الهجرة.. السلطات تُبعد جميع المشتبه فيهم من محيط سبتة المحتلة    ولد الرشيد يجري مباحثات في مالابو    السعدي يحفّز الحوار الاجتماعي القطاعي    بورصة البيضاء ترتفع بنسبة 1,31 بالمائة    الصحف الشيلية تحتفي بإنجاز المغرب    نادي نهضة بركان يحط الرحال بالقاهرة    روسيا تشيد بدور جلالة الملك رئيس لجنة القدس من أجل التسوية السلمية للقضية الفلسطينية    مونديال الشيلي لأقل من 20 سنة.. "الأشبال" يدخلون التاريخ كأول منتخب عربي يتأهل إلى النهائي منذ 44 سنة    كأس العالم 2026.. بيع أكثر من مليون تذكرة خلال مرحلة البيع المسبق لحاملي بطاقات "فيزا"    أمن طنجة يوقف مبحوثًا عنه في حالة تلبس بسرقة دراجة نارية باستعمال العنف والسلاح الأبيض    الدريوش تعطي انطلاقة أشغال الورشة الدولية حول: "الأسماك السطحية الصغيرة في ظل الإكراهات المناخية والصيد المفرط.."    مربّو الدجاج بالمغرب يتهمون لوبيات القطاع بالاحتكار ويحمّلون الحكومة مسؤولية فشل الإصلاح    إحباط محاولة تهريب 400 كيلوغرام من مخدر الشيرا بمعبر الكركرات الحدودي    المندوبية السامية للتخطيط: تحسن سنوي في ثقة الأسر المغربية    "هيومن رايتس ووتش" تطالب السلطات بالاستجابة لمطالب شباب "جيل زد" والتحقيق في الوفيات والانتهاكات    جيل 2022 فتح الباب .. جيل 2025 يعبر بثقة من مونديال قطر إلى كأس العالم U20... المغرب يصنع مدرسة جديدة للأمل    محمد وهبي: سنواجه الأرجنتين بنفس الحماس لانتزاع كأس العالم    في صلب النقاش المفتوح بخصوص الورقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .. شعار المؤتمر …. الاختيار الموفق    جيل زد في المغرب: بين الكرامة وخطر الهجرة    المؤتمر الاستثنائي الاتحادي العام 1975 مؤتمر متوهج عبر امتداد الزمن    قطاع التعليم بين حركية الإصلاحات وثبات الأزمة    مرصد التربية الدامجة ينتقد "مغالطات وتناقضات" وزير التعليم حول تمدرس الأطفال في وضعية إعاقة    تهم اقليم الحسيمة ومناطق اخرى .. نشرة انذارية تحذر من امطار رعدية قوية    محمد سلطانة يتألق في إخراج مسرحية والو دي رخاوي    عاصمة البوغاز على موعد مع الدورة أل 25 من المهرجان الوطني للفيلم    أبناء الرماد    لوكورنو ينجو من تصويت بحجب الثقة    قطاع غزة يتسلم جثامين من إسرائيل    "جنان الجامع" يحترق في تارودانت    إسطنبول… حجيرة يؤكد انخراط المملكة في شراكة هيكلية بين إفريقيا وتركيا تقوم على التضامن والتنمية المشتركة    توقعات بإنتاج 310 آلاف طن من التفاح بجهة درعة-تافيلالت خلال 2025    توقعات أحوال الطقس غدا الجمعة    "الزمن المنفلت: محاولة القبض على الجمال في عالم متحوّل"    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    مجموعة "سافران" الفرنسية تثمن بيئة الاستثمار في المغرب وتوسع أنشطتها بالنواصر    رفع التصنيف السيادي للمغرب محطة مفصلية للاقتصاد الوطني    نتانياهو: "المعركة لم تنته" في غزة والمنطقة    إجراءات ‬جديدة ‬لتسهيل ‬دخول ‬المغاربة ‬إلى ‬مصر ‬دون ‬تأشيرة    الرباط تحتفي بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة وتجدد المطالب بإسقاط التطبيع    الأمم المتحدة.. المغرب يجدد تأكيد دعمه "الثابت والدائم" لسيادة الإمارات العربية المتحدة على جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى    فرحة عارمة بمدن المملكة بعد تأهل المنتخب الوطني لنهائي مونديال الشيلي    هلال: الصحراء المغربية قطب للتنمية .. وركيزة للأمن والاستقرار في إفريقيا    "إيزي جيت" تراهن على المغرب بإفتتاح أول قاعدة لها في إفريقيا بمطار مراكش عام 2026    "الأشبال" أمام الأرجنتين بنهائي المونديال    كنز منسي للأدب المغربي.. المريني تكشف ديوانا مجهولا للمؤرخ الناصري    ريتشارد ديوك بوكان.. رجل ترامب في الرباط بين مكافأة الولاء وتحديات الدبلوماسية    قصص عالمية في مهرجان الدوحة    الدين بين دوغمائية الأولين وتحريفات التابعين ..    هل يمكن للآلة أن تصبح مؤرخا بديلا عن الإنسان ؟    414 مليار درهم قيمة 250 مشروعا صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمار    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مكبرات الصوت في شهر رمضان، و تكريس إزعاج راحة المواطنين الجزء الاول
نشر في أزيلال أون لاين يوم 09 - 07 - 2014

(شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)قرءان كريم من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له من ذنبه ما تقدم وما تأخر.)
حديث شريف
تقديم :
قد يتساءل متسائل:
و لماذا موضوع " مكبرات الصوت في شهر رمضان، و تكريس إزعاج راحة المواطنين" ؟
و في هذا الوقت بالضبط ؟
و بعيدا عن شهر رمضان ؟
فنجيبه بأننا لو طرحنا هذه المشكلة في حينه، لفهم منها أننا نسيء إلى وجدان الناس، و معتقداتهم، و إيمانهم. لأن الناس يقعون في شهر رمضان، و بسبب العادات، و التقاليد، و الأعراف، و بحكم إخلاصهم في اعتقادهم بالدين الإسلامي، تحت تأثير الأسر النفسي، و الوجداني، و الفكري، الذي يترتب عنه الأسر الجسدي، فلا يمارسون العقيدة بحكم العقيدة نفسها، بل بحكم الضغوطات النفسية، و الفكرية، و الوجدانية، التي يمارسها مؤدلجو الدين الإسلامي، الذين يتجندون في المناسبات الدينية، من أجل إيهام المسلمين المومنين بأنهم هم الذين يملكون مفاتيح الجنة، و هم الذين يتوسطون بين الله، و عباده، و هم الذين ينظمون عملية المرور من الحياة الدنيا، إلى يوم القيامة، و أنهم هم الذين يقدمون أفواج المخلصين إلى جنة الخلد، و يدفعون بأفواج العصاة إلى محرقة جهنم، حيث يقضون محترقين، فينساق الناس لجهلهم بحقيقة الدين وراء ذلك، و ينسون أن آخر من يقوم بالوساطة بين الله و بين عباده هو محمد بن عبد الله، و أن مهمته تلك، انتهت و هو لازال على قيد الحياة، عندما نزل قوله تعالى : "اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا"، لتتوقف و منذ ذلك الحين الواسطة بين الله، و بين البشر، و لتصير العلاقة بالله مباشرة، و دون واسطة. و هو ما يعني أن الدين الإسلامي هو دين الحرية، و ليس دين الأسر.
و الحرية تتحقق، أولا، و قبل كل شيء، في إلغاء كل أشكال الوساطة، التي يمكن أن تقوم بين المومنين بالدين الإسلامي، و بين الله، حتى تزول كل أشكال الرهبانية، التي أساءت كثيرا إلى الديانات السابقة على الدين الإسلامي، و التي قام الدين الإسلامي على أساس نقدها، و نقضها، في نفس الوقت، لإلغاء كل مظاهر الشرك بالله، التي تقيد حرية الإنسان في علاقته بالله، و تفرض الوصاية على الدين، أي دين، بما فيه الدين الإسلامي.
و الآن، و قد ابتعدنا عن شهر رمضان الذي يستغله مؤدلجو الدين الإسلامي، استغلالا بشعا، و متخلفا، يمكننا أن نتساءل :
لماذا هذا الاحتفاء المبالغ فيه بهذا الشهر ؟
هل شهر رمضان هو وسيلة للعباد فقط ؟
أم أنه هو المعبود ؟
هل عبادة شهر رمضان من صميم الدين الإسلامي ؟
أم أنها لا علاقة لها به ؟
ألا يعتبر الاحتفاء بشهر رمضان شركا بالله ؟
أليس شهر رمضان كسائر الأيام لا يتميز عنها إلا بكونه شهرا للصيام ؟
ألا يفقد الناس حريتهم في هذا الشهر بسبب ما يمارسه مؤدلجو الدين الإسلامي ؟
ألا يمكن اعتبار شهر رمضان مناسبة لتربية الناس، و إعدادهم للقبول إما بالاستبداد القائم ؟
أو الاستعداد للقبول بالاستبداد البديل ؟
ألا يمكن اعتبار شهر رمضان، و كل المناسبات الدينية، مناسبة لتضليل الناس، و صرفهم عن التفكير في واقعهم الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي، الذي تتجند فيه البورجوازية التابعة، و الإقطاع المتخلف، لجني المزيد من الأرباح، في كل مناسبة دينية على حدة، و خاصة في شهر رمضان، الذي يسبقه الاستعداد، و يتخلله المزيد من الاستهلاك المضاعف، و يختم بالاستعداد لعيد الفطر؟
و في خضم كل ما رأينا، يتم الانصراف، و بصفة نهائية، عن الواقع الذي تستبد به البورجوازية، و الإقطاع المتخلف. الأمر الذي يدعونا إلى القول: بأن شهر رمضان هو مناسبة لتعميق الاستلاب، الذي لا تستفيد منه، في نهاية المطاف، إلا الجهات المستفيدة من الاستغلال.
و كنتيجة لهذه الرؤيا المتفحصة، نجد :
1) أن الطبقة الحاكمة تسعى إلى استغلال شهر رمضان، و كل المناسبات الدينية، لفرض الاستبداد، و العمل على تأبيده، و فرض إعطائه الشرعية الدينية، حتى يعتبره الناس قدرا من عند الله، و حتى يكون ذلك القدر ملتصقا بمسلكية المسلمين، الذين يربطون، بطريقة تلقائية، بين الخضوع لله، و الانسياق وراء الطبقة الحاكمة، و اعتبار ذلك الانسياق، جزء أساسيا، من الخضوع إلى الله، و هو ما يمكن اعتباره في صلب الشرك الله، لأنه يتنافى مع سعي الدين الإسلامي إلى إلغاء الواسطة بين الله، و عباده من جهة، و يجسدون رهبنة الطبقة الحاكمة من جهة أخرى.
وهذا التجسيد هو ما يمكن أن يعتبر مبررا للإكثار من مكبرات الصوت، لجعل تلك الرهبنة منسحبة على المجتمع ككل. و لا يهم إن كانت تلك المكبرات تقلق راحة الناس في بيوتهم، و في متاجرهم، و في مشاغلهم أم لا.
2) أن مؤدلجي الدين الإسلامي يتجندون، و بكافة الوسائل الجهنمية، التي لا ندري من أين لهم بها؟ إما باستغلال المساجد القائمة، أو إقامة مساجد موازية، لاستغلال شهر رمضان، لتسييد أدلجة الدين الإسلامي، التي ليست إلا تحريفا لهذا الدين، و من أجل تربية المسلمين على قبول الاستبداد البديل، الذي يمكن اعتباره أخطر على مستقبل المسلمين من الاستبداد القائم، مما يجعلهم يتمكنون من عملية تجييش الأتباع، و الشروع في عملية تجييش المجتمع ككل. و هو ما يمكن اعتباره أيضا مبررا للتكثيف من استعمال مكبرات الصوت، التي أبطلت عمليا الحاجة إلى وجود الصوامع، التي كانت منبعا للآذان، بحلول أوقات الصلاة، و ليس لشيء آخر، حتى يترسخ في وجدان الناس أن استعمال تلك المكبرات جزء من الدين الإسلامي.
و قديما قالوا: "الغاية تبرر الوسيلة". فإذا كانت الغاية تربية الناس على القبول بالاستبداد القائم، أو القبول بالاستبداد البديل، فإن استعمال مكبرات الصوت في شهر رمضان، و بتلك الكثافة التي تزعج راحة المواطنين، هو عينه الاستبداد القائم، أو البديل. لأنه لا علاقة له بحقيقة الدين من جهة، و لا يعكس الحرية التي جاء الدين الإسلامي لإشاعتها بين الناس من جهة ثانية، و يتعارض تعارضا مطلقا مع ادعاء الطبقة الحاكمة حرصها على الممارسة الديمقراطية.
فهل يعيد المسؤولون النظر في السماح بممارسة توظيف مكبرات الصوت في شهر رمضان المبارك؟
و هل يضعون حدا لاستغلال المناسبات الدينية لإشاعة تحريف حقيقة الدين ؟
الحاجة إلى الفهم الصحيح للدين الإسلامي :
و ما يقع في شهر رمضان، و في غيره من المناسبات الدينية، ناتج عن الفهم غير الصحيح للدين الإسلامي من قبل العامة، و عن أدلجة هذا الدين من قبل الخاصة، الذين سماهم إميل حبيبي، في روايته المشهورة، ب"فقهاء الظلام"، لأنهم يعطون تأويلا للنص الديني، و لغيره من النصوص الموروثة، يتناسب مع رغبتهم في إغراق الناس في خضم الضلال، و جعلهم يعتقدون: أن ذلك الضلال، هو عينه الدين الإسلامي، مما يجعل المجتمع يستغرق في التخلف الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، الذي يرجعنا على مستوى النظرية، و على مستوى الممارسة اليومية، إلى العصور الوسطى.
و مما يدل على أن فهم الناس للدين الإسلامي غير صحيح. نجد :
1) سيادة عبادة شهر رمضان، عن طريق الاحتفاء به، و تحويل الزمن إلى مقدس، و استحضار ذلك المقدس في الممارسة اليومية، آناء الليل و أطراف النهار.
و معلوم أنه عندما يحضر مقدس على جانب الله تعالى، يحضر الشرك، لتنتفي بذلك الوحدانية، وحدانية الله، و وحدانية عبادته، التي هي المنطلق لتحرير الإنسان من التبعية لغير الله، و أساس وجود الدين الإسلامي، منذ عهد إبراهيم، و مرورا بمختلف الأنبياء، و الرسل، من بعده، إلى أن جاء محمد بن عبد الله كآخر الأنبياء، و الرسل.
فتقديس شهر رمضان إذن، هو تقديس لا يكرس إلا الشرك بالله، و هو أمر غير مقبول. و المطلوب ليس هو تقديس شهر رمضان، بل هو إخلاص العبادة لله، التي تقتضي أن نستحضر أهمية الصوم، الذي يعني الامتناع عن شهوتي البطن، و الفرج، و يعني إعادة النظر في الممارسة اليومية، في العلاقة فيما بين الناس، حتى يتخلصوا جميعا، بمناسبة شهر رمضان، من المسلكيات التي تسيء إلى كرامة الإنسان. و من إعادة النظر تلك تحضر أهمية شهر رمضان، و أهمية جميع المناسبات الدينية، و أهمية كل الشعائر الدينية، التي ليس الصيام في شهر رمضان إلا أحدها، و إلا فإن شهر رمضان كسائر الأيام، لا يعقل، و لا يمكن أن يعقل أبدا: أن يصير معبودا من دون الله. و ما دام الأمر كذلك، فهو لا يكتسب خصوصيته إلا بصيامه. أما الإنسان الذي يعقل فهو الذي يتنازل عن استخدام عقله، و الانسياق وراء الجهات، التي من مصلحتها استغلال المناسبات الدينية، لخدمة مصلحتها الطبقية.
و انطلاقا من ذلك التنازل، فإن الدين لا يكون لله، كما جاء في القرءان الكريم " و أن المساجد لله، فلا تدعو مع الله أحدا"، الذي يقتضي أن لا يكون التقديس على أساس ديني إلا لله، و أن تقديس شهر رمضان، أو تقديس المسجد، أو الإمام، أو المحدث، أو الواعظ، أو الناصح، ليس إلا شركا بالله، لا يغفره الله كما جاء في القرءان الكريم: " إن الله لا يغفر أن يشرك به،، و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء ". و هذا القول صريح و واضح، و لا يحتاج إلى بذل مجهود كبير للوصول إلى إدراك كنهه، من أجل أن ندرك حقيقة وحدانية الله التي اختلطت، في الممارسة اليومية، بتعدد المقدس/ المعبود من غير الله.
2) تقديس العادات، و التقاليد، و الأعراف، المرتبطة بإحياء شهر رمضان، و التي ترتبط بهذا الشهر، كمعتقدات، لا علاقة لها بالدين الإسلامي، بقدر ما لها علاقة بالموروث الفكري، و الإيديولوجي، الذي ينتمي إلى العصور القديمة.
و تلك العادات، و التقاليد، و الأعراف، لا يمكن أن تكون كذلك، و لا يمكن استحضارها، لولا الاعتقاد بتقديسها، الذي يستلزم استحضار جملة من الحاجات التي تكلف الأسر المزيد من المصاريف، التي لا تستفيد منها إلا الطبقات التي تستغل المناسبات الدينية، للزيادة في أرباحها، و لكنس جيوب المواطنين، الذين يعتقدون: أن استهلاك مستلزمات العادات، و التقاليد، و الأعراف، يفتح أبواب الجنة، و يقرب من الله.
و الواقع: أن ما يحصل، بسبب ذلك، ليس إلا شركا بالله، الذي لا يمكن أبدا أن ننسب إليه ما يتنافى مع وحدانيته.
و لذلك نرى أنه من اللازم الوعي بعدم تناسب تقديس العادات، و التقاليد، و الأعراف، المرتبطة بصيام شهر رمضان بحقيقة الدين الإسلامي، كما يحصل في العديد من بلدان المسلمين، التي يختل فيها فهم العقيدة، لصالح سيادة الشرك بالله، في المعتقدات المتداولة، و في الممارسات المكرسة لتلك المعتقدات، و الناجمة عن انتشار الأمية، و الفقر، والجهل، و المرض، و عدم القدرة على إعمال العقل، فيما يمارس يوميا، و في كل المناسبات الدينية، و في المزج بين الدين، و الدولة، في الممارسة اليومية للحاكمين، و في ممارسة مؤدلجي الدين، الذين يسعون إلى إقامة الدولة الدينية.
و معلوم أن ما يقوم به مؤدلجو الدين الإسلامي، بمناسبة شهر رمضان بالخصوص، لا يمكن أبدا أن يكون خالصا لوجه الله، و لا يسعى إلى تكريس وحدانية الله، بقدر ما هو استغلال لهذه المناسبة، لإيصال خطابهم الإيديولوجي، و السياسي، لسائر المتعبدين، و إيهامهم بأن حل المشاكل القائمة، في الواقع، سيكون على أيديهم، بالعمل على إقامة "الدولة الإسلامية"، كفكرة مقدسة، تنضاف إلى المقدسات الأخرى، لتتعدد، بذلك، أوجه الشرك بالله، و لتتوافر، بذلك، مبررات قيام الرهبانية في الدين الإسلامي، الذي يتحول، على يد مؤدلجيه، إلى مجرد مقولات مبتذلة، يروج لها متثاقفوهم "الإسلاميون"، و تبعهم من المجيشين. و هو ما يمكن اعتباره إساءة للإسلام، و إساءة للمسلمين في نفس الوقت.
3) تقديس المساجد كأمكنة للصلاة. و هذا التقديس يزداد و يتكثف في شهر رمضان، فكأن تلك المساجد تمتلئ بغير البشر، و كأنها محطات يمكن أن ننتقل منها إلى الملكوت الأعلى، لتتوفر لها، بذلك، خاصية التوسط بين الدنيا، و الآخر، و الذي نعرفه: أن المسجد هو مكان مجتزأ، تتم العناية بطهارته، لأداء الصلوات الخمس، و بشكل جماعي، و في شروط أفضل، بعد سماع الأذان، لينسحب المصلون، بعد ذلك، إلى شؤونهم الحياتية. و هذا هو ما يجب أن يحصل، حتى في صلاة الجمعة الأسبوعية، التي يتم التأكيد فيها على الحضور إلى المسجد، كما جاء في القرءان الكريم: " يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة، فاسعوا إلى ذكر الله، و ذروا البيع ... فإذا قضيت الصلاة فانتشوا في الأرض و ابتغوا من فضل الله ...". و ما نعرفه أيضا أنه لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد، المسجد الحرام، و مسجد الرسول، و المسجد الأقصى، كما جاء في الحديث، لا لأنها مقدسة، بل لأنها كانت في مرحلة تاريخية معينة، و لازالت، تلعب دورا أساسيا، و مركزيا، في توحيد عبادة الله، و تكريس وحدانية قداسته، و ما يوجد من غيرها، من مساجد، في جميع أرجاء الأرض، هي مجرد أماكن، تتم المحافظة على طهارتها، باعتبار الطهارة شرطا لأداء الصلوات الخمس.
و ما نراه من تقديس للمساجد، و احتفاء بها، مقابل الاستهانة بالإنسان، و احتقاره، يتنافى مع الغاية من العبادات كلها، بما فيها الصلاة. وتلك الغاية: هي تكريم الإنسان: " و لقد كرمنا بني آدم" كما جاء في سورة الإسراء.
ولذلك نجد أن ما نراه من احتفاء بالمساجد إلى درجة القداسة، ينقلها من أماكن للعبادة، إلى أماكن معبودة. و هو ما يؤدي إلى جعلها شريكا لله في العبادة، و هو أمر يتنافى مع حقيقة الدين الإسلامي، و مع وحدانية عبادة الله.
و هذا التقديس المفتعل للمساجد، هو الذي تستغله الطبقة الحاكمة من جهة، و يستغله مؤدلجو الدين الإسلامي للإجهاز على جعل الدين الإسلامي يتناقض مع كونه وسيلة لتحقيق كرامة الإنسان، و السعي إلى تحقيق استلاب هذا الإنسان، عن طريق الترويج للتأويلات المغرضة، التي يروج لها مؤدلجو الدين الإسلامي، المؤيدون للاستبداد القائم، أو العاملون على قيام استبداد بديل، لجعل الناس ينسحبون من التفكير في الواقع، ويستغرقون في التفكير في أمور أخرى، لا تخدم إلا مصالح الطبقة الحاكمة، أو مصالح مؤدلجي الدين الإسلامي. و هو ما يعني أن تقديس المساجد هو جزء لا يتجزأ من أدلجة الدين الإسلامي، التي تأسر الدين الإسلامي، و المؤسسات الدينية، في نفس الوقت.
و لذلك فانعتاق الدين الإسلامي من الأسر، و انعتاق المساجد، تبعا لذلك، يقتضي التعامل معها كأماكن تتم المحافظة على طهارتها، لأداء الصلوات الخمس، و يتم تجريم كل من يستغلها لتحريف حقيقة الدين الإسلامي.
و إذا كان هناك من استغلال للمساجد، فإن هذا الاستغلال يجب أن يتم في المسائل الاجتماعية، عن طريق تحويلها في أوقات معينة، إلى مدارس لتعليم الأطفال، و اليافعين، انطلاقا من البرامج الدراسية المقررة، حتى يتم قطع الطريق أمام مؤدلجي الدين، لأن أمور الدين مطروحة، حتى في تلك البرامج، التي تستهدف الأطفال، و اليافعين، و الطلبة، في المدارس، و الجامعات.
4) تحويل الشعائر الدينية، نفسها، إلى عمل مقدس، كتقديس الصلاة، و تقديس الصيام، و تقديس الحج –كشعائر- يؤديها الناس لتصير تعبيرا عن انتمائهم إلى الدين الإسلامي، و الذي نعرفه أن الشعائر هي مجرد عبادات، يقوم بها الناس، بطريقة معينة، منصوص عليها في كتب العبادات، المعبرة عن الانتماء إلى الدين الإسلامي، ووسيلة لتربية النفس البشرية، على الذوبان في الجماعة، و السعي إلى الفناء في الآخر، إضعافا للفردية المتضخمة، بالإضافة إلى التشبع بالقيم المؤدية إلى ذلك.
فالشعائر ليست هدفا، حتى يتم تقديسها، بقدر ما هي وسيلة لتأكيد وحدانية الله، التي تؤدي إلى التحرر من التبعية لغير الله. و هو التحرر الذي يسعى الدين الإسلامي إلى تحققه على أرض الواقع، حتى تتخلص البشرية من مجتمع القطيع، و بناء مجتمع الإنسان، الذي يفترض فيه أن يكون جميع أفراده متمتعين بحقوقهم الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، حتى تتاح لهم الفرصة من أجل تحقيق كرامة الإنسان، عن طريق تطوره، و تطويره، بما يتناسب مع متطلبات العصر، و من أجل التأكيد على صلاحية الدين الإسلامي في كل زمان ومكان، باستيعاب القيم الجديدة، و المتطورة، و الهادفة إلى تحقيق الحرية، و الديمقراطية، و العدالة الاجتماعية، باعتبارها الأرضية التي تتحقق عليها كرامة الإنسان.
أما الشعائر الدينية، فيجب أن لا تتحول إلى مجرد طقوس تؤدى في مناسبات معينة، و في أماكن معينة، و يتحول أداؤها إلى هدف في حد ذاته، مما رفعها إلى درجة القداسة، التي تتنافى مع وحدانية، و قداسة الله تعالى، و مع استحضار أهمية الإنسان المستهدف بتحقيق الكرامة، كما جاء في العديد من النصوص الدينية.
و هذه الممارسات، مجتمعة، التي يتجند جيش مؤدلجي الدين الإسلامي، و عبر الإذاعة، و التليفزيون، و مختلف المطبوعات المروجة، و من أعلى منابر المساجد، لا يمكن أن تكون إلا تحريفا للدين الإسلامي، الذي يصير فيه المقدس متعددا، و يصير فيه السعي إلى تحقيق كرامة الإنسان، متغيبا من الممارسة الدينية، بدعوى أن ما ورد في القرءان: " و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون"، كدليل على ما يسعى إلى تحقيقه مؤدلجو الدين الإسلامي. فكأن الله خلق العباد من الإنس، بالخصوص، ليصيروا قطعانا، لا رأي لهم فيما يجري في الحياة، و لا كرامة لهم. و هو ما يتناقض تناقضا مطلقا مع عدالة الله في الأرض، التي تقتضي تحقيق كرامة الإنسان. لأن العلاقة بين العبادة، و تحقيق كرامة الإنسان، قائمة في حقيقة الدين الإسلامي. و الفصل بينهما –لحاجة في نفس يعقوب- هو عين تحريف الدين الإسلامي، حتى لا يفكر الناس في واقعهم المليء بالمتناقضات، و بالكوارث الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، التي لا يستفيد من انتشارها إلا الطبقة الحاكمة، و مؤدلجو الدين الإسلامي الذين يعملون ليل-نهار، على تحريف الدين الإسلامي، و على تكريس ذلك التحريف، حتى يعتقد الناس أنه هو الدين عينه.
الإيمان في قلوب المومنين و ليس في مكبرات أصوات المآذن و السطوح :
و كنتيجة لما تناولناه في الفقرات السابقة، نجد أنفسنا مضطرين إلى التساؤل عن الإيمان :
هل يوجد في مكبرات الصوت، المعتمدة بكثافة، في شهر رمضان ؟
هل يوجد في أعلى المآذن، و فوق السطوح، حيث توضع، أو تعلق مكبرات الصوت ؟
هل يوجد في المساجد فقط ؟
أم في خارجها أيضا ؟
هل يتغيب الإيمان طيلة السنة، و لا يحضر إلا في شهر رمضان ؟
هل يحضر في كل أوقات رمضان ؟
أم في الأوقات التي يحضر فيها الناس إلى المساجد فقط ؟
ألا يحضر الإيمان في اللحظات التي تستعمل فيها مكبرات الصوت ؟
إن الذي نعرفه أن الرسول، عندما عرف الإيمان، اعتبره ما وقر في القلب، و استقر فيه، و طيلة حياة الإنسان، و سواء اعتكف في بيته، أو في المسجد، أو في مكان آخر بعيدا عن الناس، أو في وسطهم، آناء الليل، و أطراف النهار.
و إيمان من هذا النوع، هو عمق حقيقة الإسلام، الذي عرفه الرسول، من خلال تعريف المسلم، عندما اعتبره من سلم الناس من لسانه، و يده.
و انطلاقا من هذا التصور، فإن الإيمان يخص المسلم، كفرد، في علاقته بالله، الذي يستحضره في قلبه، و في جميع لحظات العيش، التي يقضيها في الحياة، و لا شأن لذلك الاستحضار بأي كان.
ذلك الإيمان، الذي يترجم إلى معاملة تسمى بالإسلام، الذي يقتضي احترام المسلمين جميعا، و احترام جميع الناس، أنى كان لونهم، أو جنسهم، أو لغتهم، أو دينهم. لأنه في الإسلام "لا إكراه في الدين"، و في الإسلام "لا فرق بين عربي، و عجمي، و لا بين أبيض، و أسود إلا بالتقوى"، و في الإسلام "الدين المعاملة"، و في الإسلام "الدين النصيحة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.