادير.. الدورة الأولى لمهرجان "سوس كاسترو" الدولي لفنون الطهي ونجوم المطبخ من 25 إلى 28 أبريل الجاري    الذهب ينخفض لأدنى مستوى في أكثر من أسبوعين مع انحسار مخاوف الشرق الأوسط    بنموسى: الأزمة التي عاشتها المنظومة التعليمية شكّلت لنا فرصة للإصلاح    وزارة التربية الوطنية تشرع في عقد المجالس التأديبية للأساتذة الموقوفين وسط رفض نقابي لأي عقوبة في حقهم    حرائق الغابات تجتاح عددا من مقاطعات كندا    العلاج بالحميات الغذائية الوسيلة الفعالة للشفاء من القولون العصبي    هذه هي الرياضات المناسبة إذا كنت تعاني من آلام الظهر    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و183 شهيدا منذ بدء الحرب    فرنسي يبصق على مؤثرة مغربية محجبة قرب برج إيفل (فيديو)        سعد لمجرد يكشف تفاصيل لقائه بجورج وسوف    الأمثال العامية بتطوان... (579)    وفاة الشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني عن 82 عاما    كيف أشرح اللاهوت لابني ؟    الأسبوع الوطني للتلقيح من 22 إلى 26 أبريل الجاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العداء للمهاجرين في أوروبا...الخبز اليومي لليمين المتطرف
نشر في الرهان يوم 26 - 11 - 2010

بينت دراسة حديثة أن أوروبا في حاجة ماسة إلى مهاجرين، وهذا ما أكدته لجنة حكماء الإتحاد الأوروبي في تقرير لها تجاهلته وسائل الإعلام والأحزاب التقليدية الأوروبية على السواء، في جو اقتصادي واجتماعي صعب يخيم على القارة العجوز، أول مستفيد منه اليمين المتطرف.
أصبح العداء للمهاجرين لعبة مفضلة لدى الأحزاب المتطرفة في أوروبا. وبارتفاع أسهم شعبيتها في الأوساط المختلفة للقارة العجوز، يزداد التهديد ضد المهاجرين مهما كانت عرقياتهم، وإن كان اليوم المستهدف الأول من هذا العداء هو المهاجر الذي يتدين بالإسلام.
يحدد المراقبون انطلاق تنامي العداء ضد المهاجرين في أوروبا، ابتداء من أحداث 11 أيلول سبتمبر الإرهابية. ويوضحون أن المهاجرين المسلمين أدوا الثمن غاليا جراء هذا الاعتداء، بسبب الفهم الخاطئ لدى السواد الأعظم من الأوروبيين للإسلام، وعجز حكومات الدول الإسلامية عن التعريف بثقافات شعوبها، والاستغلال الوضيع لأحزاب اليمين المتطرف لهكذا وضعية.
المهاجرون عبء على الحكومات
في ظل أزمة اقتصادية وإجتماعية عصيبة تمر منها أوروبا، ينظر إلى هؤلاء المهاجرين على أنهم عبء إضافي على ميزانيات الحكومات الأوروبية، ما فرض على الحكومات اليمينية المعتدلة تعديل خطابها تجاه الهجرة، بل وتشديد قوانينها، رغم أن كل الدراسات تفيد أن البلدان الأوروبية في حاجة ماسة إلى مهاجرين لعوامل اقتصادية وديمغرافية.
ومع الضغط الذي أصبح يمارس على القوى السياسية المعتدلة، اضطرت هذه الأحزاب إلى إعطاء خطابها السياسي لمسة إضافية تنسجم مع حاجتها الانتخابية، حتى أن بعض المراقبين يقرون بأنه لا مناص من التعاطي مع قضايا الهجرة والإسلام بلغة أخرى إن أرادت التنظيمات اليمينية التي ظلت محسوبة على صف المعتدلين أن يكون لها مستقبل في المحطات السياسية المقبلة.
كراهية علنية للأجانب
توماس هامبيرغ الدبلوماسي السويدي ومفوض حقوق الإنسان في المجلس الأوروبي، أن القوى التي توجد على النقيض إيديولوجياً من أفكار اليمين المتطرف، وجدت نفسها "تقدم تنازلات، وتنحو تجاه منح نوع من الشرعية للغرور والكراهية العلنية للأجانب"، مضيفاً أن "الزعماء السياسيون ككل أخفقوا في مواجهة الأساليب النمطية الخاصة بالخوف من الإسلام"، بل يركبون على نفس معادلات اليمين المتطرف كما يلمس ذلك في تصريح لرئيس الوزراء البريطاني الذي قال بخصوص الهجرة "إن معدل الهجرة في هذه البلاد بات مرتفعا للغاية منذ زمن طويل، وسنقوم بخفضه بشكل قوي"، وكذلك أو ساركوزي عندما قال:"يجب على المسلمين احترام الإرث المسيحي لفرنسا".
في خضم هذا الوضع بدأت الكثير من المفاهيم التي خلقت لإعطاء وجه شرعي لوجود المهاجر ببلدان الاستقبال، في التلاشي. ومنها مثلاً ، وإن لم تكن أهمها في وقت من الأوقات، مفهوم "الاندماج" الذي يحارب اليوم على نطاق واسع من العديد من رموز اليمين، وعوض بما أصبح يعرف "بالتماهي" داخل مجتمعات الاستقبال، وهو ما يعني للمهاجرين الانسلاخ عن الهوية الأصلية، وضرب كل مفاهيم التعدد الثقافي داخل المجتمع الواحد. والخطير في الأمر أنه يتم بتزكية خالية من كل العقد من قبل الزعماء الحكوميين، كما كان شأن أنجيلا ميركل مؤخرا عندما صرحت أن "محاولة بلادها للوصول إلى مجتمع متعدد الثقافات فشلت تماما".
إسلاموفوبيا
وأقر جمال ريان، المتخصص في قضايا الهجرة ومسؤول الإعلام والتواصل في المنبر المدني لمغاربة أوروبا في مقابلة مع "إيلاف"، "بتصاعد شعبية اليمين المتطرف في أكثر من دولة أوروبية"، كما أشار إلى "تنامي الإسلاموفوبيا بهذه البلدان، التي إنتعشت في ظل سياسة عالمية طغى عليها محاربة الإرهاب"، مستغلة كما يقول ريان "الظروف العالمية حيث تبنت خطابا يناهض "أسلمة أوروبا" ويدافع بشكل قوي عن ديموقراطية أوروبية بعيدة عن الإسلام والمسلمين، والمستهدف من كل ذلك هو الجالية المسلمة بأوروبا، ولعل نماذج النمسا وسويسرا وهولندا خير دليل على ما أقول". ويرى ريان أن "الديموقراطية هي المستهدفة باعتبار كل الدساتير تنص على حرية الأفراد في الاعتقاد، وباسم الديموقراطية تغتال الديموقراطية، وباسم حرية التعبير تشنق الحرية".
لا يتفق ريان وهو أيضاً رئيس حركة المغاربة الديموقراطيين بالخارج، على وصف المهاجرين "بالأجانب"، معتبرا "أننا الآن أمام أوروبيين من أصول غير أوروبية وفي هولندا تطور المصطلح إلى الهولنديين الجدد".
ويفسر وجهة نظره بالقول:"الكل يتمتع بنفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، في إطار إحترام القوانين الجاري العمل بها. السؤال هنا يحيلني إلى تحديد مفاهيم آخر أجيال الهجرة المتتالية، إذ نجد أنفسنا أمام مواطنين أوروبيين من أصول غير أوروبية يتساوون مع باقي المواطنين، وليس لهم إمتيازات بل يعيشون بثقافات ومعتقدات مختلفة"، موضحاً أن "العنصرية من هذه الزاوية تعمل على تهميشهم وإقصائهم من الحياة العامة، وتعتبرهم خطرا على ثقافتها بالمفهوم الإنتربولوجي للثقافة".
الإحتماء بمعاداة الإسلام
لا يرى ريان أن هولندا، التي يقيم بها، بؤرة سوداء في العنصرية بأوروبا، معتبرا "أن هولندا لم تكن في معزل عما يقع في العالم. فأحداث 11 سبتمبر، وإغتيال المخرج الهولندي فان خوخ، وتنامي الإجرام وسط الشباب، دفع بالمجتمع الهولندي إلى الإحتماء وبشكل غير مسبق بحزب الحرية المعادي للإسلام والأجانب عموما. بالإضافة إلى الأزمة الإقتصادية العالمية.". ويشير في السياق ذاته إلى أنه "يمكن إعتبار هذا الإختيار بمثابة خوف غير مبرر من التطور الذي عرفته الجالية المغربية هنا، إذ أصبح لها وزنها وتمكنت من الوصول إلى مراكز القرار"، كما أكد أن "الخطر العنصري قادم وينتشر في كل أوروبا وعلينا التصدي له بحماية الديموقراطية والحرية التي تنعم بها أوروبا".
أسباب العداء مختلفة
لا يمكن ربط هذا العداء للمهاجرين بالأزمة الاقتصادية والظروف الاجتماعية لبعض الدول فقط، فسويسرا والنمسا لم تقعا في ضائقة من هذا القبيل، إلا أن اليمين المتطرف ممثلا في حزب الشعب في سويسرا، وحزب الحرية في النمسا سجلا تقدما مهما في الاستحقاقات الأخيرة.
ويفسر ريان هذا الأمر بأنه لا يمكن "إعطاء نموذج موحد أوروبيا لتنامي ظاهرة كراهية الأجانب، فالأسباب تختلف من بلد أوربي لآخر، والنتائج واحدة هي الإقصاء والتهميش ومحاربة "الإسلام""، مضيفا أن "ما وقع في النمسا وسويسرا هو أقرب منه إلى النازية لاعتبارات عرقية تحاول "تنظيف" هذه الدول من كل الثقافات "الدخيلة"، وهذا في رأيي أخطر مما نعيشه في هولندا. وكذلك يمكن الحديث عن فرنسا وإيطاليا اللتان صادقتا على قوانين تذهب إلى حد مصادرة الجنسية. فاليمين واحد وتمظهراته وشعاراته مختلفة"، بحسب تعبير ريان.
وحول دورالمجتمع المدني أوروبيا في إعادة الاعتبار للمهاجرين بالقارة العجوز، قال ريان "أولا يجب الإشارة هنا أن لا وجود لوحدة في التصور، وذلك راجع إلى تنوع وتعدد الإطارات، لكن هناك إجماع ضمني لهذه المؤسسات على الوقوف بحزم ضد أي إقصاء أو تهميش والدفاع بشكل جماعي على القواعد الديموقراطية التي تتميز بها الدول الأوروبية. فكلما بادر أي منا إلى عقد نشاط حول الموضوع كان الجميع حاضراً، لأن الكل مؤمن بأن هذه المعركة هي واحدة ومصيرية".
كما أكد ريان على أن "المشاركة السياسية مدخل أساسي لمواجهة المد العنصري، وبالتالي إذا كان الخطر يستهدفنا جميعاً فمواجهته تتطلب منا التوحد بإختلاف أصولنا وتوجهاتنا وأنا متفائل في هذا الشأن. فكلما أحسسنا بالخطر كلما توحدنا في مواجهته. وبعد أكثر من خمسة عقود من زمن الهجرة، أصبحنا أمام نخبة بإمكانها إن توحدت مواجهة هذه الموجة أو التسونامي من العنصرية التي تجتاح أوروبا"، يختم مسؤول التواصل والإعلام في المنبر المدني لمغاربة أوروبا حديثه.
حاجة ماسة للمهاجرين ولكن...
وأكدت آخر الدراسات أن أوروبا بحاجة ماسة إلى مهاجرين، لكن وسائل الإعلام تناولتها بالكثير من الخجل، لأنها لا تروق للكثيرين، كما أن اليمين المتطرف بإمكانه استثمارها لصالحه بإعطائها قراءة مغلوطة. وأول ما أشارت إليه هذه الدراسة أن الاتحاد الأوروبي يشيخ ديمغرافيا، وسيتراجع عدد سكانه 48 مليون نسمة بحلول سنة 2060 في حالة عدم التجاء دوله إلى الهجرة.
وبينت الدراسة أن معدل الأعمار سيرتفع من 40.4 سنة 2008 إلى 47.9 سنة 2060، كما أن نسبة من تتجاوز أعمارهم 65 عاما ستنتقل من 17 بالمئة إلى 30 بالمئة. وهذا ما يفيد أن أوروبا يفترض بها مستقبلا فتح أبوابها للمهاجرين إليها، إن أرادت أن تحافظ على استقرار النسبة التي تنشط اقتصادها وبالتالي تدفع رواتب التقاعد للأجيال السابقة.
الحكومات الأوروبية خصوصا في الجزء الغربي من القارة حيث الازدهار الاقتصادي تعي هذا الأمر جيدا، إلا أنها تقنّع هذه الحاجة إلى المهاجرين بمنهجية جديدة خوفا من أي اكتساح مفاجئ للانتخابات من اليمين المتطرف، كما فعلت حكومات الإتحاد بتخصيص بطاقة إقامة خاصة للكفاءات العلمية والمهنية، وسعيها لجلب اليد العاملة المؤهلة في مجالات مختلفة والتي تعاني من نقص فيها، ما يمكن أن يلحق أضرار بنمو البلدان الثالثية التي تصدر هذه الطاقات.
هذا التوجه بضرورة مواصلة سياسة جلب مهاجرين جدد، أكدته لجنة الحكماء بالاتحاد الأوروبي، في تقرير تجاهلته أيضاً وسائل الإعلام الأوروبية، وقد أفاد التقرير أنه "دون الهجرة لن يستطيع الإتحاد الأوروبي مواجهة النقص في العمالة والمهارات في المستقبل". إلا أن الوضع الاقتصادي الحالي للقارة العجوز لا يشجع العواصم الأوروبية على تبني مثل هذه الحقائق، لأنه يقبع في ركن من رؤوسها خوف من خطر محدق اسمه اليمين المتطرف.
بينت دراسة حديثة أن أوروبا في حاجة ماسة إلى مهاجرين، وهذا ما أكدته لجنة حكماء الإتحاد الأوروبي في تقرير لها تجاهلته وسائل الإعلام والأحزاب التقليدية الأوروبية على السواء، في جو اقتصادي واجتماعي صعب يخيم على القارة العجوز، أول مستفيد منه اليمين المتطرف.
------------------------------------------------------------------------
أصبح العداء للمهاجرين لعبة مفضلة لدى الأحزاب المتطرفة في أوروبا. وبارتفاع أسهم شعبيتها في الأوساط المختلفة للقارة العجوز، يزداد التهديد ضد المهاجرين مهما كانت عرقياتهم، وإن كان اليوم المستهدف الأول من هذا العداء هو المهاجر الذي يتدين بالإسلام.
يحدد المراقبون انطلاق تنامي العداء ضد المهاجرين في أوروبا، ابتداء من أحداث 11 أيلول سبتمبر الإرهابية. ويوضحون أن المهاجرين المسلمين أدوا الثمن غاليا جراء هذا الاعتداء، بسبب الفهم الخاطئ لدى السواد الأعظم من الأوروبيين للإسلام، وعجز حكومات الدول الإسلامية عن التعريف بثقافات شعوبها، والاستغلال الوضيع لأحزاب اليمين المتطرف لهكذا وضعية.
المهاجرون عبء على الحكومات
في ظل أزمة اقتصادية وإجتماعية عصيبة تمر منها أوروبا، ينظر إلى هؤلاء المهاجرين على أنهم عبء إضافي على ميزانيات الحكومات الأوروبية، ما فرض على الحكومات اليمينية المعتدلة تعديل خطابها تجاه الهجرة، بل وتشديد قوانينها، رغم أن كل الدراسات تفيد أن البلدان الأوروبية في حاجة ماسة إلى مهاجرين لعوامل اقتصادية وديمغرافية.
ومع الضغط الذي أصبح يمارس على القوى السياسية المعتدلة، اضطرت هذه الأحزاب إلى إعطاء خطابها السياسي لمسة إضافية تنسجم مع حاجتها الانتخابية، حتى أن بعض المراقبين يقرون بأنه لا مناص من التعاطي مع قضايا الهجرة والإسلام بلغة أخرى إن أرادت التنظيمات اليمينية التي ظلت محسوبة على صف المعتدلين أن يكون لها مستقبل في المحطات السياسية المقبلة.
كراهية علنية للأجانب
توماس هامبيرغ الدبلوماسي السويدي ومفوض حقوق الإنسان في المجلس الأوروبي، أن القوى التي توجد على النقيض إيديولوجياً من أفكار اليمين المتطرف، وجدت نفسها "تقدم تنازلات، وتنحو تجاه منح نوع من الشرعية للغرور والكراهية العلنية للأجانب"، مضيفاً أن "الزعماء السياسيون ككل أخفقوا في مواجهة الأساليب النمطية الخاصة بالخوف من الإسلام"، بل يركبون على نفس معادلات اليمين المتطرف كما يلمس ذلك في تصريح لرئيس الوزراء البريطاني الذي قال بخصوص الهجرة "إن معدل الهجرة في هذه البلاد بات مرتفعا للغاية منذ زمن طويل، وسنقوم بخفضه بشكل قوي"، وكذلك أو ساركوزي عندما قال:"يجب على المسلمين احترام الإرث المسيحي لفرنسا".
في خضم هذا الوضع بدأت الكثير من المفاهيم التي خلقت لإعطاء وجه شرعي لوجود المهاجر ببلدان الاستقبال، في التلاشي. ومنها مثلاً ، وإن لم تكن أهمها في وقت من الأوقات، مفهوم "الاندماج" الذي يحارب اليوم على نطاق واسع من العديد من رموز اليمين، وعوض بما أصبح يعرف "بالتماهي" داخل مجتمعات الاستقبال، وهو ما يعني للمهاجرين الانسلاخ عن الهوية الأصلية، وضرب كل مفاهيم التعدد الثقافي داخل المجتمع الواحد. والخطير في الأمر أنه يتم بتزكية خالية من كل العقد من قبل الزعماء الحكوميين، كما كان شأن أنجيلا ميركل مؤخرا عندما صرحت أن "محاولة بلادها للوصول إلى مجتمع متعدد الثقافات فشلت تماما".
إسلاموفوبيا
المتخصص في قضايا الهجرة ومسؤول الإعلام والتواصل في المنبر المدني لمغاربة أوروبا جمال ريان
وأقر جمال ريان، المتخصص في قضايا الهجرة ومسؤول الإعلام والتواصل في المنبر المدني لمغاربة أوروبا في مقابلة مع "إيلاف"، "بتصاعد شعبية اليمين المتطرف في أكثر من دولة أوروبية"، كما أشار إلى "تنامي الإسلاموفوبيا بهذه البلدان، التي إنتعشت في ظل سياسة عالمية طغى عليها محاربة الإرهاب"، مستغلة كما يقول ريان "الظروف العالمية حيث تبنت خطابا يناهض "أسلمة أوروبا" ويدافع بشكل قوي عن ديموقراطية أوروبية بعيدة عن الإسلام والمسلمين، والمستهدف من كل ذلك هو الجالية المسلمة بأوروبا، ولعل نماذج النمسا وسويسرا وهولندا خير دليل على ما أقول". ويرى ريان أن "الديموقراطية هي المستهدفة باعتبار كل الدساتير تنص على حرية الأفراد في الاعتقاد، وباسم الديموقراطية تغتال الديموقراطية، وباسم حرية التعبير تشنق الحرية".
لا يتفق ريان وهو أيضاً رئيس حركة المغاربة الديموقراطيين بالخارج، على وصف المهاجرين "بالأجانب"، معتبرا "أننا الآن أمام أوروبيين من أصول غير أوروبية وفي هولندا تطور المصطلح إلى الهولنديين الجدد".
ويفسر وجهة نظره بالقول:"الكل يتمتع بنفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، في إطار إحترام القوانين الجاري العمل بها. السؤال هنا يحيلني إلى تحديد مفاهيم آخر أجيال الهجرة المتتالية، إذ نجد أنفسنا أمام مواطنين أوروبيين من أصول غير أوروبية يتساوون مع باقي المواطنين، وليس لهم إمتيازات بل يعيشون بثقافات ومعتقدات مختلفة"، موضحاً أن "العنصرية من هذه الزاوية تعمل على تهميشهم وإقصائهم من الحياة العامة، وتعتبرهم خطرا على ثقافتها بالمفهوم الإنتربولوجي للثقافة".
الإحتماء بمعاداة الإسلام
لا يرى ريان أن هولندا، التي يقيم بها، بؤرة سوداء في العنصرية بأوروبا، معتبرا "أن هولندا لم تكن في معزل عما يقع في العالم. فأحداث 11 سبتمبر، وإغتيال المخرج الهولندي فان خوخ، وتنامي الإجرام وسط الشباب، دفع بالمجتمع الهولندي إلى الإحتماء وبشكل غير مسبق بحزب الحرية المعادي للإسلام والأجانب عموما. بالإضافة إلى الأزمة الإقتصادية العالمية.". ويشير في السياق ذاته إلى أنه "يمكن إعتبار هذا الإختيار بمثابة خوف غير مبرر من التطور الذي عرفته الجالية المغربية هنا، إذ أصبح لها وزنها وتمكنت من الوصول إلى مراكز القرار"، كما أكد أن "الخطر العنصري قادم وينتشر في كل أوروبا وعلينا التصدي له بحماية الديموقراطية والحرية التي تنعم بها أوروبا".
أسباب العداء مختلفة
لا يمكن ربط هذا العداء للمهاجرين بالأزمة الاقتصادية والظروف الاجتماعية لبعض الدول فقط، فسويسرا والنمسا لم تقعا في ضائقة من هذا القبيل، إلا أن اليمين المتطرف ممثلا في حزب الشعب في سويسرا، وحزب الحرية في النمسا سجلا تقدما مهما في الاستحقاقات الأخيرة.
ويفسر ريان هذا الأمر بأنه لا يمكن "إعطاء نموذج موحد أوروبيا لتنامي ظاهرة كراهية الأجانب، فالأسباب تختلف من بلد أوربي لآخر، والنتائج واحدة هي الإقصاء والتهميش ومحاربة "الإسلام""، مضيفا أن "ما وقع في النمسا وسويسرا هو أقرب منه إلى النازية لاعتبارات عرقية تحاول "تنظيف" هذه الدول من كل الثقافات "الدخيلة"، وهذا في رأيي أخطر مما نعيشه في هولندا. وكذلك يمكن الحديث عن فرنسا وإيطاليا اللتان صادقتا على قوانين تذهب إلى حد مصادرة الجنسية. فاليمين واحد وتمظهراته وشعاراته مختلفة"، بحسب تعبير ريان.
وحول دورالمجتمع المدني أوروبيا في إعادة الاعتبار للمهاجرين بالقارة العجوز، قال ريان "أولا يجب الإشارة هنا أن لا وجود لوحدة في التصور، وذلك راجع إلى تنوع وتعدد الإطارات، لكن هناك إجماع ضمني لهذه المؤسسات على الوقوف بحزم ضد أي إقصاء أو تهميش والدفاع بشكل جماعي على القواعد الديموقراطية التي تتميز بها الدول الأوروبية. فكلما بادر أي منا إلى عقد نشاط حول الموضوع كان الجميع حاضراً، لأن الكل مؤمن بأن هذه المعركة هي واحدة ومصيرية".
كما أكد ريان على أن "المشاركة السياسية مدخل أساسي لمواجهة المد العنصري، وبالتالي إذا كان الخطر يستهدفنا جميعاً فمواجهته تتطلب منا التوحد بإختلاف أصولنا وتوجهاتنا وأنا متفائل في هذا الشأن. فكلما أحسسنا بالخطر كلما توحدنا في مواجهته. وبعد أكثر من خمسة عقود من زمن الهجرة، أصبحنا أمام نخبة بإمكانها إن توحدت مواجهة هذه الموجة أو التسونامي من العنصرية التي تجتاح أوروبا"، يختم مسؤول التواصل والإعلام في المنبر المدني لمغاربة أوروبا حديثه.
حاجة ماسة للمهاجرين ولكن...
وأكدت آخر الدراسات أن أوروبا بحاجة ماسة إلى مهاجرين، لكن وسائل الإعلام تناولتها بالكثير من الخجل، لأنها لا تروق للكثيرين، كما أن اليمين المتطرف بإمكانه استثمارها لصالحه بإعطائها قراءة مغلوطة. وأول ما أشارت إليه هذه الدراسة أن الاتحاد الأوروبي يشيخ ديمغرافيا، وسيتراجع عدد سكانه 48 مليون نسمة بحلول سنة 2060 في حالة عدم التجاء دوله إلى الهجرة.
وبينت الدراسة أن معدل الأعمار سيرتفع من 40.4 سنة 2008 إلى 47.9 سنة 2060، كما أن نسبة من تتجاوز أعمارهم 65 عاما ستنتقل من 17 بالمئة إلى 30 بالمئة. وهذا ما يفيد أن أوروبا يفترض بها مستقبلا فتح أبوابها للمهاجرين إليها، إن أرادت أن تحافظ على استقرار النسبة التي تنشط اقتصادها وبالتالي تدفع رواتب التقاعد للأجيال السابقة.
الحكومات الأوروبية خصوصا في الجزء الغربي من القارة حيث الازدهار الاقتصادي تعي هذا الأمر جيدا، إلا أنها تقنّع هذه الحاجة إلى المهاجرين بمنهجية جديدة خوفا من أي اكتساح مفاجئ للانتخابات من اليمين المتطرف، كما فعلت حكومات الإتحاد بتخصيص بطاقة إقامة خاصة للكفاءات العلمية والمهنية، وسعيها لجلب اليد العاملة المؤهلة في مجالات مختلفة والتي تعاني من نقص فيها، ما يمكن أن يلحق أضرار بنمو البلدان الثالثية التي تصدر هذه الطاقات.
هذا التوجه بضرورة مواصلة سياسة جلب مهاجرين جدد، أكدته لجنة الحكماء بالاتحاد الأوروبي، في تقرير تجاهلته أيضاً وسائل الإعلام الأوروبية، وقد أفاد التقرير أنه "دون الهجرة لن يستطيع الإتحاد الأوروبي مواجهة النقص في العمالة والمهارات في المستقبل". إلا أن الوضع الاقتصادي الحالي للقارة العجوز لا يشجع العواصم الأوروبية على تبني مثل هذه الحقائق، لأنه يقبع في ركن من رؤوسها خوف من خطر محدق اسمه اليمين المتطرف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.