جفاف قياسي يضرب أوروبا وحوض المتوسط مطلع غشت الجاري (مرصد)    وزارة الدفاع الإسبانية تفتح تحقيقا إثر فيديو ليوتوبر مغربي يتجول بالجزر الجعفرية    الأميرة لالة مريم تعطي تعليماتها بالتكفل بالطفل ضحية هتك العرض بالجديدة    سحب بفرنسا..استمرار بيع دواء مسرطن في الصيدليات المغربية يثير القلق    ترامب: الأمريكيون "يرغبون في ديكتاتور".. وسمكة عنيفة تأتي من الصين    أجواء جيدة تطبع استعدادات "المحلي"    الوداد يعزز صفوفه بوليد عتيق    أمطار خفيفة وحرارة مرتفعة ورياح نشطة.. هذا ما ينتظر المغاربة غدا    بالياريا و DFDS تستحوذان على خطوط شركة النقل البحري"أرماس"    المستوردون يرفعون أسعار الكتب المدرسية الخصوصية قبيل انطلاق الموسم الدراسي ومطالب بتوضيح الأسباب    إدانات دولية واسعة لقصف مستشفى في غزة.. وترامب لا علم له بالحريمة ولا يريد أن يراها    ولي العهد يستقبل 50 طفلا فلسطينيا شاركوا في مخيم "بيت مال القدس"    بفضل السياحة الداخلية.. مراكش تسجل ارتفاعاً ب6% في ليالي المبيت السياحية        المندوبية العامة للسجون توضح بشأن تنفيذ قانون العقوبات البديلة    أحلام حجي تستعد لخوض تجربة درامية جديدة بالمغرب    الدكتور المغربي يوسف العزوزي يبتكر جهازاً ثورياً لتصفية الدم يفتح آفاقاً جديدة لزراعة الأعضاء    موريتانيا تتخذ إجراءات وقائية بعد تسجيل حالة إصابة بمرض جدري القردة بالسنغال    حضور وفد اتحادي وازن يترأسه الكاتب الأول في مؤتمر التحالف الدمقراطي الاجتماعي في العالم العربي بالتعاون مع التحالف التقدمي    منهج الشغف عند الطفل    في انتظار الذي يأتي ولا يأتي    انطلاق بيع تذاكر مبارة المغرب والنيجر    "الماط" يعلن رسميا رفع المنع الدولي    الأداء الإيجابي ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين .. "عازمون على الفوز على منتخب السنغال لبلوغ النهائي" (السكتيوي)    «مهرجان نجوم كناوة».. رواد الفن الكناوي يلهبون حماس جمهور الدار البيضاء    توقيف مواطن تركي مطلوب دوليا بمطار محمد الخامس بتهمة الاتجار بالكوكايين    وفاة الإعلامي علي حسن أحد الوجوه البارزة في التلفزيون والسينما المغربية    استئناف حركة السير على الطريق الوطنية رقم 27 على مستوى المقطع الرابط بين سيدي قاسم و باب تيسرا يوم 28 غشت الجاري    زنا محارم عبر ثلاثة أجيال.. تفاصيل مأساة أسرية وحفيدة تكشف المستور    الملك محمد السادس يرسم معالم دبلوماسية ناجعة تعزز مكانة المغرب في العالم    المغرب في عهد محمد السادس.. قافلة تسير بينما لوموند تعوي    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية الأوروغواي الشرقية بمناسبة العيد الوطني لبلاده    "أكديطال" تدشن ثلاثة مستشفيات جديدة في وجدة والناظور    رأي : الحسيمة الثقافة والهوية        بعد العودة من العطلة.. انعقاد مجلس الحكومة الخميس المقبل    كأول دولة في العالم اعترفت باستقلال الولايات المتحدة.. واشنطن تحتفي بريادة المغرب وتؤكد على الصداقة التاريخية الاستثنائية    الإعلامي محمد الوالي (علي حسن) في ذمة الله.. مسار حافل في خدمة التلفزيون والسينما    مدرب رينجرز: إيغامان رفض المشاركة كبديل بداعي الإصابة    زلزال بقوة 6.3 يضرب قبالة جزر الكوريل الروسية    الإعلامي محمد الوالي الملقب بعلي حسن نجم برنامج "سينما الخميس" في ذمة الله    فيديو يقود لتوقيف مختل بالدار البيضاء    اتهامات السفير الأميركي لماكرون تشعل توتراً دبلوماسياً بين باريس وواشنطن    أمر فرنسي بترحيل ثلاثيني مغربي لقيامه بفعل خطير    دراسة: النظام الغذائي النباتي يقلل خطر الإصابة بالسرطان                مبابي يسجل هدفين ويهدي ريال مدريد فوزه الثاني في الدوري الإسباني    أموريم يكشف أسباب تعثر مانشستر يونايتد بالتعادل أمام فولهام بالدوري الإنجليزي    "رحلتي إلى كوريا الشمالية: زيارة محاطة بالحرس ومليئة بالقواعد"    سابقة علمية.. الدكتور المغربي يوسف العزوزي يخترع أول جهاز لتوجيه الخلايا داخل الدم    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع القانون المالي 2011...
نشر في بيان اليوم يوم 07 - 11 - 2010

لحظة سنوية لنقاش وطني واسع حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمالي للبلاد
يشكل تقديم مشروع القانون المالي من قبل الحكومة أمام البرلمان انطلاقة لنقاش وطني عام وواسع حول السياسات الحكومية لسنة كاملة في كل قطاع من القطاعات. في ذات الوقت تشهد هذه الفترة من تقديم المشروع، (من ال20 من أكتوبر إلى لحظة التصويت عليه أواخر شهر دسمبر)، جدلا للأفكار والنظريات في مجال السياسة وتدبير المجال الاقتصادي والمالي، كما تعرف تطارحا للمصالح الفئوية والسوسيو-مهنية بارتباط مع إكراهات الظرفية على المستويين الوطني والعالمي. ولا غرابة أن تتكثف تلك النقاشات وتطارح الأفكار والنظريات في الاقتصاد السياسي، فالقانون المالي هو بامتياز الأداة المالية الرئيسية لتدخل الحكومة في الاقتصاد والمجتمع، والإطار العام لسياستها الاقتصادية والمالية خلال السنة الجديدة.
وللسنة الثالثة على التوالي يتم وضع مشروع قانون مالي وسط ظرفية تتسم باستمرار تداعيات الأزمة المالية العالمية وتأثيراتها السلبية على عدد من القطاعات الاقتصادية الوطنية.
التداعيات السلبية لتلك الأزمة انعكست، بالخصوص، على المالية العامة جراء تضرر المداخيل الضريبية للدولة (التي سجلت تراجعا بنسبة 2 في المائة عند نهاية يوليوز الماضي مقارنة مع الفترة ذاتها من 2009)، وتردي مستوى ميزان الأداءات (الذي يعني نزيفا للعملة الصعبة)، فضلا عن آفاق غير مريحة بالنسبة لتطور مستوى نمو العديد من القطاعات، رغم التحسن النسبي المتوقع من قبل بعض تقارير الظرفية الاقتصادية.
وإضافة إلى هذه العناوين، التي تؤثث الظرفية الصعبة التي تبلور في ظلها مشروع القانون المالي 2011، يبرز عنوان عريض آخر يتمثل في كون المشروع تبلور في سياق الخروج (الذي لا يعني القطيعة) من سنتين من الاختلال الحاصل ما بين نفقات الدولة ومداخيلها.
على هذه الخلفية تم وضع المشروع الذي وصف بالميزانية «التقشفية»، مع أن وزير الاقتصاد والمالية لا يتفق على هذا الوصف، رغم أن الهدف يبقى هو عدم تفاقم الاختلال بين النفقات والمداخيل في وقت حصر المشروع عجز الميزانية في 3.5 في المائة، أي بانخفاض بنصف نقطة مقارنة مع 2010. من هنا تنبثق أولى نقط الجدال، داخل مكونات المجتمع، جدال يتمحور حول كيفية إيجاد حل للمعادلة الصعبة: الحفاظ على التوازنات الماكرو- اقتصادية من جهة، ومواصلة وتيرة دعم النمو الاقتصادي، وتمويل القطاعات الاجتماعية لكي لا يحصل تفاقم في الاختلالات الاجتماعية من جهة ثانية.
هناك إذن معادلة رئيسية كبرى حاول المشروع معالجتها، لكن هذه المعالجة لا تحظى بقبول الكل. أعني بذلك عدم الحياد على ثابت التحكم الصارم في مستوى عجز الميزانية في إطار الحفاظ على التوازنات الماكرو- إقتصادية لما لهذا العامل من أهمية بالنسبة لواضعي المشروع في مجال الحفاظ على ثقة المستثمرين والمؤسسات المالية الدولية والمانحة للقروض. وإذا كان هذا الثابت المتمثل في الحفاظ على التوازنات الماكرو- اقتصادية، أصبح يثير جدلا أقل بين الحكومة وعدد من الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، فإن الجدل مازال محتدما بخصوص هامش الاجتهاد والجرأة في مجال السياسات المالية والاقتصادية والاجتماعية والتي لا تخل كثيرا بتلك التوازنات. ومن ضمن مواضيع هذا الجدل، نسبة عجز الميزانية نفسه، حيث في الوقت الذي تلجأ فيه الحكومة إلى حصره في نسبة أقرب ما تكون إلى الصفر ولو تم اللجوء إلى الاقتراض من الخارج، هناك من يدعو إلى كسر الأرتوذوكسية في هذا المجال وعدم التردد في تمويل الاقتصاد وتحريك مجالات الشغل والاستثمار عن طريق العجز المالي ولو تجاوز 4 أو 5 في المائة إذا لزم الأمر.
ثمة عنوان رئيسي آخر في مشروع القانون المالي يثير الجدل. ففي الوقت الذي يرى فيه وزير الاقتصاد والمالية أن مشروع القانون المالي لسنة 2011 انبنى على توقعات تؤكد بكل واقعية مدى قدرة الاقتصاد المغربي على مواجهة آثار الظرفية غير المستقرة مع العمل على الاستفادة من إمكانات الانتعاش الاقتصادي الوطني والدولي, مما سيتيح مزيداً من تأكيد الثقة في الاقتصاد الوطني، يلاحظ آخرون على المشروع خضوعه للأزمة العالمية ولتداعياتها الداخلية؛ وبالتالي، عدم منح الحكومة نفسها هامشا كبيرا للمناورة والاجتهاد من أجل إيجاد مصادر للتمويل، واتخاذ إجراءات جريئة لإنعاش الاستثمار وجلب الرساميل الأجنبية. كما تبقى أهداف مشروع القانون المالي متواضعة، حسب هذه الآراء، سيما وأن المشروع يحدد 5 في المائة كنسبة نمو لسنة 2011 بدل النسبة التي تصلها عدد من الدول الصاعدة والتي تفوق 6 و7 في المائة كأقل تقدير.
ورغم ذلك لا يخلو المشروع من بعض الاجتهادات، حسب آراء أخرى. ففي الوقت الذي استحسن الكل مبادرة خلق صندوق الحسن الثاني للتجهيز في عز برامج التفويتات وخوصصة ممتلكات الدولة قبل عدة سنوات، وهو الصندوق الذي تدخل في العديد من المشاريع والأوراش الكبرى، أحدث مشروع القانون المالي 2011 صندوقا سيوجه حصريا للاضطلاع بدور رافعة لاستقطاب الاستثمارات، خاصة منها الأجنبية، وذلك عبر المساهمة في المشاريع التي تندرج ضمن القطاعات الواعدة ذات القيمة المضافة العالية لمواكبة الحاجيات المتنامية للاستراتيجيات القطاعية ومساهمتها في توطين التكنولوجيا ودعم التشغيل والتصدير والتنمية الجهوية. هذا الحساب سيتم تمويله من 50 في المائة من العائدات المالية الاستثنائية المتحصل عليها من فتح أو تفويت حصص من رساميل المؤسسات العمومية.
من الطبيعي أن هذا سيشكل جوابا مسبقا على التساؤلات حول مصير عائدات الخوصصة بكونها لن تمول عجز الميزانية بل ستذهب، على الأقل في 50 في المائة منها، للاستثمار. وفي تأكيده على ذلك أوضح مزوار أن الحكومة تتوخى من هذه المبادرة تجسيد منظور جديد لتدبير الميزانية يكرس استقلالها عن المداخيل المتحصلة عن الخوصصة وفتح رساميل المؤسسات العمومية، «ما دام نضج مسارنا التنموي يؤهلنا لتحقيق التوازن المالي من عائدات النمو» ، يقول وزير الاقتصاد والمالية.
وكما يحدث من جدل حول السياسة المالية والاقتصادية، لا يخلو المجال الاجتماعي من نقاشات حادة حول ما تضمنه مشروع القانون المالي في هذا الصدد. فالحكومة تقول أن نسبة هامة من ميزانية الدولة ستحظى بها القطاعات الاجتماعية، وقد تضمن مشروع القانون المالي العديد من التفاصيل والأرقام في كل قطاع من القطاعات الاجتماعية، سواء في التعليم أو الصحة أو دعم القدرة الشرائية للمواطنين أو برامج محاربة الفقر وغير ذلك. غير أن الكثيرين، وعلى رأسهم النقابات وإطارات المجتمع المدني الأخرى، لا ينظرون إلى مضامين المشروع من الزاوية ذاتها التي ينظر بها واضعو المشروع. إذ بالإضافة إلى طرحهم لمحدودية المناصب المالية المحدثة برسم مشروع ميزانية 2011، والتي تتجاوز بقليل 18 ألف منصب شغل، تبقى مسألة الزيادة في الأجور والتقليص من معدلات الضريبة على الدخل أهم ما ينتظره هؤلاء. وفي هذا الصدد لا يرون أن هناك شيئا إيجابيا جاء به المشروع. غير أن الحكومة في مشروعها تشير إلى عدة إكراهات وكوابح في هذا المجال، لا سيما وأن كتلة الأجور انتقلت في الوظيفة العمومية من 66.3 مليار درهم سنة 2007 إلى 80.4 مليار درهم سنة 2010 لترتفع السنة المقبلة إلى أزيد من 86 مليار درهم, أي بزيادة إجمالية نسبتها 6.9 في المائة. والواقع أن الكتلة الأجرية لموظفي الدولة والجماعات المحلية تشكل انشغالا جديا في سياق إعداد مشروع القانون المالي الجديد. فعلى الرغم من عملية المغادرة الطوعية التي باشرتها الحكومة منذ سنة 2005، مازالت نسبة الكتلة الأجرية إلى الناتج الداخلي الخام مرتفعة حسب معيار البنك الدولي الذي يحدد العتبة في 11 في المائة من الناتج الداخلي الخام.
كانت هذه بعض العناوين الرئيسية للجدل الذي تثيره مضامين مشروع القانون المالي 2011 والذي تم وضعه في واحدة من أصعب الظرفيات الاقتصادية والمالية العالمية، والتي مازالت تداعياتها السلبية بادية على العديد من القطاعات والمجالات الاقتصادية والمالية على الصعيد الوطني.
ومع ذلك، وربما لهذا السبب بالضبط، هناك من يتجاوز مناقشة المشروع في مضامينه التفصيلية ومعطياته المرقمة وغير المرقمة، إلى إبداء الملاحظة بشأن الإطار العام لوضع هذا المشروع الذي سيؤطر ويقنن تدخلات الدولة وسياساتها للسنة الجديدة، وأيضا بشأن منهجية بلورته قبل أن يأخذ طريقه نحو المناقشة البرلمانية والتصديق عليه. من هذه المنهجية هناك من يطرح ضرورة إشراك مختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين بدل الاقتصار على بلورة المشروع بين ردهات ومكاتب الوزارات. صحيح أن الحكومة تأخذ، في سياق بلورتها لمضامين مشروع القانون المالي، آراء ممثلي بعض القطاعات الاقتصادية من قبيل الاتحاد العام لمقاولات المغرب وبعض الفدراليات والاتحادات القطاعية الأخرى، إلا أن هناك العديد ممن ينتقدونها على عدم إشراكهم في بلورة المشروع وأخذ وجهات نظرهم واقتراحاتهم وعلى رأس هؤلاء ممثلو المركزيات النقابية وعدد من الباحثين والخبراء في مجال الاقتصاد والمالية العامة.
وفي هذا الصدد تبقى وسائل الإعلام، إلى جانب البرلمان طبعا، الفضاء الأمثل لمناقشة المشروع في جوانبه المتعددة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.