من الأوراش المفتوحة وطنيا ومحليا المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أعلن عن انطلاقها جلالة الملك منذ 2005. ومن أجل مقاربة هذا الموضوع المهم سأركز في هذا التحليل على محاور ثلاثة تهم الجانب الاجتماعي والحصيلة والتقويم. أولا: دلالة وامتداد المجال الاجتماعي لايمكن أن نتحدث عن أي مجال إلا إذا استطعنا أن نبني المنظومة الديمقراطية التي تفتح باب الثقة والمواطنة والمشاركة والتقليص من القلاقل واحترام المؤسسات ونشر السلم والاستقرار وغيرها من الأسس التي يبنى عليها المجتمع والدولة. وهناك إشكالات مطروحة في المنطقة على هذا المستوى كيف يمكن بناء منظومة اجتماعية دون تعزيز البعد الديمقراطي؟ إلى أي حد تأهل المجتمع المدني من أجل تكريس الاختيار الديمقراطي؟ ما دور النخب السياسية والفكرية والإدارية في هذا البناء؟ والملاحظ أن المغرب استطاع أن يؤسس خيارا خاصا به. خاصة على المستوى الاجتماعي. رغم الإكراهات والتعقيدات انطلاقا من مؤشرات مؤسساتية خاصة على المستوى الحقوقي، ثم الحكامة الجيدة والرؤية الاستباقية للمستقبل. وبناء على هذه الرؤية يلزم الاهتمام بالورش الملكي المتعلق بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والاعتناء خصوصا بالشباب والنساء، وغالبا ما يدمج التشغيل والتعليم والصحة في المجال الاجتماعي والتي تخصص لها الحكومات أكثر من خمسين بالمئة. من الميزانية السنوية ثم إحداث التوازن بين القرية والمدينة خاصة وأن الشق الديمغرافي عرف تطورا كبيرا. ومدى تطبيق المقاربة التشاركية وسياسة القرب. وعدم التصنيف بين الناس والأخذ بعين الاعتبار نتائج البحوث والاستشارات التي يتقدم بها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. مع التركيز أخيرا على التقويم وربط المسؤولية بالمحاسبة. وفي تقديري أن العوائق التي ما زالت تفرمل غالبا الاختيار الاجتماعي هي عدم التحرر من الذات وانخفاض نسبة النمو مما يؤثر على درجة حرارة التضامن والتآزر وتوسيع الدائرة بين الطبقات وتضرر الطبقة المتوسطة التي تؤسس دوما للوسطية والاعتدال داخل النسيج الاجتماعي. إضافة إلى مأسسة الفساد والاستبداد أحيانا. ورغم كل هذا فإن الأمل مفتوح من اجل بناء الثقة المؤهلة لوضع سياسة اجتماعية، رشيدة ،ومن المؤشرات الدافعة لهذا الأمل التصويت على دستور متقدم، والعمل المتواصل لجلالة الملك، وتوفر إرادة للتغيير من خلال الحماية الاجتماعية، والرفع من المستفيدين من الحماية الصحية والعمل على تطوير وثيرة التشغيل، والحكامة على مستوى السياسات العمومية والاستثمار في مجال الرأسمال البشري. إننا نتوفر على بنية حضارية وثقافية عميقة وواقعا يتسم بالسلم والاستقرار لذلك يلزمنا الاجتهاد على المستوى الحزبي والسياسي والمدني...حتى نكون في مستوى اللحظة، لحظة الحرية والديمقراطية، خاصة ونحن مقبلون على جهوية متقدمة تعتمد العمل المندمج والمتكامل والمقاربة التشاركية والمجالية والترابية والانتقال من جماعات محلية إلى ترابية نظرا لاختلاف المقاربة. ثانيا المبادرة الوطنية للتنمية البشرية الانطلاق والحصيلة. لاغرو أن السياسات المتبعة خلال التاريخ أعطت خريطة غير منصفة حيث ثم إغناء الغني وتفقير الفقير والتقليص من الطبقة المتوسطة، كل هذا ساهم في تعميق الجرح الاجتماعي. واستدراكا للأمر وتقليصا للفقر والتهميش ودعما للطبقة المهمشة أعلن جلالة الملك سنة 2005 عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. وبناء على ذلك تعبا الجميع من أجل انجاح هذا الورش الكبير والسؤال المطروح هو هل فعلا استطاعت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أن تشكل نموذجا اجتماعيا مندمجا وشاملا؟ ما نصيب الحكامة من هذا العمل بعد مرور تسع سنوات؟ هل فعلا حققت المبادرة تنمية مستدامة؟ هل نتوفر على أرضية صلبة للامركزية واللاتمركز؟ كيف تم توظيف الشراكات والتعاقد في انجاح ورش المبادرة؟ إن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عمق استراتيجي لسياسة القرب. فبقدر ما تسعى لتدعيم الاجتماعي والاقتصادي داخل الفضاء الجهوي والمحلي فإنها تقارب المشاكل الآنية اعتمادا على الحاجيات. وبعد انتهاء الفترة الممتدة من 2005 إلى 2010 أي المرحلة الأولى دخلنا غمار المرحلة الثانية بتوسيع الفضاءات والفئات المستهدفة، وتطوير البرامج والموارد المخصصة. بعد كل هذا هل يمكن القول بأن الاهداف المسطرة قد تحققت خاصة على المستوى البشري؟ حسب المصادر الرسمية فإن المبادرة أحدثت أكثر من ستة آلاف مشروع مدر للدخل منذ انطلقت باستثمار قدر بمليار درهم وأربعة وتسعين. مساهمة المبادرة بلغت مليار درهم واثنين وعشرين، همت مجموعة من القطاعات الفلاحة والتجارة والصناعة الصغيرة وخدمات القرب والصناعة التقليدية . وكون التأهيل الترابي أصبح محوريا في برامج المبادرة فإنه تم تخصيص خمسة ملاييردرهم في هذا المجال. استهد فت مليون من الساكنة. إننا بمناسبة الذكرى التاسعة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية نسجل الملاحظات التالية: 1/ من الواجب العودة إلى نتائج المرصد الوطني للتنمية البشرية من اجل الاستفادة وتدارك النقص. 2/ ضرورة إخضاع المبادرة الوطنية للنقد قصد تطويرها بدل اعتماد المدح فحسب. 3/ ضرورة تنظيم الالتقائية بين مشاريع المبادرة والقطاعات الوزارية والإسراع بإصدار ميثاق اللاتركيزوالاستفادة من المقتضيات الدستورية في هذا الباب. 4/ التحكم في كل أشكال التنسيق والتقليص من التداخل بين الاختصاصات. 5/ إن ذكر بعض السلبيات التي تعتري المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لا يعني طمس ايجابيتها التي نعيشها جميعا. 6/ إن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ليست برامج ومشاريع فحسب وإنما هي كذلك فلسفة وقيم واختيار سوسيو اقتصادي هادف ومن الواجب أن نلقن الفئات المشتغلة في هذا الباب هذا النفس التربوي. 7/ إن من شروط إنجاح المبادرة هو إحداث التكاملية بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية والمواطنة. 8/ وأخيرا وليس آخرا هناك ضرورة ملحة للاجتهاد في مجال الحكامة بكل امتداداتها. نؤكد أخيرا على أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية قد حركت الفضاءات الاجتماعية وخلقت فرصا واقتحمت مجالات عبر آلية القرب. ومن أجل الحصول على المزيد من الثمار يلزمنا اعتماد العمل المندمج المتكامل والمقاربة التشاركية وربط المسؤولية بالمحاسبة.