في أول ظهور له، لم يتجاوز وزير العدل حدود المعطيات المعروفة مسبقا عن عملية الفرار الكبيرة بالرغم من مرور أزيد من تسعة أيام على الأقل عنها، وهو ما يقدم مؤشرا عن المأزق الحالي للتحقيقات الجارية ومدى قدرتها على كشف مآل الفارين، إلا أنه إذا كان هناك من فائدة لتصريحات وزير العدل فهي عدم تطرقه لما جرى من عمليات مطاردة في هذه المنطقة أو تلك، وذلك في محيط القنيطرة في الأيام الماضية، بما يعني أنها لم تسفر عن نتائج ذات علاقة بموضوع الهروب. وعلى خلاف وزير الاتصال الذي سبق له الحديث في موضوع التواطؤ المحتمل لجهات داخل السجن أو خارجه أدى إلى تسهيل عملية الهروب والتمكن من الاختفاء طيلة هذه المدة، استنكف وزير العدل الجزم في الموضوع تاركا الأمر لما ستسفر عنه عمليات البحث، مع بقاء نقاط غموض كبيرة وخاصة ما ارتبط بتوقيت الهروب؟ ومدة التخطيط له؟ ولماذا لم تتخذ إجراءات استعجالية بعد هروب تاجر المخدرات النيني من السجن نفسه قبل أشهر؟ . الواقع أن عملية الفرار وما تلاها من اختفاء استمر لغاية كتابة هذا المقال، شكل صدمة أمنية كبيرة، تتجاوز مجرد كشفها للاختلالات العميقة لسياسة السجون بالمغرب، وتتعداها لطرح أسئلة حول التحولات التي تعرفها بنية التيار والذي سمي إعلاميا بـالسلفية الجهادية وتبلور بفعل الاعتقالات التي عرفها المغرب منذ صيف 2002 وما تلاها من حملات بعد التفجيرات الإرهابية لـ16 ماي، وأعطت وجود ما لا يقل عن 900 معتقل حاليا في حوالي 10 سجون، حيث أن الفرار يكشف من ناحية تحولا في تجاه الانتقال نحو مستويات تنظيمية متقدمة، وهو ما يعني أن المغرب مهدد بمواجهة تنظيمات أكثر خبرة وفعالية في المستقبل. ولقد كان المثير أن تتزامن عملية الفرار مع ذكرى أحداث أبريل من السنة الماضية والتي كانت هي الأخرى مؤشرا عن دور السياسة السجنية في تغذية شبكات التطرف، واليوم نجد اعترافا ثانيا بأن السياسة السجنية لم تواكب التطورات التي عرفتها بنية المعتقلين عموما، والتحول الحاصل في نوعية القضايا المتسببة في اعتقالهم، وهو ما أشار إليه وزير العدل بشكل مباشر عندما كشف عن توسع أعداد المعتقلين في قضايا الإرهاب والمخدرات. يجد المغرب اليوم نفسه مطالب بمراجعة عميقة لتدبيره لهذا الملف ككل، بعد تفويت فرصة السنة الماضية، والتي كانت تستدعي الانخراط في حوار وطني عميق حول الموضوع، لاسيما عندما نقف على التطورات التي عرفتها تنظيمات في المحيط المغاربي وكشفت عن حصول تقدم كبير في بنياتها الاستخباراتية والقتالية والأمنية والدعائية.