الطالبي العلمي يجري مباحثات برلمانية بالصين    مباحثات تجمع أخرباش بوفد من أذربيجان    الخزينة تكتتب ما يعادل 3,4 مليار درهم في سوق السندات ما بين 8 و 15 ماي    سانشيز يعلن الأربعاء موعد الاعتراف بفلسطين    إسرائيل: حرب غزة "ليست إبادة جماعية"    اتفاقية لبناء مقر جديد لولاية الأمن بأكادير    منظمات الإغاثة تحذر من تحديات متزايدة في عملياتها في قطاع غزة    القمة العربية في مواجهة التحديات    "الفيفا" تقر تعديلا يمنع انتقال أي لاعب من أي بلد ليس عضوا في الأمم المتحدة    القائد محمد الحيحي كما عرفته    جامعة محمد الخامس بالرباط تحتل المرتبة 958 عالميا في جودة الأبحاث العلمية    السيد العمراني يلتقي أجاي بانغا.. إرادة قوية لتعزيز التعاون بين البنك الدولي والمغرب    العصبة الاحترافية تحدد تاريخ إجراء مواجهة "الديربي البيضاوي"    مهنة التعليم هل فقدت مكانتها الاجتماعية ؟        طقس السبت.. أمطار ورياح قوية بهذه المناطق من المملكة    المنتخب المغربي يواجه اليوم ب "الرويبة" نظيره الجزائري لبلوغ مونديال الدومينيكان    أخبار الساحة    الجزائر.. نظام العسكر يلجأ لتوظيف مؤسساتها التعليمية لتحريض الأجيال الصاعدة ضد المغرب    دول غربية تحث إسرائيل على الالتزام بالقانون الدولي في غزة    مقاولات جهة الشمال توفر أكثر من 450 ألف منصب شغل سنة 2022    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    انخفاض ملموس في المساحات الغابوية المتضررة من الحرائق سنة 2023    المغاربة أكثر العمال الأجانب مساهمة في نظام الضمان الاجتماعي بإسبانيا    الإيسيسكو تدعو لتعزيز دور المتاحف بالتعليم والبحث وانخراط الشباب في صون التراث    تضم نحو 30 مغربيا.. شبكة "رجل المنتصف" تسقط في قبضة السلطات الإسبانية    بدء محاكمة الناصري وبعيوي على خلفية ملف "إسكوبار الصحراء" الخميس المقبل    المعهد المغربي للتقييس يستضيف دورة تدريبية حول المواصفات الموحدة لمنتجات "الحلال"    ألمانيا تطلق هذه المبادرة لدعم خلق فرص شغل في المغرب    المحكمة الدستورية تقبل استقالة مبديع وتدعو وصيفه لشغل مقعده بمجلس النواب    البرازيل تستضيف كأس العالم للسيدات 2027    رئيس وزراء السنغال ينتقد وجود قوات فرنسية في بلاده    تراجع جديد يخفض أسعار بيع "الغازوال" والبنزين بمحطات الوقود بالمغرب    شراكة تثمّن الإمكانات الغنية للسياحة القروية    وَصَايَا المَلائِكةِ لبَقَايَا البَشَرْ    وجهة خطر.. بين مسلم ورمضان لم تثْبت رؤية هلال الكِتاب!    دراسة: توقعات بزيادة متوسط الأعمار بنحو خمس سنوات بحلول 2050    رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً في إطار تحدٍّ مثير للجدل    هل يقبل المغرب دعوة أمريكا للمشاركة في قوات حفظ سلام بغزة؟    الشرطة الفرنسية تقتل مسلحا حاول إضرام النار في كنيس يهودي    بسبب محمد رمضان وسعد لمجرد.. بطمة تعرب عن غضبها    ملاعب المغرب تستقبل 9 مباريات ضمن تصفيات المونديال    وسط اهتمام آرسنال.. ريال بيتيس يتشبث بشادي رياض    مشورة قانونية لفيفا بشأن طلب فلسطين تجميد عضوية اسرائيل    عصيد: الإعلام الأمازيغي يصطدم بتحديات كبرى .. وتفعيل الدستور "معلق"    رد قوية وساحق لعمر هلال على ممثل الجزائر في الأمم المتحدة    "ولد الشينوية" أمام القضاء من جديد    احتفاء بسعيد يقطين .. "عراب البنيوية" ينال العناية في المعرض للدولي للكتاب    "ألوان القدس" تشع في معرض الكتاب    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (12)    احذر وضعيات النوم الأكثر ضررا على صحة الجسم    الأمثال العامية بتطوان... (600)    ما دخل الأزهر في نقاشات المثقفين؟    هذه العوامل ترفع خطر الإصابة بهشاشة العظام    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    كلاب ضالة تفترس حيوانات وتهدد سلامة السكان بتطوان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حسن الترابي … الإسلامي الذي خرب السودان
نشر في برلمان يوم 07 - 03 - 2016

لا يوجد إسلامي لعب في ساحة السياسة وتلاعب بالحكم والحكام مثلما لعب وتلاعب حسن الترابي في السودان.
فقد كان الترابي زعيما للإخوان المسلمين في السودان ومناضلا مستميتا من أجل أسلمة المجتمع والدولة والقضاء على العلمانيين والمسيحيين والأنيميين والشيوعيين وعلى كل ماله صلة بالحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية أو ما يسميه الإخوان والسلفيون ب”الطاغوت” في دوائرهم الخاصة، وكان يستفيد خلال ذلك من دعم خليجي سخي جعل الإخوان يصبحون أغنى تنظيم سياسي بالسودان الفقير.
اعتقله الجنيرال النميري أكثر من مرة، لكنه كان يخرج ليعود لاستكمال مشروع “التمكين” الراسخ في الثقافة الإخوانية بالاعتماد على النشاط الدعوي والسياسي معا والمال الخليجي الوافر.
وقد وظف لهذه الغاية قدراته الفقهية والخطابية بتأن و”تقية” على طريق خلق ميزان قوى يمكنه من محق خصومه السياسيين والإيديولوجيين والدينيين، وخصوصا الزوايا المسيطرة على الأحزاب الكبرى، ومن الاستيلاء على السلطة التي كانت وبقيت هدفه الدائم إلى آخر يوم في حياته.
وقد جمع بين “تقية” الإخوان و”تقية” الماسونيين التي أكد لنا سودانيون أنه كان قريبا منهم أثناء مقامه ببريطانيا وفرنسا وحتى بعد ذلك حسبهم.
وأمكنه فعلا تحقيق هدفه عندما وصل الرئيس السابق الجنيرال جعفر النميري إلى مأزق ناتج عن سعيه للانفراد بالحكم على الطريقة الناصرية عبر محاربته لكافة القوى، التي لم يفلت من أداه أي منها، وبالأخص الشيوعيين الذين تعرضوا لعملية تصفية واسعة النطاق سجلها كتاب “الحزب الشيوعي السوداني، نحروه أم انتحر”.
ذلك أن الترابي اقترب من الرئيس المنبوذ جعفر النميري وتمكن من استغلال ضعفه وتشبته بالحكم ليلفه في عباءته، دافعا أياه إلى القطع مع الناصرية التي أوصلته إلى الحكم بانقلاب عسكري والاصطفاف مع الإخوان المسلمين الذين كان يناصبهم العداء، مقابل الإبقاء عليه رئيسا ودعمه في معركته مع خصومه، وعلى رأسهم الحزب الاتحادي الذي كان قويا وكان يستند إلى الزاوية الختمية القوية، التي كان وراء تأسيسها بدارفور في القرن التاسع عشر مغربي يسمى محمد الفاسي و انتشرت بعد ذلك في السودان وأرتيريا والصومال وغيرها والتي يتزعمها آل المرغيني المنحدرين من أصول مغربية.
وقد اكتفى الترابي في البداية بمهمة خارج الأضواء الكاشفة، لكنها على قدر كبير من الخطورة وتخدم مشروعه، حيث تولى سنة 1979 أمر إقبار القانون الوضعي والأعراف القانونية المتوارثة وتعويضهما بقوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية، وهي المهمة التي نال عنها تمويلا سعوديا وافرا. وعمل في نفس الوقت على أسلمة التعليم وحول جامعة أم درمان إلى وجهة لإخوان العالم للحصول على شهادات دكتوراه إيديولوجية مطبوخة على عجل، بحيث أن عددا كبيرا من القيادات الإخوانية الحاصلين على دكتوراه في الدراسات الإسلامية مدينين للترابي وصحبه بشهاداتهم التي لا تساوي شيئا معرفيا وبحثيا.
بعد هذه المرحلة الحاسمة، التي حارب خلالها النميري معارضيه بشراسة غير مسبوقة، خرج الترابي من الظل وأعلن دعمه الصريح لما أعتبر انقلابا للنميري ضد نفسه عبر تبنيه التوجه الإخواني وتحالف معه سنة 1983، حيث تولى وزارة العدل لتطبيق الشريعة التي اعتبرها القانون الوحيد الصالح للمسلمين ، بل وحرضه ضد كل من اعتبرهم علمانيين وكفارا ووضع الأقباط السودانيين والجنوبيين تحت رحمة نظام يحكم بالتكفير و يحتكم لمنطق الجهاد ضد الكفار، وهو ما أدى إلى أخطر الانقسامات التي كانت نتائجها وخيمة وأدى السودان ثمنها غاليا في النهاية. حيث يتحمل الترابي مسؤولية كبيرة في انفصال جنوبه عن شماله بعد حرب طويلة شاركت فيها مليشيا حزبه خارج الجيش النظامي، وتحولت جراء ذلك إلى جيش مواز يرتكب الجرائم بلا حساب ويجلد في الفضاء العام ويراقب سلوك الناس ولباسهم، وبالأخص النساء، ويلزم الجميع بالصلاة في مواعيدها، خصوصا بعد أن أشرف النميري والترابي على إفراغ كل قنينات الخمر التي تمت مصادرتها في النيلين. وقد كان من ضحايا الترابي الفقيه المتنور محمود طه الذي تم إعدامه ببشاعة لمجرد تبنيه لقراءة متفتحة وعصرية للدين الإسلامي.
وقد تدهورت الوضعية في السودان إلى الحد الذي جعل الخراب يمحو كل آثار الحضارة العصرية وعاد البلد إلى القرون الوسطى.
وقد حاول الجيش السوداني بقيادة الجنيرال سوار الذهب الحد من غلو الترابي-النميري وإنقاذ البلاد من الخراب الذي تسببا فيه والعزلة الدولية التي وضعا ها فيها واستبعاد خطر الانفصال الذي بدأ يلوح في الأفق وقتئذ، فنظم انقلابا ضد النميري بمساندة كل القوى السياسية، ومن المفارقات التي تبين نفاق الترابي أنه تنكر للنميري بعدما ورطه والتحق باللعبة السياسية بعدما سهل مأموريته صهره الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة وإحدى الزوايا الأكثر تأثيرا في السودان.
وحيث أن الجنيرال النزيه سوار الذهب وفى بوعده وأجرى انتخابات ديمقراطية وانسحب من السلطة التي لم يكن له طموح للبقاء فيها رغم شعبيته، فقد تمكن زعيم الحزب الاتحادي عثمان المرغيني من الفوز برئاسة الدولة بينما تشكلت حكومة ائتلافية من مختلف الأحزاب برئاسة الصادق المهدي سنة 1988 وتولى فيها الترابي منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية، وكان إسناد هذا المنصب له راجعا ليس لإتقانه عددا من اللغات الأجنبية، بل لعلاقاته مع الخليجيين والغربيين في الفترة التي قامت فيها الحرب في أفغانستان، حيث كان داعما للجهاديين الذين تلقى الكثير منهم مبادئ الجهاد و تداريب على القتال برعايته.
لكن الترابي دخل الحكومة السودانية في ذلك الوقت بنية الغدر وليس للمساهمة في تجاوز أزمة كانت له مسؤولية كبرى فيها، وهو ما تبين عندما تحرك الضباط التابعين للإخوان المسلمين بقيادة الجنيرال البشير للقيام بانقلاب همجي ضد ديمقراطية سودانية وليدة وفرض دكتاتورية مستمرة إلى اليوم، بحيث انخرط الترابي في الانقلاب وسانده وسعى بكل ما يملك لاستغلاله لفرض نفسه زعيما أوحدا في سودان فرض فيه الانقلابيون شريعة الترابي في كل مناحي الحياة وحاربوا الحريات وفرضوا على نخب البلاد الهروب إلى الخارج وخربوا الاقتصاد وعمقوا التأخر التي تعاني منه البلاد التي كان الناس يتواعدون بها على اللقاء قرب “الزلط”، أي الطريق الوحيدة المزفتة وسط العاصمة الخرطوم.
وقد تولى الترابي رئاسة البرلمان بعد الانقلاب وعينه على الرئاسة التي طمح إلى توليها مند زمن بعيد. وهذا ما جعله يدخل في تناقض مع الجنيرال البشير الذي استحلى الرئاسة ولايزال متشبثا بها إلى اليوم، مما دفعه إلى الانشقاق عن حزبه المؤتمر الوطني الإسلامي وتأسيس المؤتمر الشعبي بحضورالإخوان من العالم الإسلامي كله، بمن فيهم إخوان المغرب الذين تربطهم بالترابي علاقات قوية ويعتبرونه نموذجا وأستاذا، وانتقل الترابي إلى المعارضة على أمل قطف فاكهة السلطة بسرعة. لكن السفينة السودانية سارت عكس رياحه، خصوصا بعد إخضاع السودان للحصار بسبب احتضانها للجهاديين الذين قاموا بعمليات إرهابية في عدد من الدول ضد مصالح أمريكية، بعد انقلاب السحر على الساحر، وكادوا يغتالون الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وايوائها على الخصوص لبن لادن الذي اخرجته من ترابها إلى أفغانستان بعد تعرضها لقصف أمريكي دمر أحد معامل الأدوية التي شيد بتمويل منه.
فقد اضطر الترابي للهرب بجلده واللجوء إلى أرتيريا بوساطة من ساهم في الانقلاب ضدهم من قبل، أي زعماء الحزب الاتحادي، وهناك دخل في تحالفات مجنونة تبين حمق السلطة. حيث تحالف مع الزعماء الجنوبيين وصار من مساندي الانفصال رغم أن المليشيا التي أسسها كانت تقاتل الجنوبيين كما تقاتل في دارفور. ولدى عودته إلى السودان تعرض عمليا للإقامة الإجبارية وعمل إخوانه في الحكم على شل قدرته على الحركة مما جعله يعود إلى فتاويه المتناقضة والتي تعكس اضطرابا ذهنيا، حيث تمتد تلك الفتاوي من التفتح إلى الانغلاق والعكس.
يعتبر الترابي نموذجا للعقلية الإخوانية الأصلية، حيث تمثل السياسة بالنسبة له مجرد محطة عبور نحو الانقضاض على السلطة بالعنف، إذ ساهم في المسلسلات الانتخابية ونجح في بعضها وفشل في الآخر، لكنه ربط طموحه الجامح إلى اعتلاء مراكز السلطة بالسعي إلى اختراق مفاصيل الدولة المدنية والعسكرية وتحقيق ما يسمى بالتمكين وتكوين الكتائب الجاهزة للجهاد بعمى والانخراط في الانقلابات في النهاية، إذ ارتبط بالجنيرال جعفر النميري ليغدر به وارتبط بالجنيرال عمر البشير الذي كان ينوي الغدر به كذلك أن عائلته كانت تعيش في إطار ثقافة بعيدة عن التحجر الذي فرضه على باقي السودانيين إلا فيما يتعلق بالمظهر الخارجي، وكانت علاقتها مع لندن وباريس قوية.
سيذكر السودانيون، على عكس من يعلون من شأنه خارج بلاده، بأنه الرجل الذي دفعه طموحه إلى السلطة إلى إشعال الحروب وصولا إلى تقسيم وطنه الذي لم يكن رحيما به في أي وقت من الأوقات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.