اجتماع وزاري لتفعيل التوجيهات الملكية بشأن إعادة تكوين القطيع الوطني للماشية    اجتماع وطني لإطلاق خطة إعادة تكوين القطيع تنفيذا للتوجيهات الملكية    السكوري .. الذكاء الاصطناعي سيؤثر بشكل عميق على علاقة المجتمع بوقت العمل    أسعار النفط تقفز بأكثر من 12 بالمئة بعد الضربات الإسرائيلية لإيران    طيران الإمارات تعلن إلغاء رحلاتها من وإلى العراق والأردن ولبنان وإيران    ليبيا تؤكد دعمها لقافلة "الصمود المغاربية" وتدعو لاحترام الضوابط المصرية لعبور غزة    اللائحة الرسمية لفريق الوداد الرياضي في كأس العالم للأندية لكرة القدم    ترقية شرطي صدمه مروج مخدرات بالبيضاء إلى ضابط أمن ممتاز    إطلاق برنامج لتأهيل سجناء مدانين بالإرهاب تقل أعمارهم عن 20 سنة    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    توقيف مشتبه فيه ظهر في فيديو يوثق واقعة سرقة بالشارع العام    السبحة.. هدية الحجاج التي تتجاوز قيمتها المادية إلى رمزية روحية خالدة    عجز السيولة البنكية يتفاقم إلى 127 مليار درهم من 5 إلى 11 يونيو    نسبة الإنجاز في الشطر الثالث من مشروع الطريق السيار جرسيف-الناظور تصل إلى 50%    مرحبا2025.. هذه هي المنتجات الممنوع على الجالية إدخالها إلى المغرب    جامعة مولاي إسماعيل تنظم المنتدى الدولي الأول "مكناس مدينة ذكية"    رئيس رجال أعمال مليلية.. معبر بني أنصار لا يخدم سوى فئة محدودة    وداعا للمشقة الإدارية.. مركز بلجيكي جديد يبسط طريق الطلبة نحو أوروبا    إسرائيل تضرب قلب إيران النووي وتصفي قادة "الحرس الثوري" وعلماء    لوديي يقدم ملامح خطة وطنية لحماية الفضاء الرقمي وتعزيز الأمن السيبراني    بركة: سياسة بناء السدود التي قادها جلالة الملك رافعة أساسية لتعزيز الصمود في تدبير الماء    مهرجان حب الملوك بمدينة صفرو يتوج ملكة جمال حب الملوك    أسماء غنائية عربية تعتلي خشبة موازين في دورته العشرين    30 درهم لمتابعة قمة الجيش ونهضة بركان في ربع نهائي كأس العرش    رمزية بدون شرعية: تجاوز الرمز وخيانة المعنى في مبادرات الشباب المغاربة بإسرائيل    الصادرات المغربية إلى الصين تسجّل نموًا لافتًا.. وآفاق واعدة بفضل الإعفاء الجمركي الشامل    الرباط.. التأكيد على ضرورة تعزيز التعاون المغربي-الفرنسي، لاسيما في المجال البرلماني    ارتفاع أسعار النفط العالمية بأكثر من 12 في المائة على خلفية العدوان الإسرائيلي على إيران    مغرب الحضارة : إفريقيا اليوم لم تعد تنفع معها خطط الإرشاء والتحريف … ولم يعد يليق بها جلباب الاستعمار … !!!    الأخوان عبد الله وزكريا الوزان يلتحقان بنادي ريال مدريد    غوارديولا: "آسف ولكن لن أقول إن يامال مثل ميسي"    بطولة ايطاليا.. البلجيكي دي بروين ينتقل الى نابولي    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء سلبي    حسنية أكادير يتعاقد رسميا مع أمير عبدو مدربا جديدا للفريق    يونايتد يكمل إجراءات انتقال ماتيوس    إسرائيل تعلن تنفيذ ضربة استباقية ضد إيران وتحذر من رد وشيك    جيش الأردن يعترض صواريخ ومسيّرات    اغتيال كبار العلماء النوويين الإيرانيين    حركة تعيينات جديدة تعيد رسم خارطة المسؤوليات القضائية    ما أحوجنا إلى أسمائنا الحقيقية، لا إلى الألقاب!    مُحَمَّدُ الشُّوبِي... ظِلُّكَ الْبَاقِي فِينَا    هل تم إضعاف مكافحة الفساد؟    الهجوم الإسرائيلي على إيران يهدد بإشعال حرب إقليمية غير مسبوقة ويرفع أسعار النفط    المجموعات الغنائية بحلة أركسترالية بالبيضاء.. 50 عازفا موسيقيا لأول مرة بالهواء الطلق ضمن "أرواح غيوانية"    المجلس الأعلى للسلطة القضائية يصادق على لائحة جديدة من التعيينات في مناصب المسؤولية القضائية        شهادات مرضى وأسرهم..    كاظم الساهر يغني لجمهور "موازين"    مشاكل الكبد .. أعراض حاضرة وعلاجات ممكنة    فاس.. "نوستالجيا عاطفة الأمس" تعيد بباب الماكينة إحياء اللحظات البارزة من تاريخ المغرب    قانون ومخطط وطني لمواجهة ظاهرة الحيوانات الضالة بالمغرب        تفشي الكلاب الضالة في الناظور: مخطط وطني لمواجهة الخطر الصحي المتزايد    إمارة المؤمنين لا يمكن تفويضها أبدا: إعفاء واليي مراكش وفاس بسبب خروقات دستورية    متحور ‬كورونا ‬الجديد ‬"NB.1.8.‬شديد ‬العدوى ‬والصحة ‬العالمية ‬تحذر    السعودية تحظر العمل تحت الشمس لمدة 3 أشهر    السعودية تحظر العمل تحت أشعة الشمس لمدة ثلاثة أشهر في جميع منشآت القطاع الخاص    كأنك تراه    









مشروع القانون المالي 2011...
نشر في بيان اليوم يوم 07 - 11 - 2010

لحظة سنوية لنقاش وطني واسع حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمالي للبلاد
يشكل تقديم مشروع القانون المالي من قبل الحكومة أمام البرلمان انطلاقة لنقاش وطني عام وواسع حول السياسات الحكومية لسنة كاملة في كل قطاع من القطاعات. في ذات الوقت تشهد هذه الفترة من تقديم المشروع، (من ال20 من أكتوبر إلى لحظة التصويت عليه أواخر شهر دسمبر)، جدلا للأفكار والنظريات في مجال السياسة وتدبير المجال الاقتصادي والمالي، كما تعرف تطارحا للمصالح الفئوية والسوسيو-مهنية بارتباط مع إكراهات الظرفية على المستويين الوطني والعالمي. ولا غرابة أن تتكثف تلك النقاشات وتطارح الأفكار والنظريات في الاقتصاد السياسي، فالقانون المالي هو بامتياز الأداة المالية الرئيسية لتدخل الحكومة في الاقتصاد والمجتمع، والإطار العام لسياستها الاقتصادية والمالية خلال السنة الجديدة.
وللسنة الثالثة على التوالي يتم وضع مشروع قانون مالي وسط ظرفية تتسم باستمرار تداعيات الأزمة المالية العالمية وتأثيراتها السلبية على عدد من القطاعات الاقتصادية الوطنية.
التداعيات السلبية لتلك الأزمة انعكست، بالخصوص، على المالية العامة جراء تضرر المداخيل الضريبية للدولة (التي سجلت تراجعا بنسبة 2 في المائة عند نهاية يوليوز الماضي مقارنة مع الفترة ذاتها من 2009)، وتردي مستوى ميزان الأداءات (الذي يعني نزيفا للعملة الصعبة)، فضلا عن آفاق غير مريحة بالنسبة لتطور مستوى نمو العديد من القطاعات، رغم التحسن النسبي المتوقع من قبل بعض تقارير الظرفية الاقتصادية.
وإضافة إلى هذه العناوين، التي تؤثث الظرفية الصعبة التي تبلور في ظلها مشروع القانون المالي 2011، يبرز عنوان عريض آخر يتمثل في كون المشروع تبلور في سياق الخروج (الذي لا يعني القطيعة) من سنتين من الاختلال الحاصل ما بين نفقات الدولة ومداخيلها.
على هذه الخلفية تم وضع المشروع الذي وصف بالميزانية «التقشفية»، مع أن وزير الاقتصاد والمالية لا يتفق على هذا الوصف، رغم أن الهدف يبقى هو عدم تفاقم الاختلال بين النفقات والمداخيل في وقت حصر المشروع عجز الميزانية في 3.5 في المائة، أي بانخفاض بنصف نقطة مقارنة مع 2010. من هنا تنبثق أولى نقط الجدال، داخل مكونات المجتمع، جدال يتمحور حول كيفية إيجاد حل للمعادلة الصعبة: الحفاظ على التوازنات الماكرو- اقتصادية من جهة، ومواصلة وتيرة دعم النمو الاقتصادي، وتمويل القطاعات الاجتماعية لكي لا يحصل تفاقم في الاختلالات الاجتماعية من جهة ثانية.
هناك إذن معادلة رئيسية كبرى حاول المشروع معالجتها، لكن هذه المعالجة لا تحظى بقبول الكل. أعني بذلك عدم الحياد على ثابت التحكم الصارم في مستوى عجز الميزانية في إطار الحفاظ على التوازنات الماكرو- إقتصادية لما لهذا العامل من أهمية بالنسبة لواضعي المشروع في مجال الحفاظ على ثقة المستثمرين والمؤسسات المالية الدولية والمانحة للقروض. وإذا كان هذا الثابت المتمثل في الحفاظ على التوازنات الماكرو- اقتصادية، أصبح يثير جدلا أقل بين الحكومة وعدد من الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، فإن الجدل مازال محتدما بخصوص هامش الاجتهاد والجرأة في مجال السياسات المالية والاقتصادية والاجتماعية والتي لا تخل كثيرا بتلك التوازنات. ومن ضمن مواضيع هذا الجدل، نسبة عجز الميزانية نفسه، حيث في الوقت الذي تلجأ فيه الحكومة إلى حصره في نسبة أقرب ما تكون إلى الصفر ولو تم اللجوء إلى الاقتراض من الخارج، هناك من يدعو إلى كسر الأرتوذوكسية في هذا المجال وعدم التردد في تمويل الاقتصاد وتحريك مجالات الشغل والاستثمار عن طريق العجز المالي ولو تجاوز 4 أو 5 في المائة إذا لزم الأمر.
ثمة عنوان رئيسي آخر في مشروع القانون المالي يثير الجدل. ففي الوقت الذي يرى فيه وزير الاقتصاد والمالية أن مشروع القانون المالي لسنة 2011 انبنى على توقعات تؤكد بكل واقعية مدى قدرة الاقتصاد المغربي على مواجهة آثار الظرفية غير المستقرة مع العمل على الاستفادة من إمكانات الانتعاش الاقتصادي الوطني والدولي, مما سيتيح مزيداً من تأكيد الثقة في الاقتصاد الوطني، يلاحظ آخرون على المشروع خضوعه للأزمة العالمية ولتداعياتها الداخلية؛ وبالتالي، عدم منح الحكومة نفسها هامشا كبيرا للمناورة والاجتهاد من أجل إيجاد مصادر للتمويل، واتخاذ إجراءات جريئة لإنعاش الاستثمار وجلب الرساميل الأجنبية. كما تبقى أهداف مشروع القانون المالي متواضعة، حسب هذه الآراء، سيما وأن المشروع يحدد 5 في المائة كنسبة نمو لسنة 2011 بدل النسبة التي تصلها عدد من الدول الصاعدة والتي تفوق 6 و7 في المائة كأقل تقدير.
ورغم ذلك لا يخلو المشروع من بعض الاجتهادات، حسب آراء أخرى. ففي الوقت الذي استحسن الكل مبادرة خلق صندوق الحسن الثاني للتجهيز في عز برامج التفويتات وخوصصة ممتلكات الدولة قبل عدة سنوات، وهو الصندوق الذي تدخل في العديد من المشاريع والأوراش الكبرى، أحدث مشروع القانون المالي 2011 صندوقا سيوجه حصريا للاضطلاع بدور رافعة لاستقطاب الاستثمارات، خاصة منها الأجنبية، وذلك عبر المساهمة في المشاريع التي تندرج ضمن القطاعات الواعدة ذات القيمة المضافة العالية لمواكبة الحاجيات المتنامية للاستراتيجيات القطاعية ومساهمتها في توطين التكنولوجيا ودعم التشغيل والتصدير والتنمية الجهوية. هذا الحساب سيتم تمويله من 50 في المائة من العائدات المالية الاستثنائية المتحصل عليها من فتح أو تفويت حصص من رساميل المؤسسات العمومية.
من الطبيعي أن هذا سيشكل جوابا مسبقا على التساؤلات حول مصير عائدات الخوصصة بكونها لن تمول عجز الميزانية بل ستذهب، على الأقل في 50 في المائة منها، للاستثمار. وفي تأكيده على ذلك أوضح مزوار أن الحكومة تتوخى من هذه المبادرة تجسيد منظور جديد لتدبير الميزانية يكرس استقلالها عن المداخيل المتحصلة عن الخوصصة وفتح رساميل المؤسسات العمومية، «ما دام نضج مسارنا التنموي يؤهلنا لتحقيق التوازن المالي من عائدات النمو» ، يقول وزير الاقتصاد والمالية.
وكما يحدث من جدل حول السياسة المالية والاقتصادية، لا يخلو المجال الاجتماعي من نقاشات حادة حول ما تضمنه مشروع القانون المالي في هذا الصدد. فالحكومة تقول أن نسبة هامة من ميزانية الدولة ستحظى بها القطاعات الاجتماعية، وقد تضمن مشروع القانون المالي العديد من التفاصيل والأرقام في كل قطاع من القطاعات الاجتماعية، سواء في التعليم أو الصحة أو دعم القدرة الشرائية للمواطنين أو برامج محاربة الفقر وغير ذلك. غير أن الكثيرين، وعلى رأسهم النقابات وإطارات المجتمع المدني الأخرى، لا ينظرون إلى مضامين المشروع من الزاوية ذاتها التي ينظر بها واضعو المشروع. إذ بالإضافة إلى طرحهم لمحدودية المناصب المالية المحدثة برسم مشروع ميزانية 2011، والتي تتجاوز بقليل 18 ألف منصب شغل، تبقى مسألة الزيادة في الأجور والتقليص من معدلات الضريبة على الدخل أهم ما ينتظره هؤلاء. وفي هذا الصدد لا يرون أن هناك شيئا إيجابيا جاء به المشروع. غير أن الحكومة في مشروعها تشير إلى عدة إكراهات وكوابح في هذا المجال، لا سيما وأن كتلة الأجور انتقلت في الوظيفة العمومية من 66.3 مليار درهم سنة 2007 إلى 80.4 مليار درهم سنة 2010 لترتفع السنة المقبلة إلى أزيد من 86 مليار درهم, أي بزيادة إجمالية نسبتها 6.9 في المائة. والواقع أن الكتلة الأجرية لموظفي الدولة والجماعات المحلية تشكل انشغالا جديا في سياق إعداد مشروع القانون المالي الجديد. فعلى الرغم من عملية المغادرة الطوعية التي باشرتها الحكومة منذ سنة 2005، مازالت نسبة الكتلة الأجرية إلى الناتج الداخلي الخام مرتفعة حسب معيار البنك الدولي الذي يحدد العتبة في 11 في المائة من الناتج الداخلي الخام.
كانت هذه بعض العناوين الرئيسية للجدل الذي تثيره مضامين مشروع القانون المالي 2011 والذي تم وضعه في واحدة من أصعب الظرفيات الاقتصادية والمالية العالمية، والتي مازالت تداعياتها السلبية بادية على العديد من القطاعات والمجالات الاقتصادية والمالية على الصعيد الوطني.
ومع ذلك، وربما لهذا السبب بالضبط، هناك من يتجاوز مناقشة المشروع في مضامينه التفصيلية ومعطياته المرقمة وغير المرقمة، إلى إبداء الملاحظة بشأن الإطار العام لوضع هذا المشروع الذي سيؤطر ويقنن تدخلات الدولة وسياساتها للسنة الجديدة، وأيضا بشأن منهجية بلورته قبل أن يأخذ طريقه نحو المناقشة البرلمانية والتصديق عليه. من هذه المنهجية هناك من يطرح ضرورة إشراك مختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين بدل الاقتصار على بلورة المشروع بين ردهات ومكاتب الوزارات. صحيح أن الحكومة تأخذ، في سياق بلورتها لمضامين مشروع القانون المالي، آراء ممثلي بعض القطاعات الاقتصادية من قبيل الاتحاد العام لمقاولات المغرب وبعض الفدراليات والاتحادات القطاعية الأخرى، إلا أن هناك العديد ممن ينتقدونها على عدم إشراكهم في بلورة المشروع وأخذ وجهات نظرهم واقتراحاتهم وعلى رأس هؤلاء ممثلو المركزيات النقابية وعدد من الباحثين والخبراء في مجال الاقتصاد والمالية العامة.
وفي هذا الصدد تبقى وسائل الإعلام، إلى جانب البرلمان طبعا، الفضاء الأمثل لمناقشة المشروع في جوانبه المتعددة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.