مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بطاقة الإعاقة    بايتاس يكشف عدد الطلبات المستوفية لشروط الاستفادة من دعم السكن    قرار سعودي جديد بخصوص أداء مناسك الحج والعمرة    مجلس الحكومة يصادق على مقترحات تعيين في مناصب عليا    تندوف تغلي بعد جريمة قتل طفل .. انفلات أمني ومطالب بتدخل دولي    245 ألف ليلة مبيت سياحية بوجهة طنجة    افتتاح بورصة البيضاء على وقع الارتفاع    بسبب الاقتطاع من رواتبهم.. موظفون يعتصمون بمقر جماعة أولاد عياد    فرار 80 ألف شخص من رفح خلال ثلاثة أيام    "كارثة" في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا وتوخيل يصب غضبه على التحكيم    المنتخب المغربي الأولمبي يواجه نظيره البلجيكي وديا استعدادا لأولمبياد باريس    الأمن يمنع ترويج آلاف "الإكستازي" بطنجة    طنجة تواصل تأهيل مدينتها العتيقة وتستهدف ترميم 328 بناية جديدة مهددة بالانهيار    عامل إقليم تطوان يترأس اجتماعا موسعا لتدارس وضعية التعمير بالإقليم    سابقة.. حكم قضائي ينصف مشتكية مغربية في ملف "مضاعفات لقاح كورونا"    بايتاس: الحكومة لا تتهرب من مناقشة جدل لقاح أسترازينيكا في البرلمان    دراسة أمريكية: ارتفاع الحرارة يزيد من انتشار مادة سامة داخل السيارات    رسميا.. وزارة بنموسى تعلن مواعيد الامتحانات الإشهادية وتاريخ انتهاء الدراسة    سيطرة مطلقة لفرق شمال القارة على الكؤوس الإفريقية لكرة القدم ونهضة بركان ضمن الكبار    سلطات مراكش تواصل مراقبة محلات بيع المأكولات بعد حادث التسمم الجماعي        توقعات أحوال الطقس غدا الجمعة    المجلس الاقتصادي والاجتماعي يدعو إلى مقاربة مندمجة لتسريع إدماج الشباب بدون شغل ولا يتابعون الدراسة أو التكوين    بحضور الملك..الحموشي يشارك في احتفالات الذكرى 200 لتأسيس الشرطة الإسبانية        ضربات إسرائيلية على قطاع غزة وواشنطن تهدد بوقف بعض الإمدادات العسكرية لإسرائيل    مرضى السكتة الدماغية .. الأسباب والأعراض    ملتمس الرقابة يوسع الخلاف بين المعارضة وتبادل للاتهامات ب"البيع والمساومة"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية    تقدم أشغال إنجاز منطقة الأنشطة الاقتصادية "قصر أبجير" بإقليم العرائش ب 35 في المائة    سبع دول من ضمنها المغرب تنخرط في مبادرة "طريق مكة" خدمة لضيوف الرحمن    ارتفاع أسعار النفط مدعومة بتقلص مخزونات الخام الأمريكية    المغرب يدخل القطيع المستورد من الخارج الحجر الصحي قبيل عيد الأضحى    أفق جديد لسوسيولوجيا النخب    من بينها المغرب.. سبع دول تنضم لمبادرة "طريق مكة"    "طيف سبيبة".. رواية عن أطفال التوحد للكاتبة لطيفة لبصير    ترقب استئناف المفاوضات بمصر وحماس تؤكد تمسكها بالموافقة على مقترح الهدنة    جوائز الدورة 13 لمهرجان مكناس للدراما التلفزية    متحف "تيم لاب بلا حدود" يحدد هذا الصيف موعداً لافتتاحه في جدة التاريخية للمرة الأولى في الشرق الأوسط    مركز السينما العربية يكشف عن أسماء المشاركين في فعالياته خلال مهرجان كان    مهرجان تطوان الدولي لمسرح الطفل يفتتح فعاليات دورته الخامسة عشرة    علم فرنسا يرفرف فوق كلية الطب بالبيضاء لتصوير "حرب العراق" (صور)    ريال مدريد يضرب بايرن ميونخ 2-1 ويتأهل رسميا لنهائى أبطال أوروبا    المرزوقي: لماذا لا يطالب سعيّد الجزائر وليبيا بالتوقف عن تصدير المشاكل إلى تونس؟    البرهان: لا مفاوضات ولا سلام إلا بعد دحر "تمرد" الدعم السريع    محاكمة الرئيس السابق لاتحاد الكرة بإسبانيا    تسليم هبة ملكية للزاوية الرجراجية    ملتقى طلبة المعهد العالي للفن المسرحي يراهن على تنشيط العاصمة الرباط    ضربة موجهة يتلقاها نهضة بركان قبل مواجهة الزمالك    الفنان محمد عبده يكشف تفاصيل إصابته بالسرطان    كأس العرش.. الجيش الملكي يتجاوز نهضة الزمامرة ويتأهل إلى دور ربع النهائي    "ريال مدريد لا يموت".. الفريق الملكي يقلب الموازين في دقيقتين ويعبر لنهائي "الأبطال"    الداخلة على موعد مع النسخة ال 14 من الأيام العلمية للسياحة المستدامة    أخنوش: الحكومة خفضت مديونية المملكة من 72 إلى 70 في المائة من الناتج الداخلي الخام    الحمل والدور الحاسم للأب    الأمثال العامية بتطوان... (593)    المؤرخ برنارد لوغان يكتب: عندما كانت تلمسان مغربية    السعودية تفرض عقوبات على مخالفي أنظمة وتعليمات الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدرسة بيشاور.. الجريمة باسم الدين
نشر في التجديد يوم 27 - 12 - 2014

يوم الثلاثاء 16/12/2014، قام سبعة مسلحين باقتحام مدرسة في بيشاور الباكستانية يديرها الجيش، وفيها ما يزيد على ألف طالب وطالبة، وكانت نتيجة هذه العملية مقتل مائة وخمسين أغلبهم من الطلاب، من بينهم الطالبة خولة ذات السنوات الست، والتي كان هذا اليوم هو يومها الدراسي الأول، ومن بينهم أيضا معلمة تمكن الجيش من إنقاذها لكنها أصرّت على العودة لتموت مع طالباتها.
قُتل المهاجمون السبعة والذين كانوا يرتدون أحزمة ناسفة، وهناك معلومات أن بعضهم ينتسب للحركة الإسلامية الأوزبكية، والبعض الآخر إلى حركة طالبان الباكستانية، والتي تبنّت العملية رسميا ثأرا لخسائرها في اشتباكات (وزيرستان)، والتي ما زالت دائرة بينها وبين الجيش الباكستاني، وفقا لتصريحات ناطقها الرسمي محمد عمر خراساني، والذي بشّر الأمة بأن هذه مجرد بداية لعمليات ستكون أكثر دموية!
بعد ردّة الفعل الغاضبة التي اجتاحت الشعب الباكستاني والمطالبة باستئصال هذه (العصابة المارقة)، ظهر أمير طالبان في منطقة مهمند خالد خراساني ليعلن بالنص: (إننا لم نأمر بقتل الأطفال الصغار إنما بقتل من نبتت شواربه فقط كما فعل محمد -صلى الله عليه وسلم- مع يهود بني قريظة)!
هذا التصريح جاء متزامنا مع تصريحات لمسؤولين باكستانيين كبار تتهم المخابرات الهندية والموساد الإسرائيلي، ومن بين هؤلاء المسؤولين الرئيس الباكستاني الأسبق برفيز مشرّف، والجنرال حميد جل الرئيس الأسبق لجهاز المخابرات!
حركة طالبان الأفغانية ردّت بقسوة على شقيقتها الباكستانية ببيان رسمي جاء فيه: (القتل المتعمد لأشخاص أبرياء نساء وأطفال يتعارض مع تعاليم الإسلام، وكل حكومة إسلامية وحركة يجب أن تلتزم بهذا المبدأ الجوهري.. إن إمارة أفغانستان الإسلامية تقدّم تعازيها لعائلات الأطفال الذين قتلوا). يذكر هنا أن زعيم طالبان الأفغانية كان قد بعث برسالة سابقة قبل هذا الحادث إلى طالبان الباكستانية ينصحهم فيها بعدم الخوض في دماء الشعب الباكستاني المسلم، وإنهم إن أرادوا الجهاد فعلا فعليهم القدوم إلى أفغانستان لمقاتلة القوات الأميركية التي تحتل البلاد.
رد الفعل الباكستاني الأولي كان بموافقة الكتل البرلمانية الكبرى على إعادة العمل بقانون الإعدام والذي كان قد عُطل استجابة لضغوط المنظمات الإنسانية العالمية، والذي يتوقع أن يطال ما لا يقل عن خمسمائة من المعتقلين الطالبانيين، وعلى الصعيد الخارجي قدمت الحكومة الباكستانية طلبا لنظيرتها الأفغانية بتسليمها الملا فضل الله أمير طالبان الباكستانية وبعض القيادات المتهمين بالتخطيط والإشراف على هذه العملية، مما ينذر بتدهور العلاقات بين البلدين في حالة الرفض المتوقع لحكومة كابل.
إننا أمام مشهد معقّد ومليء بالألغاز، فطالبان الباكستانية لها قراءة للدين متناقضة مع قراءة شقيقتها الأفغانية! وحكومة كابل تقاتل طالبان على أرضها، وتتعاون مع طالبان أخرى خارج أرضها، والعكس تماما هو موقف حكومة إسلام آباد، وإسرائيل والهند لهما يد واضحة في إضعاف الجيش الباكستاني المسلم، لكن الذي يقوم بهذا حركة (إسلامية) لا يهودية ولا هندوسية! وهذه الحركة ليست عميلة للهند ولا لإسرائيل، لأن الذي يفجّر نفسه بالأحزمة الناسفة لا يمكن أن يكون عميلا لأحد، فضلا عن أن يكون عميلا (للكفار)!
المشهد على تعقيده لا يكاد يختلف كثيرا عن ساحات (الجهاد) الأخرى، فالتبريرات الدينية لقتل المدنيين وتفجير الأسواق والأماكن العامة واحدة، هناك قياس الباكستانيين على (بني قريظة)! وهنا قياس العراقيين والسوريين على (أهل الردّة)، وفي القرن الإفريقي تقوم بوكو حرام بتكميل الصورة واحتجاز عشرات النساء (الكافرات) أو (المرتدات)، وهذا يكفي للتدليل على وجود خيط ما بين هذه الفعاليات واللافتات مهما اختلفت أشكالها ومواقعها.
في بلادنا تنضوي هذه الحركات تحت اسم (السلفية الجهادية)، ويذهب كثير من الباحثين إلى تحميل الفكر (السلفي المتشدد) مسؤولية هذا النهج التكفيري الدموي، لكنهم في بلاد السند والهند أمام سؤال كبير؛ فطالبان ليست حركة سلفية، بل هم طلاب علم، وهذا معنى اسمهم (طالبان)، ينتسبون إلى المذهب (الماتريدي) عقيدة، والمذهب (الحنفي) فقها، وكلا المذهبين أبعد ما يكونان عن التشدد والعنف، وقد عرف انفراد أبي حنيفة عن المذاهب الأخرى بردّه لحديث (لا يقتل مسلم بكافر)، حيث أوجب القصاص من المسلم إذا قتل كافرا ذمّيا في غير حالة الدفاع عن النفس! وهذا من شأنه أن يضيف أسئلة تربوية أكثر عمقا؛ فكيف تكون مخرجات الفقه الحنفي متناقضة إلى هذا الحد، بين قول المؤسسين بحرمة دم الذميّ الكافر وجعله كدم المسلم في القصاص وبين قول هؤلاء بقتل الأطفال المسلمين انتقاما من آبائهم؟!
إن هؤلاء في الحقيقة قد قاموا بجريمتين اثنتين في آن واحد، الأولى: سفك الدم الحرام، والثانية: سفك القيم الإسلامية والعدوان على هذه الرسالة الربانية التي اختارها الله لتكون رحمته للعالمين (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
لو سألت هؤلاء ما الذي دفعكم لتشكيل هذه الجماعات وخوض هذا الغمار المكلف والخطير؟ لوجدتهم يتحدّثون عن (تطبيق الشريعة) ومحاربة (القوانين الوضعية)، هذه هي المنطلقات الأولى، بمعنى أنهم جماعات إصلاحية لا أكثر، وتحت هذا العنوان حشدوا طاقات الشباب، ولكنّهم بعد حين انقلبوا إلى (مفخخات) عشوائية تضرب بكل اتجاه، ولكل ضربة تبريرها عندهم. سُئل أحدهم عن سرّ استهداف أربيل وكوباني وغيرهما من المدن السنّية الخالصة، فقال: أليس إقليم كردستان هو إقليم صهيوني وخاضع لنظام علماني! وكتب أحدهم رادّا على من طالبهم بتجنيب مدينة الفلوجة الضربة الكيمياوية أو الفسفورية المتوقعة فقال: (أو ما تفرح بأن ثلاثمائة ألف مسلم يزفّون إلى الجنّة في يوم واحد؟)، وآخر هذه التبريرات أن هؤلاء الضحايا سيحشرهم الله على نياتهم، بمعنى أن وظيفة هؤلاء قد تحولت من إصلاح الحياة وأسلمة النظام، إلى نزعة انتقامية تدميرية تعجّل بنقل أهل الجنة إلى جنتهم وأهل النار إلى نارهم!
إن اللعب المخابراتي الدولي والإقليمي حاضر وظاهر في كل هذه المشاهد النشاز، لكن اللعب الأخطر هو اللعب بالمقولات والقيم والأحكام الدينية، وخسارتنا في منظومتنا الثقافية والتربوية ليست بأقل من خسارتنا في الدم المراق في هذه الساحة أو تلك، على يد عدو جائر أو صديق غادر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.