محمد الزلاوي السبت 12 يوليوز 2025 - 1:02 العالم بين تعدد القطبية والحرب العالمية الثالثة خلال القمة السابعة عشرة لمجموعة بريكس المنعقدة في ريو دي جانيرو البرازيلية يومي 6-7 يوليو 2025، ألقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كلمة وجّه فيها انتقاداً لاذعاً للنظام العالمي، مُؤكداً أن "العالم يشهد تحولات جذرية والنظام الأحادي القطبية بات من الماضي." وأَضاف: "نظام العلاقات الدولية القديم الذي يخدم مصالح دول المليار الذهبي ينتهي ويحل عالم متعدد الأقطاب" تشير عبارة المليار الذهبي إلى نظرية أناتولي كوزميتش تسيكونوف الذي اعتبر أن الدول الغنية والنخب العالمية تسعى إلى تجميع الثروة بين أغنى مليار إنسان في العالم (معظمهم من الدول الغربية) واستغلال حياة بقية البشرية. بشكل صريح إذا يعلن الرئيس الروسي حلول عالم متعدد الأقطاب وزوال نظام الامتياز والمليار الذهبي. ولفهم هذا التصريح يجب وضعه في سياق الأحداث والعودة قليلا للوراء في تصريح مثير ومقلق، حذّر الأمين العام لحلف الناتو "مارك روتي" من احتمال اندلاع حرب عالمية جديدة، وذلك خلال مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" نُشرت في الخامس من يوليوز 2025، حينما آكد بالقول: "إذا هاجمت الصينتايوان، قد تطلب بكين من موسكو فتح جبهة ثانية ضد دول حلف الناتو" يأتي هذا التصريح بعد ماأكد سابقا وزير الخارجية الصيني وانغ يي، في نفس الأسبوع خلال لقائه بمسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أن الصين لا تقبل بخسارة روسيا لحربها ضد أوكرانيا. يبدو أن تحالفات العسكرية أصبحت أمرا واقعا للدفاع عن مصالح الدول الصاعدة وأصبح العالم يتوقع علانية حرب عالمية جديدة. تصريحات الأمين العام لحلف الناتو، تضع سيناريو محتمل لهذه الحرب، وتكشف كذلك عن الفشل الذريع للأمم المتحدة في ضمان السلام وحل النزاعات حول العالم. تتزايد المخاوف من انهيار النظام العالمي الحالي، حيث تعجز الأممالمتحدة عن فرض السلام أو حل النزاعات المتزايدة. المشهد الدولي يشهد تحولاً جذرياً مع صعود روسياوالصين عسكرياً واقتصادياً، في مقابل تراجع النفوذ الأمريكي. هذا الخلل في موازين القوى يزيد من احتمالية مواجهة بين هذه القوى العظمى، خاصة مع تزايد رفض القوى الصاعدة للهيمنة الغربية واخرها إيران. النزاعات الدموية التي اندلعت مؤخرًا في مختلف أنحاء العالم هي علامة على إعادة تشكيل للعلاقات الدولية. كل نزاع يقرب العالم أكثر من حافة الهاوية. شبح الصدام المباشر أصبح أكثر وضوحًا في أعين المراقبين. ففي عالمنا، كل حرب مستمرة أو في حالة جمود وكمون دون تسوية حتى الجولة التالية هي نقطة محتملة لاندلاع هذه الحرب العالمية الثالثة، مثلا، الصراع على الكشمير بين الهند وباكستان. كان سابقا نظام بشار الأسد سدًا منيعًا أمام الصدام المباشر. سقوطه حرر الطريق للاحتكاك أوسع والمباشر مع القوى الصاعدة مثل إيرانوروسياوالصين، حيت كانت الأرض السورية مكان لحرب عالمية مصغرة بالوكالة. التحالفات تتعزز يوما بعد يوم وتظهر الواقعية السياسية أهمية التحالف لضمان سيادة الدول وسلامة أراضيها. من يوغوسلافيا السابقة إلى العراق، مرورًا بليبيا وسوريا، حيث أُطيح بزعمائها بسبب التدخلات الأجنبية. بعيدًا عن إعادة استقرار، انتهاك سيادة الدول يثير خلافات واضطرابات تمتد إلى الدول المجاورة. في الشرق الأوسط، تتصاعد حدة المواجهة بين إيران من جهة، وإسرائيل والولاياتالمتحدة من جهة أخرى. حيث يعتقد العديد من المراقبين أن حرب الاثني عشر يومًا بين إسرائيل وحليفتها الولاياتالمتحدة ضد إيران ليست سوى الجولة الأولى. فبعد الهجوم الإيراني الأخير على قاعدة "العديد" في قطر، أعلنت طهران تعليق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بينما تواصل تعزيز تحالفاتها مع موسكووبكين ما يكشف عن تحالف استراتيجي واسع النطاق. أسباب هذه الحرب كانت بوضوح البرنامج النووي الإيراني الذي ما يزال قائما وقيد التنفيذ وفقًا لأعلى مستوى في الجهاز الحكومي الإيراني خامنئي: "فشلت إسرائيل والولاياتالمتحدة في تحقيق أهدافها الحربية، وقد وجهنا ضربة قاصمة لواشنطن في قاعدة العديد." من جانبها، وقفت روسيا بجانب إيران واستفادت جيدًا من هذا التصعيد في الشرق الأوسط لتتقدم بصمت بعيدًا في عمق الأراضي التي يسيطر عليها الأوكرانيون. القوات الروسية تسيطر الآن على بلدة شيفتشينكو مع منجم الليثيوم فيها. عندما نعلم أن هذا التقدم الجديد يؤثر على الاتفاقيات الأوكرانية مع واشنطن التي وُقعت قبل بضعة أسابيع، فهذه ضربة قوية للولايات المتحدة. التقدم الروسي يوجه ضربة شديدة لخطط أوكرانيا في تزويد الولاياتالمتحدة بالمعادن النادرة الاستراتيجية. الجيش الروسي يواصل تقدمه ويسيطر أيضًا على بلدة كامار، آخر معقل للقوات الأوكرانية على الحدود الجنوبية لجمهورية دونيتسك الشعبية. بعد تحرير الأراضي الروسية (كورسك وبيلغورود)، الانتصارات الجديدة في دونيتسك ولوغانسك وخاركوف تبرز بوضوح عن إرهاق الأوكرانيين وانتصار روسيا أمام أوكرانيا وحلفائها. السؤال الآن هو: هل ستتقبل الولاياتالمتحدةالأمريكية تراجع هيمنتها على العالم وولادة التعددية القطبية والعمل على التسويات لإنهاء النزاعات، أم ستطيل أمد هذه الحروب إلى حين اندلاع الحرب العالمية الثالثة الحاسمة لتحديد موازين القوى في العالم؟ باحث في العلوم السياسية الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة