كأس الكونفدرالية الإفريقية.. نهضة بركان يتأهل للنهائي بعد انسحاب اتحاد العاصمة الجزائري    البطولة الوطنية الاحترافية "إنوي" للقسم الأول (الدورة ال27).. المغرب التطواني يتعادل مع ضيفه يوسفية برشيد 0-0    السيام 16 حطم روكور: كثر من مليون زائر    ماذا بعد استيراد أضاحي العيد؟!    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس الجائزة الكبرى لجلالة الملك للقفز على الحواجز    اتحاد العاصمة ما بغاوش يطلعو يديرو التسخينات قبل ماتش بركان.. واش ناويين ما يلعبوش    تعميم المنظومتين الإلكترونييتن الخاصتين بتحديد المواعيد والتمبر الإلكتروني الموجهة لمغاربة العالم    الدرهم يتراجع مقابل الأورو ويستقر أمام الدولار    أشرف حكيمي بطلا للدوري الفرنسي رفقة باريس سان جيرمان    طنجة تتصدر مقاييس التساقطات المطرية المسجلة خلال يوم واحد.. وهذه توقعات الإثنين    بعد كورونا .. جائحة جديدة تهدد العالم في المستقبل القريب    حماس تنفي خروج بعض قادتها من غزة ضمن "صفقة الهدنة"    الاستقلال يترك برلمانه مفتوحا حتى حسم أعضاء لجنته التنفيذية والفرفار: الرهان حارق (فيديو)    جمباز الجزائر يرفض التنافس في مراكش    احتجاج أبيض.. أطباء مغاربة يطالبون بحماية الأطقم الصحية في غزة    مقايس الامطار المسجلة بالحسيمة والناظور خلال 24 ساعة الماضية    طنجة.. توقيف شخص لتورطه في قضية تتعلق بالسرقة واعتراض السبيل وحيازة أقراص مخدرة    لتخفيف الاكتظاظ.. نقل 100 قاصر مغربي من مركز سبتة    الأسير الفلسطيني باسم خندقجي يظفر بجائزة الرواية العربية في أبوظبي    بيدرو سانشيز، لا ترحل..    محكمة لاهاي تستعد لإصدار مذكرة اعتقال ضد نتنياهو وفقا لصحيفة اسرائيلية    "البيغ" ينتقد "الإنترنت": "غادي نظمو كأس العالم بهاد النيفو؟"    الفيلم المغربي "كذب أبيض" يفوز بجائزة مهرجان مالمو للسينما العربية    اتفاق جديد بين الحكومة والنقابات لزيادة الأجور: 1000 درهم وتخفيض ضريبي متوقع    اعتقال مئات الطلاب الجامعيين في الولايات المتحدة مع استمرار المظاهرات المنددة بحرب إسرائيل على غزة    بلوكاج اللجنة التنفيذية فمؤتمر الاستقلال.. لائحة مهددة بالرفض غاتحط لأعضاء المجلس الوطني        بيع ساعة جَيب لأغنى ركاب "تايتانيك" ب1,46 مليون دولار    نصف ماراطون جاكرتا للإناث: المغرب يسيطر على منصة التتويج    دراسة: الكرياتين يحفز الدماغ عند الحرمان من النوم    توقيف مرشحة الرئاسة الأمريكية بسبب فلسطين    حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي على عزة ترتفع إلى 34454 شهيدا    الدورة 27 من البطولة الاحترافية الأولى :الحسنية تشعل الصراع على اللقب والجيش الملكي يحتج على التحكيم    التاريخ الجهوي وأسئلة المنهج    طنجة "واحة حرية" جذبت كبار موسيقيي الجاز    تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية لفن الخطابة    شبح حظر "تيك توك" في أمريكا يطارد صناع المحتوى وملايين الشركات الصغرى    الفكُّوس وبوستحمّي وأزيزا .. تمور المغرب تحظى بالإقبال في معرض الفلاحة    المعرض الدولي للفلاحة 2024.. توزيع الجوائز على المربين الفائزين في مسابقات اختيار أفضل روؤس الماشية    نظام المطعمة بالمدارس العمومية، أية آفاق للدعم الاجتماعي بمنظومة التربية؟ -الجزء الأول-    مور انتخابو.. بركة: المسؤولية دبا هي نغيرو أسلوب العمل وحزبنا يتسع للجميع ومخصناش الحسابات الضيقة    خبراء "ديكريبطاج" يناقشون التضخم والحوار الاجتماعي ومشكل المحروقات مع الوزير بايتاس    الحبس النافذ للمعتدين على "فتيات القرآن" بشيشاوة    المغرب يشارك في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي بالرياض    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    صديقي: المملكة قطعت أشواط كبيرة في تعبئة موارد السدود والتحكم في تقنيات السقي    مهرجان إثران للمسرح يعلن عن برنامج الدورة الثالثة    سيارة ترمي شخصا "منحورا" بباب مستشفى محمد الخامس بطنجة    خبراء وباحثون يسلطون الضوء على المنهج النبوي في حل النزاعات في تكوين علمي بالرباط    رسميا.. نزار بركة أمينا عاما لحزب الاستقلال لولاية ثانية    ابتدائية تنغير تصدر أحكاما بالحبس النافذ ضد 5 أشخاص تورطوا في الهجرة السرية    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عزيز بلال.. المفكر الملتزم ومنظر الحزب والعالم النامي
نشر في بيان اليوم يوم 23 - 05 - 2013

يندرج هذا المقال، في إطار تخليد ذكرى وفاة شهيد الحزب والوطن والعالم النامي والتقدمي، عزيز بلال، الذي يعتبر المنظر الأيديولوجي للحزب، والخبير الاقتصادي الكفء والمقتدر. فقد وضع علمه وخبرته في خدمة الجامعة المغربية وبلده والعالم النامي، وخاصة بلدان إفريقيا جنوب الصحراء كأنكولا والموزنبيق، والتي لا يزال جزء كبير من شعوبها يتخبط في التخلف وعدم الاستقرار السياسي.
ويرجع الفضل إلى عزيز بلال، في تحليل ظاهرة التخلف في أبعادها التاريخية والسوسيواقتصادية والثقافية والجغرافية، وسبل تجاوزها بالمغرب. ويتقاسم معه نفس التحاليل والأفكار مفكرون تقدميون من عيار سمير أمين بمصر، وملتون سانتوس بأمريكا اللاتينية، وإيف لاكوست بفرنسا، ويوري بوبوف بالاتحاد السوفياتي سابقا.
سوف نركز في هذا المقال، على بعض الجوانب المرتبطة بشخصية عزيز بلال المناضل الصلب الذي لا يضعف أمام إغراءات المال والسلطة والجاه، والمفكر العضوي الذي ربط بين النضال بالقلم والممارسة في الميدان، وحسن الإنصات في تواضع، للجماهير الكادحة التي كان يساندها وينظمها ويوجهها ويرفع من معنوياتها، والأستاذ الجامعي المميز الذي استطاع أن يستقطب، بطريق غير مباشر، إلى حزبه وتياره التقدمي والثوري مئات المثقفين والباحثين المتأثرين بتحاليله الثاقبة، وشمولية أبحاثه التي لا تقتصر على الجانب الاقتصادي، بل تتعداه إلى دراسة شاملة لظاهرة التخلف. وقد توجها بإصدار عصارتها في كتابه الذائع الصيت: التنمية والعوامل الغير اقتصادية
ولابد لي أن أدلي بشهادات تدخل في تدوين أرشيف الحزب، حول رصانة تحاليل هذا المفكر المبدع، وحصافة مواقفه في منعطفات حاسمة من تاريخ الحزب والبلد ومنها موقفه من القضية الوطنية والمسلسل الديموقراطي. وإن معظم الأفكار والمعلومات الواردة في هذا المقال تستند على ما سجلته في ذاكرتي السياسية، خلال عقد من الزمن، كنت شاهد عيان في الفترة المعاصرة التي عاش فيها المرحوم عزيز بلال بالرباط والدار البيضاء (1968- 1981) والتي تصادف انخراطي في حزب التحرر والاشتراكية المحظور ونضالي به (1970-1974) ثم مناضلا في العلنية بحزب التقدم والاشتراكية منذ تأسيسه سنة 1974 إلى اليوم (2013)، مما سهل احتكاكي بالرفيق عزيز بلال في عدة مناسبات، تمثلت في اللقاءات والاجتماعات الحزبية والتجمعات الجماهيرية وعبر حضور المحاضرات التي كان ينشطها برحاب جامعة محمد الخامس وفضاءات مدينة الرباط (كالمنبع بأكدال)، وأنا آنذاك، شاب مناضل بالخلية الطلابية الحزبية بجامعة محمد الخامس، «طلبة أنصار التحرر والاشتراكية» التي كان هو نفسه الموجه لنضالاتها، ثم اتصالي به لاحقا كأستاذ نقابي بالثانوي بسلا والرباط حيث جمع بيننا النضال المشترك بمركزية الاتحاد المغربي للشغل، ثم كزميل له لاحقا، بجامعة محمد الخامس وجمع بيننا أيضا النضال المشترك في إطار النقابة الوطنية للتعليم العالي التي كنا ننشط فيها معا إلى حين وفاته سنة 1981.
1. الربط الجدلي بين التحرر الوطني وتعميق الديموقراطية، وضرورة تواجد حزب من طراز التحرر والتقدم والاشتراكية.
ظل عزيز بلال يربط جدليا بين التحرر الوطني الذي يعني النضال المستميت من أجل استرجاع الصحراء الغربية المغربية إلى حظيرة الوطن، وتعميق الديموقراطية، وانتزاع الحقوق لفائدة الطبقات الكادحة، والوصول إلى التوافقات مع الغريم بدون التنازل عن المبادئ التقدمية. في هذا الإطار أتذكر جيدا، موقفا يحسب له، حين بشرنا بابتسامته المتفائلة التي تبعث الأمل، في اجتماع سري لأعضاء لجنة ناحية الرباط لحزب التحرر والاشتراكية المحظور آنذاك، ليلة الخروج من السرية إلى العلنية؛ بشرنا بميلاد حزب التقدم والاشتراكية بتاريخ 23 غشت من سنة 1974 والذي يعتبر امتدادا لحزب التحرر والاشتراكية، ووريثا الحزب الشيوعي المغربي. وكان ذلك بمنزل والدته رحمها الله بحي أكدال ، المجاور لساحة بوركون، بالرباط، بحضور ثلة من المناضلين.
كان الرفيق عزيز بلال هو الكاتب الأول لناحية الرباط منذ مطلع الستينات إلى حين استقراره بالدار البيضاء منتصف السبعينات حيث سيخلفه في هذه المسؤولية الرفيق محمد مشارك. وبدا الرفيق جد منشرحا وهو يعلن الخبر السار بانتهاء العمل السري بانتزاع الحزب حقه، كباقي الأحزاب، في العمل السياسي العلني.
ولكن الرفاق المناضلين في صفوف حزب التحرر والاشتراكية، لم يثقوا أبدا في النظام المستبد آنذاك، لأنهم ذاقوا مرارة العمل السري، نظرا للقمع المسلط عليهم وعلى كل القوى التقدمية في زمن الرصاص، وتعقب أعوان السلطة والأمن لكل تحركاتهم، والزج بعدد منهم في دهاليز الكوميساريات، وأحيانا في السجون، وتعرض جريدة البيان الصادرة سنة 1972 للحجز والمنع، وقبلها جرائد الكفاح الوطني الصادرة سنة 1966، والمكافح (1960-1966) للحجز تارة، والمنع تارة أخرى ولعدة أشهر؛ كل هذا جعل الثقة منعدمة بين الرفاق والحكم. ولذا كان الرفاق حذرين من كل مبادرة تصدر عن النظام المخزني المستبد.
في هذا اللقاء السري، طرحت شخصيا سؤالا مباشرا على الرفيق عزيز بلال، مؤطر الاجتماع السري بمنزل والدته بالرباط، يلخص هواجس الرفاق الذين كانوا يشتغلون في السرية، في إطار حزب التحرر والاشتراكية ونحن في ليلة ميلاد حزب التقدم والاشتراكية، قائلا: «رفيقي العزيز، هل الحزب متأكد من نوايا الحكم بالسماح لحزبنا بالعمل في إطار المشروعية والقانونية كباقي الأحزاب الأخرى؟ وهل نثق في قرار الحكم برفع المنع عن أنشطة حزبنا بأنه صادق؟ ألا يمكن أن يكون هذا القرار مجرد خدعة سياسية من النظام، لتكون مصيدة دبرها الحكم للإيقاع بالرفاق والمناضلات بعد التعرف عليهم وعلى مواطن تواجدهم الجغرافية وأماكن عملهم وسكنهم، لإلقاء القبض عليهم لاحقا، وحظر الحزب مرة أخرى، كما فعل مع الحزب الشيوعي المغربي في نهاية خمسينيات القرن 20 ومع حزب التحرر والاشتراكية في نهاية الستينيات؟
وكعادته، ابتسم الرفيق عزيز، وكان رده مقنعا ومطمئنا، بل كان جوابه في غاية العمق والحكمة والرزانة وبعد النظر والتفاؤل الثوري في استشراف المستقبل. ولن أنس أبدا، عمق وصدق جواب الرفيق عزيز بلال، وأنا ذلك الشاب اليافع المتمرد على النظام، كباقي الرفاق، الذين لا يثقون في وعود الحكم ومكايده ضد المناضلات والمناضلين في عهد السرية. أجاب الرفيق عزيز قائلا: إذا كان للحكم حساباته، التي لا شك فيها، فنحن أيضا لنا حساباتنا واستراتيجيتنا كمناضلين غيورين على بلدنا وشعبنا. إن شعبنا الآن، يخوض معركة حاسمة لتحرره الوطني، ويمر بلدنا بمرحلة دقيقة وعصيبة، تستدعي تعبئة كل الطاقات البشرية الوطنية، وتعزيز الجبهة الداخلية لاسترجاع أقاليمنا الصحراوية وتوطيدها، وهذا لن يتأتى إلا مع تعميق المسلسل الديمقراطي.
في هذا الإطار، يضيف الرفيق عزيز بلال، فإن حزب التقدم والاشتراكية الذي سيخرج إلى الوجود كامتداد للتحرر والاشتراكية، يعتبر معادلة سياسية وازنة وحاسمة في المشهد السياسي المغربي، وأساسا في معركة استرجاع الصحراء الغربية المغربية. وبالتالي لا خيار ولا مفر للنظام من الاعتراف بوجود حزبنا، كقيمة مضافة في المشهد السياسي المغربي، نظرا لوزن الحزب في الداخل، وإشعاعه الدولي في الخارج، وعلاقاته المتينة مع القوى الاشتراكية والثورية والتقدمية في العالم. وهذا يتطلب مع ذلك، ضرورة إقناع هذه القوى الصديقة، بعدالة قضيتنا الوطنية كمسألة تحرر وطني، ضد بقايا مستعمر غاشم محتل لجزء من أرضنا، لدعم القضية الوطنية، وقطع الطريق أمام خصوم وأعداء وحدتنا الترابية.
وأردف الرفيق عزيز في تحليله قائلا: إن مشكل الصحراء جد معقد إقليميا، ودوليا في ظروف حرب باردة. ومن المستحيل حل مشكل الصحراء حتى في ظرف العشر سنوات القادمة. ولذلك، لا يمكن للحكم منعنا في خضم المعركة التي نخوضها إلى جانب القوى الحية في البلاد لاسترجاع الأرض، وتوطيد الوحدة الترابية.
ونظرا لحنكة الرفيق عزيز بلال السياسية وبعد نظره، فقد ربط بين تحرير الأرض، وتعميق المسلسل الديموقراطي، الذي أنطلق فعلا مع المسيرة الخضراء سنة 1975، والذي يتوافق تماما مع قرار رفع المنع عن أنشطة الرفاق مناضلي حزب التحرر والاشتراكية بخروجهم إلى العلنية، في إطار حزب جديد، هو التقدم والاشتراكية سنة 1974، كامتداد للتحرر والاشتراكية.
هذه الرؤية الثاقبة والصافية التي تميز بها الرفيق عزيز بلال، وتفاؤله الثوري في المستقبل، تجعل منه ذلك السياسي المحنك الذي خبر السياسة، فصدقت توقعاته التي لا زلنا نعيش أطوارها؛ سواء تعلق الأمر بمشكلة الصحراء التي مرت عليها أزيد من 38 سنة ولم تعرف بعد، حلا نهائيا، نظرا لشراسة الخصم الجزائري والوضع الدولي. كما أن مسلسل الديموقراطية، ورغم الأشواط الإيجابية التي قطعها، والوزن السياسي الذي أصبح يحظى به حزبنا على الساحة الوطنية، وتدبيره للشأن العام المحلي والحكومي، بعد أن كان عمله محظورا لعقود من الزمن، فلا زال المد والجزر يطبع المسلسل الديمقراطي، وهذا، رغم المكاسب التي حققها شعبنا وقواه الحية الوطنية والتقدمية والثورية في عدة ميادين ومنها، العمل بدستور 2011 بعد الربيع الديمقراطي، والذي لم تفعل لحد الساعة، معظم بنوده، بما فيه الكفاية.
كان هذا الجواب الشافي والواقعي ينم عن بعد نظر يفتح الآفاق الرحبة أمام المناضلين؛ فهو مناضل مؤمن بالعمل الجماهيري، متفائل بنتائجه المستقبلية. إن الرفيق عزيز بلال برؤيته الواضحة للمستقبل، قد خبر الحياة السياسية ميدانيا، وتعمق قي الفكر الاشتراكي المتنور في دينامية وجدلية مستمرة، بعيدا عن التحجر السياسي، واليأس القاتل، والعمل السياسي المزيف والمصطنع. إنه المناضل الغيور على بلده كمنتخب بالدار البيضاء، قلعة الطبقة العاملة، وكقائد محلى وإقليمي لحزبه في الميدان، وموجها له في اللجنة المركزية، ومنفذا لقراراتها في الديوان السياسي. وهو إضافة إلى هذا وذلك، المثقف الثوري الذي يعمل في أفق تحقيق المشروع المجتمعي كاستراتيجية.
2. إشعاع الرفيق عزيزبلال في الميدان الفكري في حياته وبعد مماته وتعلق الباحثين به.
في نقطة ثانية، سأعطي بعض الجوانب التي تبرز إشعاعه في ميدان الفكر في حياته ومماته، وتعلق الباحثين بأفكاره الواضحة التي نشرها عبر طلبته، ورفاقه، وكل من تلقى دروسا حول فكره ومشروعه المجتمعي، للخروج من التبعية والتخلف إلى الانعتاق والتنمية، بدون المرور بكل المراحل التي مرت منها الدول المتقدمة.
أنجز الراحل أطروحة دكتوراه دولة في علم الاقتصاد حول الاستثمارات الأجنبية بالمغرب خلال فترى الحماية ومطلع الاستقلال (1912-1964). وهو عمل جاد ورصين يظل مرجعا أساسيا لكل باحث في هذه الفترة، نظرا لعمق التحليل وشمولية الرؤيا وإعطاء اقتراحات لتجاوز الأوضاع التي ساهم فيها الاستعمار الترابي والاقتصادي لبلادنا وشعبنا وكذا القوى الرجعية التي عملت على كبح مخطط التنمية في حكومة عبدالله إبراهيم.
ويسعدني أن أشير إلى جوانب من شخصية عزيز بلال كأستاذ متميز للاقتصاد بجامعة محمد الخامس، وجامعة الحسن الثاني، ومؤثر في محيطه الجامعي والسياسي، وكيف كان يراه ويتمثله طلبته، وأصداء أفكاره في الأوساط الطلابية وفي أوساط الباحثين في الاقتصاد السياسي وقضايا العالم النامي.
لقد طبع عزيز بلال عدة أجيال طلابية في أول جامعة عصرية بالمغرب رغم قصر عمره. كان طلبته معجبين بدروسه وأفكاره وتحاليله العميقة وبعد نظره، حيث صنفوه في خانة كبار علماء الاقتصاد ومنظري العالم النامي من عيار سمير أمين، ويوري بوبوف العالم السوفياتي الذي ألف معه كتابا مشتركا حول ظاهرة التخلف بالعالم النامي وسبل الانعتاق من التبعية، والتحرر الاقتصادي والاجتماعي. وقد نشر الكتاب بعد وفاة المرحوم عزيز بلال بموسكو سنة 1987، تحت عنوان: تركبة التخلف في الماضي والحاضر والمستقبل.
ولذا انخرط عدد من الباحثين من تلقاء أنفسهم في صفوف حزب التحرر والاشتراكية المحظور، وفي حزب التقدم والاشتراكية، لتأثرهم بأفكار عزيز بلال بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، نظرا لجاذبيتها وصدقية مؤلفها. ولا زال كتابه «التنمية والعوامل الغير اقتصادية» يحتفظ بالراهنية في معظم فقراته، وهي الخلاصة التي استخلصها عزيز بلال من عصارة أبحاثه كباحث وفاعل سياسي ونقابي وجمعوي، ربط البحث بالممارسة العملية الميدانية، قصد خدمة الصالح العام والطبقات الكادحة في بلده كجزء من البلدان النامية، باعتباره عالما دوليا يخدم القضايا العادلة في العالم والقيم الإنسانية السامية والسلم والرخاء في العالم.
في هذا الصدد فقد سررت بردود الفعل الإيجابية لطلبتي بجامعة محمد الخامس حول الخلاصات الخمس الواردة في مؤلف عزيز بلال حول إشكالية التخلف وسبيل التخلص منه، وهو الدرس الذي كنت ألقيه بمدرج إبن خلدون بكلية الآداب شعبة الجغرافيا جامعة محمد الخامس بالرباط في مادة «جغرافية التخلف» (1984-1989) والتي خصصت محورا أساسيا لفكر عزيز بلال حول قضايا التنمية في البلدان النامية. وفي كل لقاء مع بعض خريجي تلك الأفواج، أول ما يتذكرونه حين اللقاء بهم، هو فكر عزيز بلال وخلاصاته حول التخلف وسبل التنمية من خلال ذلك الدرس الذي يفتخرون به كقاعدة لتكوينهم الجامعي، ومنهم أساتذة جامعيون (حاليا بجامعة الأخوين وجامعات مغربية ..)، وأطر إدارية عليا، وأطر سلطة (رؤساء دوائر وعمال وولاة).
ورغم اختفائه الجسدي عنا، يظل الرفيق عزيز بلال رمزا للتضحية، والاستماتة في الدفاع عن الوطن في جدلية النضال من اجل تعميق الديموقراطية والتضامن مع الكادحين. ويظل منارة للوطن والمثقف الملتزم وفخرا لحزب التقدم والاشتراكية الذي كان يسميه عدد من المثقفين باسمه «حزب عزيز بلال». وهو ما جعلنا في قيادة الشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية في أول مجلس مركزي لها، وفي أول مكتب وطني لها، ومع أول كاتب أول لها هو الرفيق أحمد سالم لطافي، حين كان الرفيق عبدالله العياشي في الديوان السياسي، مواكبا لها وللمنظمات الجماهيرية، أسسنا منظمة الطلائع في منتصف الثمانينات وأطلقنا عليها إسم عزيز بلال، تيمنا بهذا المناضل الفذ، ليكون أحسن خلف لخير سلف : «منظمة الطلائع، أطفال المغرب عزيز بلال» التي تشرفت رفيقتنا المناضلة رشيدة الطاهري، البرلمانية الحالية، كأول رئيسة لهذه المنظمة الطلائعية، التي عرفت توسعا في الكم والكيف، ويرأسها حاليا رفيقنا رشيد ركبان.
كما أن رفاق عزيز بلال في قيادة الحزب وقاعدته وفي أوساط مثقفيه لم يترددوا في تأسيس مركز علمي للبحث يحمل إسمه: «مركز عزيز بلال للدراسات والأبحاث» الذي يرأسه رفيقنا محمد الشيكر، أحد الباحثين الذين تتلمذوا على الرفيق عزيز بلال في مدرجات كلية الحقوق، بجامعة محمد الخامس بالرباط.
وقد حاولنا كمستشارين منتخبين باسم الحزب في جماعة أكدال الرياض (2003-2009) اقتراح تسمية أحد شوارع العاصمة باسم عزيز بلال. ولكن السلطات لم تستجب لهذا الطلب، كتكريم لزعيم سياسي وأستاذ جامعي جليل، وهو أيضا تشريف للعاصمة باسم هذا المناضل الوطني الدولي الذائع الصيت.
خلاصة عامة
كان الرفيق عزيز بلال مناضلا ورمزا من رموز الحزب، صلبا ضد الرجعية المحلية، والامبريالية بدون هوادة حتى ولو كلفه ذلك التضحية بروحه الطاهرة، وهو في بداية عقده الخامس، في عز عطائه السياسي، والثقافي والفكري التقدمي، حين اختنق بغرفته في فندق بقلعة الإمبريالية في ظروف غامضة، والتي سيكشف التاريخ عن كل الحقيقة، آجلا أم عاجلا، وهو يؤدي واجبه كمواطن منتخب، كان يمثل مدينة الدار البيضاء ضمن الوفد المغربي بمدينة شيكاكو. ومما يدعو إلى الاستغراب هو أن كل مرافقيه من أعضاء الوفد المغربي رجعوا إلى البلد، باستثناء عزيز بلال. وبذلك يعتبر فقدانه خسارة كبرى لحزبه وطلبته وعائلته و بلده وشعبه، وبلدان العالم النامي التي سخر خبرته لخدمة شعوبها السائرة في طريق النمو.
ونختم المقال بشعرنا الخالد: سنمضي، سنمضي إلى ما نريد، وطن حر وحزب عتيد. ويا عزيز بلال، لا زلنا على الطريق.
رحم الله شهيد الحزب والوطن عبدالعزيز بلال. ودام فكره وروحه ونضاله قدوة لنا وللأجيال الصاعدة.
أستاذ جامعي مناضل حزب التحرر والاشتراكية ثم حزب التقدم والاشتراكية
Abdel Aziz BELAL, 1980, Développement et facteurs non économiques, SMER, Rabat.
2 أشكر في هذا الصدد الرفيق محمد مشارك، على تفضله بتدقيق تواريخ بعض الأحداث في زمن الرصاص والحظر الذي تسلط على حزب التحرر والاشتراكية (1968-1974)، لكونه كان عضوا بمكتب ناحية الرباط في الفترة التي كان فيها الرفيق عزيز بلال كاتبا أولا للناحية رفقة الرفاق إسماعيل العلوي وفتحي لخضر والمهدي بنشقرون وحسن لمباركي وأبهات أحمد، والسربوتي أحمد، والعربي الياسني...
3 Abdel Aziz BELAL, 1968, L'investissement au Maroc (1912-1964) et ses enseignements en matière de développement économique, Paris, Monton
4 Abdel Aziz BELAL, Youri POPOV, 1987, La formation du sous-développement, passé, présent, futur, Edition du Progrès (Manuel des sciences sociales), Moscou.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.