رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز يقرر البقاء في منصبه    تفاصيل اتفاق جديد بين النقابات والحكومة .. زيادة في الأجور وتخفيض للضريبة    عاجل .. اتفاق بين الحكومة والمركزيات النقابية بشأن زيادة عامة في أجور العاملين بالقطاع العام    التنسيق النقابي لقطاع الصحة…يقرر مواصلته للبرنامج النضالي    ارتفاع أسعار الأضاحي يجر وزير الفلاحة للمساءلة البرلمانية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة الفلاحة…الدورة ال 16 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب تكللت بنجاح كبير    رسمياً.. رئيس الحكومة الإسبانية يعلن عن قراره بعد توجيه اتهامات بالفساد لزوجته    المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    إدارة السجن المحلي بوجدة تنفي ما نقل عن والدة سجين بخصوص وجود آثار ضرب وجرح على وجهه    إحباط محاولة تهريب كمية كبيرة من المخدرات في جزر الكناري بشراكة مع المغرب    فيلم أنوال…عمل سينمائي كبير نحو مصير مجهول !    غزة تسجل سقوط 34 قتيلا في يوم واحد    التنسيق الميداني للتعليم يؤجل الاحتجاج    عقوبات ثقيلة تنتظر اتحاد العاصمة بعد انسحابه أمام نهضة بركان    أسعار الذهب تتراجع اليوم الإثنين    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الإثنين بأداء إيجابي    التقنيون يتوعدون أخنوش بإضرابات جديدة        إليسا متهمة ب"الافتراء والكذب"    الروائي الأسير باسم خندقجي يهزم السجان الإسرائيلي بجائزة "بوكر العربية"    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    طلاب مغاربة يتضامنون مع نظرائهم الغربيين الداعمين لغزة    المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس    للمنافسة عالميا.. جهود مغربية لتطوير صناعة الألعاب الإلكترونية    السكوري…المخاطر المهنية يمكن تفاديها بإرساء نظام فعال للسلامة وثقافة وقائية    توقعات أحوال الطقس اليوم الاثنين    مجلس المنافسة: 40 في المئة من الخضر والفواكه بالمغرب تتعرض للتلف    حكيمي يتوج رفقة باريس سان جيرمان بالدوري الفرنسي    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك محمد السادس للقفز على الحواجز بالرباط    حكواتيون من جامع الفنا يروون التاريخ المشترك بين المغرب وبريطانيا    النفط يهبط 1% مع استمرار محادثات وقف إطلاق النار في غزة    المشتبه فيه فقتل التلميذة "حورية" بصفرو قرقبو عليه بوليس فاس: العملية الأمنية شاركت فيها الديستي وها فين لقاو المجرم    جماهير اتحاد العاصمة معلقة على الإقصاء: تم التضحية بنا في سبيل قضية لا تعنينا    واش يبقى ولا يستاقل. اليوم يتحدد مصير رئيس الحكومة الصبليوني. خدا ويكاند باش ياخد قرارو بعد اتهام مراتو بالفساد    منظمة المطبخ المركزي العالمي تستأنف عملها في غزة بعد مقتل سبعة من عمالها    الصين: "بي إم دبليو" تستثمر 2,8 مليار دولار اضافية شمال شرق البلد    200 مليون مسلم في الهند، "أقلية غير مرئية" في عهد بهاراتيا جاناتا    ماركا: المغرب يستغل الفرصة.. استعدادات متقدمة لنهائيات كأس العالم وسط فضائح الاتحاد الإسباني    تقرير: المغرب وإسرائيل يسعيان تعميق التعاون العسكري رغم الحرب في غزة    إدارة أولمبيك خريبكة تحتح على الحكام    "عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم" مراسل بي بي سي في غزة    "العدالة والتنمية" يندد بدعوات إلى استقالة ابن كيران بعد خسارة انتخابات جزئية    "العدالة والتنمية" ينتقد حديث أخنوش عن الملك خلال عرض حصيلته منددا بتصريح عن "ولاية مقبلة"    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    الأسير الفلسطيني باسم خندقجي يظفر بجائزة الرواية العربية في أبوظبي    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليونارد كاروڤ: تسع سنوات في خدمة السلطان أو ليلة القبض على بوحمارة (17 )
نشر في بيان اليوم يوم 12 - 08 - 2012

ولد ليونارد كاروڤ سنة 1872, والتحق بالبحرية التجارية، ثم أصبح مساعد قبضان على سفينة تابعة لشركة ڤويمار القوية. واتفق له أن توقف بهامبورغ، في 1899فالتقى هناك بالقبطان ميتسنر، وكان، يومئذ، في مهمة لفائدة الحكومة المغربية، للبحث عن قبطان يتولى قيادة «التركي»، التي كان يزمع تركها إلى «البشير». ورغب كاروڤ في التعرف على المغرب، والاستفادة مما عُرض عليه من الامتيازات المادية. فكان قدومه إلى طنجة في طلب موافقة المفوضية الألمانية، وليبرم اتفاقاً مع النائب السلطاني محمد الطريس، لهذا الغرض. فتولى قيادة سفينة «التركي»، وذلك في دجنبر 1899. وظل كاروڤ يقود تلك السفينة طوال ما يقرب التسع سنوات، حتى ربيع العام 1908. وظل يعمل، في غير كلل، في تمشيط السواحل المغربية، في الجهة الجنوبية أولاً، ثم في الجهة الشمالية الشرقية، في مطاردة الروغي بوحمارة.
كانت معرفة كاروڤ بالوسط المغربي وعلاقاته بالشخصيات المغربية والإسپانية، وكفاءاته البحرية أمراً عظيم الأهمية. وقد كان يتخذ من العرائش قاعدة رئيسية للقيام بعملياته (1916-1915)، إذ كان مرساها من المحطات الإخبارية، والتمويلية، لضباط الغواصات الألمان. وكانت العرائش أكبر مركز للنشاط الألماني في الشمال الغربي (بقدر مليلية في الشمال الشرقي). وقد جاءت اللائحة السوداء للمقاولات الألمانية المنشورة في 7 أكتوبر 1916 بالجريدة الرسمية الفرنسية تشتمل على حوالي ثلثي أسماء المنطقة الشمالية (57 من جملة 88) فكان كاروڤ، وقتها، معدوداً عند المصالح الفرنسية، ك «أهم عميل مخابرات»، فكانت لذلك، تجعله تحت مراقبتها الشديدة.
إن أول فضيلة تُحسب لكتاب كاروڤ هي المتمثلة في الحدود التي انحدَّ بها مؤلفه؛ سواء أكانت من صميم شخصيته أو كانت منه مقصودة. فهذا جعل هذا الكتاب شهادة عفوية؛ كما تلوح من افتقار صاحبها إلى الخيال ويظهر من فقر أسلوبه القائم على التكرار الجاف. فما أشد بُعد الشقة بين أسلوب كاروڤ هذا، والملاحظات الاجتماعية والسياسية النفاذة التي نقع عليها لدى كاتب كأوبان، وتلك االغنائية التي تتسم بها كتابة هاريس، وذلك التحرر والانطلاق في الحكي الذي نجده لدى مونتبار... إن قوة كتاب كاروڤ في اقتصاده. وإن انتصار التفاصيل ودقة الكتابة وضبطها، يعيد، كما في نسيج، رتق الأنسجة المشدودة للقصة، والإيقاع الدقيق الذي تسير عليه الأحداث. فتستعيد الوقائع كامل قيمتها الأصلية والرمزية.
يتألف الكتاب من من 26 فصلاً قصيراً، قد جُعلت في نظام زمني تدرُّجي، فكأنه يومية بحار، قد امتاز بفضائلها واندخل بمثالبها. ومن الواضح أن كاروڤ قد اعتمد في إنشاء كتابه على مذكرات حقيقية. فكان من محاسن ذلك ما نرى من الإشارات الدقيقة في تواريخها، ومن الدقة حتى لا نكاد نجد منها استثناء، إلا من حالة أو اثنتين. فالفائدة المائزة لهذا تعود إلى هذا الفيض من المعلومات والأخبار الملموسة، وإلى الانطباع المعيش الذي تخلقه لدينا تعزز منه غناه من التصاوير لاشتماله على ستين صورة أصلية.
- 17 -
عندما كنا في طريقنا، في 10 أبريل، إلى عجرود، لنحمل بن الطاهر من هناك، إذ لمحنا سفينتين شراعيتن صغيرتين كانتا تدوران في رأس الماء، وتتجه صوبنا، مبحرتين على مقربة من كبدانة. ظننتهما سفينين من سفن المتمردين، وأخذت أحاول اعتراضهما وقطع الطريق عليهما، للاستيلاء عليهما. ولقد تنبه من في السفينتين إلى نيتي، فسارتا إلى الساحل، وتوقفتا هناك، ثم ترجل الركاب ولاذوا مختبئين ببعض الصخور وبعض الأدغال، ولقد بدا على الخليفة، الذي يمثل بن الطاهر، أنه خائف، ولم يكن يعرف ماذا يفعل. شجعته، وجعلته يوقف السفينة. وكنا على بعد 1500 متر، ومن ثم فتحنا ناراً كثيفة على تلك القوارب، كما قصفناها بالكثير من الكرات المدفعية وطلقات «ماكسيم»، لكن حتى وإن كان الرماة سديدي التصويب والقصف، فلم نفلح في تحطيم تلك القوارب. إما لأن الكرات كانت تمر من فوقها وتصيب الصخور، وإما لأنها كانت تصيب البحر، فتحلق فوق الهدف.
كانت المسافة بالغة الكبر، والأهداف بالغة الصغر، ولقد كان لرصاص «ماكسيم» مفعول أكثر : فلقد اخترقت جوانب السفينتين، لكن من دون أن تفلح في إغراقها. وكم كان بودنا أن نمصي للبحث عن السفينتين، بسفينتنا، لولا أن كان أمراً مستحيلاً، فقد كان ركاب السفينتين مسلحين تسليحا جيداً، وكانوا لايكفون عن رمينا، من مخابئهم. فما كانوا ليتخلوا بهدوء، عن أموالهم، وربما ما كانوا ليتورعوا عن إغراق تينك السفينتين عند اكتشافنا لهما، وكانت رصاصاتهم تصفر، أحيانا، قرب آذاننا، وكنا نلاحظ أن الجنود المغاربة كانوا ينحنون في جبن اتقاءً للرصاص.
ولم يكفَّ الأعداء قصفهم عنا، إلا عندما أضرمنا النار في مخابئهم، وما أفلحنا بغير رصاص «مكسيم» في وقف قصفهم.
ثم خيم الليل، وأصبح يتعذر علينا رؤية البر. فكان المتمردون يشعلون نيرانا، ثم لا يلبثون أن يسرعوا إلى إطفائها، ما أن نصوِّب رشاشاتنا باتجاههم، وتحتم علينا أن نوقف المعركة، إذ لم يعد في مستطاعنا أن نجبر الأهالي على الخروج من العتمة أو ترك مخابئهم خلف الساحل مع سفنهم.
علِموا بعدئذ، أن طلقات ماكسيم أحدثت منفذاً للماء في إحدى السفينتين.
وفي اليوم الموالي قابلت في عجرود، الباشا (إنه الاسم الذي يطلقه الناس على القائد سي عبد الرحمان بن عبد الصادق، لأنه لازال يشغل وظيفة باشا مدينة فاس)، ولقد أخبرناه أننا لو كانت لنا إشارة نتفاهم بها مع من في القصبة، لأمكنهم، أمس، أن يمدوا إلينا بيد العون في سهولة عن طريق البر، ولكان في مقدورنا أن نستولي على تينك السفينتين. كما قلت له إننا لو كنا نتوفر على منوار لكان لنا فيه أكبر العون في تلك المعركة. ثم تحادثنا في شأن الجنود المرابطين في منطقة ملوية، ولقد عرضت عليه أن في الإمكان مد جسر، بسهولة، فوق ذلك النهر، وأن تلك ستكون أفضل وسيلة لعبور جنود السلطان النهر في يسر وسلام، وتأمينهم لخطهم الخلفي، وسيتسنى لهم أن يهاجموا بوحمارة بنجاح انطلاقاً من البر. ولقد استحسن الرجل الشجاع تلك النصائح، ووعد بالعمل بها إن شاء الله. ولقد استغربت لكل ذلك التسليم بالقدر. وعلى ذلك ودعته واسقللت السفينة.
عاد بن الطاهر هو الآخر. وقد جاء معه بفتاتين ليجعلهما بين حريمه. فأوسِع لهما في مؤخرة السفينة، وأخذت الأمتان في تهييء ذلك المكان. ولقد أُسدِل ستار على الخيمة المنصوبة فوق المؤخرة؛ بحيث أصبح في وسع الرجل العجوز أن يذهب ويجيء عند نسائه في منأى من العيون. ولقد جاءت الفتاتان فكانتا ملثمتين كلياً، وفي الحال تم وضعهما في سجنهما الجديد. ولم يكن في إمكان أي شخص أن يراهما مؤقتاً.
وطالما كان بن الطاهر في البر كان الهدوء والسلام يسودان على متن السفينة، وما كاد يستقر، من جديد، على متن السفينة، حتى عاد الجو إلى ما كان عليه من الفوضى. فقد كانت تنتاب الرجلَ العجوز سورات غضب حادة لأتفه الأمور، وكنت أعانى الأمرَّين في تهدئته. أخذ يصبح، عندنا نحن الأوروپيين كما عند المغاربة العاملين على متن السفينة، مصدر تسلية واستهزاء، فقد كان الجميع يتسلَّون بغضباته المتواترة، التي تكون في معظم الأحيان بلا أساس، ولا تنفعه في شيء. وحدهم الجنود السود وخدمه، الذين كان يمارس عليهم تأديبه، كانوا يخشونه، إذ كانوا يحبون كثيراً أن يجلدهم، وهو ما كان يتم في رفق كثير. وأما في القصبة فقد كانوا يكرهونه، ويحكون عنه أنه وغد لئيم، وأنه يسرق كل ما تقع عليه يداه، وأنه لم يكن يهتم لغير منفعته، وكان يفتري على القادة الآخرين عند وزير الحربية. وكم كانوا يتمنون التخلص منه، غير أن حاميه الأعلى؛ وزير الحربية الكبَّاص، كان يحرص على بقائه. وكان مما زاد من حقد الجنود عليه أنه جاء بامرأتين على متن السفينة، وهو، كما قيل لي، أمرٌ يتعارض مع الأعراف الإسلامية. ورغم ما كنت أجده منه من التسلية في معظم الأحيان، فلقد أصبحت أستفظعه. لكن لم يكن بد، في الوقت الحالي، من تحمله؛ كشر لا بد منه.
لزِم موظف الحجْر في مليلية أن يصعد إلى متن السفينة بسبب حريم بن الطاهر. غير أن القائد العجوز رفض السماح للطبيب بالكشف على خليلتيْه، لكن لم يكن له أن يستمر في عناده بعد أن هدده الطبيب بإدخال المرأتين إلى المحجر الصحي. وعلى ذلك تم استقدام المرأتين، والكشف عن وجهيْهما المقنعين، والكشف، كذلك، عن أذرعهن. وكانت تلك أول رؤيتي للمرأتين. لقد كانتا فتاتين لم تكادا تتمان السادسة عشرة، إحداهما سوداء فاحمة السواد، ولم تكن بالقبيحة، وكانت الثانية سمراء في لون الذهب، ولم تكن بالجميلة. ولقد فحصهما الطبيب فوجدهما في صحة جيدة. وبعدئذ أخذتا تتنقلان في أنحاء السطح من السفينة، حسيرتي الوجه، وقد أصبحتا مستأمنتين. ثم أخذتا، هما أيضاً، تقومان على تنظيف الخيمة.
قضى الإسلام على المرأة في كافة بلدان الإسلام، ولاسيما في المغرب، بأن تكون مجرد أداة للمتعة بين يدي الرجل. ولا يكون للمرأة، في العموم، ما تقول، ولا بعض قيمة لغير كلام الأم، عندما يتوفى الأب. والمرأة في الأسر الفقيرة تنحدر إلى مجرد خادمة بخسة السعر. والمرأة في الأسر الموسرة أداة للترف بين يدي سيدها. إن دور المرأة في البلدان الإسلامية هو بين أن تصرف حياتها في العمل الشاق، أو تلبث متبطِّلة، ويكون همها الوحيد، في الحالة الأخيرة، أن تعتني بنفسها، لكي تدخل المتعة على نفس سيدها.
ولا نعرف وضعاً آخر للمرأة غير ذينيْك. ولم تكن النساء المسكينات مدركات لبؤس مصيرهن، إذ لم يكن يلتقين غير النساء، باستثناء بعض الرجال من قرابتهن. وبطبيعة الحال فقد كان الأثرياء هم وحدهم، الذي في مقدورهم أن ينعموا بترف الإكثار من النساء. وقد كان لبن الطاهر زوجتان في مدينة فاس، فاتخذ له هاتين المرأتين الأخريين كذلك، عند الحدود، لتكونا له متعة وتسلية، ولقد لزِمه أن يؤدي 40 دورو في الزنجية، أي ما يقرب من 100 مارك.
كنت أجد أن بن الطاهر لم يكن بالناجع ولا الفعال، إذ غالباً ما كنا نسمع عن إنزال البضائع المهربة في جهات من السواحل. لكن لم تكن بي رغبة، وقتئذ، لتقديم النصائح إلى الرجل العجوز، وكنت أترك له أن يفعل ما يعن له. وأياً ما يكن، فقد كنا ألذ أعداء رجال المركز التجاري، ولم أكن لأفاجأ عندما أرسل إليَّ الماجور أرسو برسالةٍ مساء يوم 14 - وكان يوم جمعة - يطلب مني أن آخذ حذري إذ يدبَّر في مار تشيكا لتفجير سفينة «التركي». ولقد سارعت، من فوري، إلى إبلاغ بن الطاهر بذلك الأمر، فكان نزولنا إلى البر، برغم الوقت المتأخر - فقد كان الوقت جاوز الثامنة - محاولين معرفة المزيد في ذلك الأمر.
حكى لي أرسو أن مشروع تفجير السفينة يقوم على الاقتراب ليلاً من سفينتنا بواسطة زورق ذي محرك يعود إلى رجال من المركز التجاري، عندما تكون في مدينة مليلية أو في الجزر الجعفرية، بأن يثبِّتوا فيها قنبلة تنفجر بمجرد ما يبتعد الزورق ذو المحرك. ولقد أضاف إسو أن هذا الخبر ورد عليه من الحاكم نفسه، ورجاني أن أكتمه. ولقد اعتقدنا، نحن الاثنين، أن الأمر قد لا يعدو أن يكون شائعة تمت إذاعتها بغرض إخافتِنا وحملنا على الابتعاد عن المنطقة. لولا أن ذلك قد دفعنا إلى التحلي بمزيد من الحرص واليقظة.
وفي تلك الليلة نفسها، أرسلْت ببرقية إلى الطريس، لأطلعه على ما سمعت، ثم قمت بزيارة بن الطاهر، وقد كان تلقى من فرتوت المعلومات نفسها التي بلغتني من أرسو. غير أن الأخبار التي جاءت من فرتوت كانت تفيد أن نية الأعداء في أن ينصبوا لنا لغماً في مار تشيكا، أو قبالة عجرود. أبرق بن الطاهر إلى الطريس بذلك، كما أخبره أنه سيظل منتطراًً، ولن يحرك ساكناً ما لم يتلق جواباً من الوزير. ثم صعدنا إلى متن السفينة.
جعلت حارسيْن في المقدمة من السفينة، واثنين في الوسط والخلف منها، كما جعلت بحاراً على سطحها. وكذلك ظل واحد منا، نحن الأوروپيين، ملازماً لمكانه في الأعلى. ولقد أعطيت الأمر إلى الرجال بإنذار جميع السفن التي تقترب من سفينتنا، فإذا لم يكن منها ردٌّ على الإنذار الثالث الذي نوجِّهه إليها، كان عليهم أن يطلقوا عليها النار، ويطلقوا صفارات الإنذار، ولقد لبثت، أنا أيضاً، فوق السطح حتى الساعة الثانية عشرة، وقد استغربت لرؤية جميع أولئك الجنود، والرماة، والرؤساء والخليفة مجتمعين في الأعلى. فلما لم يشأ أي واحد منهم أن يخلد إلى الراحة، سألتهم عن السبب، فعلمت أن بن الطاهر، في سورة خوفه القاتل من أن تُفجَّرَ به السفينة، قد أعطى أمره إلى الجميع بالبقاء فوق سطح السفينة، فيما لبث، هو نفسه، في خيمته يغمغم بالدعاء. غير أن الليل مر من دون حوادث، ودون أن يحدث ما يدعو إلى الريبة.
وفي اليوم الموالي شاهدت في البر الإسپانيين يقيمون عادة غاية في الحمق واللامعقول، فقد كان اليوم يوم الأحد الذي يسبق عيد القيامة.
وقام الإسپتانون بتعليق دمية، قبالة كنيسة الحامية، واتخذوا تلك الدمية من التبن، وقد علَّقوها إلى خيط جُعِل فوق الشارع، وقد جعلوا لها رأس يهودي. واقترب الجنود والموسيقى. وأخذوا في إطلاق النار على الدمية التي تحكي يهودا. وفي الوقت نفسه كان الأطفال يدرعون الشوارع في زرافات يجرُّون دمى من الأسمال قد أوقدوا فيها النار، تمثل، هي الأخرى، يهودا، الذي يكون، بذلك، لم يُكتفَ بشنقه، وإنما أُطلِقت عليه النار وأُحرِق. وفي 10 صباحاً سُمِعت جلبة قوية. وأخذ الجوق يعزف، والرصاص يلعلع، ورُفِعت الأعلام، بعد أن ظلت، إلى ذلك الحين، منكَّسة. ولقد التقيت أرسو، بطريق الصدفة، فسألتُه عن السبب من وراء ذلك الضجيج، فأوضح لي أن السبب في ذلك أن المسيح قد بُعِث في الأحد الذي يسبق على عيد القيامة في 10 صباحاً تحديداً. وقد كانوا يحتفلون بتلك اللحظة!
وفي 17 أبريل توصلنا برسالة وأخبار من الطريس. ولقد أخبرنا أنه توصل ببرقيتنا في ما يتعلق بالقنابل، وكتب إلينا بالتزام الحذر.
بدا أن السلطات الإسپانية قد حملت القضية على محمل الجد، وبالغت كثيراً في ذلك. فلقد جعلت سفينتين للحراسة تعسان في المرسى، وجعلت على متنهما بحاريْن غاية في التسلح.
وفي 18 أبريل علِمت أنه سيتم نقل بعض البضائع المهربة من سفينة شراعية كبيرة إلى سفينة أخرى صغيرة تكون ترسو في الخليج الواقع إلى أقصى الشمال الشرقي من رأس ثلث مداري، وأنه يُحتمَل أن تكون تلك المنقولات أسلحةً موجهة إلى الروغي بوحمارة. فلما أظلم الليل، خرجنا نبغي المكان المذكور، حتى يتسنى لنا أن نباغث المهربين بالجرم المشهود. ولقد جعلنا على أنوار سفينتنا حجباً تخفيها عن الأنظار، لكن، بالرغم من ذلك، سمعنا صوت طلقة نارية آتية من البر. ولقد فتَّشْنا ملياً، في أنحاء الخليج، فما وقعنا على شيء نرتاب فيه. فإذا كان للمهربين أن يعملوا على نقل تلك البضائع، فلا يمكنهم أن يقوموا بذلك إلا في جنح الظلام، ولا يظهروا في الخليج. وحيث لم تكن بحوزتنا كشَّافات، فقد أعجزَنا ذلك عن اكتشاف أي شيء.
ثم لم نلبث أن غادرنا ذلك المكان، بخفي حنيْن، وعدنا أدراجنا إلى مدينة مليلية، غير أننا لم نلبث أن رأينا، في الصباح الموالي، سفينة شراعية صغيرة تتوقف، وقاربين يسيران راسمين دوائر كبيرة حوالي مدينة مليلية، متجهين نحو مار تشيكا. وهذا يعني أن المهرِّبين قد أتقنوا «عملهم»، أمس، في ذلك الخليج. ولقد أفرغت السفينة حمولتها، وحملها القاربان، وتوجها بها صوب المركز التجاري. ولم يكن في الإمكان معرفة محتوى تلك البضائع المهرَّبة. فقد كان البعض يعتقد أنها لا تعدو أن تكون حمولة من التبغ، تمَّ إدخالها إلى مدينة مليلية من دون دفع الضرائب. غير أن رجلاً إسپانياً وصل في اليوم الموالي، زعم أن السفينة الشراعية قد سلَّمت أسلحة وذخيرة إلى بوحمارة.
لم تترك تلك الطلقة الليلية راحة للعجوز. ولقد طلب إليَّ أن أرافقه عند الحاكم، ليستفسر منه في م ينبغي لنا القيام به لو أننا تعرضنا للقصف من البر، علماً بأن أمره إلينا يقضي بأن نتحاشى كل حرب مع من في هذه المنطقة. ولقد حاولت أن أثني الرجل العجوز عن القيام بتلك الزيارة، مضطراً له بسخافة ذلك الأمر، إذ لم يكن في مقدورنا أن نثبِت أننا تعرضنا للقصف. فلم يشأ أن يقتنع بحججي، ولم أجد، في الأخير، بداً من مرافقته، لأحول، عند الاقتضاء، بينه وإتيان حماقات أخرى. ولقد استقبلنا الحاكم استقبالاً بالغ الود. حتى إذا استمع إلى ملتمس بن الطاهر لم يتمالك نفسه من الضحك. ولقد أكد لنا أن من الطبيعي تماماً أن ندافع عن أنفسنا في حالة تعرضنا للهجوم. وفي تلك الحال سيكون سكان تلك المنطقة، وليس نحن، من أخلَّ بمبدأ الحياد،. ولقد أخبرنا الحاكم، خلال ذلك اللقاء، أنه تلقى رسالة من السفير الإسپاني في مدينة طنجة، يخبره فيها أن الطريس اشتكى من عرقلته، هو الحاكم، لحريتنا في التحرك. وقد كان بن الطاهر أخبر الطريس أنه لم يعد في مقدوره فعل شيء، لأنه أصبح ممنوعاً من القيام بأي تدخل في نواحي مدينة مليلية! ولقد صرَّحت للحاكم، فور ذلك، أنني أجهل بالمعلومات التي يكون قدمها بن الطاهر إلى الوزير المغربي، وأنني أتفهم جيداً أمره إلينا أن ندع النواحي القريبة من مليلية في سلام، لكي لا نعرقل ما يجري فيها من تجارة. وعندئذ، قدم الجنرال عرضاً مسهباً لبن الطاهر، يفسِّر له فيه، مرة أخرى، السببَ الذي دفعه لأن يطلب منا أن نتلافى كل اشتباك في منطقة معينة، في نواحي مدينة مليلية، وفي الختام، عبَّر لنا الحاكم، مرة أخرى، عن وده وتعاطفه، ووعد بأن يمدنا بكل ما نطلب إليه من العون المشروع.
أظهرت لي هذه المحادثة، مرة أخرى، أن قائد بعثتنا العجوزَ لا يناسب المنصب الذي وضع فيه، وازداد تقديري له في التناقص. ولقد تعيَّن عليَّ أن أكاتب الطريس في بعض الأمور مما يتعلق بسفيتنا، فاغتنمت تلك الفرصة لأدُسَّ بعض الملاحظات الشخصية في شأن بن الطاهر، فلقد عبَّرت في تلك الرسالة عن قناعتي من أننا ما دمنا تحت قيادته، فلن نتأذى إلى أي شيء مما ينتظر المخزن منا، كما أخبرت الطريس أننا نمضي أكثر مما يلزم من الوقت في مليلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.