بنكيران يهاجم أخنوش ويقول: الأموال حسمت الانتخابات الجزئية    أخنوش: ما تحقق خلال نصف الولاية الحكومية فاق كل التوقعات والانتظارات    برنامج "إحياء".. إطلاق طلب مشاريع في مجال الزراعة الإيكولوجية    مطارات المغرب تستقبل اكثر من 51282 رحلة جوية خلال اوائل 2024    وزير النقل… المغرب ملتزم بقوة لفائدة إزالة الكربون من قطاع النقل    رسميا.. إعلان فوز نهضة بركان بثلاثة أهداف على حساب اتحاد العاصمة الجزائري    توقعات بتأجيل كأس أمم أفريقيا المغرب 2025 إلى يناير 2026    الكابرانات خسرو ماتش جديد مع المغرب: الكاف حكم بخسارة USMA مع بركان بسبب الحجز على تونيات الفريق المغربي    اللجنة الجهوية للتنمية البشرية تصادق على برنامج عمل يضم 394 مشروعا بجهة طنجة    أخنوش يتحدث عن "ثورة غير مسبوقة" في البرامج الاجتماعية لحكومته "تضاهي الدول المتقدمة"    حملة أمنية غير مسبوقة على الدراجات النارية غير القانونية بالجديدة    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    أخنوش مقدما الحصيلة المرحلية: إجراءات الحكومة هدفها مناعة الأسرة التي هي "النواة الصلبة لكل التدخلات"    جامعة الكرة: "لم نتوصل بقرار فوز بركان"    السياسة الخارجية الجزائرية: أزمة المحددات والأشخاص    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    خارجية أمريكا: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    أمن طنجة يعلن الحرب على مقرصني المكالمات الهاتفية    جهة طنجة تناقش تدابير مواجهة الحرائق خلال فصل الصيف    بوساطة قطرية.. مفاوضات روسية أوكرانية مباشرة لأول مرة    المغرب سيكون ممثلا بفريقين في كأس العالم للفوتسال    سنطرال دانون تسلط الضوء على التقدم المحقق في برنامج "حليب بلادي" لفلاحة مستدامة ومتجددة    الملتقى العالمي ل 70 امرأة خبيرة إفريقية مناسبة لتثمين الخبرة والكفاءة الإفريقية    تهديدات بالتصعيد ضد ّبنموسى في حالة إصدار عقوبات "انتقامية" في حقّ الأساتذة الموقوفين    ما قصة "نمر" طنجة؟    فساد في الموانئ: الناظور بين المدن التي شهدت إدانات بالسجن لمسؤوليها    أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    مجلس النواب يفضح المتغيبين بتلاوة أسماء "السلايتية" وتفعيل الاقتطاعات    الحكم على مغني راب إيراني بالإعدام بتهمة تأييد الاحتجاجات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    مجلس الرئاسة الليبي يجهض مخطط الجزائر بإقامة تكتل مشبوه في الفضاء المغاربي    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الولايات المتحدة تنذر "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    أفلام متوسطية جديدة تتنافس على جوائز مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    إعلان فوز المنتخب المغربي لكرة اليد بعد انسحاب نظيره الجزائري    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و262 شهيدا منذ بدء الحرب    مقترح قانون لتقنين استخدم الذكاء الاصطناعي في المغرب    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    مبادرة مغربية تراسل سفراء دول غربية للمطالبة بوقف دعم الكيان الصهيوني وفرض وقف فوري للحرب على غزة    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    بورصة الدار البيضاء : تداولات الافتتاح على وقع الارتفاع    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    جلسة قرائية تحتفي ب"ثربانتس" باليوم العالمي للكتاب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل للمباراة النهائية على حساب لاتسيو    بطولة انجلترا: أرسنال ينفرد مؤقتا بالصدارة بعد فوز كبير على تشلسي 5-0    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    الأمثال العامية بتطوان... (580)    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار
المنجرة: الغرب يهتم باختطاف إسرائيلي واحد أكثر من اهتمامه بقتل ألف فلسطيني
نشر في المساء يوم 14 - 01 - 2009

أكد المفكر المغربي المهدي المنجرة أن العالم الآن بصدد الانتقال من نظام إلى نظام آخر، وشدد على أن الأحادية القطبية انتهت على المستوى النفسي. وأشار إلى أن العالم العربي يغلي لكن أوضاعه تتطلب وقتا أكبر على شاكلة بعض المأكولات التي تستلزم ساعات لتكون جاهزة.
- ما الذي يجمع بين الثلاثة الذين ظفروا بجائزة الدفاع عن الكرامة لهذه السنة؟
< ما يجمعهم هو ما يدل عليه اسم الجائزة وهو الدفاع عن الكرامة. لا يحتاج محمد بن سعيد أيت إيدر إلى تقديم. إذ إن له ماضيا مشرفا وبقي على نفس الطريق دون أن يتزعزع إيمانه. محترم ومحبوب من لدن الناس. طموحه السياسي أيضا لم يتغير، مما جعل منه رمزا سياسيا حقيقيا.
أما اختيار حسن الرشيدي، فإنه في حد ذاته تكريم لقناة الجزيرة، خاصة مكتبها الإقليمي في المغرب العربي الذي كان حقيقة جسرا ثقافيا قَرب المغرب الأقصى من المشرق العربي، من خلال إيلاء الاهتمام لمشاكل هذه المنطقة وفي مقدمتها تلك التي لا تحظى بالاهتمام ذاته من لدن القنوات الرسمية. أعرف الرشيدي شخصيا كصحافي مر من جميع المراحل. إنه مسار يستحق التنويه ومن خلاله باقي صحافيي مكتب الجزيرة بالرباط.
- وماذا عن منتظر الزيدي خاصة وأن اسمه لم يطف على سطح الأحداث إلا في بداية الشهر الماضي؟
< صحيح أن ما قام به أتى في آخر شهر من السنة الماضية، لكنه تعبير نفساني عن التضييق الذي يحس به العالم العربي، كما لو أنه ناب عن جميع الناس في التعبير عن أحاسيسهم. رمزية الحذاء هي الأهم في هذا الصدد، بالإضافة إلى مكانة الصحافي الزيدي وجرأته التي بلغت مستوى لا يستطيع أحد الوقوف في وجهها أو ثنيه عن الفعل الذي رغب في القيام به. إن ما قام به علامة إيمان بالقضية، خاصة وأن الحذاء في الحضارة العربية يرمز إلى النهاية، حتى في الرياضة نجد أنه لا يُتَحدث عن نزع الحذاء إلا في نهاية الموسم الرياضي. أظن أن ما قام به أعطى صورة عن العذاب الذي يعاني منه العراقيون والفلسطينيون بالخصوص بفعالية لا يمكن أن تحققها المقالات وإن بلغ عددها العشرين.
- الملاحظ أن هناك اسمي صحافيين ضمن المتوجين هذه السنة. هل هذا يعني أن الصحافة هي التي صنعت الحدث في السنة الماضية في ما يتعلق بالدفاع عن الكرامة؟
< أعتقد أن الدفاع عن الكرامة يعد من الأدوار الأساسية للصحافة، حيث يحرص على الاضطلاع بهذه المهمة مهما بلغت أهمية القنوات الرسمية وقوة حملاتها الدعائية. فعمل الصحافي يمس كل جوانب حياة الإنسان، ولا يمكن في هذا الإطار الحديث عن الحركات التحررية ومسلسل تصفية الاستعمار على سبيل المثال دون ذكر الصحافة. واليوم، صارت المعلومات والأخبار تلعب دورا أساسيا في مجتمع أصبح يسمى بمجتمع المعلومات والمعرفة مع ضرورة استحضار الأهمية التي يكتسيها التلفزيون في بلداننا بالنظر إلى ارتفاع نسبة الأمية، كما هو الشأن بالنسبة إلى المغرب الذي لا يتقن أغلب سكانه القراءة والكتابة.
- كانت الجائزة رد فعل على الحرب التي شنت على العراق بداية من 17 يناير 1991. ما الذي تغير منذ ذلك الحين بالنظر إلى أن تلك اللحظة شكلت بداية لما سمي فيما بعد النظام العالمي الجديد؟
< تغيرت الأوضاع بشكل كبير. في بداية الجائزة كان الجميع يتحدث عن نظام دولي جديد تنتفي فيه الثنائية القطبية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وبدا أن الليبرالية أحكمت قبضتها على كل شيء. لكن العالم الثالث لم يستفد من أي شيء من ذلك، بل على العكس فقد قدرته على التفاوض التي كان يكتسبها من خلال النزاعات والصراعات التي كانت رحاها تدور بين القطبين، وهو معطى يتضح الآن بشكل جلي في القرارات التي يتخذها مجلس الأمن. لقد «تأمرك» العالم ولكن بدأت تظهر في الأفق ردود فعل مقاومة لهذا التيار الجارف.
- قبل 2007، كانت الجائزة تسمى «جائزة التواصل الثقافي شمال-جنوب» في وقت كان فيه مفهوما الشمال والجنوب حاضرين بقوة في قاموس العلاقات الدولية، ثم تغير اسمها بعد ذلك ليصير «جائزة الدفاع عن الكرامة». هل يمكن القول إن الجنوب خسر أو بصدد خسارة معركته من أجل الكرامة؟
< كنت آمل، بصفتي أستاذا للعلاقات الدولية والاقتصاد الدولي وبالخصوص حينما كنت في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، أن تصبح الثقافة وسيلة للتقريب بين الحضارات في مواجهة تيار الأسلحة الجارف لأي تقارب في هذا المجال. لم تتغير قناعاتي بعد الحروب التي عرفتها منطقة الشرق الأوسط في 20 سنة الأخيرة، وإنما وقع تغير في الأولويات وخلصت إلى أن المشكلة تكمن أساسا في غياب الديمقراطية وحقوق الإنسان. سر الوصفة اليابانية: محو الأمية ثم الاهتمام باللغة والترجمة، حتى إن دلائل القطارات التي تربط ألمانيا بفرنسا مترجمة إلى اليابانية قصد الحد من تضييع الوقت، وبعد ذلك دخلت مغامرة البحث العلمي لأن العلم لا يمكن أن يكون فعلا ما لم يكن منتوجا ذاتيا خالصا.
- هل الحديث عن الدفاع عن الكرامة إثارة للانتباه إلى وجود منتهك لهذه الكرامة أو على الأقل متربص بها؟ ومن يكون؟
< الجنوب أولا، فمثلا هناك أشخاص لا يقبلون أن تمس كرامتهم بأي وجه كان، وهو ما يمنحهم قوة لا تقاوم مثل المناضلين وكذلك المقاومين لأنهم غير راضين عن الأوضاع ويبحثون عن منفذ لتغييرها. إشكالية ثانية تكمن في عدم وجود نموذج تنموي حقيقي مما يمكن المؤسسات الدولية من فرض شروطها على الدول النامية التي تقترض منها، حتى إن البنوك الدولية تقرر في شأن طبيعة المشاريع التي ستستثمر فيها الأموال التي تقرضها. وبعد عملية التمويل هذه، تجد أن تلك المشاريع يضع تصاميمها مهندسون أجانب وتستخدم فيها وسائل وآلات تستورد من الغرب المتقدم.
ثم إن أوربا التي توحدت بعد الحرب العالمية الثانية تسعى إلى تشتيت باقي المتعاملين معها، وهي تستفيد على سبيل المثال من تعاملها مع دول المغرب العربي، أو سموه كما شئتم، كل على حدة بدل أن تبرم معها اتفاقيات بصفتها أعضاء في الاتحاد المغاربي.
- في سياق ردود الفعل أو الانفعالات التي تحدثت عنها، هل فقدان القدرة على التفاوض هو الذي جعل العرب يغيبون عن التحركات الدبلوماسية الموازية للحرب التي تشنها إسرائيل على غزة؟
< ليس هذا الأمر صدفة أو غريبا. أطروحتي لنيل الدكتوراه التي ناقشتها قبل نصف قرن في العاصمة الإنجليزية لندن تتطرق فيها إلى موضوع الوحدة العربية ووحدة العالم الإسلامي، فضلا عن دراسة لجامعة الدول العربية. قلت حينئذ إن تلك المؤسسة لا مستقبل لها بعد المشاكل التي واجهته، خاصة في موضوع المقاطعة. عمرو موسى يعترف الآن ضمنيا، ومن ورائه كل الزعماء العرب باستثناء أمير قطر، بأن الجامعة يصعب عليها التعامل مع القضايا التي يكون فيها طرف أجنبي ولذلك ترمي بالكرة في ملعب منظمة الأمم المتحدة. ليس هناك دولة تنتمي إلى الحضارة اليهودية المسيحية لم تتأثر بما يقع الآن على الصعيد الدولي بما في ذلك الحرب على غزة، فالموقف الفرنسي في حد ذاته دفاع عن الموقف الإسرائيلي. ردود الفعل الدولية حينما يستشهد قرابة ألف فلسطيني ويجرح منهم الآلاف لا ترقى إلى مستوى نظيرتها عندما يختطف جندي إسرائيلي واحد، مما يعيد من جديد طرح تساؤلات عديدة حول قيمة القيم في عالم اليوم. علما بأن تقييم الحضارات ينبني أساسا على القيمة التي تمنحها لحياة الإنسان وحتى الطبيعة ومع الأسف لا تعطى في بلداننا اليوم أي قيمة للحياة وهو ما يفقد الأرقام قيمتها أيضا.
- هل يمكن القول إن موازين القوى الآن بدأت تعرف تغيرا طفيفا على الأقل؟
< يجب ألا نمني أنفسنا بأشياء قد لا تتحقق. جامعة الدول العربية في أصلها فكرة إنجليزية وفي سياق لم يتم القطع فيه مع الفترات التي كان فيها العالم العربي موحدا تحت راية العثمانيين. لقد كانت الجامعة بالنسبة إلى الإنجليز وسيلة للحفاظ على سيطرتهم أو على الأقل وجودهم في المنطقة الغنية بالنفط زيادة على كونها سوقا مهمة لمنتوجاتهم...
- لكن من المعلوم أن ميزان القوى في الشرق الأوسط لا يرتبط إطلاقا بدول هذه المنطقة، بل بمصالح الدول العظمى فيها. كيف تنظر إلى موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط بعد التطورات الأخيرة، خاصة في الملف العراقي؟
< موازين القوى تغيرت في الوقت الراهن بصرف النظر عن قضية العراق، رغم أن أي استطلاع للرأي في هذه القضية لا يمكن أن يثبت أن 10 إلى 15 في المائة من سكان العالم سيؤيدون احتلال بلاد الرافدين. الشيء نفسه يحدث مع القضية الفلسطينية بصيغة أخرى من لحظة التقسيم في 1948 مع اتضاح بشاعة الصهيونية وكذلك التواطؤ العربي على شاكلة ما وقع في حرب الخليج في ما يشبه الانسحاب من الميدان. يندرج هذا الأمر في ما خلصت إليه في كتابي «الحرب الحضارية الأولى» من أن الثقافة والمعلومات ستكون الأسباب الرئيسية للنزاعات في المستقبل وأن الحروب ستكون ذات طابع ثقافي حضاري صرف.
غير أن الولايات المتحدة الأمريكية تواجه اليوم خصما جديدا يتمثل في الدول الصاعدة، وتكفي الإشارة في هذا الإطار إلى أن الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون صرح في الشهور الأخيرة من ولايته بأن بلاده لن تبقى في غضون 10 سنوات إلى 15 سنة القوة الاقتصادية الأولى عالميا، وأن الصين هي التي ستحتل هذه المكانة، وأضاف كلينتون حينئذ أن الولايات المتحدة الأمريكية سرعان ما ستصبح ثالث قوة اقتصادية عالمية، بعد أن تتقدم الهند إلى المرتبة الثانية خلف الصين.
كما أن التغيرات التي تعرفها أمريكا الجنوبية تدل على أننا في فترة انتقال من نظام إلى نظام آخر، خاصة وأن الليبرالية والاشتراكية لم يعد لهما نفس المفهوم الذي كانتا تفيدانه في السابق، لأن العالم تغير بسرعة كبيرة إلى درجة أن المتخصصين في الدراسات المستقبلية يقولون إن مجموع المعرفة الإنسانية يتضاعف كل عشر سنوات. الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت تحس بأنها لن تبقى الأولى وهذا هو السبب الرئيس لانتخاب أوباما رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية.
ولذلك أرى أنه ينبغي ألا ينتظر العرب الموقف الذي سيتخذه أوباما بشأنهم والمنهجية التي سيعتمدها في تعامله معهم، بل يجب أن يحددوا هم بأنفسهم الطريقة التي يرونها مناسبة لترسيخ قواعد تعامل جديد بين العواصم العربية وواشنطن. لن تنتظر الدول بعد اليوم قرار البيت الأبيض في كيفية التعامل معها، وإنما ستعمد إلى تحديد موقفها من الولايات المتحدة وكثير منها سيفرض تغييرا متفاوت الأهمية في علاقاته مع بلاد العم سام. ولى زمن الانفعال وحان وقت الفعل ورد الفعل.
- يعني هذا أن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت اليوم في موقف دفاع أو بصيغة أخرى هل هذا إعلان أو على الأقل تبشير بأفول عهد الأحادية القطبية الأمريكية بالأساس؟
< انتهت الأحادية القطبية على المستوى النفسي أو النفساني، وقد بدأ هذا التغيير يظهر تدريجيا في الميدان الاقتصادي. غير أن الدول العربية والإسلامية تفتقر إلى دينامية تمكنها من اتخاذ قرارات مناسبة للمرحلة، خاصة وأنه لم يعد بمقدورها الرهان على صراعات معسكرين قويين لتجد لها موطئ قدم في الساحة الدولية. أؤكد في هذا السياق على أن العالم الثالث لا يعاني من أزمات فكرية أو اقتصادية، بل من أزمة غياب رؤية واضحة للتحرك، فبالأحرى الحديث عن وجود إستراتيجية لبلوغ المقاصد التي تنشدها دول العالم الثالث.
- في ظل كل هذه التحولات التي يعرفها العالم في سعي حثيث إلى التأقلم مع المتغيرات الجديدة، يبدو العالم العربي وكأنه تائه غير عابئ بما يحدث...
< العالم العربي يغلي لكن أوضاعه شبيهة ببعض المأكولات التي تتطلب ساعات لتكون جاهزة في مقابل أطباق أخرى لا يستغرق إعدادها أكثر من دقائق معدودة. إن العالم يتجه إلى فجوة جديدة، فبعد الأولى الموجودة أصلا ما بين العالم المتقدم ونظيره المتأخر، ستظهر فجوة ثانية داخل الدول نفسها ما بين المسيرين والزعماء من جهة والشعوب من جهة ثانية، خاصة فئة الشباب في ظل الصعوبات التي تواجهها الأجيال في مهمة التواصل في ما بينها. ثم إن العالم العربي يعاني أيضا من أزمات ناتجة بالأساس عن وجوده في موقف دفاع وغياب رؤية واضحة لاستثمار كل الطاقات من أجل تحقيق التنمية. وتعد هجرة الأدمغة من أبرز العراقيل التي تحول دون تحقيق ذلك. هناك طاقات عربية حقيقية لم تجد في وقت سابق بديلا للهجرة إلى الخارج وحان الوقت لتعود إلى بلدانها الأصلية. تجربة الهند رائدة في هذا المجال، حيث استطاعت أن تستعيد المئات من أبنائها المهاجرين ومولت العديد من الأبحاث، بعدما بنت فضاء خاصا بالبحث العلمي أطلقت عليه اسم «المدينة العلمية». أما في العالم العربي فلا يزال يلاحظ أن هناك جهات تخاف من المثقف وبالأخص إذا كان مقيما في المهجر.
- إذن كيف يمكن أن تصبح الثقافة في العالم العربي عاملا محفزا على التنمية عوض مصدر للصراعات؟
< يحتاج هذا الأمر إلى إستراتيجية واضحة المعالم والأهداف وأن تأتي الحلول بطريقة ديمقراطية، لأن مستوى تعليميا أعلى لا يخول لصاحبه التقرير في ما يجب فعله، ذلك أن أزمتنا تتمثل في عدم المشاركة وهو مما يزيد من اتساع الفجوة ما بين الحكام والشعوب يوما بعد آخر.
- لكن ما هو دور المثقف بالتحديد؟
< أحيانا يكون المثقف نفسه سببا في المشاكل، لأنه إما أن يتخصص في المجال الذي درسه أو لا، مما يؤدي به في النهاية إلى الهجرة إلى الخارج بالنظر إلى عدم إيلاء ما يكفي من اهتمام للبحث العلمي في بلده الأصلي، فمثلا لن يتردد دارس للكيمياء في حزم حقائبه والتوجه إلى الخارج إذا لم يجد المناخ المواتي ووسائل العمل التي لا غنى عنها ليتقدم في أبحاثه ودراساته. وقد خلصت، من خلال أبحاثي الخاصة بهذه الظاهرة، إلى أن هناك سببين لا أكثر يقفان وراء هجرة الأدمغة، أولهما أن كل شخص يحتاج إلى استثمار ما ظل يدرسه لسنوات خاصة في العلوم الدقيقة وتلك التي تعرف تطورا سريعا من حيث وسائل العمل لا تستطيع دول العالم الثالث مواكبته لمحدودية إمكانياتها.
أما السبب الثاني فيتمثل في حرية التعبير لأن حرية التعبير وحرية التنقل من حقوق الإنسان الأساسية، حتى إنني لاحظت في وقت سابق في المغرب، بصفتي الرئيس المؤسس للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، أن سياسيي الحكم كانوا يخشون من الحديث عن حقوق الإنسان. لست منجما لكنني متأكد من أنه يصعب ألا يحدث تغيير في الحكومات والأنظمة العربية في الأمد القريب، بالنظر إلى أنها لا تستمد شرعيتها من الشعوب، وإنما هي تابعة لجهة تحميها حتى أصبحت لعبة في أيدي الكبار.
أمريكا تعمل على خلق النزاعات لدفع العرب إلى شراء الأسلحة
- هل تعتقد أنه بالإمكان تعزيز حوار الحضارات في ظل هذا المعطى؟
< أعتقد أنه سيتقوى، لكن لا بد من الإشارة إلى بعض التناقضات، حيث لا يحدث ذلك على المستوى السياسي بسبب الصراعات الدائرة ما بين الحضارة اليهودية المسيحية وباقي الحضارات واتساع الهوة ما بين هذه الحضارات. ثم إن المسيطرين اليوم على العالم يحكمون قبضتهم على الاقتصاد والبحث العلمي. علما بأن الصين ما كانت لتصل إلى ما بلغته الآن من دون الاستثمار في البحث العلمي، في وقت لا يعير فيه العرب اهتماما لذلك.
- يبدو أن العالم يقسم من جديد، ويبدو كذلك أن العرب أشبه بأيتام في مأدبة هذا التقسيم....
< أعتقد أن مسألة القيم مهمة جدا وأذكر في هذا الإطار مقالا نشر في جريدة «لوموند» الفرنسية غداة الإعلان عن نتائج الانتخابات الفرنسية الأخيرة اعتبر فوز ساركوزي انتصارا لقيم معينة. كما أن العالم المعرفي والعلمي يتطور بسرعة كبيرة وبالتالي لن تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية أن تستغل الشعوب كما تفعل الآن، وإن كانت الديمقراطية في مرحلة تمهيدية لترسخها بعد اقتناع الجميع بضرورتها في أي خطوة نحو إيجاد حلول للأزمات. القوة الحقيقية تكمن في إعطاء الكلمة للشعب ليقول ما يشاء. ورغم أن الصين ستحتل المرتبة الأولى عالميا عما قريب، فإن العالم الغربي لا يزال يسيطر على الأسلحة ولا تخفى أهمية هذه السوق على أحد، حيث إن 80 في المائة من نفقات الولايات المتحدة في مجال البحث العلمي تصرف في الميدان العسكري. الحروب بما في ذلك حرب الخليج وحرب لبنان وحتى الحرب الدائرة رحاها الآن على غزة مناسبات لتجريب أنواع جديدة من الأسلحة وخطط عسكرية جديدة كذلك. العالم العربي لوحده دفع ما يقرب من بليون دولار لشراء الأسلحة وبعد ذلك تعمل الولايات المتحدة على خلق مزيد من النزاعات لدفع زبنائها العرب إلى اقتناء المزيد من الأسلحة كذلك.
- وما السبيل من وجهة نظرك إلى الخروج من هذه الدوامة؟
< لا بد من الاعتماد على النفس وهو أول شروط تحقيق التقدم. التجربة الهندية كما أسلفت الذكر رائدة في هذا المجال، بعد عودة كثير من أدمغتها التي هاجرت في وقت سابق ووجدت الاهتمام والدعم اللذين افتقرت إليهما في السابق. أما على المستوى الاقتصادي، فيجب أن يعي العرب أنه لا يمكن تحقيق النمو المنشود إلا في ظل تكتلات لا تقل عن 300 مليون نسمة لأن التكنولوجيات الجديدة تحتاج إلى مصاريف كبيرة على صعيد البحث العلمي والمردودية لا تتأتى إلا بعد سنوات. وفي غياب ذلك ليس هناك خيار غير تقليد الآخر والبقاء في خدمته.
- كيف تتصور مستقبل العالم العربي أخذا بعين الاعتبار جميع التغيرات التي عرفها وتلك التي يعرفها اليوم؟
< لا أعتقد أن أي دولة بمنأى عن التأثر بما يقع في دول أخرى. الشجاعة التي واجهت بها حماس وسكان غزة إسرائيل وانتصار حزب الله في حرب يوليوز 2006، بالإضافة إلى معطيات أخرى، تبين أن الجميع جاهز لتجربة جديدة في الميدانين السياسي والاقتصادي مبنية على المشاركة والتواصل والإنصات للآخر والنزاهة. غياب هذه العناصر هو الذي يجعل الغرب، بحكم وجوده في موقع قوة، يفرض إرادته على باقي دول العالم، لأن الدول الغربية تعلم أن فرض استعمال مفهوم معين على دولة أخرى لا يقل أهمية عن احتلالها، إن لم يكن احتلالا بعينه وهذا ما حدث بالتحديد مع مفهوم العولمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.