من منا لا يحتك يوميا بمعطل ، فإما أن تجده يعيش بجانبك في المنزل أو تلتقيه في المقهى أو على جنبات الطريق يمضغ الوقت، يخفي بصعوبة عطالته، لكن سرعان ما تظِهرها ملامحه التي تشوبها حسرة كبيرة . تراه يثير مواضيع غير بعيدة عن التشغيل أو معاناة البطالة التي تدفع الكثير من شبابنا حملة الشهادات العليا أن يعيش رغما عن أنفه في شبه عزلة عن العالم الذي يحيط به. إنه ببساطة يفكر كل لحظة في أشياء لايثيرها الآخرون ، و يدافع بشراسة عن عمل شريف يضمن له كرامة إنسانية . في عالم مدينة أزيلال الأطلسية التي تفتن زوراها بجمال وروعة الطبيعة و هي تخفي معاناة كثيرة لمعطلين حاملي الشهادات. لقد وصل بهم الأمر مؤخرا أن \"طوقوا\" باب مقر بلدية أزيلال ليُوصلوا رسالة بصوت عال إلى من يهمه الأمر، و في الوقفة الاحتجاجية التي نظموها أمام هذا المرفق العمومي ، لفت انتباه متتبعي الاحتجاج السلمي تدخل أحد المعطلين الذي ألقى كلمة نيابة عن المكتب التنفيذي ل\"جمعية حملة الشواهد المعطلين\" بأزيلال، أعطى خلالها نظرة عامة حول معاناة المعطلين بالمدينة، لكن ما أثار الانتباه أكثر حضور \"الدينصور\" في تدخل المعطلين يوم الوقفة الاحتجاجية، هذا الحيوان الذي انقرض منذ آلاف السنين و لم يبق منه إلا الأثر، ليعود مُعززا مُكرما ومُشرفا كحيوان، و سَيُزار كل يوم في بيت فخم بمتحف علوم الأرض بأزيلال، ليفتح شهية السياح. حضور الدينصور في وقفة المعطلين آثار الاستغراب لكون الموضوعين لاعلاقة بينهما، لكن الواقع المزري للمعطلين و غياب أي التفاتة تخلصهم من واقع مرير ، تدمجهم في المجتمع - كأفراد لهم حقهم في الشغل -، وما لمسوه من اهتمام بكائن منقرض - ربما من باب السخرية-، ربطوا وقفتهم بالدينصور حيث وقع اللبس و اختلطت الأمور بين الاهتمام ببقايا عظام وحوش منقرضة ،و لامبالاة بكائن ﺁدمي لازال يحتج لانتزاع لقمة عيش عصية من أجل البقاء. إلا أنه لا استغراب في المغرب من أن يُحتفى بالدينصور ، و تصرف الملايين لبناء بيته، في الوقت الذي يأكل فيه المعطلون ما يأكله الطبل يوم العيد أمام مؤسسة كبيرة كقبة البرلمان. فإذا كان المحتفى به لا حياة له وقد انقرض منذ أزمنة جيولوجية مضت، فالمعطل الذي يتقاسم معنا الآن وَهنا \"الحارة و الحلُوة\" لازال يعيش بيننا بشحمه و عظمه ، لكنه غائب في إستراتيجية الدولة في مغرب المفارقات و التناقضات ، فيكفيهم أن موازين الرباط حلب منه المغنيون الأجانب الملايين وأغوى منظموه جيوب كل من شارك بأغنية في المهرجان. في الوقت الذي ووجِهت احتجاجات المعطلين \"أبناء الوطن \" بالهراوات في نفس المدينة!. أسف المعطلين في الرباط يكاد يكون نفسه لدى إخوانهم في أزيلال فإذا تحسر المعطلون في العاصمة على الأموال التي زهقت في مهرجان موازين فإن المعطلين في أزيلال يتأسفون على صرف أموال طائلة في بناء و تشييد بنايات لن يستفيدوا و لن يشَغلوا بها، الأمر الذي دفعهم إلى التساؤل عن ماذا سيرى هذا السائح حين سيأتي إلى أزيلال؟ بنايات و دينصور؟ أم بطالة وواقع مزري لشباب عاطل؟ فالحفاظ على الفصائل الحيوانية و النباتية النادرة في متحف علوم الحياة و الأرض شيء جميل و سيُنعش قطاع السياحة في إقليمنا و بلدنا ، لكن الأجمل هو أن يفكر المسؤولون عن سبل و حلول تحفظ كرامة فصيلة الإنسان أيضا، و من المفارقات الغريبة أن هذا الإطار المعطل ( الإنسان) الذي يحلم يوميا بعمل شريف ، يأتي في \"الأخير\" بعد السائح و الدينصور ليس في تصنيف عالمي، بل ضمن اهتمامات أجمل بلد في العالم. ورغم ذلك لن نكون يوما ضد الفن و السياحة. بل نهمس فقط في أذن من يعنيه الأمر أن التنمية التي اختارها المغرب سماها \"بشرية\" و لم تكن يوما من الأيام \"اسمنيتة\"، أي أنها تراعي البشر و تمسه في صميم حاجياته، فمامصير عشرات المعطلين بأزيلال ؟ و هل وُضع مصيرهم في حُسبان من يخطط لهذه البلدة الصغيرة التي بدأت تكبر يوما بعد يوم؟ في أزيلال قريبا ستجمع الصدفة بين سائح سيأتي ليستمتع بهيكل دينصور لفظ أنفاسه قبل ظهور الإنسان ، و معطل يصنع \"الفرجة\" و هو يحتج و يتظاهر مُطالبا بأبسط حقوقه المشروعة.. لحسن أكرام [email protected]