ولد الرشيد من مراكش: حان وقت اقتصاد الذكاء والتعاون العابر للقارات    "الهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة" تدخل على خط ملف "بيع الشهادات الجامعية" والدولة المغربية تنتصب كطرف مدني    الخدمة العسكرية 2025 .. مجندون بتأهيل عال ومستقبل مهني مضمون    الركراكي يكشف عن لائحة الأسود يوم الثلاثاء استعدادا لتونس والبنين    وزارة الأوقاف: حجاج التنظيم الرسمي مدعوون للإحرام في الطائرات حين بلوغ ميقات "رابغ"    نهضة بركان يصل إلى ملعب التدريبات في موكب بسبب عدم توفير الحافلة    ارتفاع المداخيل الضريبية 19.3% لتصل إلى 122.6 مليار درهم بنهاية أبريل 2025    يهم حجاج الناظور.. وزارة الأوقاف تدعو إلى الإحرام في الطائرات    بسبب تسجيل مكالمة تتضمن ألفاظ "نابية".. المحكمة للناصيري: "الله لا يحب الفاحشة والتفحش في الكلام"    إدارة سجن وجدة توضح ملابسات وفاة سجين وتفند مزاعم عدم تبليغ أسرته    إجهاض محاولة تهريب شحنة قياسية من الأقراص المهلوسة بالدار البيضاء    نشرة إنذارية: زخات رعدية قوية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة اليوم الجمعة    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    رحلات الحجاج المغاربة تتجه مباشرة إلى مكة ابتداء من 26 ماي    جبور: الهزة الأرضية متوسطة القوة .. ومحطات الرصد المغربية أكثرُ دقة    أنشيلوتي يودع ريال مدريد برسالة مؤثرة: أحمل كل لحظة في قلبي.. وعلاقتي بالنادي أبدية    تمويل أوروبي ب300 مليون يورو لتعزيز الشبكة الكهربائية بالمغرب    "لا للتهجير ولا للتجويع".. آلاف المغاربة يتضامنون مع غزة للجمعة ال77 على التوالي    حسناء أبو زيد: الاتحاد الاشتراكي يحتاج ملتمس رقابة لتحريره من قيادته الحالية    بلقصيري تحتضن مهرجان سينما المرأة والطفل في دورته الثانية    تعيين عزيز الذنيبي مدربا جديدا للنادي الرياضي المكناسي لكرة القدم    نائب رئيس مجلس النواب من مراكش: التجارة الدولية تواجه الأنانيات القطرية وشعوب الجنوب تدفع ثمن التلوث    الباروك يلاقي الأندلسي والتصوف الإفريقي في فاس.. إيطاليا تُبدع كضيفة شرف لمهرجان الموسيقى العريقة    حفل كبير يُتوِّج تظاهرة الأيام المفتوحة للأمن الوطني    حسن الادريسي منصوري نجم مغربي واعد في سماء الكرة الطائرة العالمية    الفنان الأمازيغي عبد الرحمان أوتفنوت في ذمة الله    مقتل 4 أشخاص وفقدان 17 آخرين في انهيارات أرضية بالصين    رونالدو يشعل مواقع التواصل الاجتماعي بعد شائعة ارتباطه بالوداد    "هنا".. عندما تتحول خشبة المسرح إلى مرآة لحياة أبناء "ليزاداك"    مهدي مزين وحمود الخضر يطلقان فيديو كليب "هنا"    "مهرجان الريف" يحتفي بالأمازيغية    الشروع في إحداث موقف بجوار ملعب طنجة الكبير بطاقة تستوعب آلاف السيارات    "الاشتراكي الموحد" يدعو لاعتقال ومحاكمة الجنود الإسرائيليين المشاركين في "الأسد الإفريقي"    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بارتفاع    الله أمَر بالسّتْر ولم يأمُر ببيْع الماسْتَر !    دراسة: الولادة المبكرة قد تكون مفيدة في حالة الأجنة كبيرة الحجم    بريطانيا تدرس استخدام الإخصاء الكيميائي الإلزامي لمعاقبة بعض المعتدين جنسيا    سلوفاكيا تساهم في الزخم المتزايد لفائدة مغربية الصحراء    انتشار الأفران العشوائية يزعج الفدرالية المغربية للمخابز    وزير النقل الفرنسي يشيد بتقارب المواقف مع المغرب بشأن ملفات استراتيجية    قتلى وجرحى في غارات إسرائيلية على قطاع غزة    حديقة الحيوانات بالرباط تعلن ولادة أزيد من 80 حيوانا من الأنواع النادرة    قطر تخصص 36.5 مليون دولار جوائز في كأس العرب 2025    المغرب يعزز قدراته العسكرية بوحدات خاصة لمواجهة تهديدات الأنفاق باستخدام تقنيات متقدمة    النيجر تعيد رسم خريطة التحالفات في الساحل: تكريم صدام حفتر صفعة جديدة للنظام الجزائري    انطلاق أيام التراث بمراكش احتفاء بالماء والحدائق    بكين.. الصين وهولندا تعززان شراكتهما الاستراتيجية    الأزمي: تضارب المصالح ينخر عمل الحكومة وملتمس الرقابة كان ضرورة سياسية ودستورية    31 قتيلا و2939 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    بطاريات المستقبل تصنع بالقنيطرة .. المغرب يدخل سباق السيارات النظيفة    وزير الشباب والثقافة والتواصل يتوج الفائزات والفائزين بالجوائز في حفل الدورة الثانية لجائزة المغرب للشباب    الحكومة تُطلق دعما مباشرا لحماية القطيع الوطني وبرنامجا لتحسين السلالات    بايتاس يكشف تفاصيل بخصوص العقوبات البديلة    السعودية تجري أول عملية لزرع جهاز ذكي داخل الدماغ في الشرق الأوسط    وزير الصحة المغربي يجري مباحثات ثنائية مع المدير العام لمنظمة الصحة العالمية    لإيقاف السرطان.. التشريح المرضي وطب الأشعة الرقمي أسلحة مدمرة للخلايا الخبيثة    البرازيل في ورطة صحية تدفع المغرب لتعليق واردات الدجاج    في مجاز الغيم: رحلة عبر مسجد طارق بن زياد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدرس العراقي
نشر في التجديد يوم 21 - 04 - 2003

في سنة 1991 قدم الخبير الاستراتيجي وعالم المستقبليات الدكتور المهدي المنجرة خمسة أسباب تبرر ضرب العراق وجعله ساحة للآلة العسكرية الأمريكية المدمرة، وهذه الأسباب تتمثل في :
أولا: سعي أمريكا إلى تعزيز نظام القطب الواحد، ومتابعة كل ما من شأنه زعزعة هذا النظام.
ثانيا: كون العراق بلدا مستقلا علميا وتكنولوجيا عن الغرب.
ثالثا: أن الخبرة العسكرية العراقية تشكل تهديدا حقيقيا للكيان الصهيوني الغاشم.
رابعا: العراق يمثل رمز وذاكرة الحضارة العربية والإسلامية مما يقف حاجزا أمام عولمة قيم الغرب.
خامسا: إن هذا الغرب قد وجد نفسه مضطرا لتجديد خيوط التبعية إليه، بعد تآكل النمط القديم في الاستعمار. وهذه الأسباب في مجموعها، لو أضفنا إليها عاملا اقتصاديا مرتبطا بتوفر العراق على أسلحة الدمار الشامل، لأنها لم تكن برأي رئيس مفتشي الأسلحة بالعراق "هانز بليكس" إلا مبررا ثانويا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها بريطانيا، والآن قد تأكد بعد إسقاط نظام صدام حسين أن العراق لم يكن يملك هذا النوع من الأسلحة، مما عجل باستسلام القوات العراقية في ما يقارب ثلاثة أسابيع بمعدل نصف ما سطر له سابقا من الزمن.
ورغم أن هذه الحرب مختلفة تماما عن حرب 1991 التي شاركت فيها 73 دولة وبمباركة الأمم المتحدة تحت ذريعة حماية الشعب الكويتي، فالحال الآن أن هذه الحرب لم تكن إلا عدوانا على حرمة شعب محاصر منذ عقد من الزمن، وانتهاكا للمبادئ الإنسانية والمواثيق الدولية، إذ أن الأمم المتحدة، المنظمة الدولية التي تسهر على أمن العالم، لم يكن لها موقف معارض لنشوب الحرب، واكتفت بنداءات الاستغاثة للأزمة الإنسانية، دون التساؤل عن الجاني وعن أهدافه، مما يطرح استفهاما عميقا عن مستقبل هذه الهيئة وعن مدى شرعيتها الآن، مادامت تكيل بمكيالين ولا تدور إلا مع مصلحة الكبار والأسياد، فإذا قتل الضعيف أقامت عليه الحد وإذا قتل القوي تركته، ومن هنا لا نستغرب لماذا يستبعد المسؤولون في واشنطن دورا حيويا لها في عراق ما بعد الحرب بمنطق: "من اصطاد الفريسة هو فقط من يملك حق التصرف فيها". وهذا تحول خطير يهدد استقرار العالم واستقلال شعوبه، فأمريكا في كل حرب تخترع مبررات مقبولة نظريا ومرفوضة واقعيا، من قبيل "محاربة الإرهاب" و"تحرير الشعوب"، مع أن أمريكا لم تقم أساسا إلا على أنقاض الهنود الحمر وعلى خيرات الشعوب المستضعفة، فكيف بها تحمي
حقوقا هي أول من ينتهكها؟ وهذه العنجهية الأمريكية قد لقيت هذه المرة معارضة شديدة من خلال مظاهرات ومسيرات ضخمة عبر أنحاء العالم عبرت عن تنديدها بالحرب والاحتلال، وأفرزت تشكيل دروع بشرية من داخل العراق. ومن تأثيرها على المستوى الرسمي، أن أدت إلى إحداث تحالفات وتقاطبات متضادة بين من هو مع الحرب وبين من هو ضدها، وموقف فرنسا وألمانيا وروسيا وغيرها مما يؤشر على صحوة الضمير العالمي وعلى بزوغ معالم نظام جديد قد يتبلور أكثر مستقبلا، لأن عين أمريكا لا يحدها العراق، بل تمتد إلى سوريا وإيران وربما إلى كوريا الشمالية. وإلى حدود الآن، فأمريكا ترسل إشارات هنا وهناك، تعيينا أو تلميحا لأخذ العبرة، خاصة لسوريا التي تتهم بإيواء الفارين من مسؤولي العراق وبدعم حزب الله اللبناني الخطر، الذي يهدد أسطورة "إسرائيل الكبرى". وهذا الوضع المؤلم يستدعي من الدول العربية والإسلامية تحركا سريعا لحماية خريطتها السياسية والأمنية والقومية عبر مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات مشتركة ذات طبيعة غير حكومية بين هذه الدول، لتنوير الرأي العام العربي والإسلامي وقيادته بعيدا عن الخلافات المصطنعة، لأن منظمتي الجامعة العربية والمؤتمر
الإسلامي قد أبانتا عن فشلهما في تدبير شؤون الأمة بفعل تدخل أمريكا في صناعة "لوبيات" داخلها وتعمل لصالحها، وما الدعم الذي تتلقاه مصر بجانب "إسرائيل" إلا دليل على "جفاف لحمها ودمها من عروبة أو إسلام"، رغم أن الشعب المصري هو رمز البطولات ومفجر المسيرات في كل مناسبة، وغير بعيد عن هذا المساندة المكشوفة لكل من قطر والكويت للعدوان الأمريكي على العراق بجعل أراضيها محطة لإنزال جيوش العدو. وهذه الدول التي ساندت أمريكا هي بدورها ستسقط كما تسقط "قطع الدومينو"، كما يقول المهدي المنجرة لأنها جميعا تشكل منطقة حيوية وموقعا استراتيجيا لسياسة أمريكا، "فنحن لم نبق في الامبريالية والهيمنة، بل دخلنا ميكا إمبريالية، وهي شيء جديد في العلاقات الدولية وفي التطور الإنساني (1). وفي ظل هذا الإشكال المعقد، لا ينبغي للأمة العربية والإسلامية أن تسقط في لعبة الاستعمار والاحتلال من جديد، فثمة تحديات داخلية لابد أن نعالجها أولا، ومن بينها مسألة القيم في مفهومها الحضاري، فمستقبلنا رهين بها، فحينما تخاذلنا عنها أصابنا الوهن وأدركنا العجز، لذلك نجد الحكومات العربية والإسلامية تنفق الأموال الطائلة رغم فقرها لشراء
الأسلحة قصد خلق نوع من توازن الرعب، مع أن أغلب الدول التي صرفت ميزانيات هامة على الأسلحة هي أول من يخنع لثقافة الأسياد وأوامرهم، وخذ على سبيل المثال باكستان والسعودية، وبالتالي هناك حاجة ملحة إلى حماية رصيدنا الثقافي والحضاري لأنه وحده سلاح العصر، فاليابان لم تشغل نفسها بكثرة الترسانات العسكرية بقدر ما تحرص على قيم الإبداع والتصنيع والاعتماد على الذات وحب العمل وخدمة الوطن...
لذلك يجب على المجتمع العربي والإسلامي في هذه الآونة الحرجة أن يهتم أكثر ببناء الذات على أسس العلم والمعرفة والأخلاق والديمقراطية كمنهج للحياة والاستمرار. يحكي لنا المفكر الألمعي "مالك بن نبي" أن حوارا جرى بين "كونفوشيوس" وتلميذه "هوتسي كوج"، الذي كان يسأله عن السلطة، فأجابه أن السلطة توفر ثلاثة أشياء: لقمة العيش والتجهيزات العسكرية والثقة في الحكام. فسأله عما يستغني عنه أولا في هذه الثلاثة؟ فأجابه عن التجهيزات العسكرية أولا. فسأله ثانية عما يستغني عنه من الباقي؟ فأجاب: "في هذه الحالة نستغني عن القوت لأن الموت كان دائما نصير الناس، ولكنهم إذا فقدوا الثقة لم يبق أي أساس للدولة"(2).
وفي الحقيقة فمعظم الهزائم التي تلقيناها كانت بفعل الخلل الداخلي، فالعراق كان دوما مهددا بالسقوط، لأن حق المواطن في اختيار نوابه وقادته، وفي التعبير عن رأيه كان من ضمن المحرمات، بالإضافة إلى النزيف الداخلي الناتج عن تذمر ما يمكن تسميته ب"الأقليات" (الشيعة والأكراد) بفعل التهميش الممنهج والعنف المقصود، وكان هذا ورقة ضغط على النظام العراقي لتقديم استقالته، وهذه القضية هي نفسها قد وظفت مع نظام طالبان في أفغانستان في ظل مجتمع قبلي عشائري (التاريخ يعيد نفسه). وهذه المسألة الاجتماعية لها خطورتها إذا علمنا أن كثيرا من البلدان العربية والإسلامية تعيش إثنيات وعصبيات غالبا ما تؤدي إلى الفوضى وعدم الاستقرار السياسي وظهور الفوارق الطبقية (الجزائر، اليمن...) وكل هذا بفعل تفشي العنصرية وغياب التداول السلمي على السلطة. يقول العلامة عبد الرحمن ابن خلدون: "وما كان المجد مشتركا بين العصابة، وكان سعيهم له واحدا كانت هممهم في التغلب على الغير والذب عن الحوزة أسوة في طموحها وقوة شكائمها ومرماهم إلى العز جميعا، وهم يستطيبون الموت في بناء مجدهم ويؤثرون الهلكة على فساده، وإذا انفرد الواحد منهم بالمجد قرع
عصبيتهم وكبح من أعنتهم واستأثر بالأموال دونهم فتكاسلوا عن الغزو وفشل ريحهم ورئموا المذلة والاستعباد"(3).
ولكأني بابن خلدون في كلامه هنا يعلق على أحداث الحرب على العراق، فحينما استولى النظام على خيرات الدولة وتحكم في سياستها، وقف الشعب معزولا عن رسم مصيره ووجهته حتى سقط تحت وطأة الأمريكات وخلفائهم، فما كان على البعض إلا أن يتنفس الصعداء ويستبشر بخير قادم على يد العدو الذي وصف بعضهم رئيسه بأنه "رجل السلام" و"مخلص الشعوب"، في الوقت الذي كان البعض الآخر يرمي تماثيل صدام من مكانها تعبيرا على نهاية عهد الديكتاتوريات والديناصورات الحاكمة"، التي لا تزحزحها ولا تزيحها أصوات الناخبين بقدر ما تسقط بفعل قانون البيولوجيا (الموت)، أو في أحسن الأحوال بالانقلابات العسكرية، أو حينما تتفضل أمريكا علينا بإزالتها لتضع محلها دمى مكبلة وموجهة على شاكلة "قرضاي أفغانستان"، وهذا ما سيقع كذلك في العراق لافتقارنا إلى الرشد السياسي (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها) الأحقاف الآية 11.
1 الدكتور المهدي المنجرة، جريدة الأيام العدد 79 الصادر من 27 مارس إلى 02 أبريل 2003.
2 مالك بن نبي: مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي. نقلا عن الدرس الأفغاني لخالص جلبي سلسلة اخترت لكم العدد 14 ص 32 33. ط 1. 2003.
3 ابن خلدون: المقدمة. دار الكتب العلمية بيروت ط1. 2000. ص 133
بقلم: العربي إدناصر
كلية الشريعة المزار أيت ملول


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.