ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    لماذا تصرّ قناة الجزيرة القطرية على الإساءة إلى المغرب رغم اعتراف العالم بوحدته الترابية؟    بطولة ألمانيا لكرة القدم.. فريق أونيون برلين يتعادل مع بايرن ميونيخ (2-2)    كوريا الشمالية تتوج ب"مونديال الناشئات"    البطولة: النادي المكناسي يرتقي إلى المركز الخامس بانتصاره على اتحاد يعقوب المنصور    مدرب مارسيليا: أكرد قد يغيب عن "الكان"    موقف حازم من برلمان باراغواي: الأمم المتحدة أنصفت المغرب ومبادرته للحكم الذاتي هي الحل الواقعي الوحيد    نبيل باها: "قادرون على تقديم أداء أفضل من المباراتين السابقتين"    عائلة سيون أسيدون تقرر جنازة عائلية وتدعو إلى احترام خصوصية التشييع    ألعاب التضامن الإسلامي (الرياض 2025).. البطلة المغربية سمية إيراوي تحرز الميدالية البرونزية في الجيدو وزن أقل من 52 كلغ    طنجة.. وفاة شاب صدمته سيارة على محج محمد السادس والسائق يلوذ بالفرار    "جيل زد" توجه نداء لجمع الأدلة حول "أحداث القليعة" لكشف الحقيقة    بحضور الوالي التازي والوزير زيدان.. حفل تسليم السلط بين المرزوقي والخلفاوي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    خلاف بين وزارة الإدماج ومكتب التكوين المهني حول مسؤولية تأخر منح المتدربين    طنجة.. الدرك البيئي يحجز نحو طن من أحشاء الأبقار غير الصالحة للاستهلاك    الرباط وتل أبيب تبحثان استئناف الرحلات الجوية المباشرة بعد توقف دام عاماً    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    شبهة الابتزاز والرشوة توقف مفتش شرطة عن العمل بأولاد تايمة    لقاء تشاوري بعمالة المضيق-الفنيدق حول إعداد الجيل الجديد من برنامج التنمية الترابية المندمجة    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الجيش المغربي يستفيد من التجارب الدولية في تكوين الجيل العسكري الجديد    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    بعد السرقة المثيرة.. متحف اللوفر يعلن تشديد الإجراءات الأمنية    تتويج مغربي في اختتام المسابقة الدولية للصيد السياحي والرياضي بالداخلة    دكاترة متضررون من تأخير نتائج مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي يطالبون بالإفراج عن نتائج مباراة توظيف عمرت لأربع سنوات    تشريح أسيدون يرجح "فرضية السقوط"    تدشين المعهد المتخصص في فنون الصناعة التقليدية بالداخلة تعزيزاً للموارد البشرية وتنمية القطاع الحرفي    قطاع غزة يستقبل جثامين فلسطينيين    فضيحة كروية في تركيا.. إيقاف 17 حكما متهما بالمراهنة    السلطة تتهم المئات ب"جريمة الخيانة" في تنزانيا    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    كاتبة الدولة الإسبانية المكلفة بالهجرة: المبادرة الأطلسية التي أطلقها الملك محمد السادس تشكل نموذجا للتنمية المشتركة والتضامن البين إفريقي    حمد الله يواصل برنامجا تأهيليا خاصا    العرائش.. البنية الفندقية تتعزز بإطلاق مشروع فندق فاخر "ريكسوس لكسوس" باستثمار ضخم يفوق 100 مليار سنتيم    "صوت الرمل" يكرس مغربية الصحراء ويخلد "خمسينية المسيرة الخضراء"    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    عيد الوحدة والمسيرة الخضراء… حين نادت الصحراء فلبّينا النداء    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    أشرف حكيمي.. بين عين الحسد وضريبة النجاح    انطلاق فعاليات معرض الشارقة للكتاب    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فريق العدالة والتنمية في مناقشة مشروع مدونة التغطية الصحية بالجلسة العامة بمجلس النواب
نشر في التجديد يوم 05 - 08 - 2002

اقترح فريق العدالة والتنمية 58 تعديلا على مشروع قانون رقم 65،00 بمثابة مدونة التغطية الصحية الأساسية، وأثناء مناقشته في لجنة القطاعات الاجتماعية والشؤون الإسلامية، تم الوصول إلى صيغة توافقية في 9تعديلات ،بينما تم الإجماع على قبول 6تعديلات، في حين تم سحب 24تعديلا ،أما 18 تعديل فقد تم رفضه، أما أثناء مناقشته في الجلسة العامة بمجلس النواب يوم 1 غشت 2002عرض فريق العدالة والتنمية 19 تعديلا في الجلسة العامة للتصويت فلم يتم قبول أي تعديل من الحكومة كما أن التصويت لم يكن لصالح أي تعديل ، وفي ما يلي كلمة فريق العدالة والتنمية في مناقشة مشروع مدونة التغطية الصحية بالجلسة العامة بمجلس النواب :
مشروع تعميم التغطية الصحية في بلادنا ذو أهمية غير قابلة للنقاش وليس بسبب الوعي بضرورة توفير موارد مالية جديدة للقطاع الصحي، ولكن أيضا بهدف الوصول إلى إصلاح جذري للنظام الصحي ببلادنا.وسيمكن المشروع مبدئيا من إيجابيات عديدة، بتوفير وضعية صحية أفضل، وتضامن اجتماعي أقوى، وإعادة توزيع الدخل وإنعاش الاستثمار ورفع المردودية. لذلك فإن طرح هذا المشروع في هذا الوقت يأتي بعد عجز تراكم مع مرور الوقت أدى إلى تعميق الفوارق بين الفئات والجهات والمناطق مما يؤثر سلبا وبشكل كبير علىإمكانية الولوج للعلاج، وعلى قدرة أوسع الفئات الاجتماعية على تحمل مصاريفه.ولا يمكن إلا أن نثمن المبادئ التي ينطلق منها المشروع والتي يسعى إلى تحقيقها في الواقع.كما لا يمكن أيضا إلا أن نثمن العمل على إخراجه إلى حيز الوجود وإن كنت أشير إلى الإشكال التقليدي المرتبط بتأخر ذلك. لكنه شيء مألوف في العمل الحكومي عموما. فأيا كانت الصعوبات، والتعديلات التي أدخلتها الحكومة على مشروع 1995، فإن ذلك لا يبرر بقاءه أربع سنوات يدور في دهاليز الحكومة ودواوينها ولجانها.لنتجاوز ذلك لأقول أن هذا المشروع المهم في الوقت الذي يفتح آمال النجاح في
تجاوز معضلة تمويل الخدمات الصحية، فإنه يثير مخاوف من أن تحمل في طياته بذور عجزه وقصوره عن تحقيق الأهداف المتوخاة منه، لكونه لا يتطرق ولا يحل عددا من الإشكالات المهمة والأساسية لنجاحه.
وهذه بعض الملاحظات الأساسية في هذا المجال:
أولا : لابد من سياسة صحية شمولية ناجعة
إن هذا المشروع يجب أن يندرج في إطار مقاربة شمولية للقطاع الصحي، انطلاقا من سياسة صحية ناجعة وراشدة. إن القطاع الصحي إن كان يعاني من الاختلالات التقليدية التي تعاني منها مختلف القطاعات الاجتماعية ، فإن رأس مشاكله في رأينا هو غياب سياسة ناجعة تتحدد بتوجهات وأولويات واضحة وملتزم بها. إن سفينة الصحة ببلادنا تسير في اضطراب وتخبط، تتغير خططها وأولوياتها وأولويات الإنفاق فيها في كل فترة وليس وفق سياسات محددة بعيدة المدى.ولذلك فإن الإصلاح الجزئي الذي يركز على مجال واحد أو مجالات محدودة في المجال الصحي دون مراجعة جذرية للسياسات الصحية عموما لن تكون إلا ذات تأثير محدود وقاصر. وهذا القانون المهم كان يجب أن يندرج ضمن إعادة نظر بالكامل في أولويات القطاع الصحي ومسار سياساته.
ومن جهة أخرى يشير المشروع في عدد من مواده إلى إشراك ممثلي الخدمات الطبية في مجلس إدارة أو في استشارة. لكن كثيرا من هؤلاء يحتاجون إلى مراجعة مستعجلة للتشريعات المنظمة لمهنهم ك الصيادلة وأطباء الأسنان نموذجا. وبدون ذلك فكيف يمكن تطبيق هذا المشروع المهم.
ثانيا:مشروع فضفاض
يعاني المشروع المعروض من اختلالين أساسيين هما:
*سيطرة هاجس التوازنات المالية على حساب الأهداف الاجتماعية
* كونه قانونا عاما فضفاضا، لا يحسم في كثير من الأمور الجوهرية. فكثير من المقتضيات تركت سيلا من النصوص التنظيمية، مع أنه كان من الضروري أن تحسم في القانون. وتركها للقطاعات الحكومية يتضمن خطر عدم إخراجها بالمرة إلى حيز الوجود، كما وقع لعدد من القوانين المهمة والتي صادق عليها البرلمان منذ سنوات، لكنها بقيت كلها أوجلها في الرفوف دون تطبيق بسبب عدم إعداد نصوصها التنظيمية. ونذكر على سبيل المثال القانون المتعلق بزرع الأعضاء والقانون 01.00 الخاص بالتعليم العالي في مقتضياته المرتبطة بالتعليم العالي الخاص.
ويحمل هذا الأمر إشكالا آخر، هو بقاء أمور استراتيجية في المشروع فضفاضة، لا تدرى خياراتها، ويمكن أن تبطل أساس المشروع وتفرغه من محتواه. ولا يتصور أن يصادق البرلمان على مشروع يعتبر شيكا على بياض يملأ بعد بما يمكن أن يخالف مقصوده العام. لذلك فإن المعروف في الدول التي بها أنظمة للتغطية الصحية أن البرلمان هو الذي يصادق بالتفصيل على الخدمات الصحية التي يشملها التأمين الصحي، ويصادق على الحد الأعلى لمساهمة المؤمنين، والحد الأدنى للتعويض.
ومن النقاط الجوهرية التي كان من المنتظر من القانون أن يحددها بدقة أكبر، لكنه تركه للنصوص التنظيمية:
أن المادة 7 عدد الخدمات المضمونة في إطار التأمين الإجباري الأساسي لكنه فوض لنص تنظيمي الشروط التي بمقتضاها التأمين الإجباري الحق في إرجاع المصاريف، وهذه الشروط في رأينا يجب أن تحدد بقانون.
أن المادة 10 تنص على أن نسب التغطية تحدد بنص تنظيمي، وتنص المادة 11 على أن إرجاع المصاريف المؤداة من قبل المستفيدين يتم أولا حسب العمل الطبي على أساس مصنفات الأعمال المهنية المحددة من لدن السلطة الحكومية المكلفة بالصحة .... ثم حدد كيفيات أخرى لأداء المصاريف.
ومصنفات الأعمال المهنية عمل تأسيسي لا يمكن أن يترك هكذا دون تحديد في القانون. لذلك فإن ما يقترحه المهنيون هو أن يصادق على مصنفات الأعمال المهنية من قبل البرلمان، وأن يصادق أيضا على أي تعديل يدخل عليها سنويا على شاكلة التعديلات التي تدخل على رسوم الجمارك بالنسبة للمواد المستوردة.
وأيضا من سيقوم بمراقبة أثمنة العلاجات ؟ ومن سيحددها وسيقوم بتحيينها ؟
هذه كله أمثلة بياضات تركت في القانون ووكلت إلى نصوص تنظيمية مما يعني أن القانون فعلا "قانون إطار" عام جدا لا ينفد لحل الإشكالات الحقيقية للمشروع.
وهكذا اقترحنا مادة خاصة تنص على التزام الحكومة بوضع مشروع قانون في نهاية كل سنة يعرض على البرلمان للمصادقة عليه يتضمن وضعية التوازن المالي لمنظومة التغطية الصحية الأساسية ، وتمديد أي تغيير يتم في شروط الحصول على الخدمات الصحية ونسبة الاشتراك ونسبة التغطية ، وقائمة الأمراض التي تخول الحق في الإعفاء الكلي أو الجزئي من الأداء المسبق .
إن الدخول في التغطية الصحية وفقهذا القانون إلزامي بالنسبة لجميع المواطنين، ولا يمكن بالتالي ترك عدد من مقتضياته الأساسية هكذا مفتوحة لكل الاحتمالات، وبيد السلطة التنفيذية . إن بعض اللوبيات المتنفذة ومراكز القوى في بعض القطاعات الصحية عودتنا التدخل لجعل تلك المقتضيات تسير في صالحهم. لهذا فإن جعلها بيد المؤسسة التشريعية ضمان لرعاية أهداف المشروع الاجتماعية والصحية، وليس مصالح ذاتية لفئات متنفذة.
وإذا نظرنا في خريطة المؤنين نجد أن الفئات غير المستوعبة حاليا أحيلت في سطرين على تشريعات خاصة مثل الطلبة ، والعمال المستقلين وأصحاب المهن الحرة. وإذا كان من المفروض أن أربع سنوات من مراجعة القانون كافية لوضع هذه التشريعات الخاصة. لقد كان ذلك سيجعل المدونة إضافة نوعية حقيقية.
ومن جهة أخرى يصرح المشروع بأن الهدف منه هو التغطية الصحية لجميع سكان المملكة )مادة1( لكنه في الحقيقة لن يمكن إلا من تغطية جزء من السكان بما يزيد قليلا على 50%.
وبالنسبة لنظام المساعدة الطبية فإن هناك إشكالا كبيرا يتعلق بالجزء من السكان الذين سيستفيدون منه. ونخشى أن يكون المشروع قد أعد دون تحديد دقيق لآفاقه. وهو ما كان يستلزم القيام بدراسة إحصائية مستقبلية للأشخاص المعنيين بنظام المساعدة الطبية، كم عددهم ؟ ما هي المداخيل المتوقعة من اشتراكاتهم في إطار المشروع ؟ ما هو توزيعهم الجغرافي ؟ وغيره.
إن التمييز الأساس في الخدمات الصحية يتم بسبب البعد عن مؤسسات الخدمات الصحية.
لذلك فإن التفاوت في القدرة على الوصول إليها يجعل الضعيف يؤدي أكثر من القوي، وهذا ينافي مبدأي العدالة والإنصاف الواردين في ديباجة القانون لكنه لا يأخذها كثيرا بعين الاعتبار لأن المواطنين لا يبعدون من المستشفيات بنفس الطريقة. كما أنه يخشى أن يؤدي عدم إرساء خريطة خدمات صحية متوازنة بين المناطق والجهات، إلى نقل الإمكانات )الاشتراكات( من سكان المناطق الضعيفة والمهمشة أو البعيدة إلى السكان القربين من المؤسسات الصحية.
وعلى الرغم أن الحكومة قبلت تعديلنا بالتنصيص على أنه يجب تمكين المستفيدين من الحصول على تغطية صحية دون أي تمييز بسبب "مناطق سكنهم".إلا أن مقتضيات هذا التنصيص لا يجد صداه كثيرا في مواد القانون
ثالثا: خطر التراجع عن المكتسبات
يلاحظ أننا إذا أخذنا بعين الاعتبار ما ورد في القانون بصدد الاشتراك -اشتراك المؤمنين أو المستفيدين- والتعويض، فإن خدماته أدنى من خدمات أنظمة التأمين الاختياري أو التعاضدي المعمول به حاليا.
كما أن المادة 47 تنص على أن احتساب نسبة الاشتراك تتم "بكيفية تضمن التوازن المالي لكل نظام للتأمين الإجباري الأساسي عن المرض"، هكذا بإطلاق دون أي تقييد، ودون حد أقصى. وهذا يمكن أن يفتح المجال للتعسف والتجاوز.
وفيما يخص التعويض يشكل المشروع تراجعا مقارنة مع ما توفره التعاضديات الموجودة والتأمينات الخاصة وشبه العمومية.
ففي الوقت الذي يمنح أغلبها تعويضا يصل أحيانا إلى 80% للمصاريف المؤداة، ينص المشروع على "إرجاع جزء من مصاريف العلاج أو تحملها" )مادة 9(. ولم يعين حدا أدنى لنسبة هذا الجزء الذي سيتم تعويضه من المصاريف الفعلية: 50% أو 60% أو حتى 20% أو ماذا ؟
فمع عدم تحديد حد أقصى للاشتراك، وحد أدنى لنسبة التعويض يبقى الأمر مفتوحا على جميع الاحتمالات.
صحيح أن التعويض الحالي في الأنظمة التعاضدية يتم على أساس تعريفة أدنى مما هو في الواقع بكثير، لكن القانون الحالي لا يعطى هو كذلك حلا شافيا لهذا الإشكال.
وهنا يطرح السؤال: كيف سيتم إخضاع الأشخاص الذين يستفيدون أصلا من خدمات تغطية صحية؟
إذا كانت التعاضيات المؤمنة حاليا ستبقي توفير خدماتها للمشتركين، فكيف سيتم إدماجهم في مشروع التغطية الصحية الإجبارية هل باللجوء إلى اشتراكات إضافية، وهو ما يعني عبئا ماليا جديدا على المشتركين / المؤمنين، أم بتقليص الخدمات المضمونة في إطار التأمين الإجباري
وإذا أضفنا هذا الأمر إلى السلبيتين السابقتين )عدم وجود حد أقصى للمساهمة/عدم وجود حد أدنى لنسبة التعويض(، وفي المقابل ليست هناك أي إضافة على ما يتلقاه المؤمنون من تعويض حاليا، اتضح لدينا أي تضحية يطلب منهم أن يقدموها دون مقابل واضح.
ويحق لنا أن نتساءل هل سيؤدي المشروع فعلا إلى تخفيض عبء الإنفاق الصحي على الأسر، أم سيؤدي فقط إلى تخفيض حصة الدولة فيه ؟ نضيف إلى ذلك أن المشروع أصر على إقصاء الأبوين الذين هما تحت كفالة المؤمن.
رابعا: أي آثار للمشروع في المستقبل:
إنه إذا تم الاحتفاظ بالوضعية الحالية للقطاع الصحي العمومي، فإنه على الراجح سيكون هو المتضرر الأكبر.
ففي المناطق التي تضم قطاع خاصا متطورا والتي تضم شرائح ذات مستوى دخل جيد أو عال يمكنها من الاشتراك في تأمينات تكميلية، سيجد القطاع العام نفسه يستقبل أساسا شرائح وفئات ضعيفة الدخل أو غير قادرة على الأداء، مما سيؤثر سلبا على خدماته ووضعيته أكثر.
وفي المناطق التي يشكل فيها القطاع العام الجهة الأساس التي توفر الخدمات الطبية، والتي توجد بها عادة فئات من السكان ذوي وضعية اقتصادية واجتماعية متوسطة جدا أو متدنية، لن يظهر تأثير يذكر لمشروع التأمين الإجباري عن المرض بسبب ذلك.
وهكذا سيستمر قطاع الصحة العمومية في تحمل الأعباء في كلا الحالتين ولن يتمكن من تطوير خدماته -كما وكيفا - كما هو مطلوب في الواقع، وكما هو ضروري لإنجاح المشروع نفسه.
وهكذا سندخل حلقة مفرغة لم يتضح لنا من خلال المشروع كيفية الخروج منها، وتضع الالتزام بمبدأ العدالة التي انطلق منه في كف عفريت.
إضافة إلى أن المشروع - بقصره استفادة الخاضعين لنظام المساعدة الطبية على مؤسسات القطاع العمومي -سيؤدي إلى وجود مستويين للخدمات الطبية، مستوى خاص بالأغنياء وآخر خاص بالفقراء، مما سيزيد في خطورة التفاوتات الاجتماعية الخطيرة التي تعاني منها بلادنا، وتفاوت المستويين مرتبط بجودة الخدمات وليس بكمها ولائحتها
من جهة أخرى لا ندري هل هناك دراسة مرتبطة بتأثير المشروع في حالة تطبيقه على سوق الشغل وحقوق المأجورين. ما هي ضمانات أن لا يؤدي إلى أضرار وتراجعات؟
إن المشروع بسبب الأعباء المالية التي يضيفها على المشغلين يمكن أن يؤدي إلى الزيادة في التشغيل المؤقت والموسمي أو يؤثر سلبا على إحداث مناصب شغل جديدة.
كما أن التطورات المتسارعة في واقعنا الاقتصادي والاجتماعي، والتي تتميز كثيرا بالتسريحات الجماعية، وبعدم توفر مناصب شغل جديدة وبعدم الاستقرار فيها ... يمكن نظريا أن تؤدي إلى أضرار بالغة بالوضعية المالية للهيئات المكلفة بالتدبير في غياب نظام يحفظ التوازن أو التعاضد بين مختلف الصناديق.
لهذا فإنه في الوقت الذي يسهل فيه تحديد وعاء المساهمات بالنسبة للقطاع العام، فإنه من الضروري إجراء دراسة ميدانية محينة لمدى قابلية المشروع للحياة إذا تعلق الأمر بالقطاع الخاص.
مرة أخرى لا يمكن للتغطية الصحية الأساسية المقترحة أن تكون ناجحة إلا إذا تم تطوير المشروع ليجيب عن التساؤلات الأساسية المطروحة، وإلا إذا كان مندمجا في إطار إصلاح شامل للسياسة الصحية، وتحديد دقيق لأولوياتها، ووضع خريطة للخدمات الصحية تستجيب لمعايير العدالة والجودة .
د. سعد الدين العثماني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.