واشنطن طلبات من إسرائيل تعطي إجابات بخصوص "المقابر الجماعية" ف غزة    هذه توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    أخرباش تشيد بوجاهة القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي جاء بمبادرة من المغرب والولايات المتحدة    اتفاقية الصيد البحري..حجر ثقيل في حذاء علاقات إسبانيا والمغرب!    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    لا تيتي لا حب لملوك: اتحاد العاصمة دارو ريوسهم فالكابرانات وتقصاو حتى من كأس الجزائر    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    الشاطئ البلدي لطنجة يلفظ جثة شاب فقد الأسبوع الماضي    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    أخنوش يرد على خصومه: الدولة الاجتماعية ليست مشروعا ل"البوليميك" والحكومة أحسنت تنزيله    مكافأة مليون سنتيم لمن يعثر عليه.. هذه معطيات جديدة عن حيوان غريب ظهر في غابة    بالأرقام .. أخنوش يكشف تدابير حكومته لمساندة المقاولات المتضررة جراء الأزمة الصحية    سانشيز: أفكر في إمكانية تقديم الاستقالة بعد الإعلان عن فتح تحقيق ضد زوجتي بتهمة استغلال النفوذ والفساد    هادي خبار زينة.. أسماء المدير مخرجة "كذب أبيض" فلجنة تحكيم مهرجان كان العالمي    قميصُ بركان    مطار مراكش المنارة الدولي: ارتفاع بنسبة 22 في المائة في حركة النقل الجوي خلال الربع الأول من 2024    طقس الخميس.. أجواء حارة وقطرات مطرية بهذه المناطق    المغرب ومنظمة "الفاو" يوقعان على وثيقة "مستقبل مرن للماء" بميزانية 31.5 مليون دولار    تسريب فيديوهات لتصفية حسابات بين بارونات بتطوان    اللجنة الجهوية للتنمية البشرية بالشمال تصادق على برنامج عمل يضم 394 مشروعا برسم سنة 2024    الجزائر تتوصل رسميا بقرار خسارة مباراة بركان و"الكاف" يهدد بعقوبات إضافية    بنكيران يهاجم أخنوش ويقول: الأموال حسمت الانتخابات الجزئية    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    أخنوش مقدما الحصيلة المرحلية: إجراءات الحكومة هدفها مناعة الأسرة التي هي "النواة الصلبة لكل التدخلات"    خارجية أمريكا: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    سنطرال دانون تسلط الضوء على التقدم المحقق في برنامج "حليب بلادي" لفلاحة مستدامة ومتجددة    أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    أسعار الذهب تواصل الانخفاض    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المجتمع المغربي وزكاة الحول: مؤسسة الزكاة المغربية ضرورة شرعية وواقعية
نشر في التجديد يوم 25 - 03 - 2002

مع قدوم السنة الهجرية الجديدة، تنبعث حاجة المجتمع المغربي إلى تطبيق شعيرة الزكاة، هذا الإحساس الاجتماعي، رغم ما يصاحبه من تكتم في التطبيق راجع إلى اعتقاد مخرجي الزكاة بأن الإظهار من قبل الرياء والمباهاة يعتبر ظاهرة صحية ارتباطا بدور الزكاة الاجتماعي في توطيد العلاقات والتكافل والإحساس الجماعي بالآخرين، فالزكاة تأتي كتتويج لسلسلة العبادات التي تتوزع حسب السنة وأيامها من صلاة وصيام وحج، في تناسق تام لصياغة مجتمع متراص الأركان من جميع النواحي: الاجتماعية والاقتصادية والسياسية (الحج) والشعورية النفسية. فكيف يتعامل المجتمع المغربي مع الزكاة أفرادا ومؤسسات في تحديد أنصبتها ومستحقيها؟ وما هو رأيه في قيام مؤسسة تقوم بعملية الجمع والتوزيع؟ تلك أسئلة يحاول التحقيق التالي توخي الإجابة عن جوانب منها.
التعامل الفردي مع الزكاة:
المجتمع مجموعة أفراد تتنوع انشغالات عملهم وتتباين، هذا التباين في العمل ووسيلة الرزق يجعل استقراء الكل من قبيل المستحيل، ولتقريب التعامل الفردي سيتم الاقتصار على شرائح تشكل أغلبية داخل النسيج الاجتماعي المغربي كعينة للدراسة: وهي: فلاح، تاجر، امرأة، متسول.
تعامل النساء مع الزكاة:
تختلف طبيعة تعامل النساء مع الزكاة وتحديد نصيبها، فمنهن العاملة والموظفة، ومنهن مديرة شؤون مؤسسة أو مقاولة أو ميزانية أسرة، ولكن الشيء المشترك بينهن هو امتلاكهن للذهب، كخصيصة مشتركة بينهن، ورأي العلماء في زكاته ثابتة تقول (ز.ع) ربة بيت:» بالنسبة لي لا أخرج الزكاة على ما أملك من ذهب للزينة لأنه مرتبط بالاستعمال اليومي الشخصي، أما مقدار الذهب الذي تجب عليه الزكاة فهو ما كان من أجل ادخار المال وليس للزينة،وأعرف نساء تمتلكن كمية كبيرة من الذهب (مضمة، تاج، «سراتل») ويخرجن مقدارا من النقود كزكاة كل سنة، ويفضلن إعطاء هذه الزكاة لطلاب العلم.»
أما محمد (أب أسرة ) فأرجع تعامل النساء معزكاة الحلي لمعطى ثقافي «بالنسبة لي فأنا ألاحظ أن اللاتي يعلمن حق زكاة الذهب عليهن، فهن لا يمتلكن ذهبا، واللاتي يملكن كمية كبيرة منه، لا يعلمن أن عليهن حق في زكاته».
في المنحى نفسه تؤكد نجاة ربة بيت: «ألاحظ أن جهلا هناك لدى زوجات الأغنياء أو من يمتلكن الذهب الكثير (كالنكافات) في ضرورة الزكاة على ما يمتلكن منه، وهذا راجع إلى انعدام حس ديني، وطغيان الأمية الدينية على أكثر النساء».
أما خديجة (فتاة) «فعلا رغم ثقافتي المتواضعة، فإنني لا أعرف النصيب من الذهب الواجب إخراج الزكاة عليه، ولكن ما هو معلوم لدي، أن ما تجب الزكاة عليه هو الذهب المكتنز، لحفظ النقود لغرض ما (شراء أرض، سيارة...) ومر عليه الحول، لكني حقيقة لا أعرف النصيب الشرعي في ذلك".
ومن خلال الآراء السالفة، يلاحظ تنوع حالات تعامل النساء مع زكاة الحلي خاصة بين جهل تام بنصيبها، دون الحديث على أوجه صرفها، يقول الإمام الحافظ أبو الوليد محمد بن رشد نقلا عن مجلة البحوث الفقهية المعاصرة (ع 16 سنة 1993) توضيحا لحكم زكاة الحلي: «أجمع أهل العلم على أن العين من الذهب والورق في عينه الزكاة تبرا كان أو مسكوكا... فالذي ذهب إليه مالك رحمه الله أنه في الاشتراء والفائدة على ما نوى به مالكه، فإن نوى به التجارة زكاه، وإن نوى به الاقتناء للانتفاع بعينه فيما ينتفع فيه بمثله سقطت عنه الزكاة قياسا على قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة»، وإن نوى به عدة للزمان (ادخارا واكتنازا للحاجة) أو لم تكن له نية في اقتنائه رجع على الأصل ووجبت عليه الزكاة، وإن اتخذه للكراء وهو ممن يصلح له الانتفاع به، ففيه روايتان: وجوب الزكاة وسقوطها... وإذا اشترى الرجل حلياأو ورثه فحبسه للبيع كلما احتاج إليه باع أو للتجارة، فلا زكاة فيه حتى يبيعه... وإذا كان ليس مربوطا بحجارة (لؤلؤ) ففيه زكاة، وهو يمنزلة العين حتى تخرج زكاته».
والمقارنة بين ما جاء في النص وتصريح بعض النساء السابق، يتبين التقارب بين المنظور الاجتماعي في سقوط زكاة الحلي المعد للزينة لدى بعض النساء، وزكاته إذا كان للكراء أو الادخار من المنظور الشرعي.
الفلاح المغربي والزكاة
تختلف مستويات الفلاحين ووضعيتهم، بين فلاح يزاول الفلاحة بهدف استهلاك عائلي معيشي، وآخر يزاولها بغرض تسويقه، كما أن الموضوع محط اجتهاد الفقهاء حديثا في ما يخص بعض الأصناف التي تجب فيها الزكاة (زكاة الخضروات مثلا: ينظر: فتاوى الشيخ الزمزمي جزء 3).
وللإشارة فحكم الإسلام في المزروعات يراعى فيه المعطيات الواقعية في التعامل مع زكاة الفلاحة، فشرع للفلاحة المسقية بالنضج والمضخات ( لأنهاتتطلب مصاريف وتكاليف) نصف العشر، وشرع العشر فيما سقت السماء والعيون والبعل.
يقول خ ش (موظف، ابن لفلاح): «تختلف عادة قريتي في إخراج الزكاة، فبعض الفلاحين يفضل إخراجها من ميدان الدرس (البيداء)، فيعزل من كل عشرة أكياس كيسا واحدا، ومنهم من يترك الأمر حتى تتم تنقيته بالمنزل، فيتم إحصاء نصاب الزكاة، وتخرج عن طريق «العبرة».
إذن فالإحساس الاجتماعي فطري وثابت، لا يحتاج إلى زاجر كالضرائب وغيرها، ولكنها تحتاج إلى التوعية بوجوه صرفها.
وعن مراعاة هذه الوجوه يستطرد (خ.ش) «في الغالب يعطى المقدار المخرج لذوي القربى المحتاجين ثم الجيران، ولكن بالنسبة لبعض المحصولات كالشمندر وأشجار الفلين، فأهل القرية لا يزكون عنها، فيقيسونها على الخضروات، وكثير من فلاحي القرية يصرون على إخراج العشر بدل نصف العشر رغم أن سقي المزروعات تم بالنضح والمضخات ،وقد يزيد الأمر إشكالا عندما تتزاوج الطريقتان: السقي بماء السماء (البور)، وبالمضخات (مصاريف)، فيتم تغليب العشر بدل نصف العشر من سبيل الاحتياط».
أما السيدة العلوي، ل.أ أرملة فتقول: «خالي فلاح كبير يمتلك ثروة كبيرة، يخرج الزكاة، ولكنه يعطيها لصديق له للتكفل بتوزيعها نقودا، فلا يصلنا منها شسئا، رغم أني من ذوي القربى وأرملة ولدي أيتام، كما أن أولاده أيضا محتاجون لتلك الزكاة، فهم يستدينون لأجل قضاء حوائجهم، وهذا مما يجعلني أواسي نفسي.»
وهذه الحالة تكاد تتكرر كثيرا تلخص الجهل بمقاصد الزكاة ووجوه صرفها.
فبالنسبة للأهل، فلا يجب عليه صرف الزكاة عليهم ،ولكن من مقاصد الشرع التوسعة عليهم، وبالنسبة للأقارب، فالأمر مرتبط بالأثر: «الصدقة في ذوي القربى أولى».
التجار والزكاة:
التجار فئة شاسعة تشمل الأفراد وأصحاب المؤسسات التجارية الكبرى، والمعامل، والتاجر كفرد له طريقته الخاصة في إخراج الزكاة وتوزيعها يقول عبد الرحيم (28، تاجر ناجح في الصوف ولوازم الخياطة): «عند دوران السنة أقوم بإحصاء كلي للدكان، بعدها أخرج رأس مال الوالد، لأنه صاحب المشروع، ثم أزكي عن فائض الأرباح» وعن وجوه صرفها، لم يستطع الإخبار بذلك وعند الإلحاح تم التعرف على أنه يصرفها على مطلقات ومحتاجين عليهم دين له أثناء التعامل، وقد عبرت إحداهن «إن سلوك هذا التاجر المسلم، بعدما أخبرني أن الدين الذي له علي قد أداه الله علي، بالزكاة المفروضة عليه، جعلني أراجع نفسي وأقول إن المسلمين والإسلام بخير والحمد لله.»
هذه الشهادة المكتومة بالفرح تجسد أهمية الزكاة، الاجتماعية وخاصة عند وضعها في إطارها المناسب، وهذه الحالة مشروعة لأنها تدخل في صنف «الغارمين» كصنف من الثمانية الذين خصهم القرآن بالزكاة.
أما أحمد. ز0( يعمل بائعا للأثواب وأثاث المنازل)، فيقوم صباح يوم عاشوراء بتوزيع النقود وقطع من الأثواب على المتسولين في عادة سنوية متكررة، ففي كل عام تصطف النساء المتسولات عند متجره وجهله بإمكانية صرفها على المدينين لديه، فإنه عند كل حديث يذكر السامع بأنه أدان فلانا بأثاث أو أثواب كذا سنين، ولم يسدد له ثمن ذلك.)
أما (م.ع): تاجر مواد غذائية «عندما أحصي ما علي من حق الله، فإني أرسله إلى فقراء بلدي لأني أعرف شدة حاجتهم ،رغم أنهم لا يقدرون على مد اليد لطلب المساعدة، وعند طرح السؤال عليه بإمكانية منحها للمتسولين أجاب: "حقيقة لا أعطي لهؤلاء المتسولين إلا بعض الصدقة لأني شخصيا لا أعرف حالتهم المادية بالضبط" وعن رأيه في وجود مؤسسة تتكفل بالجمع والتوزيع قال: "مزيان إلى تكون هذه المؤسسة".
يقول الأستاذ حنين صالح رئيس جمعية القاضي عياض فرع قصبة تادلة «نسعى لجمع الزكاة من عند الأشخاص والمحسنين الذين يثقون في الجمعية، وتقوم الجمعية بصرفها في مساعدة المحتاجين والأنشطة الخيرية ككسوة الأيتام في الأعياد، وشراء الدواء للمرضى المعوزين، أما وجود مؤسسة وطنية شاملة تستوعب تدخلات المحسنين في جمع الزكاة، فلا أرى مانعا إذا كانت ستحرص على جمعها بدقة وصرفها على مستحقيها الشرعيين<.
المتسولون والزكاة:
المتسولون أنواع وطرائق، منهم المتعفف، ومنهم المظهر لحاجته علنا، ومنهم من مرد على التسول، هذا المعطى يجعل وصولها لمستحقيها متعسرة، يقول خ ش «بعد إعطاء ذوي القربى والجيران من الزكاة، يتم توزيع الباقي على المتسولين ومنهم من يأتي القرية كل سنة، وهو معروف لدى ساكنيها، يطعمونه، ويمنحونه الجزء الأكبر من الزكاة، وعند نفاذ مقدار الزكاة يواصل السكان عملية التصدق<.
في شارع من شوارع الرباط استوقفنا متسولة وتم طرح السؤال التالي عليها: هل تستفيدين من الزكاة؟ فكان جوابها: «يا ولدي، حقيقة حالي أني أعمل منظفة بإحدى البيوت ولما سافرت العائلة التي أعمل عندها، وتركت بنتها الموظفة، استغنت عني، حتى زوجي لا يعلم بأني أتسول فعدم عملي ستترتب عنه مشاكل أخرى (الكراء...)، وأنا في حاجة للتر من الزيت، ولا أعرف أي محسن يزكي لأخذ عنه<.
ولكن هذه المتسولة لم تستطع إنهاء حديثها دون الإشارة إلى الاختلالات في توزيع مساعدات مؤسسة محمد الخامس للتضامن تقول: «بيني وبينك أولدي، حتى باش يسجلك المقدم للتر زيت تقبضه، يلزمك استعطافه وأشياء أخرى!».
أما (م.ل) موظف متوسط: «أعرف شخصا بالقرب من منزلنا يذهب وقت الحصاد إلى مناطق بعيدة عن البلاد، ويحترف التسول، ويأتي البلدة بعدة أكياس من الحبوب وحاويات زيت «بلدية»، منتحلا صورة المحتاج وأعرف أن له أبناء يعملون ويكفونه العيش، ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله<.
صعوبة تحديد .المحتاج حقيقة، وجهل المحسنين بهم، يجعل محاولة صرفها على المستحقين متعذرة، رغم أن الزكاة توفر مداخيل مهمة، فإن وجود مؤسسة تؤطر العملية وفق قوانين مضبوطة سيساهم في حل الإشكال، ففي فرنسا مثلا أنشأت الدولة ملاجئ خيرية يقصدها المحتاجون، ومنهم من تمنحه تلك الملاجئ أثاثا يتاجر فيه مقابل نصيب مقدر من الأرباح.
بالنسبة لسيدة متسولة لم تفصح عن اسمها، تجلس قرب مسجد الشهداء بالرباط: إلى جوارها ابنتها ذات الخمس سنوات وبنبرة حزينة تقول: «والله أولدي لا أعرف لماذا انقطعت عنا الزكاة منذ أربع سنوات أقبلت بنت مع والدها ومنحتني ظرفا وضعته في القفة البلاستيكية وعند وصولي إلى المنزل فتحت الظرف ووجدت فيه عشرين ألف ريال، ولم أخرج بعد للتسول لمدة شهرين أديت بها الكراء، ووسعت على العيال، أما الآن فالله يجود علينا « ،وعن إمكانية الاتصال بالجمعيات ذات الخدمات الاجتماعية تقول هذه السيدة «الجمعيات نستفيد منها خلال رمضان، الله يجازيهم بخير، أما بالنسبة للزكاة فليس لديهم ما يقدمون لنا، واليوم كنشوف أن المحسنين كيعطوا اللي عندو وما خصوش أما الفقراء فلهم الله<.
هل المؤسسات المنتجة تزكي؟
تتعدد المؤسسات والشركات المنتجة التي تجب عليها الزكاة بتعدد خدماتها من تجارية وصناعية وفلاحية وخدماتية هذا التعدد يحتاج إلى جهود مؤسسات لمعرفة كيفية تعاملها مع شعيرة الزكاة، ولتقريب هذا التعامل نأخذ نموذجين وهما: المخابز، والمقاولات كعينات لتقريب صيغة تعاملها مع الزكاة.
المخابز والزكاة:
أصبحت المخابز ضرورة واقعية تماشيا مع متطلبات الحياة المعاصرة سواء في البوادي أو المدن، وارتباطا كذلك مع تغير نمط العيش المعتمد على السرعة واستغلال الوقت يقول محمد ،ابن صاحب مخبزتين :واحدة بالرباط والثانية بالقنيطرة: «لا نتدخل في طريقة الأب في صرف الزكاة، وما نعرفه ،أنه، مع مطلع السنة الهجرية، يحصي مداخيل المخبزتين، ويوزعها على أشخاص يعرف حالهم عبر حوالات، ومنهم من يرسل إليهم مبلغا شهريا ويقتطعه من الزكاة السنوية، بالنسبة لنا نحن أولاده نقوم بتوزيع بعض «العشور» على العمال بدون علمه، كمساعدة، كما أن الوالد، وبعد عملية التوزيع المعتادة، يأخذ كمية أخرى في كيس ويوزعها على من صادفه في طريقه من المتسولين».
إذن فالملاحظ أن هذه الفئة تجتهد برأيها في التوزيع لانعدام مؤسسة مستوعبة، كما أنها تعتبر فعلها صائبايصب في الشرع لمعرفتها بالحالات المستحقة.
المقاولات والزكاة:
يقوم الحاج محمد بن ل. (صاحب مقاولة بناء) باستضافة المحتاجين ويعطي كل واحد أو واحدة 1000,00 درهم، كما يقوم بشراء الأضاحي للأرامل واليتامى، وهو سلوك لا يحتاج إلى التصريح به ،لأنه ظاهر للعيان، حتى متوسطي الحال يقصدونه للحصول على بعض الريع، هذه حالة واحدة تراعي حقوق الفقراء في أموالها، ولكن ارتباط التوزيع بالسرية التامة يجعل السؤال عن إخراج الزكاة محرجا اجتماعيا فالمسؤول عن ذلك يعتبرالسؤال عن ذلك فضولا ومحاكمة وتدخلا غير مبرر، لذا فمن الناس من يعتبر الضرائب بديلا عن الزكاة، وبالتالي فموقع الزكاة ليس واردا لديه يقول الشيخ عبد الباري الزمزمي توضيحا للحكم الشرعي في الموضوع: «كل مال عندك دار العام عليه، وجبت عليك زكاته، أما الضريبة فلا تنوب عن الزكاة، لأن الزكاة مفروضة على الأغنياء من المسلمين وهي ركن من أركان الإسلام الخمس فلا يجوز استبدالها بالضريبة لأن ذلك تغييرا لشرائع دين الله وتلاعب بأحكامه وقد قال الله عز وجل (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله)، والتاريخ الإسلامي يحتفظ بنماذج تطبيقية،بهذا الخصوص، فكان المكوس بجوار الأعشار، وكان بيت المال الذي يتولى صرف ذلك.
يقول الدكتور محمد يعقوبي خبيزة في جوابه هل تغني الضريبة عن إيتاء الزكاة: «والجواب هو أن أداء إحداهما لا تغني عن أداء الأخرى،ففرض الضريبة يزتبط بالدولة والسلطة المحلية على الرعية لإدارة المرافق العامة، أما الزكاة فهي : «مقدار محدد فرض الله سبحانه على المسلم إخراجه مما يملك عند بلوغ النصاب لمصلحة من عينهم من أصناف أو من في معناهم عند عدم وجودهم.»
إخراج مؤسسة الزكاة المغربية ضرورة:
تتداخل الأطراف ذات الصلة بالزكاة أفرادا ومؤسسات وهيئات، مما يعني أنها قضية مجتمع بكل شرائحه حاكمين ومحكومين، والحديث عنها يتطلب استقصاء شاملا، والتحقيق تنبيه وإشارة، والسؤال المطروح إذا تمت جباية الزكاة من جميع الأفراد والمؤسسات بكل دقة فما هو مبلغ المداخيل المحتملة؟
إن إجابة متخصص اقتصادي واحد سيجعلنا نقف على مغرب آخر، مغرب ليس فيه متسول، هذا ما تفطن إليه الملك الحسن الثاني رحمه الله بالإعلان عن تعيين لجنة تحضيرية لتطبيق نظام الزكاة عبر مؤسسة مستقلة ذات نفع عام وفق ما تقضي به الشريعة الإسلامية في ليلة 27 رمضان 1418 موافق 25 يناير 1998)، والنص المقتطف لا يحتاج إلى تعليق قال جلالة الملك: «وبهذه المناسبة أود أن أقول: إننا رأينا أنه قد حان الأوان لأن نفكر في تطبيق الزكاة في المغرب لماذا؟ لأن الضرائب تملأ الخزينة بجميع المتطلبات والمصاريف التي تحتاج إليها الدولة، ولكن هناك شيئا لابد من النظر فيه، لأن الإسلام جاء ليكون دين السواسية، وإن لم يكن التساوي التام... فهذه الفوارق الاجتماعية هي في الحقيقة تحد للروح الإسلامية وتحد لركيزة من ركائز البعثة المحمدية.. على الأقل أن نقلص من تلك الفوارق التي إذا بقيت على ما هي عليه لن تدخر لبلدنا ولأولادنا وأحفادنا إلا الانفجارات والانقسامات... ولهذا قررنا أن نعين لجنة ستكون من الجهاز التشريعي، ومن الجهاز الحكومي، ومن بعض علماء المغرب، ومن بعض التقنيين في المالية حتى تنظر في تطبيق الزكاة في الميادين الاجتماعية وبالأخص
على الجهات التي نحن أرسينا قواعدها وثبتنا أسسها في دستورنا الجديد وفي الغرفة الثانية من البرلمان...
وتنظر هذه اللجنة أولا في من تجب عليه الزكاة؟ وبأي قدر تجب عليه؟ وهذا لا يمنع التطوع بالطبع، وإلى أي خزينة ستذهب؟ باستثناء خزينة الدولة، وكيف ستوزع؟ ومن يشرف عليها، وكيف ستحاسب الهيئة المكلفة والمسؤولة بتوزيعها؟< النص مقتطف من كتاب «موقع مؤسسة الزكاة الشرعية في السياسة المالية للدولة الإسلامية» للدكتور محمد يعقوبي خبيزة.
وقد قدمت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مشروعا للقانون الأساسي لإدارة الزكاة المغربية (المرجع السابق ص 121).
خاتمة:
من خلال رصد الأطراف الفاعلة وذات الصلة بالزكاة تبرز عدة معطيات تحتاج إلى توصيات لتؤدي الزكاة دورها الاجتماعي ومنها:
ضعف الحس الديني لدى شرائح هامة من المجتمع مما يفرض حركة العلماء والمسؤولين.
المحسنون المزكون في حاجة إلى التوعية بخصوص صرف الزكاة لمستحقيها الشرعيين،واستشارة ذوي العلم في ذلك.
مداخيل الزكاة موارد ضخمة تمكن من تقليص الفوارق الاجتماعية الشاسعة،
إخراج مؤسسة الزكاة المغربية إلى النور يعتبر قضية وطنية مثيل مدونة الشغل والانتخابات و...
عبدلاوي لخلافة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.