ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة إلى النهائي بعد تجاوز المنتخب السعودي في نصف النهاية    لقاء الجيش و"الماص" ينتهي بالبياض    تراجع عجز السيولة البنكية إلى 142,1 مليار درهم    تتويج المغربي بنعيسى اليحياوي بجائزة في زيورخ تقديرا لالتزامه بتعزيز الحوار بين الثقافات    بنكيران: "البيجيدي" هو سبب خروج احتجاجات "جيل زد" ودعم الشباب للانتخابات كمستقلين "ريع ورشوة"    الأقاليم الجنوبية، نموذج مُلهم للتنمية المستدامة في إفريقيا (محلل سياسي سنغالي)    نبيل باها: عزيمة اللاعبين كانت مفتاح الفوز الكبير أمام كاليدونيا الجديدة    مجلس الشيوخ الفرنسي يحتفل بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    نصف نهائي العاب التضامن الإسلامي.. تشكيلة المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة أمام السعودية    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    كرة القدم ..المباراة الودية بين المنتخب المغربي ونظيره الموزمبيقى تجرى بشبابيك مغلقة (اللجنة المنظمة )    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    بعد فراره… مطالب حقوقية بالتحقيق مع راهب متهم بالاعتداء الجنسي على قاصرين لاجئين بالدار البيضاء    حماس تدعو الوسطاء لإيجاد حل لمقاتليها العالقين في رفح وتؤكد أنهم "لن يستسلموا لإسرائيل"    أيت بودلال يعوض أكرد في المنتخب    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    شباب مرتيل يحتفون بالمسيرة الخضراء في نشاط وطني متميز    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العداء للمهاجرين في أوروبا...الخبز اليومي لليمين المتطرف
نشر في الرهان يوم 26 - 11 - 2010

بينت دراسة حديثة أن أوروبا في حاجة ماسة إلى مهاجرين، وهذا ما أكدته لجنة حكماء الإتحاد الأوروبي في تقرير لها تجاهلته وسائل الإعلام والأحزاب التقليدية الأوروبية على السواء، في جو اقتصادي واجتماعي صعب يخيم على القارة العجوز، أول مستفيد منه اليمين المتطرف.
أصبح العداء للمهاجرين لعبة مفضلة لدى الأحزاب المتطرفة في أوروبا. وبارتفاع أسهم شعبيتها في الأوساط المختلفة للقارة العجوز، يزداد التهديد ضد المهاجرين مهما كانت عرقياتهم، وإن كان اليوم المستهدف الأول من هذا العداء هو المهاجر الذي يتدين بالإسلام.
يحدد المراقبون انطلاق تنامي العداء ضد المهاجرين في أوروبا، ابتداء من أحداث 11 أيلول سبتمبر الإرهابية. ويوضحون أن المهاجرين المسلمين أدوا الثمن غاليا جراء هذا الاعتداء، بسبب الفهم الخاطئ لدى السواد الأعظم من الأوروبيين للإسلام، وعجز حكومات الدول الإسلامية عن التعريف بثقافات شعوبها، والاستغلال الوضيع لأحزاب اليمين المتطرف لهكذا وضعية.
المهاجرون عبء على الحكومات
في ظل أزمة اقتصادية وإجتماعية عصيبة تمر منها أوروبا، ينظر إلى هؤلاء المهاجرين على أنهم عبء إضافي على ميزانيات الحكومات الأوروبية، ما فرض على الحكومات اليمينية المعتدلة تعديل خطابها تجاه الهجرة، بل وتشديد قوانينها، رغم أن كل الدراسات تفيد أن البلدان الأوروبية في حاجة ماسة إلى مهاجرين لعوامل اقتصادية وديمغرافية.
ومع الضغط الذي أصبح يمارس على القوى السياسية المعتدلة، اضطرت هذه الأحزاب إلى إعطاء خطابها السياسي لمسة إضافية تنسجم مع حاجتها الانتخابية، حتى أن بعض المراقبين يقرون بأنه لا مناص من التعاطي مع قضايا الهجرة والإسلام بلغة أخرى إن أرادت التنظيمات اليمينية التي ظلت محسوبة على صف المعتدلين أن يكون لها مستقبل في المحطات السياسية المقبلة.
كراهية علنية للأجانب
توماس هامبيرغ الدبلوماسي السويدي ومفوض حقوق الإنسان في المجلس الأوروبي، أن القوى التي توجد على النقيض إيديولوجياً من أفكار اليمين المتطرف، وجدت نفسها "تقدم تنازلات، وتنحو تجاه منح نوع من الشرعية للغرور والكراهية العلنية للأجانب"، مضيفاً أن "الزعماء السياسيون ككل أخفقوا في مواجهة الأساليب النمطية الخاصة بالخوف من الإسلام"، بل يركبون على نفس معادلات اليمين المتطرف كما يلمس ذلك في تصريح لرئيس الوزراء البريطاني الذي قال بخصوص الهجرة "إن معدل الهجرة في هذه البلاد بات مرتفعا للغاية منذ زمن طويل، وسنقوم بخفضه بشكل قوي"، وكذلك أو ساركوزي عندما قال:"يجب على المسلمين احترام الإرث المسيحي لفرنسا".
في خضم هذا الوضع بدأت الكثير من المفاهيم التي خلقت لإعطاء وجه شرعي لوجود المهاجر ببلدان الاستقبال، في التلاشي. ومنها مثلاً ، وإن لم تكن أهمها في وقت من الأوقات، مفهوم "الاندماج" الذي يحارب اليوم على نطاق واسع من العديد من رموز اليمين، وعوض بما أصبح يعرف "بالتماهي" داخل مجتمعات الاستقبال، وهو ما يعني للمهاجرين الانسلاخ عن الهوية الأصلية، وضرب كل مفاهيم التعدد الثقافي داخل المجتمع الواحد. والخطير في الأمر أنه يتم بتزكية خالية من كل العقد من قبل الزعماء الحكوميين، كما كان شأن أنجيلا ميركل مؤخرا عندما صرحت أن "محاولة بلادها للوصول إلى مجتمع متعدد الثقافات فشلت تماما".
إسلاموفوبيا
وأقر جمال ريان، المتخصص في قضايا الهجرة ومسؤول الإعلام والتواصل في المنبر المدني لمغاربة أوروبا في مقابلة مع "إيلاف"، "بتصاعد شعبية اليمين المتطرف في أكثر من دولة أوروبية"، كما أشار إلى "تنامي الإسلاموفوبيا بهذه البلدان، التي إنتعشت في ظل سياسة عالمية طغى عليها محاربة الإرهاب"، مستغلة كما يقول ريان "الظروف العالمية حيث تبنت خطابا يناهض "أسلمة أوروبا" ويدافع بشكل قوي عن ديموقراطية أوروبية بعيدة عن الإسلام والمسلمين، والمستهدف من كل ذلك هو الجالية المسلمة بأوروبا، ولعل نماذج النمسا وسويسرا وهولندا خير دليل على ما أقول". ويرى ريان أن "الديموقراطية هي المستهدفة باعتبار كل الدساتير تنص على حرية الأفراد في الاعتقاد، وباسم الديموقراطية تغتال الديموقراطية، وباسم حرية التعبير تشنق الحرية".
لا يتفق ريان وهو أيضاً رئيس حركة المغاربة الديموقراطيين بالخارج، على وصف المهاجرين "بالأجانب"، معتبرا "أننا الآن أمام أوروبيين من أصول غير أوروبية وفي هولندا تطور المصطلح إلى الهولنديين الجدد".
ويفسر وجهة نظره بالقول:"الكل يتمتع بنفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، في إطار إحترام القوانين الجاري العمل بها. السؤال هنا يحيلني إلى تحديد مفاهيم آخر أجيال الهجرة المتتالية، إذ نجد أنفسنا أمام مواطنين أوروبيين من أصول غير أوروبية يتساوون مع باقي المواطنين، وليس لهم إمتيازات بل يعيشون بثقافات ومعتقدات مختلفة"، موضحاً أن "العنصرية من هذه الزاوية تعمل على تهميشهم وإقصائهم من الحياة العامة، وتعتبرهم خطرا على ثقافتها بالمفهوم الإنتربولوجي للثقافة".
الإحتماء بمعاداة الإسلام
لا يرى ريان أن هولندا، التي يقيم بها، بؤرة سوداء في العنصرية بأوروبا، معتبرا "أن هولندا لم تكن في معزل عما يقع في العالم. فأحداث 11 سبتمبر، وإغتيال المخرج الهولندي فان خوخ، وتنامي الإجرام وسط الشباب، دفع بالمجتمع الهولندي إلى الإحتماء وبشكل غير مسبق بحزب الحرية المعادي للإسلام والأجانب عموما. بالإضافة إلى الأزمة الإقتصادية العالمية.". ويشير في السياق ذاته إلى أنه "يمكن إعتبار هذا الإختيار بمثابة خوف غير مبرر من التطور الذي عرفته الجالية المغربية هنا، إذ أصبح لها وزنها وتمكنت من الوصول إلى مراكز القرار"، كما أكد أن "الخطر العنصري قادم وينتشر في كل أوروبا وعلينا التصدي له بحماية الديموقراطية والحرية التي تنعم بها أوروبا".
أسباب العداء مختلفة
لا يمكن ربط هذا العداء للمهاجرين بالأزمة الاقتصادية والظروف الاجتماعية لبعض الدول فقط، فسويسرا والنمسا لم تقعا في ضائقة من هذا القبيل، إلا أن اليمين المتطرف ممثلا في حزب الشعب في سويسرا، وحزب الحرية في النمسا سجلا تقدما مهما في الاستحقاقات الأخيرة.
ويفسر ريان هذا الأمر بأنه لا يمكن "إعطاء نموذج موحد أوروبيا لتنامي ظاهرة كراهية الأجانب، فالأسباب تختلف من بلد أوربي لآخر، والنتائج واحدة هي الإقصاء والتهميش ومحاربة "الإسلام""، مضيفا أن "ما وقع في النمسا وسويسرا هو أقرب منه إلى النازية لاعتبارات عرقية تحاول "تنظيف" هذه الدول من كل الثقافات "الدخيلة"، وهذا في رأيي أخطر مما نعيشه في هولندا. وكذلك يمكن الحديث عن فرنسا وإيطاليا اللتان صادقتا على قوانين تذهب إلى حد مصادرة الجنسية. فاليمين واحد وتمظهراته وشعاراته مختلفة"، بحسب تعبير ريان.
وحول دورالمجتمع المدني أوروبيا في إعادة الاعتبار للمهاجرين بالقارة العجوز، قال ريان "أولا يجب الإشارة هنا أن لا وجود لوحدة في التصور، وذلك راجع إلى تنوع وتعدد الإطارات، لكن هناك إجماع ضمني لهذه المؤسسات على الوقوف بحزم ضد أي إقصاء أو تهميش والدفاع بشكل جماعي على القواعد الديموقراطية التي تتميز بها الدول الأوروبية. فكلما بادر أي منا إلى عقد نشاط حول الموضوع كان الجميع حاضراً، لأن الكل مؤمن بأن هذه المعركة هي واحدة ومصيرية".
كما أكد ريان على أن "المشاركة السياسية مدخل أساسي لمواجهة المد العنصري، وبالتالي إذا كان الخطر يستهدفنا جميعاً فمواجهته تتطلب منا التوحد بإختلاف أصولنا وتوجهاتنا وأنا متفائل في هذا الشأن. فكلما أحسسنا بالخطر كلما توحدنا في مواجهته. وبعد أكثر من خمسة عقود من زمن الهجرة، أصبحنا أمام نخبة بإمكانها إن توحدت مواجهة هذه الموجة أو التسونامي من العنصرية التي تجتاح أوروبا"، يختم مسؤول التواصل والإعلام في المنبر المدني لمغاربة أوروبا حديثه.
حاجة ماسة للمهاجرين ولكن...
وأكدت آخر الدراسات أن أوروبا بحاجة ماسة إلى مهاجرين، لكن وسائل الإعلام تناولتها بالكثير من الخجل، لأنها لا تروق للكثيرين، كما أن اليمين المتطرف بإمكانه استثمارها لصالحه بإعطائها قراءة مغلوطة. وأول ما أشارت إليه هذه الدراسة أن الاتحاد الأوروبي يشيخ ديمغرافيا، وسيتراجع عدد سكانه 48 مليون نسمة بحلول سنة 2060 في حالة عدم التجاء دوله إلى الهجرة.
وبينت الدراسة أن معدل الأعمار سيرتفع من 40.4 سنة 2008 إلى 47.9 سنة 2060، كما أن نسبة من تتجاوز أعمارهم 65 عاما ستنتقل من 17 بالمئة إلى 30 بالمئة. وهذا ما يفيد أن أوروبا يفترض بها مستقبلا فتح أبوابها للمهاجرين إليها، إن أرادت أن تحافظ على استقرار النسبة التي تنشط اقتصادها وبالتالي تدفع رواتب التقاعد للأجيال السابقة.
الحكومات الأوروبية خصوصا في الجزء الغربي من القارة حيث الازدهار الاقتصادي تعي هذا الأمر جيدا، إلا أنها تقنّع هذه الحاجة إلى المهاجرين بمنهجية جديدة خوفا من أي اكتساح مفاجئ للانتخابات من اليمين المتطرف، كما فعلت حكومات الإتحاد بتخصيص بطاقة إقامة خاصة للكفاءات العلمية والمهنية، وسعيها لجلب اليد العاملة المؤهلة في مجالات مختلفة والتي تعاني من نقص فيها، ما يمكن أن يلحق أضرار بنمو البلدان الثالثية التي تصدر هذه الطاقات.
هذا التوجه بضرورة مواصلة سياسة جلب مهاجرين جدد، أكدته لجنة الحكماء بالاتحاد الأوروبي، في تقرير تجاهلته أيضاً وسائل الإعلام الأوروبية، وقد أفاد التقرير أنه "دون الهجرة لن يستطيع الإتحاد الأوروبي مواجهة النقص في العمالة والمهارات في المستقبل". إلا أن الوضع الاقتصادي الحالي للقارة العجوز لا يشجع العواصم الأوروبية على تبني مثل هذه الحقائق، لأنه يقبع في ركن من رؤوسها خوف من خطر محدق اسمه اليمين المتطرف.
بينت دراسة حديثة أن أوروبا في حاجة ماسة إلى مهاجرين، وهذا ما أكدته لجنة حكماء الإتحاد الأوروبي في تقرير لها تجاهلته وسائل الإعلام والأحزاب التقليدية الأوروبية على السواء، في جو اقتصادي واجتماعي صعب يخيم على القارة العجوز، أول مستفيد منه اليمين المتطرف.
------------------------------------------------------------------------
أصبح العداء للمهاجرين لعبة مفضلة لدى الأحزاب المتطرفة في أوروبا. وبارتفاع أسهم شعبيتها في الأوساط المختلفة للقارة العجوز، يزداد التهديد ضد المهاجرين مهما كانت عرقياتهم، وإن كان اليوم المستهدف الأول من هذا العداء هو المهاجر الذي يتدين بالإسلام.
يحدد المراقبون انطلاق تنامي العداء ضد المهاجرين في أوروبا، ابتداء من أحداث 11 أيلول سبتمبر الإرهابية. ويوضحون أن المهاجرين المسلمين أدوا الثمن غاليا جراء هذا الاعتداء، بسبب الفهم الخاطئ لدى السواد الأعظم من الأوروبيين للإسلام، وعجز حكومات الدول الإسلامية عن التعريف بثقافات شعوبها، والاستغلال الوضيع لأحزاب اليمين المتطرف لهكذا وضعية.
المهاجرون عبء على الحكومات
في ظل أزمة اقتصادية وإجتماعية عصيبة تمر منها أوروبا، ينظر إلى هؤلاء المهاجرين على أنهم عبء إضافي على ميزانيات الحكومات الأوروبية، ما فرض على الحكومات اليمينية المعتدلة تعديل خطابها تجاه الهجرة، بل وتشديد قوانينها، رغم أن كل الدراسات تفيد أن البلدان الأوروبية في حاجة ماسة إلى مهاجرين لعوامل اقتصادية وديمغرافية.
ومع الضغط الذي أصبح يمارس على القوى السياسية المعتدلة، اضطرت هذه الأحزاب إلى إعطاء خطابها السياسي لمسة إضافية تنسجم مع حاجتها الانتخابية، حتى أن بعض المراقبين يقرون بأنه لا مناص من التعاطي مع قضايا الهجرة والإسلام بلغة أخرى إن أرادت التنظيمات اليمينية التي ظلت محسوبة على صف المعتدلين أن يكون لها مستقبل في المحطات السياسية المقبلة.
كراهية علنية للأجانب
توماس هامبيرغ الدبلوماسي السويدي ومفوض حقوق الإنسان في المجلس الأوروبي، أن القوى التي توجد على النقيض إيديولوجياً من أفكار اليمين المتطرف، وجدت نفسها "تقدم تنازلات، وتنحو تجاه منح نوع من الشرعية للغرور والكراهية العلنية للأجانب"، مضيفاً أن "الزعماء السياسيون ككل أخفقوا في مواجهة الأساليب النمطية الخاصة بالخوف من الإسلام"، بل يركبون على نفس معادلات اليمين المتطرف كما يلمس ذلك في تصريح لرئيس الوزراء البريطاني الذي قال بخصوص الهجرة "إن معدل الهجرة في هذه البلاد بات مرتفعا للغاية منذ زمن طويل، وسنقوم بخفضه بشكل قوي"، وكذلك أو ساركوزي عندما قال:"يجب على المسلمين احترام الإرث المسيحي لفرنسا".
في خضم هذا الوضع بدأت الكثير من المفاهيم التي خلقت لإعطاء وجه شرعي لوجود المهاجر ببلدان الاستقبال، في التلاشي. ومنها مثلاً ، وإن لم تكن أهمها في وقت من الأوقات، مفهوم "الاندماج" الذي يحارب اليوم على نطاق واسع من العديد من رموز اليمين، وعوض بما أصبح يعرف "بالتماهي" داخل مجتمعات الاستقبال، وهو ما يعني للمهاجرين الانسلاخ عن الهوية الأصلية، وضرب كل مفاهيم التعدد الثقافي داخل المجتمع الواحد. والخطير في الأمر أنه يتم بتزكية خالية من كل العقد من قبل الزعماء الحكوميين، كما كان شأن أنجيلا ميركل مؤخرا عندما صرحت أن "محاولة بلادها للوصول إلى مجتمع متعدد الثقافات فشلت تماما".
إسلاموفوبيا
المتخصص في قضايا الهجرة ومسؤول الإعلام والتواصل في المنبر المدني لمغاربة أوروبا جمال ريان
وأقر جمال ريان، المتخصص في قضايا الهجرة ومسؤول الإعلام والتواصل في المنبر المدني لمغاربة أوروبا في مقابلة مع "إيلاف"، "بتصاعد شعبية اليمين المتطرف في أكثر من دولة أوروبية"، كما أشار إلى "تنامي الإسلاموفوبيا بهذه البلدان، التي إنتعشت في ظل سياسة عالمية طغى عليها محاربة الإرهاب"، مستغلة كما يقول ريان "الظروف العالمية حيث تبنت خطابا يناهض "أسلمة أوروبا" ويدافع بشكل قوي عن ديموقراطية أوروبية بعيدة عن الإسلام والمسلمين، والمستهدف من كل ذلك هو الجالية المسلمة بأوروبا، ولعل نماذج النمسا وسويسرا وهولندا خير دليل على ما أقول". ويرى ريان أن "الديموقراطية هي المستهدفة باعتبار كل الدساتير تنص على حرية الأفراد في الاعتقاد، وباسم الديموقراطية تغتال الديموقراطية، وباسم حرية التعبير تشنق الحرية".
لا يتفق ريان وهو أيضاً رئيس حركة المغاربة الديموقراطيين بالخارج، على وصف المهاجرين "بالأجانب"، معتبرا "أننا الآن أمام أوروبيين من أصول غير أوروبية وفي هولندا تطور المصطلح إلى الهولنديين الجدد".
ويفسر وجهة نظره بالقول:"الكل يتمتع بنفس الحقوق وعليه نفس الواجبات، في إطار إحترام القوانين الجاري العمل بها. السؤال هنا يحيلني إلى تحديد مفاهيم آخر أجيال الهجرة المتتالية، إذ نجد أنفسنا أمام مواطنين أوروبيين من أصول غير أوروبية يتساوون مع باقي المواطنين، وليس لهم إمتيازات بل يعيشون بثقافات ومعتقدات مختلفة"، موضحاً أن "العنصرية من هذه الزاوية تعمل على تهميشهم وإقصائهم من الحياة العامة، وتعتبرهم خطرا على ثقافتها بالمفهوم الإنتربولوجي للثقافة".
الإحتماء بمعاداة الإسلام
لا يرى ريان أن هولندا، التي يقيم بها، بؤرة سوداء في العنصرية بأوروبا، معتبرا "أن هولندا لم تكن في معزل عما يقع في العالم. فأحداث 11 سبتمبر، وإغتيال المخرج الهولندي فان خوخ، وتنامي الإجرام وسط الشباب، دفع بالمجتمع الهولندي إلى الإحتماء وبشكل غير مسبق بحزب الحرية المعادي للإسلام والأجانب عموما. بالإضافة إلى الأزمة الإقتصادية العالمية.". ويشير في السياق ذاته إلى أنه "يمكن إعتبار هذا الإختيار بمثابة خوف غير مبرر من التطور الذي عرفته الجالية المغربية هنا، إذ أصبح لها وزنها وتمكنت من الوصول إلى مراكز القرار"، كما أكد أن "الخطر العنصري قادم وينتشر في كل أوروبا وعلينا التصدي له بحماية الديموقراطية والحرية التي تنعم بها أوروبا".
أسباب العداء مختلفة
لا يمكن ربط هذا العداء للمهاجرين بالأزمة الاقتصادية والظروف الاجتماعية لبعض الدول فقط، فسويسرا والنمسا لم تقعا في ضائقة من هذا القبيل، إلا أن اليمين المتطرف ممثلا في حزب الشعب في سويسرا، وحزب الحرية في النمسا سجلا تقدما مهما في الاستحقاقات الأخيرة.
ويفسر ريان هذا الأمر بأنه لا يمكن "إعطاء نموذج موحد أوروبيا لتنامي ظاهرة كراهية الأجانب، فالأسباب تختلف من بلد أوربي لآخر، والنتائج واحدة هي الإقصاء والتهميش ومحاربة "الإسلام""، مضيفا أن "ما وقع في النمسا وسويسرا هو أقرب منه إلى النازية لاعتبارات عرقية تحاول "تنظيف" هذه الدول من كل الثقافات "الدخيلة"، وهذا في رأيي أخطر مما نعيشه في هولندا. وكذلك يمكن الحديث عن فرنسا وإيطاليا اللتان صادقتا على قوانين تذهب إلى حد مصادرة الجنسية. فاليمين واحد وتمظهراته وشعاراته مختلفة"، بحسب تعبير ريان.
وحول دورالمجتمع المدني أوروبيا في إعادة الاعتبار للمهاجرين بالقارة العجوز، قال ريان "أولا يجب الإشارة هنا أن لا وجود لوحدة في التصور، وذلك راجع إلى تنوع وتعدد الإطارات، لكن هناك إجماع ضمني لهذه المؤسسات على الوقوف بحزم ضد أي إقصاء أو تهميش والدفاع بشكل جماعي على القواعد الديموقراطية التي تتميز بها الدول الأوروبية. فكلما بادر أي منا إلى عقد نشاط حول الموضوع كان الجميع حاضراً، لأن الكل مؤمن بأن هذه المعركة هي واحدة ومصيرية".
كما أكد ريان على أن "المشاركة السياسية مدخل أساسي لمواجهة المد العنصري، وبالتالي إذا كان الخطر يستهدفنا جميعاً فمواجهته تتطلب منا التوحد بإختلاف أصولنا وتوجهاتنا وأنا متفائل في هذا الشأن. فكلما أحسسنا بالخطر كلما توحدنا في مواجهته. وبعد أكثر من خمسة عقود من زمن الهجرة، أصبحنا أمام نخبة بإمكانها إن توحدت مواجهة هذه الموجة أو التسونامي من العنصرية التي تجتاح أوروبا"، يختم مسؤول التواصل والإعلام في المنبر المدني لمغاربة أوروبا حديثه.
حاجة ماسة للمهاجرين ولكن...
وأكدت آخر الدراسات أن أوروبا بحاجة ماسة إلى مهاجرين، لكن وسائل الإعلام تناولتها بالكثير من الخجل، لأنها لا تروق للكثيرين، كما أن اليمين المتطرف بإمكانه استثمارها لصالحه بإعطائها قراءة مغلوطة. وأول ما أشارت إليه هذه الدراسة أن الاتحاد الأوروبي يشيخ ديمغرافيا، وسيتراجع عدد سكانه 48 مليون نسمة بحلول سنة 2060 في حالة عدم التجاء دوله إلى الهجرة.
وبينت الدراسة أن معدل الأعمار سيرتفع من 40.4 سنة 2008 إلى 47.9 سنة 2060، كما أن نسبة من تتجاوز أعمارهم 65 عاما ستنتقل من 17 بالمئة إلى 30 بالمئة. وهذا ما يفيد أن أوروبا يفترض بها مستقبلا فتح أبوابها للمهاجرين إليها، إن أرادت أن تحافظ على استقرار النسبة التي تنشط اقتصادها وبالتالي تدفع رواتب التقاعد للأجيال السابقة.
الحكومات الأوروبية خصوصا في الجزء الغربي من القارة حيث الازدهار الاقتصادي تعي هذا الأمر جيدا، إلا أنها تقنّع هذه الحاجة إلى المهاجرين بمنهجية جديدة خوفا من أي اكتساح مفاجئ للانتخابات من اليمين المتطرف، كما فعلت حكومات الإتحاد بتخصيص بطاقة إقامة خاصة للكفاءات العلمية والمهنية، وسعيها لجلب اليد العاملة المؤهلة في مجالات مختلفة والتي تعاني من نقص فيها، ما يمكن أن يلحق أضرار بنمو البلدان الثالثية التي تصدر هذه الطاقات.
هذا التوجه بضرورة مواصلة سياسة جلب مهاجرين جدد، أكدته لجنة الحكماء بالاتحاد الأوروبي، في تقرير تجاهلته أيضاً وسائل الإعلام الأوروبية، وقد أفاد التقرير أنه "دون الهجرة لن يستطيع الإتحاد الأوروبي مواجهة النقص في العمالة والمهارات في المستقبل". إلا أن الوضع الاقتصادي الحالي للقارة العجوز لا يشجع العواصم الأوروبية على تبني مثل هذه الحقائق، لأنه يقبع في ركن من رؤوسها خوف من خطر محدق اسمه اليمين المتطرف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.