الخط : إستمع للمقال منذ سنوات، ظهر في الساحة الإعلامية والحقوقية المغربية نوع جديد من "المعارضة"، لا يحمل من صفات المعارضة الحقيقية إلا الشعارات، لكنه في الجوهر مجرد واجهة لتمويه أنشطة مشبوهة عابرة للحدود. هؤلاء لا يقترحون بدائل، ولا يخضعون للمحاسبة، بل يتوارون خلف قناع "محاربة الفساد" و"الحق في التعبير"، بينما يديرون، في الواقع، شبكات للابتزاز والتشهير والاحتيال، وأحيانا غسل الأموال أو حتى التحريض. والنتيجة أن فئة من "المعارضين"لم تعد تعارض المؤسسات بهدف الإصلاح أو التغيير، بل استغلت مناخ الحريات لتمارس أدوارا هجينة تتداخل فيها الجريمة بالإعلام والسياسة بالنشاط الرقمي العابر للحدود. لم تكن المعارضة في أي نظام ديمقراطي يوما نقيصة، بل عنصرا جوهريا في التوازنات السياسية. لكن ما نعيشه اليوم هو شيء مختلف تماما: "معارضة وهمية" لا تقوم على مواقف سياسية واضحة، بل على خلق "أدوار تمثيلية" تخدم مصالح شخصية ضيقة.... في هذا السياق، تحوّل الخطاب السياسي إلى وسيلة لتسويق الذات، تُبنى عليه حملات تمويلية، صفقات دعائية، وعلاقات مشبوهة مع أطراف خارجية. أخطر ما في هذا الانحراف، هو أن هذه المعارضة لم تعد تهاجم السياسات، بل تستهدف الدولة ذاتها ومؤسساتها السيادية، متخفّية خلف خطاب شعبوي يدّعي الدفاع عن المظلومين. ومع هذا الخطاب، يُروَّج للضحية–البطل، في محاولة لتحويل المجرم إلى مناضل، والانتهازي إلى مفكر، والمرتزق إلى لاجئ سياسي. من أبرز الأمثلة على صناعة المعارض الوهمي هذه الأيام، حالة مهدي حيجاوي. من شخص مطرود من مؤسسة أمنية مغربية منذأزيد من 15 عاما، إلى مناضل منشق مزعوم تحيط به هالة من الغموض والبطولة. تعتمد روايته على نسج أساطير متناقضة، تارة باعتباره مستشارا رفيعا في أعلى هرم السلطة، وتارة ضابطا متمردا غير راض عن أداء أجهزة الدولة وتارة أخرى ضحية مطارد من القصر والمخابرات والإنس والجن... والهدف واحد: تضخيم الذات وادعاء امتلاك أسرار الدولة. لكن خلف هذه الرواية، توجد شبكة مافيوزية خفية: تقارير صحفية مأجورة، علاقات مشبوهة مع محامين مرتزقة، وارتباطات بجهات إعلامية وسياسية خارجية، على رأسها دوائر في دولة الإمارات تسعى لاختراق التوازن المغربي عبر أدوات ناعمة. كل هذه العناصر تكشف أن قصة "المعارض" ليست إلا غطاء لمشروع أكبر: تشويه الدولة من الخارج وتسويق خطاب الفوضى باسم حقوق الإنسان. وضمن شبكة حيجاوي، نجد حالة هشام جيراندو التي لا تقلخطورة عن حالات سابقة لأشباه معارضين فشلوا في كل مخططاتهم، بل ربما تتفوق عليها من حيث التنفيذ. فمن مهاجر إلى كندا حصل على جنسيتها، إلى يوتوبر يدّعي الدفاع عن الشعب، ليُكشف لاحقا عن تورطه في جرائم تشهير وابتزاز منظم، امتدت إلى بث خطاب الكراهية بدوافع دينية ووصلت إلى حد التحريض على القتل، والتحريض ضد المغرب ومؤسساته، بل وضد الملك نفسه. جيراندو لم يكن "معارضا" بالمعنى السياسي، بل موظفا في مشروع أوسع يقوم على تسويق الكراهية، وجمع المال، وابتزاز الناس، وإقحام أفراد من عائلته في إنتاج محتوى تحريضي. وما يجمع جيراندو بحيجاوي وغيرهما، ليس فقط الخطاب، بل المنهجية: تكرار الأساطير، تعمد اللعب على مشاعر الضحايا، اختلاق أعداء وهميين، والتحالف مع جهات خارجية لتوفير الغطاء الإعلامي والدعم اللوجستي، بهدف ضرب الثقة في المؤسسات. ولا يقتصر الأمر على من طردوا من مؤسسات الأمن أو الأجهزة الاستخباراتية، بل يشمل أيضا شخصيات كانت بالأمس القريبة جزءا من مراكز النفوذ نفسها، ثم انقلبت عليها بعد انتهاء مهامهم أو نهاية امتيازاتهم. فقد تحوّل عدد من المسؤولين السابقين، ممن كانوا بالأمس يلاحقون المعارضين والصحفيين، فجأة إلى "مناضلينشرفاء" ضد النظام، رافعين شعار "محاربة الفساد" بعدما كانوا يصفون أنفسهم بكونهم أدوات من أدوات المخزن. مثال بارز على ذلك محمد زيان، الذي كان لسنوات يلاحق الصحفيين والنشطاء ويرفع ضدهم دعاوى قضائية للزج بهم في السجن، قبل أن يفضّل اليوم تقديم نفسه كضحية "استهداف سياسي" ويسعى إلى الانتقام من النظام عبر قنوات المعارضة الرقمية والخارجية... وهذا التحول ليس تغييرا في وجهة النظر، بل يكشف عن دافع انتقامي خالص. ولا يقتصر هذا النمط الانتقامي على محمد زيان وحده، بل يمتد إلى شخصيات سياسية معروفة مثل إلياس العماري، الذي شهد له رئيس حركة "مغرب الغد" مصطفى عزيز بأنه كان "حلقة وصل" بين شبكات حيجاوي وجيراندو ومراكز نفوذ داخلية وخارجية. فبعد أن فقد العماري مواقع نفوذه في الأوساط السياسية الوطنية والمحلية، لجأ إلى الاصطفاف مع هذه الأجندات، مستغلا علاقاته السابقة لتسويق حملات تضليلية وابتزازية باسم "المعارضة الوطنية"، وهو دليل إضافي على أن بعض الوجوه التي تسمي نفسها "مناهضة" ليست سوى أدوات مأجورة تآمرت على استقرار المغرب تحت ستار الدفاع عن الحريات. تحليل سلوك هؤلاء المعارضين الوهميين يكشف عن نمط جديد من الجريمة العابرة للحدود، حيث يصبح الكذب المتقن أداة لجلب التمويلات، والملاحقة القضائية وسيلة لصنع الشهرة، وادعاء اللجوء السياسي خطوة لتجنب المحاسبة. يرتكز هذا الاستثمار على ثلاثة عناصر: • صناعة صورة الضحية من خلال الترويج لفكرة الاضطهاد السياسي رغم أن المعطيات والوثائق تثبت العكس (قضايا جنائية، محاضر قضائية، علاقات تمويل مشبوهة). • بناء جمهور عاطفي عبر تسويق رسائل شعبوية مغلفة بلغة بسيطة، تُخاطب السخط والغبن، وتُوظف كل حدث صغير كدليل على "الدكتاتورية". • توظيف المنصات الدولية: منظمات، صحف، لوبيات، محامين، وحتى أعضاء منظمات حقوقية، يُستخدمون كدرع وواجهة، بينما المشروع الحقيقي هو زعزعة الدول. تحول هؤلاء "المناضلون المزيفون" إلى عناصر خطر عابر للحدود. لم تعد أكاذيبهم تُنشر داخل بلدهم فقط، بل تُروج من الخارج، عبر شبكات رقمية وإعلامية منظمة. والنتيجة: خلق دوائر مغلقة من التضليل، تهيئ المجتمعات للانقسام، وتضرب مصداقية الدول في المحافل الدولية. إن خطورة هذا النمط من "المعارضة" لا تكمن في قوته الذاتيةالمزعومة، بل في قدرته على التحول إلى أداة في يد خصوم خارجيين، يستغلون غلاف حقوق الإنسان لتبرير عمليات تدخل ناعم في الشؤون الداخلية للدول، ولتشويه سمعة مؤسساتها الأمنية والقضائية، وتقويض الثقة العامة. لقد أصبحت "المعارضة الوهمية" أخطر من الخصوم الحقيقيين، لأنها تعمل من داخل الأطر الرمزية للديمقراطية، لكنها تسعى لنسفها من الداخل عبر الكذب، والتضليل، والاستثمار في الفوضى. لا يتعلق الأمر بحرية تعبير، بل بجريمة منظمة ترتدي قناع المظلومية. في الحلقة المقبلة، سننتقل إلى وجه جديد لهذه الجريمة: كيف أصبحت تقنيات التزييف العميق (DeepFake) أداةً لإنتاج دلائل وهمية وابتزاز مؤسسات الدولة وكيف يمكن مواجهتها قبل أن تتحول إلى تهديد سيادي شامل. الوسوم المغرب بوغطاط المغربي