أخنوش من الناظور: أوفينا بالتزاماتنا التي قدمناها في 2021    الولايات المتحدة.. قتيلان و8 مصابين إثر إطلاق نار داخل حرم جامعي    جهة الشرق.. أخنوش: نعمل على جلب شركات في قطاعات مختلفة للاستثمار وخلق فرص الشغل    تعاون البرلمان يجمع العلمي وسوليمان    مسؤول ينفي "تهجير" كتب بتطوان    الدار البيضاء… توقيف 14 شخصا يشتبه في تورطهم في قضية تتعلق بالعنف المرتبط بالشغب الرياضي    طنجة تجمع نخبة الشرطة في بطولة وطنية قتالية (صور)    افتتاح وكالة اسفار ltiné Rêve إضافة نوعية لتنشيط السياحة بالجديدة        ثلوج المغرب تتفوّق على أوروبا...    إطلاق قطب الجودة الغذائية باللوكوس... لبنة جديدة لتعزيز التنمية الفلاحية والصناعية بإقليم العرائش        إسرائيل تعلن قتل قيادي عسكري في حماس بضربة في غزة    البنك الإفريقي للتنمية يدعم مشروع توسعة مطار طنجة    تساقطات غزيرة بولاية تطوان تتسبب في خسائر مادية وتعطل حركة السير و الجولان    تفكيك شبكة إجرامية تُهرّب الحشيش من المغرب إلى إسبانيا عبر "الهيليكوبتر"    مونديال 2026 | 5 ملايين طلب تذكرة في 24 ساعة.. ومباراة المغرب-البرازيل الثانية من حيث الإقبال        إنذار كاذب حول قنبلة بمسجد فرنسي ذي عمارة مغربية    غوتيريش يعلن انتهاء "مهمة العراق"    الرجاء يعود من السعودية ويواصل تحضيراته بمعسكر مغلق بالمغرب    تدخلات تزيح الثلج عن طرقات مغلقة    نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية وأمطار قوية أحيانا رعدية مرتقبة اليوم السبت وغدا الأحد بعدد من مناطق المملكة    سلالة إنفلونزا جديدة تثير القلق عالميا والمغرب يرفع درجة اليقظة    بونيت تالوار : المغرب يعزز ريادته القارية بفضل مبادرات صاحب الجلالة    رسالة سياسية حادة من السعدي لبنكيران: لا تراجع عن الأمازيغية ولا مساومة على الثوابت    ميسي في الهند.. جولة تاريخية تتحول إلى كارثة وطنية    محمد رمضان يحل بمراكش لتصوير الأغنية الرسمية لكأس إفريقيا 2025    بورصة البيضاء .. ملخص الأداء الأسبوعي    تعاون غير مسبوق بين لارتيست ونج وبيني آدم وخديجة تاعيالت في "هداك الزين"    مجلس السلام خطر على الدوام /1من2    من الناظور... أخنوش: الأرقام تتكلم والتحسن الاقتصادي ينعكس مباشرة على معيشة المغاربة                مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    نقابات الصحة تصعّد وتعلن إضرابًا وطنيًا باستثناء المستعجلات    المغرب: خبير صحي يحدّر من موسم قاسٍ للإنفلونزا مع انتشار متحوّر جديد عالمياً    الممثل بيتر غرين يفارق الحياة بمدينة نيويورك    كأس أمم إفريقيا 2025.. "الكاف" ولجنة التنظيم المحلية يؤكدان التزامهما بتوفير ظروف عمل عالمية المستوى للإعلاميين المعتمدين    القنيطرة .. يوم تحسيسي تواصلي لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة    حبس الرئيس البوليفي السابق لويس آرسي احتياطيا بتهم فساد    السغروشني تعلن تعبئة 1,3 مليار درهم لدعم المقاولات الناشئة    الركراكي يرفع سقف الطموح ويؤكد قدرة المغرب على التتويج بالكان    تشيوانتشو: إرث ابن بطوطة في صلب التبادلات الثقافية الصينية-المغربية    الإقصاء من "الكان" يصدم عبقار    بنونة يطالب ب «فتح تحقيق فوري وحازم لكشف لغز تهجير الكتب والوثائق النفيسة من المكتبة العامة لتطوان»    "الأنفلونزا الخارقة".. سلالة جديدة تنتشر بسرعة في المغرب بأعراض أشد وتحذيرات صحية    يونيسكو.. انتخاب المغرب عضوا في الهيئة التقييمية للجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الارتفاع    تناول الأفوكادو بانتظام يخفض الكوليسترول الضار والدهون الثلاثية    تيميتار 2025.. عشرون سنة من الاحتفاء بالموسيقى الأمازيغية وروح الانفتاح    منظمة الصحة العالمية .. لا أدلة علمية تربط اللقاحات باضطرابات طيف التوحد    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاقتصاد المغربي بين سوء التدبير المالي وسوء تدبير المؤهلات البشرية
نشر في أسيف يوم 25 - 10 - 2010

ما من برنامج وما من تقييم وما من طاولة مستديرة وما من خلاصات وغيرها إلا وتبرز إشكالية التدبير والحكامة الجيدة، خصوصا في مجال الشأن العام، كسبب رئيسي لتفسير سلبيات نتائج تسيير مرفق أو قطاع معين ومضاعفاته على أفراد الساكنة انطلاقا من الحي حتى تهم معظم الشعب. كم نود أن يقل الاستعمال المفرطة لهذا المصطلح تفاديا لتجنب فقدانه لقوته وخاصة هيبته. كم من مصطلح، لكثرة استعماله، فقد جوهره وهيبته.وما أشارت إليه تقارير المجلس الأعلى للحسابات إلا تأكيد لهذه الخلاصة. إذا كان المهم بالنسبة للرأي العام الوطني هو ما أشار إليه هذا التقرير والتحقيقات وحتى الاعتقالات التي شملت عدة مسئولين ومساعديهم، فالمسألة في جوهرها وبالتأكيد نابعة من سوء تدبير الكفاءات الوطنية. والفاعل الأساسي في هذه الوضعية يعود بالأساس إلى الأحزاب السياسية التي تقوم بتدبير مصالح الشعب انطلاقا من الحي كمستوى أدنى إلى أعلى مستوى أي الوزارات والإدارات العمومية وغيرها.
لقد بات مسلما به، وللأسف، أن انتقاء الكفاءات لا تقوم على معايير موضوعية وعلمية بل على أساس معيار القرابة أو الصداقة أو تبادل الخدمات أو الانتماء إلى تيار معين أو غيرها من المعايير التي لا علاقة لها بتاتا لا بالمؤهلات ولا بالقدرات الفكرية ولا بالخبرة. يمكن القول أن هذه الظاهرة قد تهم القطاع العام أكثر منه القطاع الخاص الذي بالرغم من بعض الاستثناءات يسعى إلى ضم المؤهلات التي بإمكانها الابتكار والإبداع وخلق قيمة مضافة للمؤسسة الخاصة. هذا مع العلم أنه بالرغم من بعض الاستثناءات لقد وجد القطاع الخاص نفسه في موقف مريح لكون غالبية مدبريه هم من الأعيان الذين أضيف إليهم "سلهام الحصانة" أمام صد أبواب القطاع العام وما تشوبه من فضائح ليبقى مبدأ تخليق الحياة العامة دون جوهر ومجرد علكة. فسوء التدبير المالي هو في أصله ناجم عن سوء تدبير بشري. لكون العامل البشري هو فاعل كل فعلة والغافل أو الفاضح لكل فعلة. وهذا الأمر جاري به العمل في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. أروني منتخبا واحدا أو برلمانيا واحدا، عند توليه تدبير شؤون جماعته أو مدينته (إذا كان عمدة) قام بضم، إلى أعضاء ديوانه أو فريق عمله، إحدى المؤهلات البشرية المنتمية إلى المقاطعة أو الجهة أو حتى المدينة... التي انتخب فيها ؟ حتى المدراء على صعيد مديريتهم "لكونهم يعتبرونها ملكهم وليست مرفقا عاما" إذ نجدهم محاطون بذوي القربى وذوي الوصاية والأصدقاء أي أشخاص لا أهمية ولا أولوية تعطى لمؤهلاتهم وخبرتهم. المهم في هذا هو الاقصاء والتهميش المؤدي إلى سوء المردودية؛ والأهم والخطير هو اعتقاد المقربين بأنه بإمكناهم القيام بفعل كل شيء بذريعة أنهم تحت "الحماية". إنهم لا يعلمون أن الحماية الحقيقية تكمن في السلم الاجتماعي ولا شيء سواه.أما المهمشين والمقصيين، بدون سبب موضوعي، فلا حماية لهم خوفا من تشريد عائلاتهم وخاصة في الغياب التام للنقابات التي فقدت مصداقيتها ووزنها، بنفسها وبما قامت وتقوم به وبالتالي وجب إعادة النظر في تشكيل المشهد النقابي كما هو قائم بخصوص المشهد الحزبي. وإذا كان للنقابات أي رد على هذا الجزم، فلتنظر كيف تتحرك مثيلاتها في دول الضفة الشمالية للمتوسط، بطريقة حضارية وعلمية (لكونها على دراية بوضعية اقتصاد بلادها) جاعلة من الحوار مع حكومتها مسألة روتينية ومرنة تكلل في كل الأحوال بإيجاد حلول مرضية ومتوافق بشأنها للمسائل المطروحة للنقاش ويتم هذا في أسرع الأوقات وليس لسنوات حيث يتراكم ويتشابك الماضي بالحاضر... فجوهر المسألة هو ضرورة وجود زعماء نقابيين مؤهلين، مثقفين، وعلى دراية بما يمكن لاقتصادهم التوفير لمن وضعوا فيهم الثقة لتمثيلهم. فالمسألة هي مسألة ثقة متبادلة والثقة المتبادلة أساسها التواصل المستمر بالمواطن ونهج أسلوب القرب والإنصات. فهذا المبتغى هو في الواقع جد سهل لكون آلياته الأساسية والجوهرية تكمن في العنصر البشري وضميره وتكوينه وطابعه الاجتماعي. فإذا كان الحوار الاجتماعي ،كمثال، يعرف تعثرا، ولا أقول فشلا لكون التفاؤل هي الميزة التي يجب أن يتحلى بها جيل اليوم في ظل ما يقوم به وما يسعى إلى تحقيقه عاهل البلاد ومن خلال التمعن في خطبه السامية وما تتضمنه من توجيهات وتعليمات للفاعلين السياسيين بصفة خاصة ولكل الفاعلين المعهد إليهم تدبير شؤون المواطنين، فذلك راجع بالأساس إلى عدم نضج فكر المتحاورين لكونهم يتخذون من مواضيع النقاش مسألة شخصية متميزة بالمعاكسة والأنانية من أجل المعاكسة السلبية فقط والبحث عن المواقع والمكتسبات الواهية، متجاهلين أن الموضوع يهم المواطن ولاشيء سوى المواطن. ولا غرابة في جدية وواقعية المثل الشعبي المغربي الذي يقول "اللي غطاك ابخيط، غطيه ابحيط". فإذا ما تم بطلان هذا المثل، سننجح في تخطي إشكالية التواصل بين المنتحب والناخب. إن المكتسب الواقعي والايجابي هو تحقيق ما يطمح إليه عاهل البلاد من خلال تجاوز الأنانية والتحلي بالتفاوق والتجند لخدمة الشعب. لقد مل المواطن من التواصلات الموسمية ولم يعد يؤمن إلا بالمنجزات التي وعد بها. فالخطاب التواصلي يجب أن تتلوه إنجازات لتتلوه الثقة وبالتالي الاستمرارية و"على الفاهم أن يفهم".فإذا شهد المجلس الأعلى للحسابات دينامية جد إيجابية ومحمودة بالرغم من أن فاعلية ما يقوم به ستتطلب موضوعيا استكمال ورش إصلاح القضاء، ما نود بلوغه أو ما نطمح إلى تفعيله هو توسيع اختصاصات المجلس الأعلى للحسابات بمعنى أن المجلس ينصب بالأساس على تشخيص والتدقيق في الجانب المحاسباتي والمالي المحض لهذه المؤسسة أو تلك. وبالرغم من كون أن واجب هذه المؤسسة مقلق للبعض، فان هذه المهمة الايجابية يمكن إثراؤها لكونها واجهة لعملة واحدة، وجب لكي تكتمل، تشخيص والتدقيق في ما يتعلق بالعنصر البشري داخل المؤسسة: الكيفية التي تمت بها صياغة هيكلة بعض المؤسسات العمومية، تطابق قانونها، في شقه البشري، مع مقتضيات قانون الوظيفة العمومية، احترام بنود القانون المتعلق بموظفي المؤسسات العمومية من ناحية الترقيات، التعويضات، مطابقة مؤهلات الموظف والمنصب الذي يحتله داخل المؤسسة... فهذه النقط ونقط أخرى لها صلة مباشرة بتدبير الشأن المالي للمؤسسة. كما أن وجود خلل في هذا المجال له آثار سلبية على ظروف عمل الإطار ومردوديته وينجم عنه ما يسمى ب"الحقد المهني" (le mépris professionnel). علاوة على هذا، إن مهمة تشخيص حصيلة (bilan) وكذا المصاريف والموارد (Charges et Produits) ، توضح مدى جدية التدبير المالي للعنصر البشري داخل المؤسسة العمومية وبالتالي فالتشخيص يجب أن يكون شموليا وغير مقتصر على الصفقات العمومية. والأكيد أن التجاوزات في تدبير الشأن المالي للمؤسسة له علاقة وطيدة بسوء تدبير ما يهم العنصر البشري. فكلا العنصرين وجهان لعملة واحدة: حسن التدبير الشمولي المالي والبشري للمؤسسة. ونتساءل كيف يعقل أن تقوم مؤسسة عمومية، خاصة تلك المتوفرة على موارد بشرية تضم مهندسين ومعماريين واقتصاديين وقانونيين وغيرهم، بالاعلان عن طلب عروض قصد إعداد مجرد دراسة جدوى أو إمكانية إنجاز مشروع متواضع؟ ربما هناك تعليلين لهذه المسالة: فإما أن المسئول عن المؤسسة العمومية لا ثقة لذيه في المؤهلات البشرية المتوفرة داخل مؤسسته وهذا التصرف يمكن أن يفهم إما كاحتقار للعنصر البشري المتواجد بالمؤسسة أو لكونه، وبكل بساطة وواقعية، على علم بأن توظيفها لم يتم بطريقة موضوعية وعلمية. أما التعليل الثاني فلا تفسير له إلا في ذهن مدبر شؤون المؤسسة العمومية وأعوانه المقربين لكونه هو الذي يرغب في تمرير الصفقة لمؤهلات بشرية، مكاتب للدراسات والخبرة، خارج مؤسسته، إنه من الأكيد ان دور المجلس الاعلى للحسابات، من خلال التشخيص الشمولي، أي المالي والبشري، سيمكن من التصدي لهذه الظاهرة لكونها تبدير للمال العام ذلك أن العنصر البشري المؤهل متواجد ويتقاضى أجره للقيام بعمله ولكنه لا تستند إليه مهامه الملائمة لمؤهلاته، وفي نفس الوقت تبدير للمال العام لأنه لا إيجابية في منح عمل لجهة خارج المؤسسة إذا كان بالامكان القيام به اعتمادا على ما تتوفر عليه المؤسسات من عنصر بشري مؤهل. وبطبيعة الحال فالاستثناء موجود بخصوص بعض المؤسسات التي لا تتوفر على العنصر البشري الكافي من وجهة الاختصاصات. من المؤكد ان المجلس الأعلى ماض في تفعيل ركن رئيسي من أركان المفهوم الجديد للسلطة وفق التعليمات السامية لعاهل البلاد: تعليمات تصر على أنه لا احد ولا مؤسسة عمومية تعلو على القانون، ضرورة الرقي بكرامة المواطن المغربي لكونه أساس التنمية الاقتصادية والاجتماعية، جعل مصلحة البلاد فوق كل مزايدات ديماغوجية. الخلاصة تكمن في ان الرقي بالاقتصاد الوطني رهين بالرقي بالعنصر البشري بل هو ابرز ركائزه. فالاقتصاديات المتقدة لم تتقدم إلا بالتناغم بين التنمية، وخاصة حسن تدبير خلق وتوزيع ثروة البلاد؛ والتغيير في المجال الاجتماعي ، بمعنى تأهيل العنصر البشري وتمكينه من التدرج الاجتماعي بهدف توسيع الطبقة المتوسطة؛ والتطور والازدهار كهدف يضمن للمغرب الانضمام المستحق لدول حوض البحر الأبيض المتوسط، المشروع السائر في طور الانجاز والهادف إلى جعل المنطقة تكتلا جهويا او منظومة جهوية هدفها الرقي الاقتصادي والاجتماعي والإستقرار السياسي لمجموع شعوب دول منطقة البحر الأبيض المتوسط. فالتحدي كبير والمبتغى ضروري وحيوي وعموده الفقري رغبة واستعداد العنصر البشري ولا شيء أغلى وأهم من العنصر البشري.باحث في العلوم الاقتصادية والاجتماعية

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.