قنصلية المملكة بكورسيكا تحتفي بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    المنتخب المغربي للفتيان يسحق كاليدونيا الجديدة ويعزز آمال التأهل    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    نصف نهائي العاب التضامن الإسلامي.. تشكيلة المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة أمام السعودية    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    بعد فراره… مطالب حقوقية بالتحقيق مع راهب متهم بالاعتداء الجنسي على قاصرين لاجئين بالدار البيضاء    أيت بودلال يعوض أكرد في المنتخب    الركراكي يوجه الدعوة لآيت بودلال لتعويض غياب نايف أكرد    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    في العودة إلى العتاد النقدي القديم المطلوب للتغيير    التجمع الوطني للأحرار بسوس ماسة يتفاعل مع القرار التاريخي لمجلس الأمن حول الصحراء المغربية    أولمبيك الدشيرة يقسو على حسنية أكادير في ديربي سوس    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    بعد حكيمي.. إصابة أكرد تربك الركراكي وتضعف جدار الأسود قبل المونديال الإفريقي    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    بنكيران: النظام الملكي في المغرب هو الأفضل في العالم العربي    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الباحثة الاجتماعية والأستاذة الجامعية فاطمة الزهراء أزرويل ل"التجديد": البغاء جزء من انهيار شامل للقيم .. و الدين سلوك جميل يحترم الكرامة
نشر في التجديد يوم 08 - 08 - 2002

حول الانتشار المتزايد لظاهرة البغاء بالمغرب واختلاف أشكالها وألوانها، التقت التجديد بالباحثة فاطمة الزهراء أزرويل، و هي أستاذة جامعية تمارس البحث والكتابة والترجمة منذ حوالي عشرين سنة، لها مؤلفات وترجمات عديدة ، نالت جائزة المغرب للكتاب فرع الترجمة سنة 1998، نشرت عشرات المقالات في الصحف المغربية والمجلات، ومن مؤلفات الأستاذة في الموضوع المطروق كتاب "البغاء أو الجسد المستباح"، وهو عبارة عن دراسة جمعت شواهد أكثر من 06 امرأة تمارس البغاء في الدار البيضاء في فترة مابين 1985 و1998. فكيف تنظر الأستاذة إلى الظاهرة؟ وكيف واجهتها وجها لوجه؟ وما هي الخلاصات التي وصلت إليها، وما مكان الأسرة والقيم في المواجهة الحازمة للآفة الكبرى؟ للإجابة عن هذه الأسئلة نترك القراء مع الحوار التالي:
ألفتم كتاب «البغاء أو الجسد المستباح» كيف جاءت الفكرة؟
أود أن أحدد بأن كتاب "البغاء أو الجسد المستباح" ليس كتابا نظريا، وإنما هو كتاب اعتمد على دراسة ميدانية دامت سنوات عديدة. بدأ اهتمامي بالظاهرة في الثمانينات، وانتهيت من الكتاب بداية 8991، ونشر في 1002، هذه الدراسة الميدانية ارتكزت أساسا على عشرات الشهادات من نساء يمارسن البغاء، شهادات بعضها يدخل في إطار ما نسميه الاستجواب العميق الذي يدوم أكثر من ساعتين، وبعضها لا يتجاوز ثلاثين دقيقة، التقيت خلال هذه الفترة بأكثر من ستين امرأة تمارس البغاء بالبيضاء، ولا أدعي أن هذه الدراسة تشكل جردا شاملا لظاهرة البغاء بالمغرب، فهناك أشكال كثيرة ومتنوعة لممارسة الظاهرة، كما أن هناك مستويات اجتماعية لممارسيها سواء من النساء أو ممن يقبلون عليها حسب المناطق والمدن، لذلك وضحت وحددت أني أقتصر على مدينة الدار البيضاء، وعلى الفئات التي استجوبتها، وعالم البغاء عالم مقرف جدا، فهو بنية بكاملها تتألف من المجال والمكان والناس ونوعية المهام التي يقومون بها، لأن البغاء لا يعني المرأة لوحدها، كما أن اختراق هذا العالم صعب، ولكن أعتقد أن ما ساعدني هو الثقة التي وضعتها في أولئك النسوة ، أحسسن جميعا أني لا أحاكمهن ولكن
أريد أن أعرف، وقد كشفن لي الكثير الكثير، أقول لك بصدق أعطيت هذا الكتاب للناشر ولم أسأل عنه إطلاقا، بعدها فوجئت ذات يوم بابني -وهو خارج المغرب -يعاتبني على عدم إخباره، آنذاك عرفت أن كتاب البغاء قد نشر، عندما أعدت قراءته سألت نفسي وبصدق من أين أتيت بهذه الجرأة؟ لأقول ما قلته في الكتاب، وأضيف أيضا أنني أصبت بانهيار عصبي، و أنا مقبلة على توقيعه، يومها بالضبط أدركت سبب تلك الحالة النفسية، فقد أكد لي الدكتور حركات أمام المستمعين بأنه يستحيل أن يسمع الإنسان ما سمعته. مهما كتبت، فلن أنقل كلما شاهدت أيا كانت اللغة المستعملة، فلحظات البكاء والشهيق، لحظات انحباس الصوت من الاختناق، لحظات بئيسة تحكى فيها الأمور البئيسة، عما عانته أولئك النسوة وما يعانينه الآن، حيث كشفن لي الكثير.
ماهي أهم العوامل التي أدت إلى انتشار ظاهرة البغاء من خلال الدراسة ؟
أهم العوامل حددتها في كتابي الذي يحتوي على فصلين، فصل يتحدث عن عوامل البغاء، والفصل الثاني يتحدث عن أطراف البغاء، وهي أطراف متعددة، حين نقارب الشهادات ونستمع إليها نقتنع بها، لأن النبرة صادقة فيها، نجد أن المسألة لا تتعلق في الأول بالأخلاق، أعتقد إذا قلنا أن أخلاقنا انهارت واكتفينا بهذا التحليل، فلن نكون قد أسدينا خدمة لهذا المجتمع ولن نكون قد ساعدنا بشكل أو بآخر على تجاوز هذه الظاهرة .لماذا انهارت قيمنا؟ فالبغاء جزء من انهيار شامل في القيم عرفه المغرب خلال العقود الأخيرة، نتيجة الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي اتبعت هناك. ظواهر سلبية كثيرة تفشت في مجتمعنا، كالرشوة وسرقة المال العام والمتاجرة في المخدرات وفي كل القيم، والبغاء أحد هذه الظواهر، وآن الأوان أن نعود إلى هذا الواقع الذي أفرخ كل هذه الظواهر، هناك عوامل مباشرة تحدثت عنها، وأشير هنا أنني لم آت بها فوقيا، ولكن استخلصتهامن المعطيات وقد رتبتها حسب الأهمية التي كانت في الشهادات، كالتفكك العائلي، ويكون على مستويات، كأن تعيش طفلة صغيرة حجم صراع الأبوين الدائم، وإذا ما حصل الطلاق، تعيش جحيم بعد الطلاق سواء تمثل في
الصعوبات التي تعيشها الأسرة من أجل لقمة العيش، أوفي تشريد المرأة والأطفال بعد الطلاق، وتكون البنت هي البكر أو تتابع دراستها في بداية الثانوية، وهناك حالة زواج الأب من أخرى أو الأم من آخر، فتعاني الطفلة المراهقة من كل الضغوط الممكنة من أحدهما، كالضرب أوالتعنيف أوالحرمان، أنا وجدت نساء يمارسن البغاء طلقن في سن ثمانية عشر سنة. قد يكون الوالد فقيرا، وقد يكون لها طفلان، وترفض الأعمال الهامشية مثل الخدمة المنزلية أو ترفضها بمجرد أنها جميلة، ويكون الطريق سهلا للبغاء. بطبيعة الحال إلى جانب التفكك تحدثت عن العنف والآثار النفسية التي ترتبط به، لا نتصور مقدار الحرقة والعذاب التي يستعدنها حين يتذكرن ذلك، لا تستطيع الفتاة تحمل ذلك العنف، عنف يمارسه الزوج على المرأة، صور فظيعة لهذا العنف الممارس على المرأة والأطفال، حكت لي واحدة بأن الأب كسر يد طفلته، وأخرى أن زوجها يعود للبيت سكرانا، وكان لها طفل دون السنة الأولى، وعندما يسمع صراخ طفلته يضع السيجارة في رجلها، ومنذ ذلك الحين قررت الأم أن لا تعود. إضافة إلى العنف والاغتصاب والتحرش الجنسي، واغتصاب خاص بالنساء اللواتي بدأن كخادمات عانين من الاغتصاب
داخل الأسر سواء من رب الأسرة، أو من أحد الأبناء أو الأقارب، هناك الفقر طبعا، لكن أعتقد دائما أن الفقر لا يؤدي بالضرورة إلى البغاء، هناك عوامل أخرى مثل التواطؤ العائلي هناك أسر بكاملها تقبل بمال البغاء الذي تقدمها لها الفتاة، هناك آباء وإخوة يعرفون، أمهات يسكتن، هناك بنية بكاملها متواطئة منهم رجال أمن.
ألا يمكن أن نعزو الظاهرة إلى تورط مسؤولين كبار في القضية؟
البغاء بنية أطرافها متعددة، ربما المرأة فيها عنصر أساسي، ولكن من يستفيد منها أطراف أخرى، منها الفنادق الكبرى والمطاعم والنوادي الليلية وسائقوسيارات الأجرة، وبعض الحراس والوسطاء والوسيطات، بنية متماثلة، وتجد من يؤازر هذا التواطؤ من واقع المسؤولية حينما نتحدث عن مسؤول أو رجل أمن يتواطؤ في ظاهرة البغاء، فإنه يفعل ذلك من موقع المسؤولية، إذن بنية متعددة الأطراف ومصالحها متعددة، وهناك تراتبية في البغاء، وتراتبية في النساء، هناك النساء اللواتي يرتدن الفنادق الكبرىو وهناك اللواتي "يعملن" في مدن الصفيح أو في الدروب الضيقة أو يلتقين مع رجال فقراء، هذه التراتبية سواء بالنسبة للمرأة التي تمارس البغاء أو بالنسبة للزبون الذي يقدم عليه، أو المكان الذي تدور فيه الصفقة، لأنها صفقة نلخصها في بيع جسد، وتؤدي إلى إفراغ العلاقة الإنسانية من كل محتواها.
ليس الفقر والأمية سببين دائمين، فهناك فئات مثقفة تتعاطى للبغاء، فكيف تفسرون ذلك؟
وجدت قلة من هذا النوع، يفسر ذلك بانهيارقيم المجتمع، وحين يكون الهدف هو الاستهلاك والمال، تصبح كل الوسائل ممكنة ومباحة، أعتقد أن هذا هو التغيير السلبي الذي نراه ونتمنى أن نتجاوزه، لأننا نحلم بأفق مغاير في هذا المغرب، لا ننفي هذا، لكن علينا أن نعيد إحساس المواطن و المواطنة بكرامته، لأن ما لاحظته هو أن الإنسانة التي تسلك درب البغاء يحطم بداخلها كل إحساس بالكرامة، عالمها يصبح ضيقا التقيت بمن مارسن ضدي الاستفزاز من هذا العالم، تسألني إحداهن: كم تأخذين في أجرتك، ثم تقول لي: ما تأخذينه آخذه في ليلة واحدة، هناك من تقول: أنظري كل المجتمع يمارس البغاء، أقول لها: هذه الفتاة التي تعيش في الليل، لا ترى إلا ذلك العالم ، تنسى ولا ترى بأن هناك ملايين النساء الشريفات المكافحات من أجل لقمة العيش ومن أجل الأطفال ومن أجل البيت، ويتحملن كل العناء ولكن لا يسلكن طريق البغاء، معنى أن هذا العالم هو الذي يغري، لأن ما لاحظته هو أن هذا الاعتداد الكاذب بالنفس، لأن كل من كلمتهن، وقد كلمت بغايا يربحن أموالا طائلة، صرحن لي بأنهن يشعرن بالذنب وبشعور لا يرسخه كلامهن فقط، بل حتى سلوكهن لأنها تقول: أن هذا المال حرام.
في نظر الأستاذة الباحثة ماهي أحسن الحلول للحد من الظاهرة؟
الحلول ليست فردية على الإطلاق، الحلول يجب أن ترسخ القيم في الإنسان، وعلى الفتاة أن تعتز بذاتها وكرامتها، أن تجعل من طريق النضال اليومي من أجل الحياة الطريق الوحيد، وأن لا يغريها المال السهل، والطريق هو التعليم، ووقاية النساء من الإجحافات القانونية، خاصة الطلاق، كل المطلقات اللائي صادفنني أميات لا يجدن عملا، طريق البغاء هو السهل، الحلول في الإطار الأشمل تتعلق فعلا بسياسة اقتصادية واجتماعية لصالح المجتمع، تساءلت عند دراسة الظاهرة، لماذا لا تهتم الحركات النسائية بإدماج النساء البغايا، هناك حركات في الغرب هامة جدا في هذا المجال، قرأت عنها كثيرا وإمكاناتها هائلة جدا بالنسبة إلينا، تأوين البغايا ويساعدنهن لإيجاد عمل يأويهن ويأوي أطفالهن، قد لا نتوفر على هذه الإمكانات ولكن على الأقل لنفكر، البغاء عالم يصعب التخلص منه، ولكن لماذا لا نساعد هؤلاء النساء خاصةالفئة التي تكون رافضة، فأغلبية النساء اللائي استجوبتهن دائما يقلن لي :إنهن لم يفكرن يوما أن يكن في هذا العالم، وأنهن لم يتربين على البغاء في أسرهن . فلنلتفت إلى هذه الظاهرة، ولنكن صرحاء مع أنفسنا، فالظواهر السلبية يجب أن نكشفها، وإن كان من
فضل لهذا الكتاب، فهو هذه المواجهة التي أعترف بأني فرضتها على نفسي قبل غيري، وأن الإنسان عليه أن يعرف سلبياته حتى لا يكون كالنعامة التي تخفي وجهها في التراب.
ألا تعتقدون أن غياب اهتمام الأحزاب السياسية بالظاهرة يزيدها تفاقما وانتشارا؟
مثل هذه الظواهر لا يمكن أن نقضي عليها بين يوم وليلة، والقضاء الحقيقي عليها هو إيجاد سياسة تغيرنا كأفراد، ترمم أشلاءنا بكل ما في التعبير من معنى، تعيد إلينا الإحساس بالكرامة، لكي لا نحترف البغاء ولا نمارس الرشوة، والشق الآخر لمحاربة الظاهرة، لا أدري إن كان على الأحزاب السياسية أن توجد برامج، فأنا لست سياسية لكي أنوب عن أحد، أعتقد أني قمت بواجبي .
تنامت ظاهرة اغتصاب القاصرين، فكيف السبيل للحد منها؟
ما خفي أعظم، كل الظواهر الفاسدة والسلبية موجودة في مجتمعنا، هذه ظواهر إنسانية، لكل مجتمع سلبياته، والإنسان هو معرض بطبيعة الحال للخطأ والانحراف، والانحراف موجود في كل المجتمعات، ولكن الأساس هو أن نوجه وسائل لمقاومة الانحراف، وكلما قمنا بحملات تحسيسية، فإننا ننشئ عملا مجتمعيا، ليس معنى ذلك أننا سنقضي على كل أشكال البغاء، ولكن تحاول كل الفئات مقاومته، والمسألة تحتاج إلى تحسيس، والتحسيس يبدأ من الأسرة، هناك حملة يقودها الغرب منذ سنوات لتحسيس الأطفال ولتعليمهم كيف يحتاطون من الآخر، بل حتى من بعض أقربائهم أحيانا، يجب أن نقوم بحملات تحسيسية داخل الأسر أو داخل المدارس، أو يؤطر الأطفال مختصون باحثون اجتماعيون.
مؤخرا أصبحت فرنسا تحارب الدعارة، فمنعت الأفلام الجنسية على الأطفال، فكيف تنظرون إلى سياسة الدولة المغربية في هذا المجال؟
عندما كتبت كتابي، فقد أدان بوضوح في عمقه وشكله والرسائل الموجهة على اعتبار أن كل خطاب يحتوي رسائل، كان الكتاب إدانة للسياسة الاجتماعية والتعليمية، والاقتصادية وأكدت أن الحلول رهينة بتغيير هذه السياسات بإدماج النساء فعليا وتعليمهن بإيجاد الشغل وتوفير التوعية والتربية على الكرامة، لأن الكرامة شيء أساسي، لكي نكون مواطنين فعلا وحتى نحترم الآخر، وإذا أصبح الجسد مستباحا فإن القيم كلها تستباح.
ألا يمكن أن نعتبر أنه من بين الدوافع البعد عن الإسلام؟
لا أعتقد بأن المسألة تتعلق بالبعد عن الدين أو الاقتراب منه، فالدين هو عقيدة وممارسة وسلوك، ولكن يجب أن يكون في المجتمع الذي نعيش فيه عوامل تشجعنا على اتباع الدين، إذا كان الفقر موجودا والعنف موجودا، والاغتصاب موجودا، يجب أن نجدد الدين إذا شئنا، ونجد حلولا عملية أو على الأقل أن نقوم بخطوات في طريق حل المشاكل، الدين سلوك جميل، فهوعقيدة وسلوك، يحترم الكرامة، كل هذه المبادئ الجوهرية الإنسانية في الدين، ينبغي أن نتحرك بها كأناس وكبشر يعيشون على هذه الأرض، ونوجد حلولا للمشاكل، أعتقد بأن هذا أساسي.
ترجمتم كتاب "باسم أختي" لنبيلة بن عيسى، فما هي الدوافع التي دفعتكم لذلك؟ وماهي الدروس المستخلصة منه؟
لقد بكيت كثيرا عندما قرأته، كتاب شعرت فيه بالفخر والاعتزاز بتلك المغربية، ولقد علمت مؤخرا أن مؤلفته أصبحت قاضية كما كانت تحلم بذلك، ذلك الكتاب ترجمته لأن الناشرة عرضت علي ذلك ، ولما ترجمته أحسست أني قمت بمهمة من المهام الملقاة على عاتقي كباحثة، وهي كشف الظواهر السلبية التي ينبغي أن يتم التحسيس بها، لأقول إن علينا أن نواجه المشاكل بصراحة إذا شئنا أن نتقدم إلى الأمام، لدينا في المغرب اغتصاب للأطفال تقريبا يومي، يجب أن نقوم بحملة تحسيسية للأطفال كما تفعل المجتمعات المتقدمة، كي نعلم الطفل أن لا يثق بأحد في الشارع، منذ مدة حكت لي ابنة أختي الصغيرة وهي تبلغ عشر سنوات أن صديقتها اغتصبت، وقد كانت تخرج على الساعة السابعة لتأتي بالخبز من المخبزة فأخذها أشخاص واغتصبوها، استغللت الفرصة وأعطيتها كتاب نبيلة بن عيسى لأنها متميزة في العربية لتستفيد منه ، علينا أن نفعل هذا مع الأطفال، هناك أناس يعانون من عقد نفسية تدفعهم لهذا السلوك أو ذاك، يجب أن نحتاط منهم، ولا يجب أن نحلل بأنها ظواهر أخلاقية وكفى، ونقول إننا إذا تحلينا بالأخلاق سيتبعنا الكل، وأن الأخلاق تمرر هكذا للبشر بصرف النظر عن عدم تغيير
الواقع، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (كاد الفقر أن يكون كفرا).
حاورتها: خديجة عليموسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.