قال محمد عبد النبوي، رئيس النيابة العامة، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، أن “الحق في الحصول على المعلومة له قيمته العلمية والعملية وراهنيته القوية، بالنظر إلى كون القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة دخل حيز النفاذ في الأشهر القليلة الماضية وبالضبط يوم 13 مارس 2019، ومن تم فهو يسائلنا جميعا ويسائل المؤسسات والهيئات المعنية به وضمنها المحاكم حول المجهودات التي قامت بها لتنزيله على أرض الواقع وتطبيقه تطبيقا سليما، ومواجهة التحديات التي تعترض هذا التطبيق وإيجاد الحلول العاجلة لها”. وأضاف عبد النبوي خلال ندوة علمية حول موضوع "الحق في الحصول على المعلومة وحماية المعطيات الشخصية بين القانون رقم 13.31 والقانون رقم 09.08" التي نظمت اليوم الأربعاء 16 أكتوبر 2019 بالمعهد العالي للقضاء بالرباط، أن “تطبيق القانون المتعلق بالحق في الحصول عل المعلومة لابدَّ أن يراعي المقتضيات المنظمة لحماية الحياة الخاصة، ويتطلب الأمر إقامة معايير دقيقة لتحقيق هذه الموازنة الصعبة، مشيرا أن نشر الوعي القانوني لدى المواطنين بحقوقهم ومساطر اقتضائها وحدودها القانونية، يستلزم مثل هذه اللقاءات العلمية الهادفة التي يؤطرها فاعلون في مجال العدالة ومسؤولون وأساتذة أجلاء”. وأكد عبد النبوي أن “الحق في الحصول على المعلومة يعتبر من الحقوق الأساسية للمواطنين، وذلك لارتباطه الوثيق بحياتهم اليومية وممارسة حرياتهم، ونظرا لدوره الأساسي في تعزيز الثقة في الإدارة ودعم الانفتاح والشفافية. كما أنه يشيع جوا من الثقة والشفافية بين الإدارة والمرتفقين، ويشكل ضمانة للنزاهة وحافزا لتشجيع الاستثمارات، وبالتالي آلية لإنعاش الاقتصاد الوطني”. وتابع المتحدث أنه “استنادا لهذه الاعتبارات ظلت الاتفاقيات والمواثيق الدولية تضع الحق في الحصول على المعلومة في صدارة الحقوق الأساسية للمواطنين، انطلاقا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وصولا إلى اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد، التي شددت على ضرورة اعتماد الدول إجراءات ولوائح تمكن عامة الناس من الحصول عند الاقتضاء على معلومات عن كيفية تنظيم الإدارة العمومية واشتغالها وعمليات اتخاذ القرارات والصكوك القانونية التي تهم عامة الناس. مع إيلاء المراعاة الواجبة لصون حرمتهم وحماية بياناتهم الشخصية،مؤكدا أن دستور المملكة المغربية تجاوب مع هذه المقتضيات الدولية عندما نص في الفصل 27 منه على أنه “للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية والمؤسسات المنتخبة والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام”. وأوضح عبد النبوي على أنه “لا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور، وحماية مصدر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة”. مضيفا أنه “إذا كان القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة قد كرس حق المواطنات والمواطنين في الحصول على المعلومة المحدد دستوريا، فإنه جاء أيضا بمجموعة من المقتضيات الهامة للرفع من قيمته وطابعه الحقوقي، وعلى رأسها تمكين الأجانب المقيمين بالمغرب من نفس الحق وفق ما تقتضيه الاتفاقيات الدولية، وإقرار مبدأ مجانية الحصول على المعلومات وإمكانية استعمالها أو إعادة استعمالها شريطة أن يتم ذلك لأغراض مشروعة مع الإشارة إلى مصدرها وبدون تحريف مضمونها”. وأشار رئيس النيابة العامة أن “القانون رقم 31.13 أحاط الحصول على المعلومات بضمانات أساسية من قبيل احترام الآجال المعقولة للرد على الطلبات وتعليل قرار الرفض وإقرار الحق في الطعن. كما اعتمد القانون مبدأ كشف الحد الأقصى للمعلومات والنشر الاستباقي لها، ووضع استثناءات واضحة على مبدآ الحق في الحصول على المعلومات ترتبط في مجملها بالدفاع الوطني والحفاظ على أمن الدولة الداخلي والخارجي وحماية الحياة الخاصة إضافة إلى المعلومات التي تكتسي طابع معطيات شخصية أو مرتبطة بسرية الأبحاث الجنائية”. وشدد عبد النبوي على ضرورة “الانكباب بعمق على دراسة التدابير والإجراءات التي من شأنها تنزيل المقتضيات القانونية على أرض الواقع، وتمكين المواطن من الحصول على حقه في المعلومة وفق الضوابط والإجراءات القانونية التي أقرها المشرع، سواء تعلق الأمر بالمعلومات التي يطلبها أو تلك التي ينبغي أن تبادر المؤسسات والهيئات المعنية إلى نشرها بشكل استباقي كما يلزمها بذلك القانون وفق مبدأ كشف الحد الأقصى من المعلومات”. وأضاف عبد النبوي أن “المحاكم باعتبارأنها واردة في القانون ضمن لائحة المؤسسات والهيئات المعنية فهي مدعوة للمبادرة وإعطاء النموذج والمثال الذي يحتذى به، على حسن تطبيق المقتضيات القانونية المتعلقة بالحق في المعلومة، مع الحرص البالغ على الضوابط القانونية المؤطرة لهذا الحق. خاصة ما يتعلق بتدابير النشر الاستباقي الذي سيدخل حيز النفاذ السنة المقبلة، وكذا جل الاستثناءات التي ترد على مبدأ الحق في المعلومة”. وزاد المتحدث أن “رئاسة النيابة العامة بادرت منذ 13 فبراير 2019 إلى توجيه منشور إلى النيابات العامة تحت عدد 9س/ ر.ن.ع وتاريخ 13 فبراير 2019، تضمن استعراضاً مفصلا لمضامين قانون الحق في الحصول على المعلومة. كما وجه ممثلي النيابة العامة إلى الحرص على تدبير المعلومات وتحيينها وترتيبها وحفظها وفق قاعدة بيانات عامة. دعاهم إلى الحرص على النشر الاستباقي للمعلومات القابلة للنشر، خاصة على المواقع الالكترونية للمحاكم، من قبيل بيانات الاتصال بالنيابة العامة وإحصائيات الدعوى العمومية وقائمة الخدمات والوثائق المتطلبة للخدمات، وطرق تقديم الشكايات ومعالجتها”. مؤكدا أنه “طُلب من النيابات العامة وتعيين نائب أو أكثر لتدبير طلبات الحصول على المعلومات ودراستها والاستجابة لها داخل آجال المعقولة، مع مراعاة حالات الاستعجال وكذا الاستثناءات المقررة قانونا. كما تعكف رئاسة النيابة العامة على إعداد دليل(guide) حول المعطيات والمعلومات والإحصائيات الواجب نشرها تفعيلا للقانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات”. وأشارعبد النبوي إلى أن “رئاسة النيابة العامة عمدت الى توقيع اتفاقية شراكة مع اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات الشخصية بهدف التنسيق والتعاون في مجال معالجة الشكايات المتعلقة بحماية المعطيات الشخصية، وتكوين قضاة النيابة العامة وأطر اللجنة في هذا المجال ومواكبة النيابات العامة في المحاكم فيما تقوم به من إجراءات بخصوص القانون رقم 09.08، كما عمدنا، يضيف رئيس النيابة العامة، إلى إحداث نقاط اتصال على مستوى النيابات العامة لتتبع هذا النوع من القضايا واستفادة قضاة النيابة العامة للتكوين في هذا الموضوع”.