بعد ثلاثة أسابيع من انطلاق الغزو العدواني الأمريكي للعراق، انهار النظام الحاكم في بغداد بطريقة مفاجئة يوم الأربعاء التاسع من أبريل 2003 من دون مقاومة تذكر. انهار صدام حسين بعد قصف جوي مكثف وأعمى لم يفرق بين العسكريين والمدنيين والإعلاميين والدبلوماسيين ولا حتى الأصدقاء. ودخلت قوات الاحتلال الأمريكي إلى العاصمة التاريخية دون أن يرحب بها المواطنون كما تصورت وتوهمت. ووجد العراقيون والعرب والمسلمون أنفسهم بين مشاعر مختلفة مضطربة، فهم من جهة تخلصوا من حاكم مستبد مجرم دون شك ولكنهم وقعوا تحت حاكم أكثر استبدادا وإجراما. بل إن المستبد الأصغر الذي أذاق شعبه صنوفا من القهر والإذلال، لم يكن سوى صنيعة غربية زودته مصانع السلاح البريطانية والأمريكية والروسية بأسلحة الفتك والدمار التي استخدمها ضد أبناء العراق وإيران والجيران. الأنظمة المستبدة لا تسقط عندما تغزوها قوات عسكرية أجنبية، ولكنها تسقط يوم تسطر أول صفحة من صفحات الظلم والطغيان وكتم أنفاس الشعوب، إلى جانب العمالة والتبعية لقوى البغي والاستكبار العالمي. أما الأمريكيون الغزاة، فما أفضح كذبهم وتزويرهم على الدنيا وعلى شعبهم، ذلك أن الديمقراطية والحرية لا تفرض بالقوة والإكراه والقصف والخسف، ولا تصدر إلى الشعوب عن طريق الدبابات والمدرعات والطائرات والصواريخ. التي وصل معدل ضحاياها من الجرحى إلى 100 جريح في الساعة، وعدد قتلاها لم يستكمل بعد إحصاء وحصرا. وهل الأمريكيون الذين يعتقد 42% أن صدام حسين هو المتهم الأول وراء أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001 .... شعب حر أم شعب جاهل مخدوع، عندما تلقنه وسائل الإعلام ثقافة هزيلة قاصرة عن حقائق بلاده وبلدان العالم. من المؤكد اليوم أن المشرق العربي خاصة، والعالم عامة، قد دخل مرحلة خطيرة انعدمت فيها الرؤية الواضحة لأشد المتخصصين في علوم المستقبل. وإن أكبر معطى في هذه الأيام السوداء هو أن العالم دخل في مغامرة غير محسوبة العواقب، ولا ينبغي أن تخدعنا المشاهد المعروضة على الشاشات عن شعب عربي بالعراق بقي ثلاثين سنة تحت القهر والاستبداد والحصار المحروس من أوروبا وأمريكا معا، شعب تظهره وسائل الإعلام الغربية وهو يتسابق على الغذاء والماء والدواء. إنها مشاهد لا تعرض ما يضطرب داخل النفوس المقهورة في المشرق والمغرب إزاء أنظمة فرض الغرب نفسه جلها علينا ورعاها وسلحها وقواها، ثم لم تظهر القوة والشجاعة إلا في قهر رعاياها ومتابعتهم وإحصاء أنفاسهم وتلفيق التهم الأمريكية الصهيونية إليهم، بتواطؤ مع نخب متغربة ومستعدة لإتقان الأدوار المسندة إليهم، وتسخير منابر إعلامية لا تتوانى عن القصف الثقافي التربوي لتدمير آخر الحصون والقلاع في نفوس الشعوب العربية المتلهفة إلى هواء الحرية النظيفة المسؤولة. وإذا كانت حرب الخليج الثانية، وما فتحته من آفاق عريضة للتدخل الأمريكي العسكري المباشر في المشرق العربي خاصة والعالم الإسلامي عامة، وإذا كانت سنوات الحصار على الشعب العراقي التي تلتها ودامت أكثر من عقد من الزمن وقتلت أزيد من 500.000 طفل عراقي، وشوهت ما تبقى بالأمراض والأوبئة، إذا كان ذلك قد أنتج أمثال "ابن لادن" و"الطالبان"، فإن أحداث الحادي عشر من شتنبر وما تلاها من اكتساح عسكري همجي لأفغانستان منذ حوالي خمسة شهور وللعراق هذا العام، لا يدري أحد إلا الله ما ستنتجه من رد فعل ضد الاحتلال الأمريكي الهمجي، خاصة وأن سنن التاريخ والاجتماع والعمران علمتنا أن لكل فعل رد فعل يساويه أو يفوقه في القوة، لكنه يضاده في الاتجاه. الشعوب العربية بدأت تدرك منذ زمن غير قصير أن الاستبداد الأصغر نتيجة لازمة للاستبداد الأكبر، وأن المقاومة لابد أن تكون ضدهما وأن التحرير لابد أن يكون منهما على حد سواء، وغير ذلك سفاهة وهراء. حسن السرات