قمة المناخ 30.. البرازيل تقرر تمديد المحادثات بشأن قضايا خلافية شائكة    المنتخب الوطني يجري آخر حصة تدريبية بمركب محمد السادس قبل التوجه إلى طنجة    تراجع أسعار النفط لليوم الثاني على التوالي    إسرائيل تشن غارات في جنوب لبنان    الكونغرس يقرّ إنهاء الإغلاق الحكومي    افتتاح مركز دار المقاول بمدينة الرشيدية    المديرية الإقليمية للشركة الجهوية متعددة الخدمات ابن مسيك سيدي عثمان مولاي رشيد سباتة .. تدخلات متواصلة لصيانة و تنظيف شبكة التطهير السائل    بالصور .. باحثون يكتشفون سحلية مفترسة عاشت قبل 240 مليون عام    كيوسك الخميس | المغرب يضاعف إنتاج محطات تحلية المياه عشر مرات    دراسة: لا صلة بين تناول الباراسيتامول خلال الحمل وإصابة الطفل بالتوحد    برنامج طموح يزود الشباب بالمهارات التقنية في مجال الطاقة المستدامة    في ظل تخوّف الإسرائيليين من السفر مع تصاعد الغضب العالمي ضدهم.. استئناف الرحلات إلى المغرب رغم استمرار الجرائم في غزة    ديمقراطيون يكشفون عن رسائل مسرّبة تكشف اطلاع ترامب على فضائح إبستين الجنسية قبل تفجّرها    تقرير دولي يرصد ارتفاعاً في مؤشر الجريمة المنظمة بالمغرب مقابل تحسن محدود في "المرونة المؤسسية"    تعاون أمني مغربي–إسباني يُفكك شبكة لتهريب المخدرات بطائرات مسيرة    انبعاثات الوقود الأحفوري العالمية ستسجل رقما قياسيا جديدا في 2025    أجواء ممطرة في توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس بالمغرب    مرض السل تسبب بوفاة أزيد من مليون شخص العام الماضي وفقا لمنظمة الصحة العالمية    إعادة رسم قواعد اللعبة السياسية من خلال الضبط الصارم وتشديد الرقابة الرقمية وتوسيع دائرة العقوبات    التقدم والاشتراكية: البلورة الفعلية للحُكم الذاتي في الصحراء ستفتح آفاقاً أرحب لإجراء جيلٍ جديدٍ من الإصلاحات    تفكيك شبكة إجرامية تهرّب الحشيش من المغرب إلى إسبانيا بواسطة طائرات مسيّرة        بعد ضغط أوربي... تبون يعفو عن الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال    البواري يتفقد الفلاحة ببنسليمان والجديدة    عامل إقليم الحسيمة يترأس لقاء تشاورياً حول برامج التنمية الترابية المندمجة (فيديو)    بنكيران يدعو لدعم إمام مغربي حُكم بالسجن 15 عاما في قضية "صامويل باتي"    أشبال الأطلس يرفعون التحدي قبل مواجهة أمريكا في مونديال الناشئين    الحكم الذاتي: من الإقناع إلى التفاوض إلى التطبيق ..    توقيع اتفاقية شراكة بالرباط للنهوض بالثقافة الرقمية والألعاب الإلكترونية    الرباط.. إطلاق النسخة الثالثة من برنامج "الكنوز الحرفية المغربية"    عجز في الميزانية يقدر ب55,5 مليار درهم عند متم أكتوبر المنصرم (خزينة المملكة)    عروشي: طلبة 46 دولة إفريقية يستفيدون من منح "التعاون الدولي" بالمغرب    رئيس برشلونة يقفل الباب أمام ميسي    الاسبانيّ-الكطلانيّ إدوَاردُو ميندُوثا يحصد جائزة"أميرة أستورياس"    مسارات متقاطعة يوحدها حلم الكتابة    في معرض يعتبر ذاكرة بصرية لتاريخ الجائزة : كتاب مغاربة يؤكدون حضورهم في المشهد الثقافي العربي    على هامش فوزه بجائزة سلطان العويس الثقافية في صنف النقد .. الناقد المغربي حميد لحميداني: الأدب جزء من أحلام اليقظة نعزز به وجودنا    أمينوكس يستعد لإطلاق ألبومه الجديد "AURA "    مجلس النواب يعقد جلسات عمومية يومي الخميس والجمعة للدراسة والتصويت على مشروع قانون المالية لسنة 2026    أمطار رعدية وثلوج ورياح قوية مرتقبة بعدة مناطق بالمملكة غداً الخميس    أربعة منتخبات إفريقية تتصارع في الرباط على بطاقة المونديال الأخيرة    مؤسسة منتدى أصيلة تفوز بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والاداب في مجال المؤسسات الثقافية الخاصة    "الكان" .. "دانون" تطلق الجائزة الذهبية    هرتسوغ: ترامب طلب العفو عن نتنياهو    لجنة المالية في مجلس النواب تصادق على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2026    استبعاد يامال من قائمة المنتخب الإسباني    مباريات الدور ال32 ب"مونديال" الناشئين في قطر    "الماط" يستغل تعثر شباب المحمدية أمام اتحاد أبي الجعد ويزاحمه في الصدارة    مستشارو جاللة الملك يجتمعون بزعماء األحزاب الوطنية في شأن تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي في األقاليم الجنوبية    ليلة الذبح العظيم..    المشي اليومي يساعد على مقاومة الزهايمر (دراسة)    خمسة آلاف خطوة في اليوم تقلل تغيرات المخ بسبب الزهايمر    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانسلاخ من الآيات حقيقته وكيفيَّته
نشر في التجديد يوم 17 - 08 - 2015

قال تعالى:﴿وَاتْلُعَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾(الأعراف:175-176).
استعملت مادة السلخ في الجلود، واستعملها القرآن المجيد في آية للخلق حين يسلخ النهار من الليل: ﴿وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ﴾(يس:37)، واستعمله (جلّ شأنّه) في الانسلاخ من آيات الله بعد أن يكون الله (جلّ شأنّه) قد أنعم على أحد بتلقي آياته، فينسلخ منها بسبب ضعفه، أو استجابته للشيطان عدوه أو لأي سبب آخر، وهذا أخطر أنواع الانسلاخ، الذي يجعل الإنسان مستحقًا تمام الاستحقاق لأن يكون جزء من وقود النار وحصبها؛ لأنَّه هدي إلى آيات الله، ومع ذلك فإنَّه قد انسلخ منها، فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين.
وهذا الانسلاخ من آيات الله جريمة في غاية الخطورة، يقول (تبارك وتعالى) ليبين لنا بشاعة تلك الجريمة:﴿ ثُمَّأَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾(فاطر:32)، فهناك قوم يصطفيهم الله، وينعم عليهم، ويؤتيهم آياته، حتى تحيط بهم من كل جانب، وتصبح لباسًا لهم: ﴿..وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ..﴾(الأعراف:26)، وجلدًا لهم، مرتبطًا بأجسادهم لا ينفك عنها إلا بأن يسلخ بقوة وبمعاناة. ولماذا يسلخ؟ أيسلخ للحصول على مزيد من النور والضياء؟ هيهات، فالنور والضياء معه إن أراد، لكنه ينسلخ من الآيات، ليطفئ ذلك النور، ويوقف ذلك الهدى، ويعطل تلك البصيرة، فيكون جزاءه أن يتبعه الشيطان فيكون له كظله، وهو عارٍ من كل شيء بما فيه جلده، الذي كان يحيط بجسده فيصبح عاريًا منه، منسلخًا عنه، مظلمًا، لا نور فيه، ولا نور له، ﴿..وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ﴾(النور:40).
قال لي صاحبي وهو يحاورني: لمَ نجد معظم شعوب الأرض اليوم في نوع من السعادة، وإذا وجدنا فيهم أشقياء فإنَّ شقاءهم أقل بكثير من شقاء شعوبنا وبلداننا، أنظر لكل ما يجري فيها واختر أي بلد منها، لترى أنواع البلاء، والظلام، والدمار، الذي تتقلب به شعوبنا، وبلداننا، فلماذا يستمتع الناس بحياتهم، ونحن نتمرغ في هذه الظلمات؟ والآيات الكثيرة تؤكد أنَّ الله (تبارك وتعالى) قد تعهد بنصر المؤمنين، وبإعلاء كلمتهم على كل كلمة، مع كلمة الله وبعده، فما الذي حدث.
قلت له يا صاحبي: عرفت شيئًا وغابت عنك أشياء، إنَّ أمتنا بعد الاصطفاء، وتوريث الكتاب ونعمة الخيريَّة، والوسطيَّة، والشهادة على الناس، انسلخت من ذلك كله، وخرجت عنه، فكان مثلها كمثل ذلك الشخص الذي ضرب مثلًا لحالة أمتنا وأيَّة أمَّة أخرى سبقتها أو تلحقها، إذا انسلخت من آيات الله: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾(الأعراف:175-176)، فذلك شأن هذه الآيات إذا أحسن حاملها استقبالها وأيقن بها، وأحسن الاستفادة منها، فإنَّها تتحول إلى نور له، يخرجه من الظلمات إلى النور، أمَّا إذا أساء استقبالها، وأساء حملها وانسلخ منها؛ فإنَّه لن يجد أمامه إلا الغواية، والشيطان رأس الغاوين وإمامهم، يدحرجه في مهاوي الهلكة، ودركات الهوان، حتى يوصله إلى قاعها وحضيضها، وتحق عليه كلمة ربه، فيكون من أصحاب النار، وذلك جزاء الظالمين، فسنن الله لا تحابي أحدًا، والبشر كل البشر خلق الله (جلّ شأنّه)، وآيات الله هي آياته، من أحسن استقبالها فإنَّه يكون من السعداء، ومن انسلخ منها:﴿.. فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾(الأعراف: 176).
فالأمم المصطفاة تختلف القوانين والسنن بالنسبة لها عن الأمم الأخرى، فبما أن الله ميزها بالاصطفاء ومنَّ عليها بكلماته وآياته، ورسله، فتلك نعم لا تقدر بأثمان، ولا ينبغي أن يستهين بها إنسان، فمن فعل ذلك وانسلخ منها فعلى نفسه جنى، وللشيطان اتبع، وتنكر للنعمة بعد أن منَّ الله عليه بها، وتلبسته وكانت جلدًا له، وثوبًا، ورداء، فماذا عليهم لو آمنوا، واتقوا، وماذا عليهم لو تحلوا بلباس التقوى: ﴿..وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ..﴾(الأعراف:26)، وماذا عليهم لو آمنوا بالله ورسوله وأخلصوا دينهم لله، واتبعوا آياته وهداه، لو فعلوا ذلك لعاشوا حياة طيبة:﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾(النحل:97).
تلك هي مشكلة المشاكل أنَّ الأمم المصطفاة لم تدرك قيمتها، ولم تفهم حجم النعمة التي أنعم الله بها عليها، ولا التكريم الذي نالت، ولا العناية التي أحاطت بها، فكفرت بأنعم الله، وهذا هو الكفر الأصغر الذي لا يخرج من الملة؛ لأنَّه قاصر على ستر النعمة، وإخفائها وعدم الإحساس بها، فضلًا عن شكرها، وأفضل خدمة يمكن أن يقدمها المنتمون إلى هذه الأمَّة أن يبثوا فيها الوعي على دورها ويوقظوها من غفلتها، ويعينوها على نفسها. والله أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.