الملك يجدد الدعم لحقوق الفلسطينيين    استفادة الجيش الصيني من "علي بابا" تثير الجدل    اعتداء يوقف 3 أشخاص في مكناس    وزارة الثقافة تعلن الإطلاق الرسمي لمشروع تسجيل "فن زليج فاس وتطوان" على قائمة يونسكو للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية    تطور جديد في ملف "إنتي باغية واحد".. متابعة دي جي فان بتهمة تهديد سعد لمجرد    لحمداني ينال "جائزة العويس الثقافية"    الأستاذ اللبار يدعو إلى رفع مستوى العناية بذوي الاحتياجات الخاصة    حجز أزيد من 23 ألف قرص مخدر وتوقيف شخصين بالدار البيضاء    "التقدم والاشتراكية" يعلن رفضه لمشروع قانون مالية 2026 ويصفه ب"المخيّب للآمال"    قمة متناقضة بين "الماط" المتصدر ورجاء بني ملال الأخير    نواب "العدالة والتنمية" يطالبون بلجنة تقصّي حقائق في صفقات الدواء وسط اتهامات بتضارب المصالح بين الوزراء    ترامب يلمح لقرار بشأن فنزويلا والجيش الأمريكي يبدأ عملية ضد تجار المخدرات في أمريكا اللاتينية    محام: المحجوزات تتراكم في المحاكم    "ترانسافيا" تطلق أربع رحلات أسبوعياً بين رين وبريست ومراكش على مدار السنة    إطلاق الموسم الفلاحي الجديد مع برنامج بقيمة 12.8 مليار درهم وتوزيع 1.5 مليون قنطار من البذور المختارة    نشرة انذارية تحذر من امطار قوية بالمناطق الشمالية    خطاب "العُكار": حين يفضح "أحمر الشفاه" منطق السلطة..تحليل نقدي في دلالات وأبعاد تصريح وزير العدل حول الفساد    الركراكي: علينا المحافظة على الثقة في هذه المجموعة ونحن نعرف كيفية تحقيق الفوز    طقس ممطر في توقعات اليوم السبت بالمغرب    الجديدة تحتضن المؤتمر العام الإقليمي للاتحاد العام للمقاولات والمهن بحضور شخصيات وازنة    هل تستطيع الجزائر تفكيك سردية العداء لبناء وطنها المُتخيَّل؟ .    مباراة ودية بطنجة .. المنتخب المغربي يفوز على نظيره الموزمبيقي بهدف لصفر    المغرب يهزم الموزمبيق ودياً بهدف أوناحي.. والركراكي: "لدينا اليوم أسلحة متعددة وأساليب مختلفة"    الشرطة تحجز آلاف الأقراص المخدرة    المسرحية المغربية "إكستازيا" تهيمن على جوائز الدورة 30 لمهرجان الأردن المسرحي    المنتخب المغربي يهزم موزمبيق وديا.. أوناحي يسجل أول هدف في ملعب طنجة بعد تجديده    ترقية استثنائية لشرطي بآسفي بعد تعرضه لاعتداء خلال تأمين محيط مؤسسة تعليمية    منظمة الصحة العالمية تعترف بالمغرب بلدًا متحكمًا في التهاب الكبد الفيروسي "ب"    الجزائر.. إجلاء عشرات العائلات جراء حرائق غابات كبيرة غرب العاصمة    مجلس النواب يصادق على مشروع قانون المالية لسنة 2026    تداولات بورصة الدار البيضاء سلبية    المغرب يُنتخب لولاية ثانية داخل اللجنة التنفيذية لهيئة الدستور الغذائي (الكودكس) ممثلاً لإفريقيا    الطرق السيارة بالمغرب.. افتتاح فرع مفترق سيدي معروف بمعايير هندسية وتقنية دقيقة    أبوظبي.. ثلاثة أعمال أدبية مغربية ضمن القوائم القصيرة لجائزة "سرد الذهب 2025"    إطلاق المرحلة الثالثة من تذاكر "الكان"    وزارة الصحة تطلق حملة وطنية للكشف والتحسيس بداء السكري    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    إحباط محاولة لاغتيال أحد كبار المسؤولين الروس    شَرِيدٌ وَأَعْدُو بِخُفِّ الْغَزَالَةِ فِي شَلَلِي    جنوب إفريقيا تحتجز 150 فلسطينيا    بوانوو: بلاغ وزارة الصحة لم يحمل أي معطى حول شبهة تضارب المصالح ولم يشرح التراخيص المؤقتة للأدوية التي يلفها الغموض التام    دراسة: ضعف الذكاء يحد من القدرة على تمييز الكلام وسط الضوضاء    الملك يهنئ خالد العناني بعد انتخابه مديرا عاما لليونسكو    موقع عبري: الجالية اليهودية في المغرب تفكر في استخراج جثمان أسيدون ونقله إلى مكان آخر بسبب دعمه ل"حماس"    شركة الإذاعة والتلفزة تسلط الضوء على تجربة القناة الرابعة في دعم المواهب الموسيقية    تصفيات مونديال 2026.. مدرب إيرلندا بعد طرد رونالدو "لا علاقة لي بالبطاقة الحمراء"    بوعلام صنصال بعد الإفراج: "أنا قوي"    رشق الرئيس السابق لاتحاد الكرة الإسباني بالبيض في حفل إطلاق كتابه    مدير المخابرات الفرنسية: المغرب شريك لا غنى عنه في مواجهة الإرهاب    مجلس النواب يصادق على الجزء الأول من مشروع قانون المالية لسنة 2026    المركز الثقافي الصيني بالرباط يُنظّم حفل "TEA FOR HARMONY – Yaji Cultural Salon"...    المسلم والإسلامي..    دراسة: لا صلة بين تناول الباراسيتامول خلال الحمل وإصابة الطفل بالتوحد    مرض السل تسبب بوفاة أزيد من مليون شخص العام الماضي وفقا لمنظمة الصحة العالمية    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو نقد جذري للفقه : رسالة الى بنيتي

بنيتي، لنبدأ من أول الحكاية.. القرآن قال: "سيروا في الأرض" ولم يقل "سيروا في القرآن".. القرآن يدعو بشكل لا لبس فيه إلى "الخروج" من دوائره و السير بعيدا.. يعترف القرآن بشكل يكاد يكون مفجرا بمحدوديته أمام الأرض/الحياة.. يقر بأن اللغة الأساسية هي الأرض و ليس القرآن.. القرآن دعوة فادحة للخروج نحو الخلق: نحو سرعة الضوء و الجاذبية و اشتغال الخلية و تمفصلات العلاقات البشرية و... رهان القرآن هو الارض، و ليس ذاته- كما توحي بذلك التأويلات/الهلوسات الرسمية.. وهذه في اعتقادي هي حداثته الجذرية..
يجب أن نفهم جيدا الانقلاب الهائل الذي حصر في قلب الابستمولوجيا الدينية.. عندما جاءت العصابة القريشية الى الحكم مع معاوية، كان أول شيء كان لابد أن تقوم به هو تصفية عدوها الاستراتيجي: الدين المحمدي الثوري الاول.. سارت نحو بناء دين أخر على هامش الدين الاول.. أو في قلبه.. أو فوقه.. لايهم.. نجح الدين الذي تم بناؤه - دين امارة المؤمنين، و "اطيعوا أولي الامر منكم.."، و " تجنبوا التهلكة"، و" قل لن يصيبنا الا ما كتبه الله لنا"، و "تارك الصلاة الى جهنم"......- في نفي/اعدام دين التداولات و العمل و الانتاج و الحرب على التراكم و البذخ.. ان الدين الحالي هو بحذافيره الدين الاموي..
الدين اذن ليس هو المشكل.. ان المشكل الاول، جذر الشر، هو الاستبداد، هو عندما تنقض جماعة مهزوزة نفسيا/أنثروبولوجيا -جماعة لها مشاكل عميقة في فهم وجودها ومهمتها فوق الأرض- على الامة/الدولة/المعنى.. لدينا أمثلة تاريخية مؤلمة جدا.. أولا الانقضاض الأموي على الدولة و لجوء مافيات البيت الأموي إلى صناعة دين هائل جديد على هامش الدين المحمدي الثوري الاول يكون هو غطائها للنهب و القتل.. ثانيا الانقضاض العثماني على مساحات شاسعة وتثبيتهم لدين "بيضة الإسلام"، الدين الذي برر كل الخواء/الخراء العثماني في كل تلك القرون.. ثالثا الانعطاف الفردي في حكم الحسن الثاني وصناعة أسطورة الإمارة و... رابعا استراتيجيا العهد "الجديد" في صناعة إسلام مغربي يلبي شرط "الجنيدية" أي شرط "تهباط السروال" ( الانبطاح) لآلهة الوقت..
تاريخيا، كان من المستحيل للاستبداد تنفيذ برنامج ابتلاع الدولة/الأمة دون دين متحالف.. هذا هو السبب وراء كل التشوهات التي لحقت بالدين و حولته إلى ألة للقهر/الارهابالانتروبولوجي..
بنيتي، اعلمي انه مباشرة بعد وفاة النبي انطلقت حرب شرسة بين الهاشميين وباقي الفرقاء حول من يملك الحق "الديني" في السلطة.. بعد نجاح الثورة المحمدية، الثورة التي هزت لفترة أركان الديانة القريشية، ديانة التحكم و النهب و الاستغلالات الطبقية العنيفة للبشر، تراجع الهاشميون -أصحاب القوة الاقتصادية/التجارية- و تواروا للخلف للمراقبة.. وبعد موت قائد الثورة، عادوا في محاولة لاستعادة المواقع التاريخية..
ناوروا مع أبي بكر و عمر.. ومروا إلى السرعة القياسية مع عثمان.. في تلك الفترة، اخرجوا كل الانياب القريشية.. حاصروا علي و ياسر و ابي ذر.. حاصروا آخر الثوار.. قبل ان يبدؤوا العملية الكبرى: اعادة رجال البيت القريشي الى الواجهات الكبرى.. ومع معاوية، كانوا قد انتهوا من دفن اللحظة المحمدية..اننا لازلنا نعيش سياسيا/وجوديا في ظلال اللحظة الاموية/القريشية.. كما لو أن اللحظة المحمدية كانت سحابة في قلب صيف قريشي أبدى.. رجال معاوية هو أنفسهم الرجال الذين يحكموننا.. انهم نفس الرجال لكن باستراتيجيات ردع/نهب أشد و أخطر..
ثم هناك شيء أخر..
مباشرة بعد وفاة النبي، دخل اغلب المبشرين بالجنة في حرب طاحنة بينهم/هن على السلطة.. النتيجة: أن قتل البعض البعض الاخر و كفر البعض البعض الاخر و نفى من بقي حيا كل من فلت لالة السحق المترامية.. أنا من الذين يومنون انه من المستحيل التقدم نحو المستقبل دون التفكيك الجذري لأوهام خطيرة لازالت تفعل فعلها في القلب العميق لثقافتنا العفوية.. يجب أن نتوقف فورا عن تقديس افعال بشر كانوا يلعبون لعبة لامقدسة.. يجب فورا أن ننزع القداسة عن أشياء لم تكن أبدا طاهرة.. يجب ان نصدح بها عاليا: هناك فرق شاسع بين النص و التاريخ.. التاريخ اعقد بكثير من النص.. لم نخاف من الهدم؟.. فلربما المبشرون بالجنة أنفسهم لم يكونوا لأن يطلبوا كل هذا التقديس التافه..
بنيتي،
قد يكون هذا المعتقد "الديني" اصل كل اعطابنا: الحياة فوق الأرض ليست سوى ممر، مرحلة زائلة، فانية، ليست هي ما يهم، ما يهم هي الحياة "الأخرى".. لايجب الاكتراث بما يحدث هنا.. يجب الاستعداد إلى ل "هناك".. اتصور ان لا حل لمشكلاتنا السياسية و الوجودية الا باحداث انقلاب "ديني" عميق في رؤيتنا للسماء، للأرض.. نحن ربما "مسلمون"، لكننا مسلمون فوق الارض..
بنيتي، مداخل تجديد الدين كثيرة..
الزكاة التي تبقي على الغني غنيا و الفقير فقيرا ليست بزكاة.. يجب القطع جذريا مع هذا الإسلام الأموي/الطبقي/الفاسي/الفاشي.. الحل هو العدالة الاجتماعية ..
الزكاة هي الالية الدينية لتصريف استراتيجيا قريشية خطيرة.. كان لابد من نحت "شيء ديني" لاعادة انتاج الموقع التاريخي بلا مشاكل.. الزكاة هي الاسلمة الذكية لالية الاستحواذ: الية ندي لمك لكبدة و نعطيك مصاصة.. ( انهب كبدك و أمرر لك حلوى للالهاء)..
بنيتي،
الزكاة التي تبقي على الغني غنيا و الفقير فقيرا ليست بزكاة..
على مدى محاكم البلاد، ملايين المغاربة من الطبقات السفلى للعالم ( مسنون تائهون، مطلقات بلا موارد، مرضى فائضون عن الحاجة، مهددون بالسجن بسبب تفاهات اجتماعية لاتصدق...) في حاجة لمبالغ تافهة لاتتجاوز غالبا 4 أو 5 الاف درهم ليعودوا الى ساحة الحياة..
بنيتي،
الزكاة التي تبقي على الغني غنيا و الفقير فقيرا ليست بزكاة..
من المستحيل تصور الزكاة في الشكل الذي هي عليه الآن.. من المستحيل تصور أن الإسلام جاء ليطلب من مالين لملايريخرجوجوج كيلو ديال الزرع للجيعانينديال العالم ( أن يطلب من "الاغنياء" اخراج حبات زرع تافهة للجوعى) .. من المستحيل تصور ان الاسلام جاء ليحافظ على البنية القريشية للعالم.. لابد وأن هناك شيئا ما ليس على ما يرام..
لابد ان الزكاة الحالية صناعة المافيات القريشية التي صعدت للحكم وكان لابد لها أن تحيد الدين المحمدي الثوري الاول اذا ما أرادت أن تبقى..
أصل الثورة المحمدية هو رفض التراكم.. أصل الثورة المحمدية هو الا شيء يجب أن يبقى في الدولاب.. كل شيء يجب أن يخرج للعالم.. لتحريك الدورة الاقتصادية.. حتى ينتفع الكل.. واذا ما تحقق فائض ما فيجب اعادته فورا الى السوق وخلق دورة اقتصادية أخرى.. أصل الثورة المحمدية هو الحرب على أي شيء قد يؤسس للتراكم جذر التراتبية جذر الاستبداد جذر الشر في العالم..
لذلك فأنا أشك كثيرا في الزكاة كما هي مطروحة الآن.. انها تتعارض جذريا مع النضالات المحمدية.. انها النقيض المطلق ل "ان الذين يكنزون الذهب والفضة فبشرهم بعذاب اليم"... مثلا..
لايمكنني أن اسمي منظر صاحب فيلا واضعا صباح العيد خنشةديال الزرع أمام بابه منتظرا حلول رباعة تاعالجيعانين... دينا.. لايمكنني أن أسمي دينا توزيع الخنشةديال الزرع قبل العودة إلى الصالون الفسيح للفيلا لالتهام صحون الكافيار و البيتزاباعشاب البراري الآسيوية..
بنيتي،
ان الزكاة التي تبقي على الغني غنيا و الفقير فقيرا هي أي شيء إلا زكاة..
الرهان ليس أن نوزع التخربيق على الجوعى.. الرهان هو ان نعيد النظر جذريا في نظام لايتوقف عن إنتاج الجوعى..
هناك الزكاة القريشية/الوهابية/الفاسية.. و هناك الزكاة الجذرية..
الأولى هي الأسلمة الحرفية لاستراتيجيا قريشية معروفة: استراتيجيا نهب الدولة/الامة تم توزيع بعض التخربيق على ملايين الجوعى/ضحايا نظام النهب و الابتلاع.. – حتى يبقوا واقفين من أجل ابتلاع أخر..
اننا نوزع جوج كيلو ديال الطحين لنعوض بها ضحايا نظام النهب/التحويل التاريخي/"الديني" للموارد على ما نخلفهم فيهم من أعطاب كبرى..- لنمنحهم بعض الاوكسيجين المصنع..
الزكاة الجذرية شيء اخر تماما.. انها حرب على المنظومة كلها.. حرب على جذر الشر في العالم: مبدأ التراكم.. هي إيجاد نظام يمنع التراكم من الجذر.. حيث ما هناك تراكم هناك كل الأوساخ السياسية و الوجودية.. عندما تراكم الثروة فإنك تبحث على كل الوسائل لادامتها.. التراكم باختصار هو الجذر العميق للتخريبات الجديدة/القديمة..
وحتى نخرج من ديانة التراكم، يجب ان نحول عميقا في الأهداف التي يجب أن تحركنا.. من يجري وراء التراكم هو شخص مهتز نفسيا – وخطير سياسيا.. الشخص الذي يبحث عن التراكم شخص فارغ نفسيا و مستعد لفعل أي شيء حتى يحس بأي شيء.. الشخص المهووس بالمال هو مشروع الإرهابي/المفترس الكامل.. يجب تربية اطفالنا على أمور أخرى.. ان نربيهم ( وهذا هو اللامفكر فيه حاليا في الاستراتيجيات التربوية، في العائلة و في المدرسة) على أهداف احترام الأرض وسكانها.. هنا، وهنا فقط، نصنع اجيالا تقوم ب" الزكاة" على مدى الساعة، على مدى الحياة.. الزكاة باعتبارها دينا dette تجاه/من أجل كل ما يتحرك فوق كوكبنا..
بنيتي،
القرآن الرسمي ليس هو القرآن المحمدي.. عندما صعد الاميون الى الحكم كان لابد لهم حتى يستمروا في الحكم، اي في الاستئثار بالسلطة و الثروة، أن يصفوا عدوهم الاول، العدو الوحيد و الاوحد: الدين المحمدي الثوري، دين الجماعة و العيش المشترك و الاقتسام و كره التحكم و الحرب على التراكم و الاستغلالات الطبقية للبشر.. نجح الامويون في بناء دين جديد تماما على هامش دين المؤمنين الاوائل.. نجحوا في وأد دين "الايمان هو أن تقول كلمة حق في مجلس حاكم جائر" لصالح دين "الايمان هو أن تومن بالله و ملائكته و..".. استبدلوا دين "الحرب على المنكر عماد الدين" بدين "الصلاة عماد الدين".. رفعوا قضايا النفاس و المضمضمة و الحجاب الى مرتبة الرهانات الكبرى.. أقاموا دين "ان الله يحب أن يرى اثر نعمته عليكم" على أنقاض دين "لا يومن أحدكم ما لم يحب لاخيه ما يحب نفسه حتى و ان صام و صلى و حج"..
من الامور التي لعب فيها الامويون الحج..
في القرأن الحج مفتوح لكل الناس: "و لله على الناس حج البيت"، و " و أذن في الناس بالحج"، و "ان أول بيت وضع للناس ..".. لكن الاستراتيجيا الاموية كانت لها كلمة أخرى.. كم كان الامر سيكون خطيرا على العصابة الاموية ( التي هي ما يحكم العالم المسمى اسلامي الان) أن يأتي الناس من "ديانات/ثقافات/اذواق" مختلفة للحج.. فهم الامويون أن خطر الاخطار أن يخرج الدين من قبضة لاهوت العائلة/القبيلة و يختلط ب"لاهوت" أخر.. في فتح الحج على البشرية خطر أن تدخل "هويات/شرعيات" وتزاحم "الكاميلة"، تزاحم احتكار انتاج/ادارة "الارواح" و بالتالي انتاج/ادارة الارزاق و الاعناق..
الاستراتجيا الثانية لقتل الحج: تذويب الحج في الفكرة القريشية للحج، الفكرة التجارية: الحج هو ارضاء لله في سبيل مقعد في الجنة.. وذلك حتى لاتتفجر فكرته الاخرى.. الفكرة الابراهيمية الثورية.. بالنسبة لي، الحج لا علاقة له بهذه التلاعبات المركانتيلية.. نحن لانذهب الى الحج لشراء تذكرة الى الجنة.. نحن نذهب الى الحج للالتحام بالفكرة الابراهيمية و العودة الى الدار/البلد لاشاعتها بين الناس.. والفكرة الابراهيمية تعني أساسا أننا فوق الارض لاقتسام فرحة العيش معا.. في الافق الابراهيمي ( لا القريشي) نحن نذهب الى الحج لنلتقي اناسا و نتداول في شأن ما يجب أن يجمعنا فوق الارض.. الحج اذن كأكبر برلمان فوق الارض.. أو هكذا يفترض أن يكون.. بطبيعة الحال لم يكن من الممكن للمافيا القريشية أن تترك هذه الفكرة تتسرب.. فالضحية الاولى ستكون هنا هي هذه المافيا نفسها كمافيا ماقبل ابراهيمية، كافرة، عنصرية، دموية، استغلالية..
هذا مثال فقط عن الالغام المزروعة في قلب الدين.. هناك ألغام أخرى تتعلق بحد الكفر، و بالزواج، و بالإرثو.. مهمتنا اعادة بناء البنيات الكلية.. تحريرها من قبضة رجال أداروا أكبر مذبحة دينية/ذهنية في التاريخ الاسلامي..
بنيتي،
لامفر – للمرة المليون- من تفكيك جذور الدين الرسمي..
عند عودتها هذا الصباح من "مصلى" حي الدار الحمراء، انفجرت مي عيشة انتقادا للحالة الكارثية للفضاء الذي أقيمت عليه الصلاة.. حكت لي مي عيشة عن الازبال المتفرقة هنا وهناك وعن الأتربة الخانقة المترامية.. قبل أن تعرج على ملاحظة هي ما يهمنا هنا..
وهي تستعد لإطلاق سجادتها، بادرتها سيدة من الدرب قائلة: "تبارك الله لالة عيشة على هاذ النظام.. شوفي كيفاشجابوالطراكس وقادو الشغل...".. فكانت أن ردت مي عيشة: " واش ماكاتشوفيش الوسخ لي حنا فوق منو.. شوفي غير إلا عفطت التراب يطلع يخنقك..".. قبل أن تعلق السيدة: " تانتيا ختي عيشة كلشيدايز.. مصاب غير الصحة والسلامة..."..
اريدكم أن تتخيلوا معي المشهد.. آلاف المصلين فوق فضاء أشبه بمزبلة لاينظرون إلا نحو الديبليكس الموعودين به في الجنة.. لاشيء يهم هنا: القاذورات، الاتربة، مافيات الجماعة التي تفوتر بعض الأشغال التافهة حتى لا اقول الوهمية بالمصلى بعشرات ملايين السنتيمات.. ما يهم هو ما يؤمنه المؤمن لنفسه وهو يجلس فوق الوسخ العام: " هانتا اسيدي ربي عقل.. ها أنا جيت لصلاة العيد لي هي كاتساوي دار مضخمة فالجنة..".. ما يهم هنا هو الركض النفسي وراء "الربحة"، الفوز العظيم.. أما العالم، أما الخراب، أما الفضاء المشوه، أما سياسات النهب.. فكلها أمور لاتزن شيئا أمام الجاكبوط( الربحة الكبرى)..
بنيتي، انتبهي جيدا الى هذا التدين التجاري، و هو التدين الذي يرجو منه صاحبه – في الوعي أو في اللاوعي لايهم- الفوز بالجائزة الكبرى.. هذا التدين التجاري هو في عمقه استراتيجيا أنانية، رأسمالية، جرثومية: "هانتا شوفني اسيدي ربي، راني كاندير معاك مزيان.. كاندير لي بغيتي و كتار.. كانصلي بأفخم الحوايجو كانفطر المساكين لي كايدقو بابي و كانعتق أي واحد حاصل.. عنداك تقولبنيو ديني لجهنم.. أو تسبق شي واحد ما كايصليش"..
في العمق، التدين التجاري استنبات لالياتانتروبولوجية داخل العلاقة الدينية.. فكما أن المال هو ما كان يبني أو يهدم العلاقة بالبشر، باعتباره هو العامل الحاسم في تشكيل حدود/نوعية هذه العلاقة، فان العلاقة بالله لم يكن من الممكن أن تكون الا على منوال العلاقة التجارية.. لم يقدر الانسان القريشي/القبلي/المركانتيلي تصور علاقته بالمتعالي خارج ما يعيشه في المجال الانتروبولوجي.. هكذا بنت الامة "الاسلامية" القريشية/القبلية في عمقها "دينا" كاملا على صورة رؤيتها الانتروبولوجية..
الثورة الدينية هي الحل.. اننا نفعل الخير لا لكي نربح الجائزة الكبرى.. اذا فعلنا خيرا فليس لكي نكون من ضمن لائحة من يفوزون بالحور.. اذا فعلنا خيرا فلكي نرفع ألما عن شخص مرمي في احد الهوامش المترامية لجهنمنا الارضية.. يهم الله عباده لا عبادته.. مثلما قاله الجبران..
سنبدأ أولى خطوات ولوج العالم عندما نفهم أن الدين ليس هو الدين.. عندما نصل إلى المصلى ثم ننسحب احتجاجا على سياسات الهاوية.. سنلج العالم عندما سنفرض مصلى يحترم شروط التحضر le civisme.. ومع ذلك فهذا في حد ذاته غير كاف.. سنستحق لقب المؤمنين عندما سوف ننسحب اذا ما بدأ الإمام يتقيا خرافاته حول الجنة و الحور و... سنلج التاريخ عندما سنفرض عودة المسجد إلى وظيفته السياسية الاولى: وظيفة احتضان/نقاش ألام الناس و أحلامهم..
عندما وقع الرئيس جفرسون نص استقلال امريكا جاءته سيدة و سألته: " ما هو نوع الحكم الذي سوف تتركونه لنا سيد طوماس؟". كان جواب أول رئيس أمريكي: " انه نظام الجمهورية.. و عليكم أنتم أن تدافعوا عن هذا النظام"..
بنيتي، كوني دوما انسانية.. المعادلة هي هذه: انت انسانية اذن أنت صالحة و ليس العكس..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.