عائلات "المغاربة المحتجزين بتايلاند" تنتقد صمت أخنوش وبوريطة    النخبة السياسية الصحراوية المغربية عنوان أطروحة جامعية بالقاضي عياض    الرجاء والمغرب الفاسي يحجزان مقعديهما في نصف نهائي كأس العرش    ماذا يقع بالمعرض الدولي للكتاب؟.. منع المئات من الدخول!    بلاغ جديد للقيادة العامة للقوات المسلحة الملكية    انعقاد الدورة ال12 لمهرجان الدولي "ماطا" للفروسية من 17 إلى 19 ماي    دياز يهز الشباك مرتين في لقاء غرناطة    انتخاب الريفية فاطمة السعدي عضوا بالمكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة    دائرة التأييد الأوربي تتسع للحكم الذاتي بالصحراء المغربية    الشعباني يأمل فوز بركان بنتيجة مريحة    العوني تتأهل إلى نهائي أنطاليا للتنس    طوابير تنتظر المسلم في معرض الكتاب    عودة للبؤات الأطلس اللواتي التهمن المنتخب الجزائري    الأمثال العامية بتطوان... (596)    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    صورة مذهلة.. "ناسا" ترصد أكبر عاصفة شمسية تعرض لها كوكب الأرض    الأصالة والمعاصرة يشيد بحصيلة الحكومة وينتقد قساوة الأحكام السطحية الشعبوية    حزب الأصالة والمعاصرة يعلن بدء التحضير مبكرا لانتخابات 2026 بهدف "الحصول على المرتبة الأولى"    مشروع خط سككي بين الدار البيضاء وبني ملال    الرجاء يهزم الحسنية ويبلغ نصف نهائي كأس العرش    تحذير وزاري لمستعملي الطرق السيارة    حماس تعلن وفاة أحد الرهائن الإسرائيليين متأثرا بإصابته في غارة جوية    حضور متميز لأسود الأطلس في نهائيات المسابقات الأوروبية للأندية    انطلاق المهرجان الدولي للفروسية "ماطا" بمنطقة "بن مشيش"    القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية تكشف تفاصيل مناورات "الأسد الإفريقي"    الأزمي ينتقد تضارب المصالح في الصفقات العمومية الكبرى واستخدام قوانين المالية لذلك    مبابي يعلن رسميا مغادرته باريس سان جيرمان    وزارة التجهيز تحذر مستعملي الطرق    جماعة طنجة تساهم بنحو 13 مليون درهم لتطوير وتوسيع مطار ابن بطوطة الدولي    مركز الاستثمار يروج لمؤهلات جهة طنجة في ملتقى اقتصادي بالامارات المتحدة    فاطمة سعدي ضمن لائحة أعضاء المكتب السياسي للبام    نشرة إنذارية | زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بالبرَد بعدد من مناطق المغرب    اضطرابات في حركة سير القطارات بين الدار البيضاء والقنيطرة    البحرين تحضر لانعقاد القمة العربية    القنصل العام للسنغال بالداخلة: لا وجود لمهاجرين عالقين في الصحراء المغربية    مكافحة الاتجار بالبشر.. الولايات المتحدة تمنح 2.5 مليون دولار للوكالات الأممية بالمغرب    المعرض الدولي للكتاب والنشر.. المجلس الأعلى للتربية والتكوين يناقش الرافعات الكبرى لحكامة المنظومة التربوية الوطنية    المغرب يشيد باعتماد الأمم المتحدة قرار دعم طلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين بالأمم المتحدة    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    كونفدرالية الصيادلة تشتكي "مستشفى الشيخ زايد" بالرباط وتطالب بفتح تحقيق في توزيعه الأدوية    فرقة كانديلا ارت الفنيدق- تطوان تترافع عن التراث الوطني في المهرجان الوطني لهواة المسرح بمراكش    أمير الكويت يعلن حل مجلس الأمة وتعليق العمل ببعض مواد الدستور ويقول:"لن أسمح بأن تستغل الديمقراطية لتحطيم الدولة"    بنسعيد: المغرب منخرط في خلق صناعات ثقافية وإبداعية قوية وتنافسية    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    الفيضانات أفغانستان تودي بأكثر من 200 شخص    الخطايا العشر لحكومة أخنوش!    أطروحة نورالدين أحميان تكشف كيف استخدم فرانكو رحلات الحج لاستقطاب سكان الريف    الصين: 39,2 مليار دولار فائض الحساب الجاري في الربع الأول    اللعبي: القضية الفلسطينية وراء تشكل وعيي الإنساني.. ولم أكن يوما ضحية    هكذا ساهمت دبلوماسية روسيا والصين في مقاومة "طالبان" للضغوط الغربية    المغرب يسجل 26 إصابة جديدة ب"كورونا"    الشركات الفرنسية تضع يدها على كهرباء المغرب    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    خبير في النظم الصحية يحسم الجدل حول لقاح أسترازينيكا    سابقة بالمغرب .. حكم قضائي يلزم الدولة بتعويض متضررة من لقاح كورونا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور لحسن الداودي ل"التجديد": التصريح الحكومي وقانون المالية مشروعان أجوفان لا روح فيهما، والمسؤوليات تسند إلى غير أهلها
نشر في التجديد يوم 03 - 10 - 2002

بعد عرض وزير المالية السيد فتح الله ولعلو لمشروع قانون المالية2003، التقينا بالأستاذ لحسن الداودي دكتور الاقتصاد بجامعة محمد الخامس الرباط وعضو فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب وطرحنا عليه العديد من الأسئلة عن مضامين المشروع والإجراءات التي بشر بها الوزير بشأن استكمال الإصلاحات وإشكالية المرجعية في التصريح الحكومي ومشروع قانون المالية وغيرها من الأسئلة الأخرى فكان الحوار التالي:
ما هو تعليقكم على ما ورد في خطاب وزير المالية بخصوص تنفيذ قانون المالية 2003؟
تعودنا من المسؤولين دائما محاولتهم تلميع صورة الحكومة، من خلال اختزال كل المشاريع في بعض الأرقام وتقديمها لغرض التلميع.
وأعطي مثالا على ذلك، فالقول بأن موجودات العملة الصعبة لدى المغرب تساوي إيرادات المغرب لمدة سنة لا يكفي، لأنه إذا لم نكن نستورد التجهيزات الأساسية فإن هذا الرصيد قد يبقى حتى سنتين أو 3 سنوات، وهذا أمر سلبي، كما أننا لا نقيس الموجودات من العملة الصعبة إلا في حالة نمو مطرد، مع كون المغرب يجلب التكنولوجيا اللازمة لبناء اقتصاده.
أما إذا كان الاقتصاد جامدا، فإن هذه الأرصدة ستظل جامدة، والأكثر من ذلك فإن البنوك الوطنية لم تستطع أن تستعملها في السوق الداخلية نظرا لقلة الواردات على مستوى التجهيزات، فسمح لها وزير المالية منذ شهر غشت بأن تستعمل هذه الموارد في البورصات الأجنبية وهذا أمر خطير.
إن الإشكالية الكبيرة تكمن في كون الحكومة تريد أن تخدع المواطن من خلال هذه الأرقام. وحقيقة الواقع لا تبشر بخير كما أنه ليس هناك شفافية في إظهار الأرقام.
ما هو تعليقكم على ما جاء في تقرير صندوق النقد العربي من كون المغرب سيشهد انخفاضا في معدل نموه خلال سنة 2003؟
المشكل أن معدل النمو يتم حسب موسم الفلاحة، وحسب مستوى أداء الفلاحة يكون مستوى الأداء الاقتصادي فإذا رحمنا الله بالأمطار فإن نسبة النمو سترتفع، أما إذا رجع الجفاف لا قدر الله فالظروف ستكون صعبة جدا. إن نسبة النمو خارجة عن إرادة الحكومة، ذلك أنه سواء كانت الحكومة موجودة أو غير موجودة فإن الأداء الاقتصادي لن يتغير، هذا يعني أننا لسنا في حاجة إلى حكومة من هذا الحجم.
الملاحظ أن وزير المالية أكد في خطابه بشأن قانون المالية 2003 أنه صلة وصل لما حققته البلاد على عهد حكومة التناوب بيد أن بعض المحللين يرون أن حكومة جطو قد وضعت قطيعة مع حكومة عبد الرحمن اليوسفي.
سواء كان قطيعة أو لم يكن، لا يمكن القول إن تصريح السيد الوزير الأول وقانون المالية مشاريع لا طعم لها ولا رائحة، لأننا لا نعرف من أين تنطلق وما هو المبتغى خارجة عن لغة الأرقام، وما هو المشروع المجتمعي الذي يهدف إليه السيد الوزير الأول. أما الأرقام فهي تقنيات. وعندما قلنا للسيد الوزير الأول إن هذا البرنامج الحكومي هو برنامج جاف وميت، لا روح له، لأنه لا ينطلق من أية مرجعية واضحة، اللهم إذا كانت المرجعية هي الليبرالية على ما يظهر، وهي مرجعية لا تعترف بالمجتمعات وإنما هي تتجه صوب الأفراد والفئات.
وهذا يعني أن المشروع لا يعالج الاقتصاد المغربي كاقتصاد مجتمع ولكن يعالج من زاوية الفئات، وهذا لن يحرك المجتمع المغربي لأن المشروع جاء كأنه خبزة في يد الوزير يمنح نصيبا منها لكل شريحة، ما الهدف إذن من هذا العطاء وهذه المنحة؟
مشروع الميزانية يرى في المجتمع مجموعة أفراد لهم شهوات، يجب إشباعها مع العلم أن الشهوات لا نهاية لها.
نقول للسيد الوزير الأول عندما تكلم عن المرجعية الإسلامية، لا نقصد بناء المساجد فقط ولكن نقصد أن المشروع الإسلامي برمته هو مشروع بناء الإنسان، إذن علينا أن نحدد ما هو الإنسان الذي نريده وما هي الوسائل اللازمة لإيجاد هذا الإنسان، فإذا نحن بنينا الإنسان القوي الأمين فإن الاقتصاد الوطني سيكون قويا. وإذا أردنا أن نؤهل المقاولة فلابد أن نحدد أي إنسان نريد لهذه المقاولة، وفي أي مشروع.
نريد أن نحارب الأمية اعتمادا فقط على موارد الدولة التي تظل ضعيفة في هذا الشأن، ولبلوغ الهدف لابد من محاربة الأمية في إطار مشروع مجتمعي، ومن هذه الزاوية يمكن أن يعبأ المجتمع، أما المشروع الذي قدم فلا نجد فيه المجتمع المغربي، ولا يتضمن الوسائل الكفيلة بتحريك المجتمع، وليست هناك إشارة قوية يمكن أن يلتف حولها المجتمع.
أقاطعه: إذن المشكل هو غياب المرجعية؟
ليس فقط غياب المرجعية، ولكن غياب الأهداف التي تستند إلى هذه المرجعية. إن المشروع الحكومي يمكن أن نطبقه في أي بلد آخر لا مرجعية له، بل هو مشروع مقاولة فيه السكن للعامل وفيه محاربة الأمية للمقاولة، وفيه التكوين للمقاولة، وكأننا نسير مقاولة. فهل من المعقول أن نختزل المجتمع في مجرد مقاولة. بل الأكثر من ذلك فمشاكل المغرب مختزلة في هذا المشروع في مشاكل قطاع المقاولات. والصواب أننا عندما نتحدث عن التأهيل نتحدث عن تأهيل المجتمع. ونتساءل هل لدينا ثقافة المقاولة، وثقافة المخاطرة. علينا إذن أن نغرس في المواطن المغربي ثقافة المخاطرة، والإسلام كفيل بتنمية هذه الثقافة عند المواطن المغربي في هذا المجال.
وخلاصة القول إن هذا المشروع لا طعم له ولا يمكن أن يخرجنا من الأزمة بغض النظر عن الأرقام. لنتفق على أن هناك ندرة، ولكن كيف يمكن لهذا المجتمع أن يتعامل مع هذه الندرة، والحكومة تتعامل معه فقط من زاوية إشباع شهوات لا حد لها.
علينا أن نعرف كيف نتعامل مع هذه الشهوات وهذه الحاجيات، وكيف نوفر للمواطن المغربي الحد الأدنى من هذه الحاجيات لكي يقوم بواجبه اتجاه ربه، مصداقا لقوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، واتجاه محيطه مصداقا لقول الله عز وجل (وأعدوا لهم ما استطعتم) إنهما عنصران أساسيان يمكن أن نحرك من خلالهما المجتمع ونعبئه، أما الآن فلا نعرف الاتجاه الذي نسير فيه. وبشكل عام لا يمكن معالجة إشكالية التنمية بمفهومها الشمولي من خلال الأرقام فقط.
مشروع قانون المالية 2003 جاء بأرقام ومؤشرات شبيهة إلى حد ما بالمؤشرات التي تضمنها قانون المالية 2002، كيف تنظرون إلى هذا التشابه؟
لابد من تحريك الطاقات المجتمعية للتحكم في الندرة، وتغييرها وبالتالي سنحسن من الأداء المجتمعي ولكن إذا اعتمدنا على هذه الأرقام فقط فإن البطالة ستتزايد والمشاكل الاقتصادية ستتزايد والفقر سيتزايد. إن الحكومة لم تكن لها الجرأة في أن تحدد طبيعة المرجعية التي تنطلق منها في تحديد برامجها لو أنها انطلقت من الإسلام فلابد من أن تسطر أهدافا ذا طابع إسلامي، ونكاد نستخلص أنها انطلقت من الليبرالية وعليه حددت أهدافا ليبرالية. إذن هذه الحكومة بضعف مرجعيتها وضعف أهدافها، تظل عاجزة عن تحقيق ما هو متوخى من هذه الأرقام.
كيف تنظرون إلى إشكالية التمويل وتحصيل الموارد أمام تقلص المداخيل الضريبية وإرادات الاحتكارات وتقلص مداخيل الخوصصة؟
في كل مناسبة نذكر الحكومة بأن الموارد الاستثنائية تشهد تراجعا، كما أن وزير المالية نفسه أقر بذلك لأول مرة، عندما قال إنه لن يتم الاعتماد على الموارد الاستثنائية، بل سيتم التركيز على الموارد الذاتية، وهذا التصريح الذي أدلى به وزير المالية كان مجبرا على ذكره لأن الحكومة السابقة أتت على الأخضر واليابس. فنحن في المغرب لم نعتمد منذ الاستقلال على الموارد الداخلية ولم نعبئ هذه الموارد خلال العقود الماضية فوصلنا إلى الباب المسدود لأننا قتلنا الاقتصاد فصار أداؤه ضعيفا، وبالتالي فإن هذه الموارد الداخلية هي الأخرى ظلت ضعيفة، ولو جاءتنا الحكومة بمؤشرات قوية كالحد من الأجور المرتفعة لكسبت ثقة المجتمع. فلو جعلت الحكومة من هذه السنة سنة لمحاربة الرشوة، فإنه من شأن هذا الأسلوب، على سبيل المثال أن يحرك المجتمع المغربي.
نعم هناك ندرة لكن إذا تعبأ المجتمع كله سنتجاوز هذا الإشكال. أما الاقتصار على أرقام لا تسمن ولا تغني من جوع فلن يمكن المغرب من بلوغ 4,5% كمعدل للنمو. وستظل البطالة على حالها وكذلك الفقر، لأن تحسن أداء المقاولات بالنظر إلى حجم صادراتها، وأيضا استعمالها للتكنولوجيا الحديثة لا يعني بالضرورة خلق مناصب للشغل إضافية، لأن المقاولة في هذا الوضع تعتمد على الرسملة أكثر من اعتمادها على الموارد البشرية... فلا يمكن إذن خلق مناصب شغل كافية في غياب مشروع مجتمعي متكامل وفي ظل الحديث عن مشروع المقاولة فقط. مع الأسف الشديد هذه السنة ستضاف إلى السنوات الفارطة العجاف.
وحتى إن كان الوزير الأول أكد على ضرورة دعم التقاعد النسبي وتشجيعه؛ بخلق فرص شغل جديدة فإن الآلية التي تدعم هذه السياسة والمتمثلة في صندوق التقاعد تظل مقبلة على إفلاس، وذكر بذلك وزير المالية.
وبالرجوع إلى المؤشرات التي جاءت في خطاب وزير المالية، نود أن نشير إلى أن نسبة العجز المالي خلال سنة 2002 ارتفعت من 3% إلى 5% لأن الدولة لم تستطع بيع ممتلكاتها التي كانت مقررة في مشروع قانون المالية 2002 إلا في حدود 4,5% فقط. إذن عجز الميزانية سيستمر وكل المؤشرات المقدمة تبقى خدعة
هل معنى هذا أن المغرب حتى ولو بلغ نسبة نمو في حدود 4,5% فإن ذلك لن ينعكس بالشكل الإيجابي المبتغى على الوضع الاجتماعي؟
إن نسبة نمو مرتفعة لسنة واحدة لا تكفي بل نحتاج إلى نسبة نمو تراكمية سنة بعد سنة، وفي غياب هذا الشرط يظل المغرب معرضا لأزمات اقتصادية كلما حل الجفاف الذي صار مشكلا بنيويا، فلابد إذن في ظل هذا الوضع أن نعبئ المجتمع المغربي لتجاوز إشكالية ندرة الموارد، وتوطيد البناء المتين عبر الجهاد ضد الأمية، والجهاد ضد عزلة العالم القروي، والجهاد ضد السكن العشوائي... وعلى هذا الأساس يمكن للإنسان أن يخلق الثروة في سياق يتميز بندرة الموارد.
كيف تنظرون إلى بنية الميزانية؟
الموارد التي جاءت في ميزانية 2003 لا تسمن ولا تغني من جوع ويمكن أن ننعتها بموارد الأزمة، غير أن الحكومة لا تصرح بذلك لأنها تسعى دائما إلى تلميع صورتها وإعطاء الأمل للمواطنين. ونحن بهذا لا نلوم الوزير لكونه كان متفائلا وإنما الإشكالية الكبيرة هي أن يتحول هذا التفاؤل سنة عن سنة إلى يأس.
فالمواطن المغربي يئس من الخطابات الرسمية لأنها خيالية، وتظل هذه الموارد التي جاءت بها ميزانية 3002 غير كافية لتحقيق الإقلاع الاقتصادي، فهي موارد لا تندرج ضمن مشروع مجتمعي مغربي، كما أن خطاب الحكومة يبقى معزولا عن المجتمع ولن يكون له أثر.
كيف تنظرون إلى المقاصد الكبرى التي قال بها وزير المالية في خطابه ليوم الجمعة الماضي بمناسبة تقديمه لمشروع قانون المالية فضلا عن ورود عبارات ومفاهيم خالية من كل المؤشرات الكفيلة بترجمتها على أرض الواقع؟
المشكل ليس مشكل مؤشر، ذلك أن المعالجة التقنية لهذه المقاصد تقتضي أن موارد الدولة هي موارد ضخمة كافية لوحدها لتحريك كل القطاعات، بينما الموارد تظل ضعيفة، بالمقابل لو تم تحريك طاقات المجتمع لبلغنا هذه المقاصد. لكن في غياب هذا التحريك تبقى خطابات الحكومة فارغة، وأتمنى أن يكذبني الواقع، لكن المنطق الاقتصادي يحملني على القول بأن خطاب الحكومة يبقى فارغا وجافا.
هل يمكن للمشاريع الثلاثة التي ذكرها وزير المالية خلال عرضه بخصوص بورصة الدار البيضاء أن تحين من أدائها؟
لا يمكن لبورصة المغرب أن تنطلق إذا لم ينطلق الاقتصاد المغربي فهي جزء من جسم مريض، ولا يمكن أن يكون أداؤها جيدا في ظل اقتصاد مريض وهش.
كيف استقبلتم الحديث عن دعم استقلالية الجامعة بداغوجيا وماليا؟
عندما عجزت الحكومة عن تحمل مسؤوليتها، تأتي الآن وتتحدث عن استقلالية الجامعة ماليا مع إدماجها في محيطها. هل محيط الجامعة منفتح، طبعا محيطها ضعيف وفقير، فهي ستنفتح على الفقر وهذا الأخير سيمول الجامعة. إنه خطاب غير مجدي، ولا يمكننا أن نبني الجامعة بالخطابات فقط. إن تراجع دور الدولة لن يوجد له بديل في ظل الأوضاع الحالية. من جهة أخرى نخشى ألا تخرج هذه الحكومة دون تبني مدونة الشغل.. خاصة وأن الوزير الأول استمر في الحديث عن التوافق. فلابد أن تكون لهذا الوزير القدرة والجرأة في اتخاذ القرارات اللازمة خاصة أنه تكنوقراطي ولن يؤدي الكلفة السياسية إذا حرر هذا القانون. وإذا قام بذلك في أقرب الآجال فسيكون مشكورا، مادام السياسيون قد عجزوا عن إخراج مهذه المدونة إلى حيز التنفيذ...
هل معنى هذا أن الحكومة السابقة ارتهنت إلى البحث عن التوافق في كل شيء؟
الحكومة السابقة كانت ضعيفة ولم تكن لها الشجاعة الكافية لتنزيل مدونة الشغل، وإذا اعتمدنا الآن على السياسيين فلن يخرج المشروع إلى حيز التطبيق، والأمل معقول على الوزير الأول في أن يدفع بقانون الشغل والسعي نحو إخراجه رغم عدم شعبيته. ولكن مع بعض التعديلات حتى لا يؤدي العامل كلفة تأهيل المقاولة المغربية ولحزب العدالة والتنمية اقتراحات في هذا الميدان.
ما هو تعليقكم على عدد المناصب الهزيلة التي خصصها مشروع قانون المالية 2003 والتي لم تتجاوز 7000 منصب شغل؟
انخفاض مناصب الشغل يرتبط بدور الدولة، الذي تراجع على مستوى أدائها الاقتصادي وعلى مستوى محاربة البطالة، فالخطاب الرسمي يقول إن دور الدولة مصاحب للمقاولة، وإن المقاولة هي التي يجب أن تحل محل الدولة، لكن هذا الخطاب يظل نظريا. فلو كنا دولة غنية وقطاعها الخاص له قدرات وإمكانيات قوية، يمكن أن يلعب الدور بدلا عن الدولة، لكن في ظل الفقر الذي يعيشه المغرب وفي ظل نسيج مقاولاتي يتكون من 98% من المقاولات الصغرى والمتوسطة، فلا يمكن للمقاولة المغربية أن تحل محل الدولة، خاصة وأن هناك مشاريع غير مدرة للربح في المدى القصير والمتوسط، وهي مشاريع لا تستثمر فيها المقاولات الصغرى والمتوسطة، والدولة هي الوحيدة التي يمكن أن تستثمر في المشاريع الكبرى غير الدرة للأرباح إلا على المدى الطويل، وإذا اعتمدنا على المقاولات لإخراج هذه المشاريع إلى حيز التنفيذ فلن يحصل ذلك، في الوقت الذي تشكل فيه هذه المشاريع القاطرة بالنسبة لباقي المقاولات.
وبشكل عام فإن المقاولة يمكن أن تتعاون مع الدولة في امتصاص البطالة، أما نعتمد على المقاولة لوحدها لامتصاص البطالة فهذا خطاب أكل عليه الدهر وشرب ولا يمكن أن يعالج الإشكالية. كل هذا في تقديرنا يدخل في إشكالية المرجعية، فالمرجعية الليبرالية تؤكد على أن دور الدولة يجب أن يكون مصاحبا للمقاولة. وهو دور خطير، ولا يمكن بتاتا أن يساعد على إعطاء الدفعة والشحنة اللازمة للاقتصاد الوطني.
ماذا عن سياسة محاربة السكن العشوائي التي تضمنها خطاب وزير المالية؟
لا يمكن أن نحارب السكن العشوائي إذا لم نحارب الفقر، فإذا ازداد هذا الأخير فسيكثر السكن العشوائي، والمساطر غير كافية وعلينا أن نمد المواطن بالموارد اللازمة، وأن نوفر له شروط الشغل، حينها سيحارب السكن العشوائي تلقيائيا، خاصة عندما يكون له دخل محترم.
كيف تنظرون إلى الإجراءات التي بشر بها وزير المالية بشأن الإصلاح الإداري؟
لقد تعب المواطن المغرب يمن خطاب "الإصلاح الإداري" وصار موسيقى يمكن أن ندرجها ضمن الموسيقى الأندلسية. وعار على هذه الحكومة أن تقول بأنها ستقبل على إصلاح إداري وهي تعتمد على التسويف فقط. ومن الخطورة بمكان أن نعتقد بأننا إذا تحدثنا عن الإصلاح الإداري نكون قد قدمنا الحل، فالخطاب لا يجب أن يحل محل المعالجة.
وبشكل عام خطاب الإصلاح الإداري تكرر مرارا وتكرارا دون أن نرى شيء.
ما الحل إذن؟
كنت قد كتبت مقالا قلت فيه إنه إذا استمر الحال على ما هو عليه الآن فالمعالجة ستكون صعبة جدا سنة بعد سنة. وكلما استمر مثل هذا الخطاب وكلما استمرت مثل هذه الحكومات فالمعالجة ستكون صعبة لأن الأوضاع تتفاقم سنة عن سنة، والإشكال هو أن المسؤوليات تسند لغير أهلها، فعلينا أن نتجاوز الحلول والترقيعية، والحكومة الحالية حكومة كذلك ترقيعية لإرضاء الأحزاب والأفراد والحزازات النفسية. كنا نتمنى لو أن الأحزاب المشاركة منحت فسحة للوزير الأول ليكون طاقما من 15 وزيرا أو 16 وزيرا أقويا من داخل هذه الأحزاب، ويتحمل الوزير الأول حينها مسؤوليته، أما الآن وقد فرضت عليه الأحزاب ما فرضت عليه، فإن السؤال المطروح سيكون: من سنحاسب هل الوزير الأول أم الأحزاب؟ حكومتنا لا هي سياسية ولا هي حكومة تكنوقراطية، إنما هي حكومة السراب كلما اقتربنا منها كلما وجدنا الفراغ.
البعض يؤكد أن وزير المالية سيعول على الأغلبية العددية لتمرير مشروع قانون المالية بعدما تأخر في عرضه، أنتم في حزب العدالة والتنمية كيف ستتعاملون مع هذا الوضع؟
وجودنا بالبرلمان أمانة، ولن نخون هذه الأمانة، وسنقوم بواجبنا في ما فيه مصلحة البلاد والعباد، وسنقول الحق كما نراه بغض النظر عما يرضي الحكومة أو لا يرضيها. نريد مرضاة الله ونطلب من الله عز وجل أن يقوينا لمواجهة هذه الانحرافات وهذا الضعف وهدفنا هو تقوية أداء الحكومة ولا نريد تعجيز الحكومة أو إفشالها، لأن فشل الحكومة هو فشل للبلاد، وكلنا داخل باخرة، إذا غرقت غرق الجميع. نريد لهذه الحكومة أن تنجح وأن تعطي الأمل للمجتمع المغربي، وكل ما هو إيجابي في رأينا سندافع عنه وسنعززه، وسنقف في وجه الحكومة كلما جاءت بمشاريع إما لا تستجيب لحاجات المجتمع وإما خارجة عن توجهاتنا.
المرجعية الاشتراكية لم تفلح والمرجعية الليبرالية الحالية غير واضحة المعالم، فأي مرجعية نحتاج لتحقيق الانطلاق؟
لم نر مرجعية يسارية ولا خطابا يساريا، ولا مرجعية يمينية، إنما هي مرجعية مصلحية. واسمحوا لي أن أقول إن اليساريين لهم قلوب عن اليسار وجيوب عن اليمين (كناية عن المصلحة).
فالاشتراكية ماتت وأقبرت ولم تطبق وهي خرافة مآلها الزوال. أما الليبرالية فتعيش إما بالقوة أو بقانون الغاب. وهي منطق صاحب 99 نعجة يريد استكمال المائة نعجة، بأخذ النعجة التي يمتلكها الضعيف، وهي امتصاص دم الضعيف فهي لا جدوى لها في بلادنا.
حاوره محمد أفزاز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.