في تقرير مطول نشرته وكالة “رويترز” اليوم الأربعاء، كشف مدى تورط دولة الإمارات العربية في الإطاحة بالرئيس السوداني البشير بمساعدة رئيس جهاز المخابرات السوداني صلاح قوش. وقد روى أحد قياديي المعارضة ممن كانوا ضمن السجناء السياسيين في سجن “كوبر” المحبوس فيه البشيرالآن بالعاصمة الخرطوم، عن ظهور رئيس المخابرات قوش فجأة في السجن في أوائل شهر يناير2019، ولقائه بثمانية من شخصيات المعارضة. وبحسب ما أفاد به التقرير، طلب رئيس جهاز المخابرات السوداني صلاح قوش من السجناء تأييد خطة عامة من أجل نظام سياسي جديد في السودان، مُخبرا إياهم أنه جاء من أبوظبي بوعد من الإمارات لتقديم الوقود ومساعدات اقتصادية أخرى، وعاد قوش إلى السجن بعد عشرة أيام، وزار حينها 26 زنزانة يشغلها سجناء سياسيون. وقال القيادي المعارض الذي أطلق سراحه الآن هو والآخرون، وفق ذات المصدر، “منذ ذلك الوقت تحسنت الأحوال وحصل السجناء على سجائر مجانية وعلى جهاز تلفزيون وتبغ للمضغ”، وأضاف “وجدنا الأمر في غاية الغرابة أن يزور رئيس المخابرات السجناء السياسيين. لكن عندما وقع الانقلاب أدركت السبب”. وتابع التقرير أنه في نفس السياق، ذكر دبلوماسي غربي كبير في الخرطوم وعضو الدائرة المقربة من البشير، أن الإمارات وقوش اقترحا في منتصف فبراير مخرجا كريما للرئيس، وكانت تلك الخطة تقضي بأن يظل البشير في السلطة لفترة انتقالية تعقبها انتخابات. وأعلن قوش في مؤتمر صحفي في 22 فبراير، أن البشير سيتنحى عن رئاسة حزب المؤتمر الوطني ولن يسعى لإعادة انتخابه في 2020. إلا أن البشير لم يذكر شيئا في خطاب بثه التلفزيون بعد ذلك بقليل عن الاستقالة من رئاسة الحزب وقال لأعضاء الحزب في اليوم نفسه إن قوش بالغ في الأمر. وأضاف التقرير، أن قوش بلغ الرئيس أن اعتصام المحتجين خارج مقر وزارة الدفاع القريب من القصر سيتم احتواؤه أو سحقه، ودخل البشير فراشه لينام مرتاح البال وعندما استيقظ بعد أربع ساعات أدرك أن قوش خانه، في حين كان حراس القصر قد اختفوا وحل محلهم جنود من الجيش النظامي وانتهى حكمه الذي استمر 30 عاما. وبعد ذلك، يشير التقرير ذاته، أبلغ الضباط الرئيس البشيرأن اللجنة الأمنية العليا المؤلفة من وزير الدفاع وقادة الجيش والمخابرات والشرطة قررت عزله بعد أن خلصت إلى أنه فقد السيطرة على البلاد، فيما تم نقله إلى سجن “كوبر” بالخرطوم الذي سبق أن زج فيه بالآلاف من خصومه السياسيين خلال فترة حكمه ولا يزال فيه حتى الآن. وقد أجرت “رويترز” مقابلات مع أكثر من عشرة مصادر مطلعة اطلاعا مباشرا على الأحداث التي أدت إلى الانقلاب لرسم صورة لكيفية فقدان البشير قبضته على السلطة في نهاية الأمر. وكشفت المصادر كيف أساء البشير إدارة العلاقة المهمة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي ضخت مليارات الدولارات في خزائن السودان. ويقول التقرير، إن البشير كان قد خدم مصالح الإمارات في اليمن حيث تخوض الإمارات والسعودية حربا بالوكالة على إيران، إلا أنه في نهاية 2018 ومع تفاقم الوضع الاقتصادي في السودان خرج المحتجون إلى الشوارع واكتشف البشير أن هذا الصديق القوي والثري ليس بجانبه. وروت المصادر للوكالة كيف أن قوش، رئيس جهاز الأمن والمخابرات، اتصل بمسجونين سياسيين وجماعات معارضة سعيا للحصول على تأييدها في الأسابيع التي سبقت عزل البشير. وأضافت نفس المصادر، أن قوش أجرى في الأيام التي سبقت الانقلاب مكالمة واحدة على الأقل مع مسؤولين في المخابرات الإماراتية لإخطارهم مسبقا بالحدث المرتقب.