يونس مجاهد: مجالس الصحافة وضعت للجمهور وليست تنظيمات بين-مهنية    رغم القطيعة الدبلوماسية.. وفد برلماني مغربي يحل بالجزائر    مخاريق: لا يأتي من بنكيران سوى الشر.. وسينال "العقاب" في الانتخابات    الناظور ضمن خريطة أطول أنبوب غاز في العالم يربط إفريقيا بأوروبا    مواطنون إسبان يشيدون بالمساعدة المقدمة من المغرب إثر انقطاع الكهرباء    البواري يتفقد مدى تقدم مشاريع كبرى للتنمية الفلاحية والبحرية بجهة الداخلة    الجامعة الملكية المغربية تكرم المنتخب الوطني النسوي المتوج بكأس الأمم الإفريقية للفوتسال    بسبب اختلالات رياضية.. الجامعة الملكية تصدر قرارات التوقيف والغرامة في حق عدد من المسؤولين    اتفاقية تلاقي السغروشني وحموشي    لبنان يحذر حماس من استخدام أراضيه للقيام بأي أعمال تمس بالأمن القومي    في الجلسة الافتتاحية للمنتدى الدولي الثالث للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين والديمقراطيين .. الكاتب الأول إدريس لشكر: الجيل الجديد من البرلمانيين الشباب مطالب بحمل مشعل الحرية والكرامة والتضامن في عالم مضطرب    توقعات أحوال الطقس في العديد من مناطق المملكة اليوم الجمعة    مراكش.. إيقاف شخصين وحجز كمية كبيرة من الأقراص المخدرة من نوع "ريفوتريل"    الفنان محمد الشوبي في ذمة الله    الصحة العالمية تحذر من تراجع التمويل الصحي عالميا    "إغلاق أخضر" في بورصة البيضاء    حقوقيون يسجلون إخفاق الحوار الاجتماعي وينبهون إلى تآكل الحريات النقابية وتنامي القمع    بعد 25 سنة.. شركة "FRS" تُعلن رسمياً توقف نشاطها البحري بين طنجة وطريفة    اللاعب المغربي إلياس أخوماش يشارك في جنازة جدته بتطوان    وقفات الجمعة ال74.. المغاربة يجددون مطالبهم برفع الحصار وإنهاء "الإبادة" في غزة    دراسة: هذه الأطعمة تزيد خطر الوفاة المبكرة    دراسة: مادة كيمياوية تُستخدم في صناعة البلاستيك قتلت 365 ألف شخص حول العالم    « بين التاريخ والرواية» كتاب جماعي يرصد مسارات أحمد التوفيق    في كلمة حول جبر الأضرار الناجمة عن مآسي العبودية والاتجار في البشر والاستعمار والاستغلال بإفريقيا: آمنة بوعياش تترافع حول «عدالة تعويضية» شاملة ومستدامة    «غزة على الصليب: أخطر حروب الصراع في فلسطين وعليها»    حادثة سير مميتة تنهي حياة سبعيني بالفقيه بن صالح والسائق يفرّ هاربا    العرائش تسجل أعلى نسبة تملك.. وطنجة تتصدر الكراء بجهة الشمال    "موازين" يعلن جديد الدورة العشرين    كلية الآداب بالجديدة وطلبتها يكرمون الدكتورة لطيفة الأزرق    عبد الله زريقة.. علامة مضيئة في الشعر المغربي تحتفي به "أنفاس" و"بيت الشعر"    مقاطعة مديري مؤسسات الريادة للعمليات المصيرية يربك مشروع الوزارة في الإصلاح التربوي    سوريا: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي "تصعيد خطير"    سفينة مساعدات لغزة تتعرض لهجوم بمسيرة في المياه الدولية قرب مالطا    نجاح "خامس مهمة نسائية" خارج المحطة الفضائية الدولية    تفاؤل تجاري ينعش أسعار النفط في الأسواق العالمية    رسالة مفتوحة إلى السيد محمد ربيع الخليع رئيس المكتب الوطني للسكك الحديدية    العلاقات التجارية بين المغرب ومصر.. وفد اقتصادي مغربي يزور القاهرة    "الكورفاتشي" تستعد للتنقل إلى مدينة الدار البيضاء لحضور "الكلاسيكو" أمام الوداد    كوريا: الرئيس المؤقت يقدم استقالته لدخول سباق الانتخابات الرئاسية    وفاة الممثل المغربي محمد الشوبي    خُوسّيه سَارَامَاغُو.. من عاملٍ فى مصنعٍ للأقفال إلى جائزة نوبل    تفاصيل إحداث قطب تكنولوجي جديد بالدار البيضاء يوفر أزيد من 20 ألف منصب شغل    كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة: المغرب يستهل مشواره بفوز مثير على كينيا    الذهب يتعافى بعد بلوغ أدنى مستوى في أسبوعين    الصين تدرس دعوات أمريكية لاستئناف الحوار بشأن الرسوم الجمركية    كرة القدم.. توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    اللاعب المغربي الذي أبهر العالم بأدائه المجنون … !    احتراق شاحنة على الطريق السيار طنجة المتوسط    منتجو الفواكه الحمراء يخلقون أزمة في اليد العاملة لفلاحي إقليم العرائش    الزلزولي يساهم في فوز بيتيس    هل بدأت أمريكا تحفر "قبرها العلمي"؟.. مختبرات مغلقة وأبحاث مجمدة    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المجتمع المغربي وزكاة الحول: مؤسسة الزكاة المغربية ضرورة شرعية وواقعية
نشر في التجديد يوم 25 - 03 - 2002

مع قدوم السنة الهجرية الجديدة، تنبعث حاجة المجتمع المغربي إلى تطبيق شعيرة الزكاة، هذا الإحساس الاجتماعي، رغم ما يصاحبه من تكتم في التطبيق راجع إلى اعتقاد مخرجي الزكاة بأن الإظهار من قبل الرياء والمباهاة يعتبر ظاهرة صحية ارتباطا بدور الزكاة الاجتماعي في توطيد العلاقات والتكافل والإحساس الجماعي بالآخرين، فالزكاة تأتي كتتويج لسلسلة العبادات التي تتوزع حسب السنة وأيامها من صلاة وصيام وحج، في تناسق تام لصياغة مجتمع متراص الأركان من جميع النواحي: الاجتماعية والاقتصادية والسياسية (الحج) والشعورية النفسية. فكيف يتعامل المجتمع المغربي مع الزكاة أفرادا ومؤسسات في تحديد أنصبتها ومستحقيها؟ وما هو رأيه في قيام مؤسسة تقوم بعملية الجمع والتوزيع؟ تلك أسئلة يحاول التحقيق التالي توخي الإجابة عن جوانب منها.
التعامل الفردي مع الزكاة:
المجتمع مجموعة أفراد تتنوع انشغالات عملهم وتتباين، هذا التباين في العمل ووسيلة الرزق يجعل استقراء الكل من قبيل المستحيل، ولتقريب التعامل الفردي سيتم الاقتصار على شرائح تشكل أغلبية داخل النسيج الاجتماعي المغربي كعينة للدراسة: وهي: فلاح، تاجر، امرأة، متسول.
تعامل النساء مع الزكاة:
تختلف طبيعة تعامل النساء مع الزكاة وتحديد نصيبها، فمنهن العاملة والموظفة، ومنهن مديرة شؤون مؤسسة أو مقاولة أو ميزانية أسرة، ولكن الشيء المشترك بينهن هو امتلاكهن للذهب، كخصيصة مشتركة بينهن، ورأي العلماء في زكاته ثابتة تقول (ز.ع) ربة بيت:» بالنسبة لي لا أخرج الزكاة على ما أملك من ذهب للزينة لأنه مرتبط بالاستعمال اليومي الشخصي، أما مقدار الذهب الذي تجب عليه الزكاة فهو ما كان من أجل ادخار المال وليس للزينة،وأعرف نساء تمتلكن كمية كبيرة من الذهب (مضمة، تاج، «سراتل») ويخرجن مقدارا من النقود كزكاة كل سنة، ويفضلن إعطاء هذه الزكاة لطلاب العلم.»
أما محمد (أب أسرة ) فأرجع تعامل النساء معزكاة الحلي لمعطى ثقافي «بالنسبة لي فأنا ألاحظ أن اللاتي يعلمن حق زكاة الذهب عليهن، فهن لا يمتلكن ذهبا، واللاتي يملكن كمية كبيرة منه، لا يعلمن أن عليهن حق في زكاته».
في المنحى نفسه تؤكد نجاة ربة بيت: «ألاحظ أن جهلا هناك لدى زوجات الأغنياء أو من يمتلكن الذهب الكثير (كالنكافات) في ضرورة الزكاة على ما يمتلكن منه، وهذا راجع إلى انعدام حس ديني، وطغيان الأمية الدينية على أكثر النساء».
أما خديجة (فتاة) «فعلا رغم ثقافتي المتواضعة، فإنني لا أعرف النصيب من الذهب الواجب إخراج الزكاة عليه، ولكن ما هو معلوم لدي، أن ما تجب الزكاة عليه هو الذهب المكتنز، لحفظ النقود لغرض ما (شراء أرض، سيارة...) ومر عليه الحول، لكني حقيقة لا أعرف النصيب الشرعي في ذلك".
ومن خلال الآراء السالفة، يلاحظ تنوع حالات تعامل النساء مع زكاة الحلي خاصة بين جهل تام بنصيبها، دون الحديث على أوجه صرفها، يقول الإمام الحافظ أبو الوليد محمد بن رشد نقلا عن مجلة البحوث الفقهية المعاصرة (ع 16 سنة 1993) توضيحا لحكم زكاة الحلي: «أجمع أهل العلم على أن العين من الذهب والورق في عينه الزكاة تبرا كان أو مسكوكا... فالذي ذهب إليه مالك رحمه الله أنه في الاشتراء والفائدة على ما نوى به مالكه، فإن نوى به التجارة زكاه، وإن نوى به الاقتناء للانتفاع بعينه فيما ينتفع فيه بمثله سقطت عنه الزكاة قياسا على قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة»، وإن نوى به عدة للزمان (ادخارا واكتنازا للحاجة) أو لم تكن له نية في اقتنائه رجع على الأصل ووجبت عليه الزكاة، وإن اتخذه للكراء وهو ممن يصلح له الانتفاع به، ففيه روايتان: وجوب الزكاة وسقوطها... وإذا اشترى الرجل حلياأو ورثه فحبسه للبيع كلما احتاج إليه باع أو للتجارة، فلا زكاة فيه حتى يبيعه... وإذا كان ليس مربوطا بحجارة (لؤلؤ) ففيه زكاة، وهو يمنزلة العين حتى تخرج زكاته».
والمقارنة بين ما جاء في النص وتصريح بعض النساء السابق، يتبين التقارب بين المنظور الاجتماعي في سقوط زكاة الحلي المعد للزينة لدى بعض النساء، وزكاته إذا كان للكراء أو الادخار من المنظور الشرعي.
الفلاح المغربي والزكاة
تختلف مستويات الفلاحين ووضعيتهم، بين فلاح يزاول الفلاحة بهدف استهلاك عائلي معيشي، وآخر يزاولها بغرض تسويقه، كما أن الموضوع محط اجتهاد الفقهاء حديثا في ما يخص بعض الأصناف التي تجب فيها الزكاة (زكاة الخضروات مثلا: ينظر: فتاوى الشيخ الزمزمي جزء 3).
وللإشارة فحكم الإسلام في المزروعات يراعى فيه المعطيات الواقعية في التعامل مع زكاة الفلاحة، فشرع للفلاحة المسقية بالنضج والمضخات ( لأنهاتتطلب مصاريف وتكاليف) نصف العشر، وشرع العشر فيما سقت السماء والعيون والبعل.
يقول خ ش (موظف، ابن لفلاح): «تختلف عادة قريتي في إخراج الزكاة، فبعض الفلاحين يفضل إخراجها من ميدان الدرس (البيداء)، فيعزل من كل عشرة أكياس كيسا واحدا، ومنهم من يترك الأمر حتى تتم تنقيته بالمنزل، فيتم إحصاء نصاب الزكاة، وتخرج عن طريق «العبرة».
إذن فالإحساس الاجتماعي فطري وثابت، لا يحتاج إلى زاجر كالضرائب وغيرها، ولكنها تحتاج إلى التوعية بوجوه صرفها.
وعن مراعاة هذه الوجوه يستطرد (خ.ش) «في الغالب يعطى المقدار المخرج لذوي القربى المحتاجين ثم الجيران، ولكن بالنسبة لبعض المحصولات كالشمندر وأشجار الفلين، فأهل القرية لا يزكون عنها، فيقيسونها على الخضروات، وكثير من فلاحي القرية يصرون على إخراج العشر بدل نصف العشر رغم أن سقي المزروعات تم بالنضح والمضخات ،وقد يزيد الأمر إشكالا عندما تتزاوج الطريقتان: السقي بماء السماء (البور)، وبالمضخات (مصاريف)، فيتم تغليب العشر بدل نصف العشر من سبيل الاحتياط».
أما السيدة العلوي، ل.أ أرملة فتقول: «خالي فلاح كبير يمتلك ثروة كبيرة، يخرج الزكاة، ولكنه يعطيها لصديق له للتكفل بتوزيعها نقودا، فلا يصلنا منها شسئا، رغم أني من ذوي القربى وأرملة ولدي أيتام، كما أن أولاده أيضا محتاجون لتلك الزكاة، فهم يستدينون لأجل قضاء حوائجهم، وهذا مما يجعلني أواسي نفسي.»
وهذه الحالة تكاد تتكرر كثيرا تلخص الجهل بمقاصد الزكاة ووجوه صرفها.
فبالنسبة للأهل، فلا يجب عليه صرف الزكاة عليهم ،ولكن من مقاصد الشرع التوسعة عليهم، وبالنسبة للأقارب، فالأمر مرتبط بالأثر: «الصدقة في ذوي القربى أولى».
التجار والزكاة:
التجار فئة شاسعة تشمل الأفراد وأصحاب المؤسسات التجارية الكبرى، والمعامل، والتاجر كفرد له طريقته الخاصة في إخراج الزكاة وتوزيعها يقول عبد الرحيم (28، تاجر ناجح في الصوف ولوازم الخياطة): «عند دوران السنة أقوم بإحصاء كلي للدكان، بعدها أخرج رأس مال الوالد، لأنه صاحب المشروع، ثم أزكي عن فائض الأرباح» وعن وجوه صرفها، لم يستطع الإخبار بذلك وعند الإلحاح تم التعرف على أنه يصرفها على مطلقات ومحتاجين عليهم دين له أثناء التعامل، وقد عبرت إحداهن «إن سلوك هذا التاجر المسلم، بعدما أخبرني أن الدين الذي له علي قد أداه الله علي، بالزكاة المفروضة عليه، جعلني أراجع نفسي وأقول إن المسلمين والإسلام بخير والحمد لله.»
هذه الشهادة المكتومة بالفرح تجسد أهمية الزكاة، الاجتماعية وخاصة عند وضعها في إطارها المناسب، وهذه الحالة مشروعة لأنها تدخل في صنف «الغارمين» كصنف من الثمانية الذين خصهم القرآن بالزكاة.
أما أحمد. ز0( يعمل بائعا للأثواب وأثاث المنازل)، فيقوم صباح يوم عاشوراء بتوزيع النقود وقطع من الأثواب على المتسولين في عادة سنوية متكررة، ففي كل عام تصطف النساء المتسولات عند متجره وجهله بإمكانية صرفها على المدينين لديه، فإنه عند كل حديث يذكر السامع بأنه أدان فلانا بأثاث أو أثواب كذا سنين، ولم يسدد له ثمن ذلك.)
أما (م.ع): تاجر مواد غذائية «عندما أحصي ما علي من حق الله، فإني أرسله إلى فقراء بلدي لأني أعرف شدة حاجتهم ،رغم أنهم لا يقدرون على مد اليد لطلب المساعدة، وعند طرح السؤال عليه بإمكانية منحها للمتسولين أجاب: "حقيقة لا أعطي لهؤلاء المتسولين إلا بعض الصدقة لأني شخصيا لا أعرف حالتهم المادية بالضبط" وعن رأيه في وجود مؤسسة تتكفل بالجمع والتوزيع قال: "مزيان إلى تكون هذه المؤسسة".
يقول الأستاذ حنين صالح رئيس جمعية القاضي عياض فرع قصبة تادلة «نسعى لجمع الزكاة من عند الأشخاص والمحسنين الذين يثقون في الجمعية، وتقوم الجمعية بصرفها في مساعدة المحتاجين والأنشطة الخيرية ككسوة الأيتام في الأعياد، وشراء الدواء للمرضى المعوزين، أما وجود مؤسسة وطنية شاملة تستوعب تدخلات المحسنين في جمع الزكاة، فلا أرى مانعا إذا كانت ستحرص على جمعها بدقة وصرفها على مستحقيها الشرعيين<.
المتسولون والزكاة:
المتسولون أنواع وطرائق، منهم المتعفف، ومنهم المظهر لحاجته علنا، ومنهم من مرد على التسول، هذا المعطى يجعل وصولها لمستحقيها متعسرة، يقول خ ش «بعد إعطاء ذوي القربى والجيران من الزكاة، يتم توزيع الباقي على المتسولين ومنهم من يأتي القرية كل سنة، وهو معروف لدى ساكنيها، يطعمونه، ويمنحونه الجزء الأكبر من الزكاة، وعند نفاذ مقدار الزكاة يواصل السكان عملية التصدق<.
في شارع من شوارع الرباط استوقفنا متسولة وتم طرح السؤال التالي عليها: هل تستفيدين من الزكاة؟ فكان جوابها: «يا ولدي، حقيقة حالي أني أعمل منظفة بإحدى البيوت ولما سافرت العائلة التي أعمل عندها، وتركت بنتها الموظفة، استغنت عني، حتى زوجي لا يعلم بأني أتسول فعدم عملي ستترتب عنه مشاكل أخرى (الكراء...)، وأنا في حاجة للتر من الزيت، ولا أعرف أي محسن يزكي لأخذ عنه<.
ولكن هذه المتسولة لم تستطع إنهاء حديثها دون الإشارة إلى الاختلالات في توزيع مساعدات مؤسسة محمد الخامس للتضامن تقول: «بيني وبينك أولدي، حتى باش يسجلك المقدم للتر زيت تقبضه، يلزمك استعطافه وأشياء أخرى!».
أما (م.ل) موظف متوسط: «أعرف شخصا بالقرب من منزلنا يذهب وقت الحصاد إلى مناطق بعيدة عن البلاد، ويحترف التسول، ويأتي البلدة بعدة أكياس من الحبوب وحاويات زيت «بلدية»، منتحلا صورة المحتاج وأعرف أن له أبناء يعملون ويكفونه العيش، ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله<.
صعوبة تحديد .المحتاج حقيقة، وجهل المحسنين بهم، يجعل محاولة صرفها على المستحقين متعذرة، رغم أن الزكاة توفر مداخيل مهمة، فإن وجود مؤسسة تؤطر العملية وفق قوانين مضبوطة سيساهم في حل الإشكال، ففي فرنسا مثلا أنشأت الدولة ملاجئ خيرية يقصدها المحتاجون، ومنهم من تمنحه تلك الملاجئ أثاثا يتاجر فيه مقابل نصيب مقدر من الأرباح.
بالنسبة لسيدة متسولة لم تفصح عن اسمها، تجلس قرب مسجد الشهداء بالرباط: إلى جوارها ابنتها ذات الخمس سنوات وبنبرة حزينة تقول: «والله أولدي لا أعرف لماذا انقطعت عنا الزكاة منذ أربع سنوات أقبلت بنت مع والدها ومنحتني ظرفا وضعته في القفة البلاستيكية وعند وصولي إلى المنزل فتحت الظرف ووجدت فيه عشرين ألف ريال، ولم أخرج بعد للتسول لمدة شهرين أديت بها الكراء، ووسعت على العيال، أما الآن فالله يجود علينا « ،وعن إمكانية الاتصال بالجمعيات ذات الخدمات الاجتماعية تقول هذه السيدة «الجمعيات نستفيد منها خلال رمضان، الله يجازيهم بخير، أما بالنسبة للزكاة فليس لديهم ما يقدمون لنا، واليوم كنشوف أن المحسنين كيعطوا اللي عندو وما خصوش أما الفقراء فلهم الله<.
هل المؤسسات المنتجة تزكي؟
تتعدد المؤسسات والشركات المنتجة التي تجب عليها الزكاة بتعدد خدماتها من تجارية وصناعية وفلاحية وخدماتية هذا التعدد يحتاج إلى جهود مؤسسات لمعرفة كيفية تعاملها مع شعيرة الزكاة، ولتقريب هذا التعامل نأخذ نموذجين وهما: المخابز، والمقاولات كعينات لتقريب صيغة تعاملها مع الزكاة.
المخابز والزكاة:
أصبحت المخابز ضرورة واقعية تماشيا مع متطلبات الحياة المعاصرة سواء في البوادي أو المدن، وارتباطا كذلك مع تغير نمط العيش المعتمد على السرعة واستغلال الوقت يقول محمد ،ابن صاحب مخبزتين :واحدة بالرباط والثانية بالقنيطرة: «لا نتدخل في طريقة الأب في صرف الزكاة، وما نعرفه ،أنه، مع مطلع السنة الهجرية، يحصي مداخيل المخبزتين، ويوزعها على أشخاص يعرف حالهم عبر حوالات، ومنهم من يرسل إليهم مبلغا شهريا ويقتطعه من الزكاة السنوية، بالنسبة لنا نحن أولاده نقوم بتوزيع بعض «العشور» على العمال بدون علمه، كمساعدة، كما أن الوالد، وبعد عملية التوزيع المعتادة، يأخذ كمية أخرى في كيس ويوزعها على من صادفه في طريقه من المتسولين».
إذن فالملاحظ أن هذه الفئة تجتهد برأيها في التوزيع لانعدام مؤسسة مستوعبة، كما أنها تعتبر فعلها صائبايصب في الشرع لمعرفتها بالحالات المستحقة.
المقاولات والزكاة:
يقوم الحاج محمد بن ل. (صاحب مقاولة بناء) باستضافة المحتاجين ويعطي كل واحد أو واحدة 1000,00 درهم، كما يقوم بشراء الأضاحي للأرامل واليتامى، وهو سلوك لا يحتاج إلى التصريح به ،لأنه ظاهر للعيان، حتى متوسطي الحال يقصدونه للحصول على بعض الريع، هذه حالة واحدة تراعي حقوق الفقراء في أموالها، ولكن ارتباط التوزيع بالسرية التامة يجعل السؤال عن إخراج الزكاة محرجا اجتماعيا فالمسؤول عن ذلك يعتبرالسؤال عن ذلك فضولا ومحاكمة وتدخلا غير مبرر، لذا فمن الناس من يعتبر الضرائب بديلا عن الزكاة، وبالتالي فموقع الزكاة ليس واردا لديه يقول الشيخ عبد الباري الزمزمي توضيحا للحكم الشرعي في الموضوع: «كل مال عندك دار العام عليه، وجبت عليك زكاته، أما الضريبة فلا تنوب عن الزكاة، لأن الزكاة مفروضة على الأغنياء من المسلمين وهي ركن من أركان الإسلام الخمس فلا يجوز استبدالها بالضريبة لأن ذلك تغييرا لشرائع دين الله وتلاعب بأحكامه وقد قال الله عز وجل (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله)، والتاريخ الإسلامي يحتفظ بنماذج تطبيقية،بهذا الخصوص، فكان المكوس بجوار الأعشار، وكان بيت المال الذي يتولى صرف ذلك.
يقول الدكتور محمد يعقوبي خبيزة في جوابه هل تغني الضريبة عن إيتاء الزكاة: «والجواب هو أن أداء إحداهما لا تغني عن أداء الأخرى،ففرض الضريبة يزتبط بالدولة والسلطة المحلية على الرعية لإدارة المرافق العامة، أما الزكاة فهي : «مقدار محدد فرض الله سبحانه على المسلم إخراجه مما يملك عند بلوغ النصاب لمصلحة من عينهم من أصناف أو من في معناهم عند عدم وجودهم.»
إخراج مؤسسة الزكاة المغربية ضرورة:
تتداخل الأطراف ذات الصلة بالزكاة أفرادا ومؤسسات وهيئات، مما يعني أنها قضية مجتمع بكل شرائحه حاكمين ومحكومين، والحديث عنها يتطلب استقصاء شاملا، والتحقيق تنبيه وإشارة، والسؤال المطروح إذا تمت جباية الزكاة من جميع الأفراد والمؤسسات بكل دقة فما هو مبلغ المداخيل المحتملة؟
إن إجابة متخصص اقتصادي واحد سيجعلنا نقف على مغرب آخر، مغرب ليس فيه متسول، هذا ما تفطن إليه الملك الحسن الثاني رحمه الله بالإعلان عن تعيين لجنة تحضيرية لتطبيق نظام الزكاة عبر مؤسسة مستقلة ذات نفع عام وفق ما تقضي به الشريعة الإسلامية في ليلة 27 رمضان 1418 موافق 25 يناير 1998)، والنص المقتطف لا يحتاج إلى تعليق قال جلالة الملك: «وبهذه المناسبة أود أن أقول: إننا رأينا أنه قد حان الأوان لأن نفكر في تطبيق الزكاة في المغرب لماذا؟ لأن الضرائب تملأ الخزينة بجميع المتطلبات والمصاريف التي تحتاج إليها الدولة، ولكن هناك شيئا لابد من النظر فيه، لأن الإسلام جاء ليكون دين السواسية، وإن لم يكن التساوي التام... فهذه الفوارق الاجتماعية هي في الحقيقة تحد للروح الإسلامية وتحد لركيزة من ركائز البعثة المحمدية.. على الأقل أن نقلص من تلك الفوارق التي إذا بقيت على ما هي عليه لن تدخر لبلدنا ولأولادنا وأحفادنا إلا الانفجارات والانقسامات... ولهذا قررنا أن نعين لجنة ستكون من الجهاز التشريعي، ومن الجهاز الحكومي، ومن بعض علماء المغرب، ومن بعض التقنيين في المالية حتى تنظر في تطبيق الزكاة في الميادين الاجتماعية وبالأخص
على الجهات التي نحن أرسينا قواعدها وثبتنا أسسها في دستورنا الجديد وفي الغرفة الثانية من البرلمان...
وتنظر هذه اللجنة أولا في من تجب عليه الزكاة؟ وبأي قدر تجب عليه؟ وهذا لا يمنع التطوع بالطبع، وإلى أي خزينة ستذهب؟ باستثناء خزينة الدولة، وكيف ستوزع؟ ومن يشرف عليها، وكيف ستحاسب الهيئة المكلفة والمسؤولة بتوزيعها؟< النص مقتطف من كتاب «موقع مؤسسة الزكاة الشرعية في السياسة المالية للدولة الإسلامية» للدكتور محمد يعقوبي خبيزة.
وقد قدمت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مشروعا للقانون الأساسي لإدارة الزكاة المغربية (المرجع السابق ص 121).
خاتمة:
من خلال رصد الأطراف الفاعلة وذات الصلة بالزكاة تبرز عدة معطيات تحتاج إلى توصيات لتؤدي الزكاة دورها الاجتماعي ومنها:
ضعف الحس الديني لدى شرائح هامة من المجتمع مما يفرض حركة العلماء والمسؤولين.
المحسنون المزكون في حاجة إلى التوعية بخصوص صرف الزكاة لمستحقيها الشرعيين،واستشارة ذوي العلم في ذلك.
مداخيل الزكاة موارد ضخمة تمكن من تقليص الفوارق الاجتماعية الشاسعة،
إخراج مؤسسة الزكاة المغربية إلى النور يعتبر قضية وطنية مثيل مدونة الشغل والانتخابات و...
عبدلاوي لخلافة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.