عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا: يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويسخط لكم ثلاثا: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال". رواه مسلم ومالك وأحمد راوي الحديث أبو هريرة الدوسي الصحابي الجليل وهو حافظ الصحابة. اختلف في اسمه، فقيل: عبد الرحمان بن صخر وقيل: بن غنم، وقيل غير ذلك، وذهب الأكثرون إلى الأول. مات سنة تسع وخمسين من الهجرة. معاني المفردات الرضى والسخط: صفتان لله تليقان بجلاله لا تشبهان صفات المخلوقين. العبادة: لغة الخضوع والذل مع المحبة، وهي أمر جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، فكل ما أمرالله به أمر إيجاب الأقوال أو استحباب فهو عبادة وصرفه لغيره شرك. الشرك: أن يتخذ لله ندا في شيء من العبادات بأن يصرف العبد نوعا من أنواع العبادة لغيرالله، فكل اعتقاد أو قول أو عمل ثبت أنه مأمور به من الشارع، فصرفه لله وحده توحيد وإيمان وإخلاص وصرفه لغيره شرك. الاعتصام بحبل الله: هوالتمسك بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا وسنة. قيل وقال: الخوض في الباطل وفيما لا يعني. كثرة السؤال: الإكثارمن سؤال الناس وفرض ما لم يقع من المسائل والمشاكل. إضاعة المال: إهماله والتفريط فيه وتعريضه للضياع. توحيد الإخلاص أول الإرشادات النبوية العظيمة في هذا الحديث: الحث على التوحيد الخالص والقيام بأعظم حقوق الله وأعظم واجبات الإسلام، وهو إفراد الله وحده بالعبادة، التي هي الغاية من خلق الجن والإنس. قال تعالى:( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، والابتعاد عن الشرك في عبادته، فلا يشرك بالله أحدا من خلقه، فيجعله ندا لله في دعاء ولا استغاثة ولا ذبح ولا نذر ولا رجاء ولا خوف ولا توكل، لأن هذه الأمور حق خالص لله لا يرضى أن يشاركه فيها ملك مقرب ولا نبي مرسل. أهمية الاعتصام بحبل الله وثاني هذه الفوائد: الاعتصام بحبل الله وهو ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتاب وسنة، وما حوته تعاليم الرسول من عقائد وعبادات وأخلاق ومعاملات، فلا يسع مسلما ولا طائفة من طوائف المسلمين، ولا مجتمعا من المجتمعات الإسلامية ولا حاكما ولا محكوما الخروج عن شيء من أصول الإسلام أو فروعه، بل يجب على الجميع الإيمان والالتزام الكامل بكل ما جاء به خاتم الأنبياء وسيد المرسلين وتقديمه على كل قول وهوى، والاحتكام إلى ما جاء به الرسول في كل شأن، وتجريد الطاعة والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في صغيرأمورالدين وكبيرها، ومجانبة كل بدعة ورأي ومعصية، وبذلك لا بغيره يجتمع شمل المسلمين وتقوم وحدتهم المنشودة، ويصدق عليهم جميعا أنهم معتصمون بحبل الله. وهذا الواقع هو الذي يريده الله تعالى وكلف به الأمة الإسلامية.. المناصحة وثالثها: مناصحة ولاة أمرالمسلمين وذلك يتم بالتعاون معهم على الحق وطاعتهم فيه، وأمرهم به وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين، وترك الخروج عليهم، والصلاة خلفهم والجهاد معهم، وأداء الصدقات إليهم، والدعاء لهم بالصلاح. لا للقيل والقال ورابعها: النهي عن قيل وقال، وهو الخوض في الباطل وإشاعة الفواحش ونشرالإشاعات والأخبارالكاذبة وكفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع، وكذلك الإغراق في فرض مسائل لم تقع والإجابات عنها قبل وقوعها، فإن هذا يصرف المسلمين عن دراسة الكتاب والسنة، ويشغلهم عن حفظ نصوصهما والتفقه فيهما. مفاسد كثرة السؤال وخامسها: النهي عن كثرة السؤال وهو يشمل سؤال الناس ما في أيديهم من المال وغيره وإنزال حاجته بهم، وهذا لا يليق بالمسلم الذي يريد الله له أن يكون عزيزا شريفا، فسؤال الناس محرم في الأصل ولا يجوز إلا في حال الضرورة. وفي سؤال المخلوق ثلاث مفاسد: مفسدة الافتقار إلى غير الله، وهي نوع من الشرك، ومفسدة إيذاء المخلوق المسؤول، وهي نوع ظلم الخلق، ومفسدة الذل لغيرالله وهو ظلم للنفس. هذا إذا كان المسؤول حيا قادرا على تحقيق المطلوب منه، فكيف بسؤال الميت والغائب ما لا يقدرعليه إلا الله؟. إن ذلك هو عين الشرك بالله. كما يشمل هذا النهي كثرة الأسئلة العلمية، خصوصا التي يقصد منها التعنت وإثارة النزاع والجدال بالباطل، وكذلك الإغراق في فرض المسائل التي لم تقع وطلب الإجابات عنها. لا تضيعوا المال.. وسادسها: النهي عن إضاعة المال، فإن المال نعمة من الله وهو عصب الحياة كما يقال، وفيه عون على طاعة الله والجهاد في سبيله وعلى مساعدة المستحقين من المسلمين الفقراء والأقارب وغيرهم، فيجب أن يشكرالمسلم ربه على هذه النعمة ويحافظ عليها من الضياع والإهمال ولا ينفق منه إلا في الطرق التي شرعها الله أو أباحها، وليس له أن ينفق منه في سبيل الشيطان والمعاصي، كما ليس له أن يهمل هذه النعمة ويعرضها للضياع. ما يستفاد من الحديث وجوب القيام بعبادة الله على الوجه المطلوب. وجوب الابتعاد عن كل أصناف الشرك صغيره وكبيره. وجوب الاعتصام بحبل الله وهو الإسلام، الذي جاء به محمد كتابا وسنة في كل شأن. تحريم التفرق ووجوب وحدة المسلمين على الحق. وجوب مناصحة ولاة أمر المسلمين والتعاون معهم على الحق والبر. تحريم القيل والقال. تحريم سؤال المخلوقين، إلا فيما يقدرون عليه في حال الضرورة، والأفضل التوكل والصبر. تحريم إضاعة المال.