الحوض المائي اللوكوس .. الأمطار الأخيرة عززت المخزون المائي بالسدود بأكثر من 26 مليون متر مكعب    "وزارة ميداوي" تسوي ملف الترقيات    تعبئة لمواجهة تقلبات الجو بشفشاون    الرباط تحتضن مهرجان "أقدم قفطان" .. مسار زي مغربي عابر للأجيال    نشرة انذارية تحذر من امطار قوية قد تصل الى 70 ملم بالناطور والحسيمة والدريوش    "تنسيق الصحة" يرفض انتخابات المجموعات الصحية بطنجة ويحذر من "الالتفاف" على المكتسبات    رئيس الحكومة يترأس اجتماع تقديم الخطة الاستراتيجية للشركة الوطنية لإنجاز وتدبير المنشآت الرياضية    أخنوش يتتبّع تقدم المنشآت الرياضية    ارتفاع قياسي للذهب وصعود الفضة    السكتيوي: نهائي كأس العرب يحسم بالتركيز والانضباط لا بالأسماء    المنتخب المغربي ثاني أعلى المنتخبات المشاركة في "الكان" قيمة سوقية    مدرب جزر القمر: المغرب الأوفر حظا والضغط سيكون عليه في افتتاح "الكان"    حصاد 2025 | الأمن الوطني يرفع الكفاءة الأمنية ويعزز الرقمنة ويحقق نتائج قياسية في مكافحة الجريمة    بنسعيد : الأخبار الزائفة تهدد الذاكرة الجماعية والثقة المجتمعية    إصابة عنصر من الحرس المدني بسياج سبتة تصل إلى البرلمان الإسباني    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء إيجابي    الحوض المائي اللوكوس .. الأمطار الأخيرة عززت المخزون المائي بالسدود بأكثر من 26 مليون متر مكعب    مونديال 2026.. "فيفا" سيوزع 727 مليون دولار على المنتخبات المشاركة    الوكالة المغربية للأدوية تخطط لتعزيز الرقابة الاستباقية والتدقيق الداخلي لضمان استقرار السوق    مقاييس التساقطات الثلجية المسجلة بالمملكة    كأس العرب (قطر 2025)..المنتخب المغربي على مرمى حجر من معانقة لقبه الثاني عند مواجهة نظيره الأردني    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    ترامب يعلن رسمياً تصنيف نوع من المخدرات "سلاح دمار شامل"    انتخاب الاستاذ بدر الدين الإدريسي نائبا لرئيس الاتحاد العربي للصحافة الرياضية    فرحات مهني يكتب: الحق في تقرير مصير شعب القبائل    لماذا تراهن بكين على أبوظبي؟ الإمارات شريك الثقة في شرق أوسط يعاد تشكيله    الصين تسجل رقماً قياسياً في رحلات السكك الحديدية خلال 11 شهراً من 2025    ماجد شرقي يفوز بجائزة نوابغ العرب    حريق يسلب حياة الفنانة نيفين مندور    الملك محمد السادس يبارك عيد بوتان        تشابي ألونسو يحذر من مفاجآت الكأس أمام تالافيرا    البنك الألماني للتنمية يقرض المغرب 450 مليون أورو لدعم مشاريع المناخ    أكادير تحتضن الدورة العشرين لمهرجان تيميتار الدولي بمشاركة فنانين مغاربة وأجانب    وفاة الفنانة المصرية نيفين مندور عن 53 عاما إثر حريق داخل منزلها بالإسكندرية    "ترامواي الرباط سلا" يصلح الأعطاب    مديرية التجهيز تتدخل لفتح عدد من المحاور الطرقية التي أغلقتها التساقطات الثلجية    هجومان للمتمردين يقتلان 4 أمنيين كولومبيين    في حفل فني بالرباط.. السفيرة الكرواتية تشيد بالتعايش الديني بالمغرب    واشنطن توسّع حظر السفر ليشمل عددا من الدول بينها سوريا وفلسطين    الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط تدين عملية الهدم في حي المحيط والتهجير "القسري" للمهاجرين    توقعات أحوال الطقس لليوم الأربعاء    تمارين في التخلي (1)    منفذ "اعتداء بونداي" يتهم بالإرهاب    خلف "الأبواب المغلقة" .. ترامب يتهم نتنياهو بإفشال السلام في غزة    "بنك المغرب" يراجع فوائد القروض ويحضّر لتغيير طريقة التحكم في الأسعار ابتداء من 2026    إسبانيا تعتمد مسيّرة بحرية متطورة لتعزيز مراقبة مضيق جبل طارق    تماثل للشفاء    مركب نباتي يفتح آفاق علاج "الأكزيما العصبية"    التحكم في السكر يقلل خطر الوفاة القلبية    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سلالة إنفلونزا جديدة تثير القلق عالميا والمغرب يرفع درجة اليقظة    المغرب: خبير صحي يحدّر من موسم قاسٍ للإنفلونزا مع انتشار متحوّر جديد عالمياً    "الأنفلونزا الخارقة".. سلالة جديدة تنتشر بسرعة في المغرب بأعراض أشد وتحذيرات صحية    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القذف والبهتان في الصحافة
نشر في التجديد يوم 20 - 04 - 2004

إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم
حرية الصحافة من أهم المطالب التي ناضلت من أجلها القوى السياسية والحقوقية الوطنية والصحافيون والإعلاميون في الغرب، ولطالما عانى من غيابها المهنيون والممارسون، ولا يزال أمام هؤلاء قضايا ذات صلة بحرية الصحافة على جدول العمل النضالي ومنها الحرية إلى الوصول إلى مصادر الخبر والمساواة في هذا الحق بين جميع الصحافيين والمؤسسات الصحفية وغيرها من القضايا.
لكننا في هذا المقال، ونحن نثير مسألة الحرية، فإننا نربطها ربطا وثيقا بالمسؤولية ونقصد بالمسؤولية أن لا تتحول الحرية إلى اعتداء على أعراض الناس وإلى قذف وبهتان.
بين الحرية والمسؤولية
وحين نتحدث هنا عن المسؤولية لا نقصد ما يقصده بعض المسؤولين الحكوميين الذين يرفعون هذا المفهوم ويستخدمونه مثل العصا الغليظة لإخراس أصوات الصحفيين والحيلولة دون أداء واجبهم المهني في نقل الخبر كما هو والتعليق الحر عليه.
ولكننا نقصد التحري في نقل الأخبار وعدم تحويل الصحافة إلى أداة لإشاعة الأخبار الملفقة والوشايات الكاذبة والتسريبات المخدومة الموظفة لأغراض سياسية صرفة ولتصفية حسابات شخصية بعيدة عن المصلحة العامة وبعيدة عن دور الصحافة كأداة لنقل الخبر وكسلطة رابعة تمارس نوعا من الرقابة على الشأن العام وتسهم بذلك إسهاما نبيلا في رقي المجتمع وتقدمه، وكممارسة مهنية رفيعة تميز بين التعريف أو النقد للسياسات والتوجهات وبين الدعاية المجانية والقذف والبهتان في الأعراض والأشخاص.
وللأسف الشديد فقد نبتت على الساحة الصحفية الوطنية طفيليات صحفية استغلت أجواء الحرية النسبية الذي تتمتع بها الصحافة الوطنية فتحولت إلى وسيلة للإثارة ودغدغة الغرائز الجنسية للمراهقين وللغيبة والنميمة وترويح الإشاعات الكاذبة بل وللقذف والبهتان.
وإذا كان بعض القائمين على هذا النوع من الصحافة التي يسميها البعض بصحافة الرصيف إنما ينطلقون في ذلك من منطق الإثارة الذي يظنونه سبقا إعلاميا لأغراض تجارية وربحية، فإن بعض العارفون يؤكدون أن بعضها يندرج في خطط موجهة لتوجيه الرأي العام والهائه أحيانا، وتصفية حسابات أو الدفاع عن مصالح ولوبيات معينة في الداخل والخارج، حتى إن بعض المؤسسات الصحفية قد أصبحت معروفة الارتباط والتمويل بهذه الجهة أو تلك. وما يؤكد ذلك حسب هؤلاء دائما هو أن بعضها يعزف خلال مرحلة معينة على وتر معين وقد ينقلب عليه تارة أخرى بحسب الطلب أو كلما ضغط المتحكمون على الزر بينما بعضها الآخر ينطلق من إيديولوجية مبيتة وفلسفة هدامة يحسبونها تنويرا وحداثة قائمة على إشاعة الفاحشة وتجرئ المجتمع على ثوابت الدين ومحكماته وأسس الأخلاق والفضيلة في إطار ما يسمونه بمحاربة الطابوهات.
مسؤولية الكلمة
وإذا تركنا هذه التحاليل والتقديرات جانبا ورجعنا إلى الجانب الخلقي من القضية والذي من المفروض أن ينعكس في ميثاق خلقي للمهنة، فإننا نقول إن الكلمة المكتوبة والمسموعة والمرئية لها ضوابط في الإسلام. ذلك أن العبد لينطق بالكلمة من سخط الله كما جاء في الحديث النبوي الشريف يهوي بها في نار جهنهم سبعين خريفا، ونحن مأمورون في القرآن أن نقول التي هي أحسن بمعنى الاهتمام والعناية بالكلمة وتحمل مسؤوليتها. والمسلمون يتعلمون من السنة النبوية كذلك أن كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع. وهم يتعلمون من مناهج العلوم الإسلامية مبدأ رفيعا وجب إعماله في الصحافة وهو إن كنت مدعيا فالدليل وإن كنت ناقلا في الصحة ومعلوم أنه قد نشأت بناء على هذه القاعدة علوم عقلية وأخرى نقلية ذات صلة بعلوم الحديث ومنها علم مصطلح الحديث وعلم الرجال.
والأخلاقية الإسلامية كما يعلمنا إياها القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف تنهانا عن القدف والبهتان حتي إنها قد خصصت مقاطع طويلة من سورة النور لهذه القضية الكبيرة تعليما للأمة الإسلامية، ونظرا لخطورة القذف وأثره على الأفراد والمجتمعات تشدد الإسلام في إثبات جريمة الزنا كما جاء في قوله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم ياتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة وأولئك هم الفاسقون...).
حيث اشترط في إثبات جريمة الزنا شهادة أربعة عدول على حصول الفعل مع اليقين الكامل والتأكد التام مع اتفاقهم في كل تفاصيل الفعل وزمانه ومكانه ووضعه فإن لم يتفقوا على ذلك اعتبر بلاغهم كاذبا وأوقع عليهم حد القذف بدلا من إيقاع حد الزنا على المتهم. قال تعالى: (لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون) وإنما كان ذلك التشدد محافظة على الأعراض وكبتا للفاحشة، لأن في إشاعتها تشجيعا عليها وهو ما قد حذر القرآن الكريم منه في قوله تعالى: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب شديد في الدنيا والآخرة...).
واعتبر التساهل في إطلاق اللسان والتحديث بأخبار الفاحشة أمرا عظيما عند الله فقال: (إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم).
من ستر مسلما ستره الله... ومن ستر نفسه ستره الله
ومن حرص الإسلام على عدم إشاعة الفاحشة وكبتها أنه يندب لمن غلبته نفسه فسقط في الزنا أن يستر نفسه ولا يحدث بذلك ولا يعترف على نفسه بل يتوب إلى الله ويستغفره ويكفر عن فعله بالأعمال الصالحة ولا يقنط من رحمة الله. كما أنه يندب لمن اطلع على مسلم يقترف شيئا من ذلك أن يستره ولا يبلغ عنه لقوله صلى الله عليه وسلم (من ستر مسلما ستره الله) ما لم يبلغ حدا من الاستهتار إلى الحد الذي يمكن أن يضبطه أربعة شهود وعدول، بل الأكثر من ذلك أن الإسلام بالغ في صيانة حياة المتهم بجريمة الزنا بحيث أنه إذا اعترف الشخص على نفسه وجب التأكد من سلامة عقله وإدراكه وأنه كان في إقراره بعيدا عن أي إكراه أو ضغط بل تعطى له الفرصة لعله يرجع عن إقراره ويلقن الرجوع عنه فإذا رجع لم يقم عليه الحد. وهذا ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم مع ماعز الرجل الذي اعترف بالزنا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم عدة مرات وهو يكرر الاعتراف ويقول (إني زنيت فطهرني) والرسول صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويصرف وجهه ويقول له (لعلك قبلت) (لعلك شربت) كل ذلك وهو مصر على الاعتراف.
من أجل حصانة ضد ثقافة الإشاعة
وفي الختام نؤكد ونقول:
إذا كان من واجب الجميع الدفاع عن حرية الصحافة حتى تؤدي دورها كاملا غير منقوص، فإن الجميع أيضا مطالب بالدفاع عن أعراض المواطنين وأخلاقهم وحياتهم الخاصة. ولقد أصبح من اللازم فضلا عن الضمانات القانونية التي وضعها المشرع في هذا الشأن تأسيس ميثاق أخلاقي وديونتولوجيا مهنية تحمي الصحافة من الطفيليات المتسربة إليها والتي تسيء إلى مهمتها النبيلة ووجب على الأحزاب والجمعيات والإعلام والمساجد والموجهين والمربين تكوين حصانة لدى المواطنين ضد الإشاعة والقذف والبهتان والحيلولة دون أن تكون هذه كلها أسرع إلى الانتشار من انتشار النار في الهشيم. كل ذلك استحضارا لأخلاق الإسلام وتوجيهات القرآن ومنها قوله تعالى: (إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم).
ويتأكد هذا الأمر عند الدعاة الذين ينبغي أن يمسكوا عن الخوض في الإشاعات وعن نقلها وترويجها وتصديقها، إذ المفروض فيهم أن يكونوا أقرب الناس إلى العمل بمنهج القرآن في هذا الشأن وإلى كف غيرهم عن إشاعة أخبار الفاحشة والقذف والبهتان.
ووجب في الختام أننا هذا ننبه على منهج وأخلاق ولا نقصد قضية أو شخصا.. ونناقش مسألة كبيرة في تكويننا الثقافي الاجتماعي وننبه على خطورة هذا النوع من الصحافة القائمة على القدف والبهتان وعلى إشاعة الفاحشة عن قصد وسبق إصرار وترصد.
بقلم: محمد يتيم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.