وزيرة المالية تجري مباحثات مع أمين عام منظمة "OECD"    مطار الداخلة.. ارتفاع حركة النقل الجوي ب 19 في المئة خلال الربع الأول من سنة 2024    إلغاء الزيادات الجمركية في موريتانيا: تأثيرات متوقعة على الأسواق المغربية    الصين تطلق المركبة الفضائية "تشانغ آه-6" لجمع عينات من الجانب البعيد من القمر    مؤجل الدورة 26.. المغرب التطواني في مواجهة قوية أمام نهضة بركان    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    حسن التازي يغادر أسوار "سجن عكاشة" بعد حكم مخفف    هيئة حقوقية تطالب عامل إقليم الجديدة بوقف سراء سيارتين جماعيتين بقيمة 60 مليون سنتيم    لقجع: ظلمونا في نهائيات كأس العالم    تقرير أمريكي يكشف قوة العلاقات التي تجمع بين المغرب والولايات المتحدة        كيف تساعد الصين إيران في الالتفاف على العقوبات الدولية؟    لقجع يكشف الأسباب الحقيقية وراء إقالة حاليلوزيتش وتعيين الركراكي    وفرة المنتجات في الأسواق تعيق طيّ "صفحة الدلاح" بإقليم طاطا    إعدام أشجار يخلف استياء بالقصر الكبير    القضاء يسقط جناية الاتجار بالبشر عن التازي.. الطبيب يغادر "سجن عكاشة"    الداكي يستعرض إشكالات "غسل الأموال"    أزيلال.. افتتاح المهرجان الوطني الثالث للمسرح وفنون الشارع لإثران آيت عتاب    ماركا الإسبانية: أيوب الكعبي الميزة الرئيسية لنتائج أولمبياكوس الجيدة    خبير تغذية يوصي بتناول هذا الخضار قبل النوم: فوائده مذهلة    تفاعل أمني مع شريط فيديو متداول يوقف شابا متورطا في سرقة سيارة    الدورة الثالثة للمعرض الدولي للأركان من 08 إلى 12 ماي الجاري بأكادير    مطالبات في لبنان بحجب تطبيق تيك توك إثر استخدامه من عصابة متورطة بشبهات جرائم جنسية    تشييع جثمان النويضي .. سياسيون وحقوقيون يعددون مناقب الراحل (فيديو)    بانجول.. افتتاح سفارة المملكة المغربية في غامبيا    حموشي تباحث مع السفير المفوض فوق العادة للسعودية المعتمد بالمغرب بخصوص تطوير التعاون الأمني بين البلدين    الأمثال العامية بتطوان... (589)    بالصور والفيديو: شعلة الحراك الطلابي الأمريكي تمتد إلى جامعات حول العالم    صفعة جديدة لنظام العسكر.. ال"طاس" ترفض الطلب الاستعجالي لل"فاف" بخصوص مباراة بركان واتحاد العاصمة    منظمة دولية: المغرب يتقدم في مؤشر حرية الصحافة والجزائر تواصل قمعها للصحافيين    العصبة الوطنية تعلن عن برنامج مباريات ربع نهائي كأس العرش    قضية "الوظيفة مقابل لفلوس".. النيابة العامة فتطوان هبطات اليملاحي المستشار السابق ديال وزير العدل لحبس الصومال    باكستان تطلق أول قمر اصطناعي لاستكشاف سطح القمر    دراسة… الأطفال المولودون بعد حمل بمساعدة طبية لا يواجهون خطر الإصابة بالسرطان    باستعراضات فنية وحضور عازفين موهوبين.. الصويرة تحتضن الدورة ال25 لمهرجان كناوة    المغرب يسجل 13 إصابة جديدة بكورونا    عكس برنامج حكومة أخنوش.. مندوبية التخطيط تكشف عن ارتفاع معدل البطالة في المغرب    "فاو": ارتفاع أسعار الغذاء عالميا    ريم فكري تكشف عن معاناتها مع اغتيال زوجها والخلاف مع والديه    الملك محمد السادس يهنئ رئيس بولندا    المغرب يفكك خلية كانت تحضر لتنفيذ اعمال إرهابية    سعر الذهب يواصل الانخفاض للأسبوع الثاني على التوالي    دراسة تربط الغضب المتكرر بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    تركيا توقف التبادل التجاري مع إسرائيل بسبب "المأساة الإنسانية" في غزة    بركة يعلن عن خارطة طريق للبنيات التحتية استعدادًا لكأس العالم 2030    حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الاسلامي يعلن ترشح رئيسه للانتخابات الرئاسية في موريتانيا    مراسلون بلا حدود عن 2024.. ضغوط سياسية على الاعلام والشرق الأوسط "الأخطر"    اختتام الدورة الثانية لملتقى المعتمد الدولي للشعر    عدلي يشيد بتألق "ليفركوزن" في روما    تكريم حار للفنان نعمان لحلو في وزان    هل ما يزال مكيافيلي ملهما بالنسبة للسياسيين؟    مهرجان أيت عتاب يروج للثقافة المحلية    العقائد النصرانية    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        الطيب حمضي ل"رسالة24″: ليست هناك أي علاقة سببية بين لقاح أسترازينيكا والأعراض الجانبية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ عبد الباري الزمزمي يكتب عن مصيبة الأمة في الطغاة من حكامها
نشر في التجديد يوم 16 - 04 - 2003

جبناء وأنذال هؤلاء الذين يتعاونون على قتال العراق، فهم لا يعرفون الشهامة، ولا يملكون مثقال ذرة من الرجولة المتعففة، لقد زحفوا على العراق بمئات الآلاف من جنودهم المعززة بالأسلحة البرية والبحرية والجوية وكل من أمريكا وبريطانيا المتعاونتين في السطو على العراق دولة قوية تستطيع منفردة أن تواجه العراق وتنتصر عليه، لا سيما وأن العراق الآن دولة منكوبة ومجروحة، عانت من حربين متواليتين لم يكن بين الأولى والثانية إلا أربع سنوات أو أقل، كما أنها مازالت تئن تحت وطأة حصار مضروب عليها منذ اثني عشر عاما، منعت خلالها من التصرف في ثروتها النفطية ومن التحكم في مواردها ومكاسبها التجارية كما أجبرت خلالها أيضا على تدمير أسلحتها المتطورة، وحرم عليها أن تصنع مثلها في المستقبل، زد على ذلك ما خلفته الحرب في البلاد من آفات وأمراض في المجتمع، وركود في الاقتصاد، وكساد في الصناعة، واختلال واضطراب في كافة مصادر الإنتاج، وضعف ووهن في مؤسسات الدولة ومرافقها العامة.
لا قياس مع وجود الفارق
هذه الدولة الضعيفة في كل جبهة من جبهاتها، والمجروحة في كل عضو من أعضائها تحاربها أمريكا وبريطانيا مجتمعتين، ومن ورائهما حلفاء آخرون يؤيدونهما بالقول ويساندونهما بالفعل، وكل من أمريكا وبريطانيا دولة قوية في كل جبهة من جبهاتها، وسليمة من الخلل والآفات في كل مجال من مجالاتها، جند كثير يعد بالملايين وسلاح فتاك مدمر، واقتصاد مزدهر، ومؤسسات راقية، ونظام مستقر، ومع هذه المؤهلات التي لا يملك العراق خمسها ولا عشرها، لم تأخذ أيا منهما عزة الأقوياء واستعلاء العظماء، ولم يأنفا أن يقفا معا موقف الند للعراق في حرب غير متكافئة بين الطرفين، وكذلك هو صنيع كل لقيط وحقير، ممن لا يعترفون بشرف النفس ولا بعلو القدر، ولا يدرون ما الترفع ولا الإباء.
إن الشجاع من الناس يربأ بنفسه أن ينازل من هو دونه في القوة وشدة البأس، لأنه يعلم أن تغلبه عليه لا يشرفه ولا يزيد في منزلته عند الناس، بل يشينه وينقص من قدره بين أقرانه، ومن وقع في خصومة وشجار مع أحد من المعوقين، فإنه يتحاشى الدخول معه في صراع ومقاتلة باليد لأنه يعلم أن الصراع بينه وبين خصمه في هذه الحال غير متكافئ وأنه سيثير عليه لوم الناس وازدراءهم بشأنه واستهجانهم لصنيعه، والرجل يملك نفسه ويكبح جماح غضبه حتى لا يضرب المرأة التي تخاصمه وتستفزه، لكونه يترفع عن ضرب امرأة ضعيفة لا يجر عليه ضربها إلا سخط الناس واحتقارهم له، بل إن الذكر من الحيوان لا يضرب أنثاه ولا يدخل معها في صراع وإن تطاولت عليه ونازعته في حقه، فتبا لمن كان أضل من الحيوان وأحقر من الحشرات، وأشد وحشية من السباع الضارية، وأسفل من كل سافل، وأغرق في اللؤم والنذالة من كل لئيم.
شعب العراق شعب أبي وشجاع
أما شعب العراق فقد أبدى مقاومة مشرفة، وضرب أروع الأمثلة في البطولة وشدة البأس، فلم ترهبه أمريكا بقوتها وسلطانها، ولم يخضع لهيبتها واستكبارها، بل تحدى جنودها وطائراتها وصواريخها، وخاض معها على ضعفه معركة الند للند، حتى إن أمريكا ومن معها وكافة دول العالم فوجئوا بصلابة العراقيين وثباتهم وطول صمودهم أمام الجيوش الجرارة، والصواريخ المدمرة، والخبرة المتطورة التي يملكها العدو في فنون القتال، ويكفي شعب العراق شرفا وعزة مقاومته الباسلة للطغاة المعتدين، وإنزاله بجنودهم ما لم يكونوا يتوقعونه من قتل وجرح وأسر وتدمير للسلاح، وإسقاط للطائرات، مما أزعج أمريكا وحلفاءها وطعن في كبريائهم، ومرغ وجوههم في الحمإ المسنون، أما النصر على الغزاة المعتدين فلم يكن منتظرا من العراق ولا كانت قادرة عليه، بل كانت الهزيمة والاحتلال هي القدر المحتوم الذي ينتظر العراق، غير أنها لم تكن متوقعة بالسرعة التي وقعت بها، بل كان المنتظر أن ينزل العراقيون مزيدا من الخسائر والتقتيل بجنود الحلفاء قبل أن يحتلوا العراق، ولكن قدر الله وما شاء فعل، فما دام أهل الإسلام لاهين عما يكادون به ومادام حكامهم متفرقين ومختلفين لا يعنيهم
من أمر أمتهم إلا البقاء في مراكزهم والاحتفاظ بسلطتهم، فما علينا نحن أفراد الأمة الإسلامية إلا أن نوطن أنفسنا ونهيئ قلوبنا لتقبل الهزائم وتلقي الصفعات من عدونا، هزيمة بعد هزيمة، وصفعة تلو أخرى، لا نملك إلا الصراخ والحسرة والدموع.
إن مصيبة الأمة في حكامها كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: إني سألت ربي لأمتي أن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيحهم بعامة، فأعطانيها، وقال يا محمد إني أعطيتك لأمتك أن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع من بأقطارها أي بأقطار الأرض طولا وعرضا حتى يكون بعضهم هو يهلك بعضا وبعضهم هو يسبي بعضا وإني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين، (رواه مسلم).
غياب الاعتبار بسنن الله سبب البلاء
نعم لولا تخاذل الحكام وشقاقهم وتباغضهم وإيثارهم لمناصبهم ومراكزهم على مصير الأمة وسلطانها، لما تجرأت عليهم أمريكا ولا استطاعت هي ولا غيرها من حلفائها أن يطؤوا شبرا من أرض الإسلام. لو كان صدام حسين ينظر إلى الأمريكان وحلفائهم كما ينظر إليهم اليوم أوغاد وأوباش وأعداء... إلخ لما طاوعهم في إعلان الحرب على إيران بدون ذنب ولا أذى أصابه من إيران إلا الخوف على منصبه والحرص على سلطته وحكمه، ولما اطمأن إلى مساندتهم له وإمدادهم إياه بما يريد من المال والسلاح المدمر، لقد كان صدام حسين وحكام الخليج في تلك السنوات يدا واحدة على إيران الدولة الإسلامية ومن ورائهم أمريكا وحلفاؤها، كل ذلك خوفا على أنظمتهم ومناصبهم من التصدع والانهيار، ولم يعلموا أنهم بإشعالهم الحرب على إيران وتعاونهم عليها ظلما وعدوانا مهدوا الطريق فسيحا لدخول العدو إلى بلادهم وتحكمه في رقابهم، واستغلاله لثرواتهم.
ولو كان صدام حسين مؤمنا بمنطق القرآن، وواعيا بعداء الغربيين للإسلام وأهله، وآخذا حذره من مكرهم وكيدهم كما أرشد القرآن إلى ذلك بقوله (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين بل الله مولاكم وهو خير الناصرين)، لما طاوعهم مرة أخرى في دخول الكويت ومحاولته ضمها إلى حكمه، لأن أمريكا وحلفاءها لن يتركوا له الكويت وهي بحر من النفط ولن يسمحوا له أن يتحكم في ثلث أو نصف نفط العالم، وهذا مبدأ بديهي في منطق السياسة الدولية، ولكن الطغيان يعمي البصائر كما قال سبحانه (ونذرهم في طغيانهم يعمهون). لو لم يقع صدام حسين في هذين الخطأين القاتلين، لما وجدت أمريكا ولا غيرها من كبار اللصوص سبيلا إلى الوصول إليه، ولما تمكنوا من السيطرة على أرضه وشعبه، ولو لم تستعد دول الخليج أمريكا على العراق وتبيح أرضها وتمهد لها السبل لضرب العراق، لما جسرت أمريكا على دخول بلاد الخليج، ولما استطاعت حيلة إلى فرض هيمنتها على تلك المنطقة، لو كان صدام حسين ومن حوله من حكام الخليج مؤمنين بسنة الله التي مضت في الطغاة والظلمة أن ينالهم عقاب الله في الدنيا والآخرة لما تعاونوا على الإثم
والعدوان، ولكفوا ظلمهم وبغيهم عن أخوتهم في الله والجوار، ولما تولوا أعداءهم ومكنوهم من بلادهم، واستنصروهم على إخوتهم في القومية والدين، ولاعتبروا بقول الله عز وجل: (الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد)، وقوله سبحانه: (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون)، وقوله تعالى (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة)، ولو وقفت الدول العربية اليوم صفا واحدا إلى جنب العراق كما كانت معه في حربه على إيران لما طمعت أمريكا في غزو العراق ولا حدثت نفسها باحتلاله، لأنها تعلم أن تمكنها من العراق مستحيل بدون تأييد وعون من جيرانه.
إن في هذا لعبرة
وها هي الأمة العربية اليوم بين فكي سبع خبيث متوحش، اليهود وراء النيل، والأمريكان على الفرات، ولعلها خطوة أولى في بناء دولة اليهود الكبرى (من النيل إلى الفرات) كان للحكام العرب في المنطقة (شرف) وضع أسسها الأولى والمبادرة بإبراز معالمها المتميزة.
إن الإنسان الذي يصاب بمرض من الأمراض الفتاكة، لا يلوم الجراثيم والأوبئة التي دخلت بدنه، ولكنه يلوم نفسه لتفريطه في حماية صحته وتهاونه بصيانة جسده من الآفات والطفيليات، ومن ترك باب بيته مفتوحا فدخل عليه صائل، وشاركه في بيته ونازعه في مطعمه ومشربه وملبسه، فإنه يتحسر على تقصيره في حماية بيته وأهله ويلوم نفسه قبل أن يلوم عدوه الذي اقتحم عليه بيته.
ولقد نهينا عن الرجوع إلى الوراء ولوم النفس على الأخطاء والتحسر على ما فات، مصداقا لقوله سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض وكانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم)، وفي الحديث: >وإن أصابك شيء، فلا تقل لو أني فعلت كذا وكذا ولكن قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح باب عمل الشيطان< (رواه مسلم).
ولكنا نقول ذلك للاعتبار بالأخطاء القاتلة، والاستفادة من التجارب الفاشلة، اعتبارا بقول الله عز وجل: (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير).
عبد الباري الزمزمي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.