منذ أن استأنفت مكاتب الاتصال بين المغرب ودولة إسرائيل أنشطتها في تل أبيب والرباط، كان هناك تعبئة قوية للتواصل من جانب الإسرائيليين تجاه المغاربة. السفير غوفرين يخاطب المغاربة باللغة العربية ويجرى مقابلة مع موقع القناة التلفزيونية المغربية الثانية ويضاعف لقاءاته مع المسؤولين المحليين وصناع القرار الاقتصادي... جهود جديرة بالثناء وتأثيرها بلا شك كبير على المغاربة الذين يحبون جدًّا هذا النوع من التفاتات القرب التواصلي. لكن كل هذا وحده لا يكفي لتحقيق تطبيع حقيقي للعلاقات بين البلدين. ستلاحظون أن كلمة "التطبيع" لا تخيفني لأنني أؤمن بشدة أنه من العادي، بل والطبيعي، أن نطَبِّع هذه العلاقات في النهاية بطريقة صريحة وواضحة بعيدا عن الديماغوجية وإنكار الواقع. كل هذا لا يكفي لأنه لا يزال هناك عدد من الأشياء التي من المفترض أن نقوم بها للوصول أخيرا إلى علاقات طبيعية بدلا من "التظاهر" الذي لن يستطيع الصمود بعد أن يتبدد الهوس السياقي. لذلك نحن مطالبون بالعمل على عدة جبهات لتغيير الأمور – في الاتجاه الصحيح – والمضي قدما نحو تقارب حقيقي من شأنه أن يكون له تداعيات إيجابية على الجميع. هناك أشياء من المفترض أن نقوم بها كل واحد من ناحيته وأمور أخرى نحن مدعوون للعمل بها سويا. فعلى الجانب الإسرائيلي، من الضروري أن يثبت هذا الاخير ودون تأخير وجود رغبة صادقة للتقارب تتجاوز المصالح الانتخابية الظرفية، وأن التطبيع مع المغرب ليس مسألة أجندة انتخابية. النقطة الثانية المهمة هي الخروج في أسرع وقت ممكن من الصيغة "الفولكلورية" للتواصل بين البلدين. إن المغاربة ليسوا عاطفيين فقط، وتأثير المغازلة ليس له تأثير دائم عليهم، ففي منطقة البحر الأبيض المتوسط ، يشكلون استثناء لكونهم مزيجا فريدا من العاطفة والبراغماتية. لذلك فبالإضافة الى جانبهم العاطفي، من الضروري أيضًا مغازلة جانبهم النفعي. أما بالنسبة للجانب المغربي، فيجب أن نخرج من العقيدة التي بموجبها يعتبر غالبية المغاربة أننا أعدنا علاقاتنا مع إسرائيل في إطار مقايضة "الصحراء مقابل التطبيع".وبالرغم من كون الخطاب الرسمي كان واضحا جدا في هذا الصدد بفصل الملفين، إلَّا أن كل المغاربة يؤمنون بوجود صلة مباشرة بين القضيتين. وهذا يشكل خطرا كبيرا على استدامة التقارب إذا لم ينجح في صياغة مساره الخاص. بالإضافة إلى هذا الجانب، هناك حاجة فورية لرفع مستوى التحسيس ضد الأفكار المسبقة والمفاهيم الخاطئة فيما يتعلق بكل من دولة إسرائيل واليهودية بشكل عام. طالما يُنظر إلى هذا البلد، في المغرب، فقط من منظور الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في صيغته الأكثر ذاتية، فلن يكون هناك تقارب حقيقي. ومن ناحية أخرى، حان الوقت للعمل بجدية وأمانة للقضاء على كل معاداة للسامية التي تزرعها التيارات الوهابية في ثقافتنا الدينية. أخيرا، فيما يتعلق بالأشياء التي من المفترض أن نقوم بها سويا. أعتقد أن هناك حقا مجالين ل يجب التركيز عليهما: تخطي الحواجز النفسية لعدم الثقة، والجرأة على تسمية الأشياء بأسمائها من الآن فصاعدًا. فلا يمكن بناء تعاون متعدد الأبعاد في حالة عدم الثقة. ولكن للتغلب على هذا، سينبغي على الجانبين التحرك بسرعة في مشاريع مشتركة ذات بعد استراتيجي كبير لان هذا من شأنه أن يثبت بحد ذاته وجود إيمان بمستقبل مشترك لدى الجانبين. وأخيرا ، حان الوقت لنبدأ بالتحدث مع بعضنا البعض بوضوح وبشكل مباشر. يجب أن نضع حدا للعلاقات الثلاثية.