إحباط محاولة تهريب شحنة من المخدرات بمعبر باب سبتة    مقتل أربعة أشخاص و إصابة آخرين في حادثة سير باليوسفية    وزان تهتز على وقع جريمة قتل راح ضحيتها جندي متقاعد    عائلة كوثر بودراجة تنفي شائعة وفاتها وتلوّح باللجوء إلى القضاء    لجنة ال24/الصحراء.. قطر تجدد تأكيد دعمها للمخطط المغربي للحكم الذاتي، "المبادرة البناءة"    فرع الحزب الاشتراكي الموحد –هولندا يدين العدوان الإسرائيلي على إيران ويؤكد موقفه الثابت ضد الحروب والإمبريالية    فاطمة الحمامصي… مسار نسائي رائد يُكرَّم في طنجة    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    وكالة: الملك محمد السادس سيزور فرنسا في نهاية العام الحالي أو في بداية 2026    تهديد مباشر لخامنئي.. ترامب نعرف تحديداً أين يختبئ المرشد الأعلى    المغرب وإثيوبيا يعززان شراكتهما الدفاعية بإحداث لجنة عسكرية مشتركة    من الزليج المغربي إلى تمور المجهول.. أخنوش يسلّط الضوء على إبداعات محلية تقود الاقتصاد نحو العالمية    مباحثات تجمع العلمي ووزير بنمي    تداولات بورصة البيضاء تتشح بالأحمر    برنامج "مدارات" يسلط الضوء على مسيرة المؤرخ والأديب الراحل عبد الحق المريني    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    4.2 مليار درهم عائدات الضريبة على المركبات في 2024    في المغرب .. الفاشلون يطاردون المتفوقين عبر ساحات التنمر الإلكتروني    الصحة والنزاهة على طاولة واحدة .. ورشة تسائل التوريد والممارسات الطبية    تأجيل الجمع العام للرجاء الرياضي إلى غاية السابع من شهر يوليوز    الوداد الرياضي يختتم تحضيراته قبل مواجهة السيتي    رونالدو يهدي قميصه لترامب برسالة غير متوقعة    توقيف منتشل هواتف في طنجة بعد 16 شكاية ضده        لاليغا تدخل على خط تطوير البطولة الوطنية بشراكة مؤسساتية        رئيس الحكومة يؤكد على مكانة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في النموذج التنموي    استئنافية الرباط تحجز ملف الصحافي حميد المهدوي للمداولة والنطق بالحكم في 30 يونيو    "سي إن إن": تقديرات استخباراتية تفيد بتأخير البرنامج النووي الإيراني لأشهر بسبب الضربات الإسرائيلية    هجوم إلكتروني يشل بنك "سبه" الإيراني    هلال: المغرب يلتزم بالتصدي للكراهية    الذهب يصعد وسط القتال بين إسرائيل وإيران ودعوة ترامب لإخلاء طهران    الصويرة ترحب بزوار مهرجان كناوة    طنجة الدولية.. اختبار فرضيتي التحول والتفاعل    مجزرة جديدة تحصد أرواح المجوعين.. مقتل 47 فلسطينيا بنيران إسرائيلية قرب مركز مساعدات في غزة    أمطار رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح مرتقبة اليوم الثلاثاء بعدد من مناطق المغرب    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    ترامب يقول إنه يريد "نهاية فعلية" للنزاع بين إسرائيل وإيران "وليس وقف إطلاق نار"    موازين 2025… أزمة توزيع المنصات تثير استياء الجمهور    تقنيون بالتعليم العالي يحتجون أمام الوزارة رفضا للتهميش    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    سطات تطلق مشروعا لإنشاء 30 محطة لتحلية المياه لمواجهة الإجهاد المائي    برشلونة يعزز تصنيفه الائتماني ويترقب زيادة إيراداته بعد العودة إلى كامب نو    الأمير مولاي رشيد يترأس الجمع العام الاستثنائي للجامعة الملكية المغربية للغولف    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    22 دولة إسلامية تدين العدوان الإسرائيلي على إيران وتطالب بوقف فوري للتصعيد في الشرق الأوسط    د محمد صبري : الصيدلة دعامة أساسية في الرعاية الصحية القريبة من المواطن..    مجموعة السبع تؤكد على"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" وتعارض امتلاك إيران لسلاح نووي    وليد الركراكي.. بين فورة الغضب ومتطلبات البناء الوطني    ثنائية فلامنغو تهزم الترجي التونسي    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    نصائح ذهبية لحماية المسنين من ارتفاع الحرارة    "أرواح غيوانية" يُكرّم رموز المجموعات الغيوانية ويُعيد أمجاد الأغنية الملتزمة    برلماني يطالب بالتحقيق في صفقات "غير شفافة في مستشفى ابن سينا الجديد        فقدان حاسة السمع يرفع خطر الإصابة بالخرف    السبحة.. هدية الحجاج التي تتجاوز قيمتها المادية إلى رمزية روحية خالدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العداء للمهاجرين في أوروبا...الخبز اليومي لليمين المتطرف
نشر في الرهان يوم 26 - 11 - 2010

بينت دراسة حديثة أن أوروبا في حاجة ماسة إلى مهاجرين، وهذا ما أكدته لجنة حكماء الإتحاد الأوروبي في تقرير لها تجاهلته وسائل الإعلام والأحزاب التقليدية الأوروبية على السواء، في جو اقتصادي واجتماعي صعب يخيم على القارة العجوز، أول مستفيد منه اليمين المتطرف.
أصبح العداء للمهاجرين لعبة مفضلة لدى الأحزاب المتطرفة في أوروبا. وبارتفاع أسهم شعبيتها في الأوساط المختلفة للقارة العجوز، يزداد التهديد ضد المهاجرين مهما كانت عرقياتهم، وإن كان اليوم المستهدف الأول من هذا العداء هو المهاجر الذي يتدين بالإسلام.
يحدد المراقبون انطلاق تنامي العداء ضد المهاجرين في أوروبا، ابتداء من أحداث 11 أيلول سبتمبر الإرهابية. ويوضحون أن المهاجرين المسلمين أدوا الثمن غاليا جراء هذا الاعتداء، بسبب الفهم الخاطئ لدى السواد الأعظم من الأوروبيين للإسلام، وعجز حكومات الدول الإسلامية عن التعريف بثقافات شعوبها، والاستغلال الوضيع لأحزاب اليمين المتطرف لهكذا وضعية.
المهاجرون عبء على الحكومات
في ظل أزمة اقتصادية وإجتماعية عصيبة تمر منها أوروبا، ينظر إلى هؤلاء المهاجرين على أنهم عبء إضافي على ميزانيات الحكومات الأوروبية، ما فرض على الحكومات اليمينية المعتدلة تعديل خطابها تجاه الهجرة، بل وتشديد قوانينها، رغم أن كل الدراسات تفيد أن البلدان الأوروبية في حاجة ماسة إلى مهاجرين لعوامل اقتصادية وديمغرافية.
ومع الضغط الذي أصبح يمارس على القوى السياسية المعتدلة، اضطرت هذه الأحزاب إلى إعطاء خطابها السياسي لمسة إضافية تنسجم مع حاجتها الانتخابية، حتى أن بعض المراقبين يقرون بأنه لا مناص من التعاطي مع قضايا الهجرة والإسلام بلغة أخرى إن أرادت التنظيمات اليمينية التي ظلت محسوبة على صف المعتدلين أن يكون لها مستقبل في المحطات السياسية المقبلة.
كراهية علنية للأجانب
توماس هامبيرغ الدبلوماسي السويدي ومفوض حقوق الإنسان في المجلس الأوروبي، أن القوى التي توجد على النقيض إيديولوجياً من أفكار اليمين المتطرف، وجدت نفسها "تقدم تنازلات، وتنحو تجاه منح نوع من الشرعية للغرور والكراهية العلنية للأجانب"، مضيفاً أن "الزعماء السياسيون ككل أخفقوا في مواجهة الأساليب النمطية الخاصة بالخوف من الإسلام"، بل يركبون على نفس معادلات اليمين المتطرف كما يلمس ذلك في تصريح لرئيس الوزراء البريطاني الذي قال بخصوص الهجرة "إن معدل الهجرة في هذه البلاد بات مرتفعا للغاية منذ زمن طويل، وسنقوم بخفضه بشكل قوي"، وكذلك أو ساركوزي عندما قال:"يجب على المسلمين احترام الإرث المسيحي لفرنسا".
في خضم هذا الوضع بدأت الكثير من المفاهيم التي خلقت لإعطاء وجه شرعي لوجود المهاجر ببلدان الاستقبال، في التلاشي. ومنها مثلاً ، وإن لم تكن أهمها في وقت من الأوقات، مفهوم "الاندماج" الذي يحارب اليوم على نطاق واسع من العديد من رموز اليمين، وعوض بما أصبح يعرف "بالتماهي" داخل مجتمعات الاستقبال، وهو ما يعني للمهاجرين الانسلاخ عن الهوية الأصلية، وضرب كل مفاهيم التعدد الثقافي داخل المجتمع الواحد. والخطير في الأمر أنه يتم بتزكية خالية من كل العقد من قبل الزعماء الحكوميين، كما كان شأن أنجيلا ميركل مؤخرا عندما صرحت أن "محاولة بلادها للوصول إلى مجتمع متعدد الثقافات فشلت تماما".
إسلاموفوبيا
وأقر جمال ريان، المتخصص في قضايا الهجرة ومسؤول الإعلام والتواصل في المنبر المدني لمغاربة أوروبا في مقابلة مع "إيلاف"، "بتصاعد شعبية اليمين المتطرف في أكثر من دولة أوروبية"، كما أشار إلى "تنامي الإسلاموفوبيا بهذه البلدان، التي إنتعشت في ظل سياسة عالمية طغى عليها محاربة الإرهاب"، مستغلة كما يقول ريان "الظروف العالمية حيث تبنت خطابا يناهض "أسلمة أوروبا" ويدافع بشكل قوي عن ديموقراطية أوروبية بعيدة عن الإسلام والمسلمين، والمستهدف من كل ذلك هو الجالية المسلمة بأوروبا، ولعل نماذج النمسا وسويسرا وهولندا خير دليل على ما أقول". ويرى ريان أن "الديموقراطية هي المستهدفة باعتبار كل الدساتير تنص على حرية الأفراد في الاعتقاد، وباسم الديموقراطية تغتال الديموقراطية، وباسم حرية التعبير تشنق الحرية".
لا يتفق ريان وهو أيضاً رئيس حركة المغاربة الديموقراطيين بالخارج، على وصف المهاجرين "بالأجانب"، معتبرا "أننا الآن أمام أوروبيين من أصول غير أوروبية وفي هولندا تطور المصطلح إلى الهولنديين الجدد".
ويفسر وجهة نظره بالقول:"الكل يتمتع بنفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، في إطار إحترام القوانين الجاري العمل بها. السؤال هنا يحيلني إلى تحديد مفاهيم آخر أجيال الهجرة المتتالية، إذ نجد أنفسنا أمام مواطنين أوروبيين من أصول غير أوروبية يتساوون مع باقي المواطنين، وليس لهم إمتيازات بل يعيشون بثقافات ومعتقدات مختلفة"، موضحاً أن "العنصرية من هذه الزاوية تعمل على تهميشهم وإقصائهم من الحياة العامة، وتعتبرهم خطرا على ثقافتها بالمفهوم الإنتربولوجي للثقافة".
الإحتماء بمعاداة الإسلام
لا يرى ريان أن هولندا، التي يقيم بها، بؤرة سوداء في العنصرية بأوروبا، معتبرا "أن هولندا لم تكن في معزل عما يقع في العالم. فأحداث 11 سبتمبر، وإغتيال المخرج الهولندي فان خوخ، وتنامي الإجرام وسط الشباب، دفع بالمجتمع الهولندي إلى الإحتماء وبشكل غير مسبق بحزب الحرية المعادي للإسلام والأجانب عموما. بالإضافة إلى الأزمة الإقتصادية العالمية.". ويشير في السياق ذاته إلى أنه "يمكن إعتبار هذا الإختيار بمثابة خوف غير مبرر من التطور الذي عرفته الجالية المغربية هنا، إذ أصبح لها وزنها وتمكنت من الوصول إلى مراكز القرار"، كما أكد أن "الخطر العنصري قادم وينتشر في كل أوروبا وعلينا التصدي له بحماية الديموقراطية والحرية التي تنعم بها أوروبا".
أسباب العداء مختلفة
لا يمكن ربط هذا العداء للمهاجرين بالأزمة الاقتصادية والظروف الاجتماعية لبعض الدول فقط، فسويسرا والنمسا لم تقعا في ضائقة من هذا القبيل، إلا أن اليمين المتطرف ممثلا في حزب الشعب في سويسرا، وحزب الحرية في النمسا سجلا تقدما مهما في الاستحقاقات الأخيرة.
ويفسر ريان هذا الأمر بأنه لا يمكن "إعطاء نموذج موحد أوروبيا لتنامي ظاهرة كراهية الأجانب، فالأسباب تختلف من بلد أوربي لآخر، والنتائج واحدة هي الإقصاء والتهميش ومحاربة "الإسلام""، مضيفا أن "ما وقع في النمسا وسويسرا هو أقرب منه إلى النازية لاعتبارات عرقية تحاول "تنظيف" هذه الدول من كل الثقافات "الدخيلة"، وهذا في رأيي أخطر مما نعيشه في هولندا. وكذلك يمكن الحديث عن فرنسا وإيطاليا اللتان صادقتا على قوانين تذهب إلى حد مصادرة الجنسية. فاليمين واحد وتمظهراته وشعاراته مختلفة"، بحسب تعبير ريان.
وحول دورالمجتمع المدني أوروبيا في إعادة الاعتبار للمهاجرين بالقارة العجوز، قال ريان "أولا يجب الإشارة هنا أن لا وجود لوحدة في التصور، وذلك راجع إلى تنوع وتعدد الإطارات، لكن هناك إجماع ضمني لهذه المؤسسات على الوقوف بحزم ضد أي إقصاء أو تهميش والدفاع بشكل جماعي على القواعد الديموقراطية التي تتميز بها الدول الأوروبية. فكلما بادر أي منا إلى عقد نشاط حول الموضوع كان الجميع حاضراً، لأن الكل مؤمن بأن هذه المعركة هي واحدة ومصيرية".
كما أكد ريان على أن "المشاركة السياسية مدخل أساسي لمواجهة المد العنصري، وبالتالي إذا كان الخطر يستهدفنا جميعاً فمواجهته تتطلب منا التوحد بإختلاف أصولنا وتوجهاتنا وأنا متفائل في هذا الشأن. فكلما أحسسنا بالخطر كلما توحدنا في مواجهته. وبعد أكثر من خمسة عقود من زمن الهجرة، أصبحنا أمام نخبة بإمكانها إن توحدت مواجهة هذه الموجة أو التسونامي من العنصرية التي تجتاح أوروبا"، يختم مسؤول التواصل والإعلام في المنبر المدني لمغاربة أوروبا حديثه.
حاجة ماسة للمهاجرين ولكن...
وأكدت آخر الدراسات أن أوروبا بحاجة ماسة إلى مهاجرين، لكن وسائل الإعلام تناولتها بالكثير من الخجل، لأنها لا تروق للكثيرين، كما أن اليمين المتطرف بإمكانه استثمارها لصالحه بإعطائها قراءة مغلوطة. وأول ما أشارت إليه هذه الدراسة أن الاتحاد الأوروبي يشيخ ديمغرافيا، وسيتراجع عدد سكانه 48 مليون نسمة بحلول سنة 2060 في حالة عدم التجاء دوله إلى الهجرة.
وبينت الدراسة أن معدل الأعمار سيرتفع من 40.4 سنة 2008 إلى 47.9 سنة 2060، كما أن نسبة من تتجاوز أعمارهم 65 عاما ستنتقل من 17 بالمئة إلى 30 بالمئة. وهذا ما يفيد أن أوروبا يفترض بها مستقبلا فتح أبوابها للمهاجرين إليها، إن أرادت أن تحافظ على استقرار النسبة التي تنشط اقتصادها وبالتالي تدفع رواتب التقاعد للأجيال السابقة.
الحكومات الأوروبية خصوصا في الجزء الغربي من القارة حيث الازدهار الاقتصادي تعي هذا الأمر جيدا، إلا أنها تقنّع هذه الحاجة إلى المهاجرين بمنهجية جديدة خوفا من أي اكتساح مفاجئ للانتخابات من اليمين المتطرف، كما فعلت حكومات الإتحاد بتخصيص بطاقة إقامة خاصة للكفاءات العلمية والمهنية، وسعيها لجلب اليد العاملة المؤهلة في مجالات مختلفة والتي تعاني من نقص فيها، ما يمكن أن يلحق أضرار بنمو البلدان الثالثية التي تصدر هذه الطاقات.
هذا التوجه بضرورة مواصلة سياسة جلب مهاجرين جدد، أكدته لجنة الحكماء بالاتحاد الأوروبي، في تقرير تجاهلته أيضاً وسائل الإعلام الأوروبية، وقد أفاد التقرير أنه "دون الهجرة لن يستطيع الإتحاد الأوروبي مواجهة النقص في العمالة والمهارات في المستقبل". إلا أن الوضع الاقتصادي الحالي للقارة العجوز لا يشجع العواصم الأوروبية على تبني مثل هذه الحقائق، لأنه يقبع في ركن من رؤوسها خوف من خطر محدق اسمه اليمين المتطرف.
بينت دراسة حديثة أن أوروبا في حاجة ماسة إلى مهاجرين، وهذا ما أكدته لجنة حكماء الإتحاد الأوروبي في تقرير لها تجاهلته وسائل الإعلام والأحزاب التقليدية الأوروبية على السواء، في جو اقتصادي واجتماعي صعب يخيم على القارة العجوز، أول مستفيد منه اليمين المتطرف.
------------------------------------------------------------------------
أصبح العداء للمهاجرين لعبة مفضلة لدى الأحزاب المتطرفة في أوروبا. وبارتفاع أسهم شعبيتها في الأوساط المختلفة للقارة العجوز، يزداد التهديد ضد المهاجرين مهما كانت عرقياتهم، وإن كان اليوم المستهدف الأول من هذا العداء هو المهاجر الذي يتدين بالإسلام.
يحدد المراقبون انطلاق تنامي العداء ضد المهاجرين في أوروبا، ابتداء من أحداث 11 أيلول سبتمبر الإرهابية. ويوضحون أن المهاجرين المسلمين أدوا الثمن غاليا جراء هذا الاعتداء، بسبب الفهم الخاطئ لدى السواد الأعظم من الأوروبيين للإسلام، وعجز حكومات الدول الإسلامية عن التعريف بثقافات شعوبها، والاستغلال الوضيع لأحزاب اليمين المتطرف لهكذا وضعية.
المهاجرون عبء على الحكومات
في ظل أزمة اقتصادية وإجتماعية عصيبة تمر منها أوروبا، ينظر إلى هؤلاء المهاجرين على أنهم عبء إضافي على ميزانيات الحكومات الأوروبية، ما فرض على الحكومات اليمينية المعتدلة تعديل خطابها تجاه الهجرة، بل وتشديد قوانينها، رغم أن كل الدراسات تفيد أن البلدان الأوروبية في حاجة ماسة إلى مهاجرين لعوامل اقتصادية وديمغرافية.
ومع الضغط الذي أصبح يمارس على القوى السياسية المعتدلة، اضطرت هذه الأحزاب إلى إعطاء خطابها السياسي لمسة إضافية تنسجم مع حاجتها الانتخابية، حتى أن بعض المراقبين يقرون بأنه لا مناص من التعاطي مع قضايا الهجرة والإسلام بلغة أخرى إن أرادت التنظيمات اليمينية التي ظلت محسوبة على صف المعتدلين أن يكون لها مستقبل في المحطات السياسية المقبلة.
كراهية علنية للأجانب
توماس هامبيرغ الدبلوماسي السويدي ومفوض حقوق الإنسان في المجلس الأوروبي، أن القوى التي توجد على النقيض إيديولوجياً من أفكار اليمين المتطرف، وجدت نفسها "تقدم تنازلات، وتنحو تجاه منح نوع من الشرعية للغرور والكراهية العلنية للأجانب"، مضيفاً أن "الزعماء السياسيون ككل أخفقوا في مواجهة الأساليب النمطية الخاصة بالخوف من الإسلام"، بل يركبون على نفس معادلات اليمين المتطرف كما يلمس ذلك في تصريح لرئيس الوزراء البريطاني الذي قال بخصوص الهجرة "إن معدل الهجرة في هذه البلاد بات مرتفعا للغاية منذ زمن طويل، وسنقوم بخفضه بشكل قوي"، وكذلك أو ساركوزي عندما قال:"يجب على المسلمين احترام الإرث المسيحي لفرنسا".
في خضم هذا الوضع بدأت الكثير من المفاهيم التي خلقت لإعطاء وجه شرعي لوجود المهاجر ببلدان الاستقبال، في التلاشي. ومنها مثلاً ، وإن لم تكن أهمها في وقت من الأوقات، مفهوم "الاندماج" الذي يحارب اليوم على نطاق واسع من العديد من رموز اليمين، وعوض بما أصبح يعرف "بالتماهي" داخل مجتمعات الاستقبال، وهو ما يعني للمهاجرين الانسلاخ عن الهوية الأصلية، وضرب كل مفاهيم التعدد الثقافي داخل المجتمع الواحد. والخطير في الأمر أنه يتم بتزكية خالية من كل العقد من قبل الزعماء الحكوميين، كما كان شأن أنجيلا ميركل مؤخرا عندما صرحت أن "محاولة بلادها للوصول إلى مجتمع متعدد الثقافات فشلت تماما".
إسلاموفوبيا
المتخصص في قضايا الهجرة ومسؤول الإعلام والتواصل في المنبر المدني لمغاربة أوروبا جمال ريان
وأقر جمال ريان، المتخصص في قضايا الهجرة ومسؤول الإعلام والتواصل في المنبر المدني لمغاربة أوروبا في مقابلة مع "إيلاف"، "بتصاعد شعبية اليمين المتطرف في أكثر من دولة أوروبية"، كما أشار إلى "تنامي الإسلاموفوبيا بهذه البلدان، التي إنتعشت في ظل سياسة عالمية طغى عليها محاربة الإرهاب"، مستغلة كما يقول ريان "الظروف العالمية حيث تبنت خطابا يناهض "أسلمة أوروبا" ويدافع بشكل قوي عن ديموقراطية أوروبية بعيدة عن الإسلام والمسلمين، والمستهدف من كل ذلك هو الجالية المسلمة بأوروبا، ولعل نماذج النمسا وسويسرا وهولندا خير دليل على ما أقول". ويرى ريان أن "الديموقراطية هي المستهدفة باعتبار كل الدساتير تنص على حرية الأفراد في الاعتقاد، وباسم الديموقراطية تغتال الديموقراطية، وباسم حرية التعبير تشنق الحرية".
لا يتفق ريان وهو أيضاً رئيس حركة المغاربة الديموقراطيين بالخارج، على وصف المهاجرين "بالأجانب"، معتبرا "أننا الآن أمام أوروبيين من أصول غير أوروبية وفي هولندا تطور المصطلح إلى الهولنديين الجدد".
ويفسر وجهة نظره بالقول:"الكل يتمتع بنفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، في إطار إحترام القوانين الجاري العمل بها. السؤال هنا يحيلني إلى تحديد مفاهيم آخر أجيال الهجرة المتتالية، إذ نجد أنفسنا أمام مواطنين أوروبيين من أصول غير أوروبية يتساوون مع باقي المواطنين، وليس لهم إمتيازات بل يعيشون بثقافات ومعتقدات مختلفة"، موضحاً أن "العنصرية من هذه الزاوية تعمل على تهميشهم وإقصائهم من الحياة العامة، وتعتبرهم خطرا على ثقافتها بالمفهوم الإنتربولوجي للثقافة".
الإحتماء بمعاداة الإسلام
لا يرى ريان أن هولندا، التي يقيم بها، بؤرة سوداء في العنصرية بأوروبا، معتبرا "أن هولندا لم تكن في معزل عما يقع في العالم. فأحداث 11 سبتمبر، وإغتيال المخرج الهولندي فان خوخ، وتنامي الإجرام وسط الشباب، دفع بالمجتمع الهولندي إلى الإحتماء وبشكل غير مسبق بحزب الحرية المعادي للإسلام والأجانب عموما. بالإضافة إلى الأزمة الإقتصادية العالمية.". ويشير في السياق ذاته إلى أنه "يمكن إعتبار هذا الإختيار بمثابة خوف غير مبرر من التطور الذي عرفته الجالية المغربية هنا، إذ أصبح لها وزنها وتمكنت من الوصول إلى مراكز القرار"، كما أكد أن "الخطر العنصري قادم وينتشر في كل أوروبا وعلينا التصدي له بحماية الديموقراطية والحرية التي تنعم بها أوروبا".
أسباب العداء مختلفة
لا يمكن ربط هذا العداء للمهاجرين بالأزمة الاقتصادية والظروف الاجتماعية لبعض الدول فقط، فسويسرا والنمسا لم تقعا في ضائقة من هذا القبيل، إلا أن اليمين المتطرف ممثلا في حزب الشعب في سويسرا، وحزب الحرية في النمسا سجلا تقدما مهما في الاستحقاقات الأخيرة.
ويفسر ريان هذا الأمر بأنه لا يمكن "إعطاء نموذج موحد أوروبيا لتنامي ظاهرة كراهية الأجانب، فالأسباب تختلف من بلد أوربي لآخر، والنتائج واحدة هي الإقصاء والتهميش ومحاربة "الإسلام""، مضيفا أن "ما وقع في النمسا وسويسرا هو أقرب منه إلى النازية لاعتبارات عرقية تحاول "تنظيف" هذه الدول من كل الثقافات "الدخيلة"، وهذا في رأيي أخطر مما نعيشه في هولندا. وكذلك يمكن الحديث عن فرنسا وإيطاليا اللتان صادقتا على قوانين تذهب إلى حد مصادرة الجنسية. فاليمين واحد وتمظهراته وشعاراته مختلفة"، بحسب تعبير ريان.
وحول دورالمجتمع المدني أوروبيا في إعادة الاعتبار للمهاجرين بالقارة العجوز، قال ريان "أولا يجب الإشارة هنا أن لا وجود لوحدة في التصور، وذلك راجع إلى تنوع وتعدد الإطارات، لكن هناك إجماع ضمني لهذه المؤسسات على الوقوف بحزم ضد أي إقصاء أو تهميش والدفاع بشكل جماعي على القواعد الديموقراطية التي تتميز بها الدول الأوروبية. فكلما بادر أي منا إلى عقد نشاط حول الموضوع كان الجميع حاضراً، لأن الكل مؤمن بأن هذه المعركة هي واحدة ومصيرية".
كما أكد ريان على أن "المشاركة السياسية مدخل أساسي لمواجهة المد العنصري، وبالتالي إذا كان الخطر يستهدفنا جميعاً فمواجهته تتطلب منا التوحد بإختلاف أصولنا وتوجهاتنا وأنا متفائل في هذا الشأن. فكلما أحسسنا بالخطر كلما توحدنا في مواجهته. وبعد أكثر من خمسة عقود من زمن الهجرة، أصبحنا أمام نخبة بإمكانها إن توحدت مواجهة هذه الموجة أو التسونامي من العنصرية التي تجتاح أوروبا"، يختم مسؤول التواصل والإعلام في المنبر المدني لمغاربة أوروبا حديثه.
حاجة ماسة للمهاجرين ولكن...
وأكدت آخر الدراسات أن أوروبا بحاجة ماسة إلى مهاجرين، لكن وسائل الإعلام تناولتها بالكثير من الخجل، لأنها لا تروق للكثيرين، كما أن اليمين المتطرف بإمكانه استثمارها لصالحه بإعطائها قراءة مغلوطة. وأول ما أشارت إليه هذه الدراسة أن الاتحاد الأوروبي يشيخ ديمغرافيا، وسيتراجع عدد سكانه 48 مليون نسمة بحلول سنة 2060 في حالة عدم التجاء دوله إلى الهجرة.
وبينت الدراسة أن معدل الأعمار سيرتفع من 40.4 سنة 2008 إلى 47.9 سنة 2060، كما أن نسبة من تتجاوز أعمارهم 65 عاما ستنتقل من 17 بالمئة إلى 30 بالمئة. وهذا ما يفيد أن أوروبا يفترض بها مستقبلا فتح أبوابها للمهاجرين إليها، إن أرادت أن تحافظ على استقرار النسبة التي تنشط اقتصادها وبالتالي تدفع رواتب التقاعد للأجيال السابقة.
الحكومات الأوروبية خصوصا في الجزء الغربي من القارة حيث الازدهار الاقتصادي تعي هذا الأمر جيدا، إلا أنها تقنّع هذه الحاجة إلى المهاجرين بمنهجية جديدة خوفا من أي اكتساح مفاجئ للانتخابات من اليمين المتطرف، كما فعلت حكومات الإتحاد بتخصيص بطاقة إقامة خاصة للكفاءات العلمية والمهنية، وسعيها لجلب اليد العاملة المؤهلة في مجالات مختلفة والتي تعاني من نقص فيها، ما يمكن أن يلحق أضرار بنمو البلدان الثالثية التي تصدر هذه الطاقات.
هذا التوجه بضرورة مواصلة سياسة جلب مهاجرين جدد، أكدته لجنة الحكماء بالاتحاد الأوروبي، في تقرير تجاهلته أيضاً وسائل الإعلام الأوروبية، وقد أفاد التقرير أنه "دون الهجرة لن يستطيع الإتحاد الأوروبي مواجهة النقص في العمالة والمهارات في المستقبل". إلا أن الوضع الاقتصادي الحالي للقارة العجوز لا يشجع العواصم الأوروبية على تبني مثل هذه الحقائق، لأنه يقبع في ركن من رؤوسها خوف من خطر محدق اسمه اليمين المتطرف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.