التأمين التكافلي.. أقساط بقيمة 94,9 مليون درهم خلال سنة 2024 (تقرير)    الفنيدق: وضع خيمة تقليدية بكورنيش الفنيدق يثير زوبعة من الإنتقادات الحاطة والمسيئة لتقاليدنا العريقة من طنجة إلى الكويرة    مصرع شخصين في حادث اصطدام مروع بين سيارتين على الطريق الساحلية بين تطوان والحسيمة    أنظمة التقاعد الأساسية واصلت تسجيل اختلالات هيكلية سنة 2024    سقوط "قايد" و"مقدم" متلبسين بتلقي رشوة من صاحب مقهى    وفاة المدافع الدولي البرتغالي السابق جورجي كوستا عن سن 53 عاما    الأوقاف ترد على الجدل حول إعفاء رئيس المجلس العلمي لفيكيك: "بعض المنتقدين مغرضون وآخرون متسرعون"    الشرطة القضائية بإمزورن توقف مروجاً للمخدرات وتضبط بحوزته كوكايين و"شيرا"    ترامب يهدد بزيادة الرسوم الجمركية على الاتحاد الأوروبي إذ لم يستثمر 600 مليار دولار في الولايات المتحدة            في تطور جديد بنما تؤكد بوضوح مغربية الصحراء        مستشار الرئيس الأمريكي يؤكد للجزائر عبر حوار مع صحيفة جزائرية .. الصحراء مغربية والحل الوحيد هو الحكم الذاتي    انتخاب السفير عمر هلال نائبا لرئيس مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للبلدان النامية غير الساحلية    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع أداء إيجابي                برقية تهنئة إلى جلالة الملك من رئيس جمهورية السلفادور بمناسبة عيد العرش    كونية الرؤية في ديوان «أجراس متوسطية» للشاعر عاطف معاوية    نحن والحجاج الجزائريون: من الجوار الجغرافي …إلى الجوار الرباني    تركمنستان.. انتخاب المغرب نائبا لرئيس مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للبلدان النامية غير الساحلية    احتياجات الخزينة ستتجاوز 12 مليار درهم خلال غشت    اسرائيل تستعد لمرحلة جديدة من العدوان على غزة قد تتضمن إعادة احتلال القطاع بالكامل    "مستوطنة على أرض أمازيغية مغربية".. كتاب يصور مليلية مثالا لاستمرار الاستعمار وتأثيره العميق على الناظور    نظام تأشيرات جديد: 15 مليون للحصول على ڤيزا أمريكا    لطيفة رأفت تعلن تأجيل حفلها بأكادير وتعد بلقاء قريب    سائقو الطاكسي الصغير يحتجون بطنجة ضد التسعيرة وأوضاع النقل بمطار ابن بطوطة    زيادة إنتاج نفط "أوبك+" تنعش آمال المغرب في تخفيف فاتورة الطاقة    نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية مصحوبة بالبرد وبهبات رياح مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    أمريكا تسلح أوكرانيا بمال اسكندينافيا    الإفراج بكفالة مشروطة عن توماس بارتي لاعب أرسنال السابق    "ألكسو" تحتفي بتراث القدس وفاس    الدورة السادسة عشرة من معرض الفرس للجدیدة سلسلة من الندوات حول العنایة بالخیل والتراث الفروسي    "منتخب U20" يستعد لكأس العالم    رضا سليم يعود للجيش الملكى على سبيل الإعارة    دراسة: الحر يؤثر على الصحة العقلية للإنسان    المغرب ‬يسير ‬نحو ‬جيل ‬جديد ‬من ‬برامج ‬التنمية ‬المجالية.. ‬نهاية ‬زمن ‬الفوارق ‬وتفاوت ‬السرعات    خواطر تسر الخاطر    الموهبة الكبيرة وزان يوقع عقدًا جديدًا مع أياكس بعد رفض ريال مدريد التعاقد معه    "سورف إكسبو" لركوب الأمواج في دورته الرابعة أكتوبر المقبل    22 شهرا من الإبادة.. الجيش الإسرائيلي يقتل 20 فلسطينيا في غزة فجر الثلاثاء    تارودانت… 14 مليون درهم لتأهيل المواقع السياحية بأسكاون وتيسليت    وَانْ تُو تْرِي دِيرِي عَقْلك يَا لاَنجِيرِي!    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    كاميرات مراقبة صينية في سبتة ومليلية تثير الجدل في إسبانيا    اتحاديون اشتراكيون على سنة الله ورسوله    علي الصامد يشعل مهرجان الشواطئ بحضور جماهيري غير مسبوق    الرباط تحتضن النسخة الأولى من "سهرة الجالية" احتفاءً بالمغاربة المقيمين بالخارج    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا دولة دينية في الإسلام ! !
نشر في شعب بريس يوم 15 - 03 - 2011


الدولة في الإسلام دولة مدنية حصريا ..
لا دولة دينية في الإسلام ! !
ثار الجدل وسيظل ثائرا حول الدولة المدنية والدولة الدينية، ويشتد اللغط حول طبيعة ومفهوم الدولة الإسلامية لاسيما في ظل ظروف وأجواء الثورات العربية التي نعيشها..
وفي محاولة لإزالة هذا اللبس والغموض، أقول بوضوح أن الدولة في المفهوم الإسلامي هي دولة مدنية حصرا، فهي لا يمكن إلا أن تكون دولة مدنية.. ويصبح هذا الأمر أمرا فقهيا شديد الصراحة والوضوح عند أهل السنة تحديدا وهم المعنيون في هذا الجدل الثائر.. فالدولة المدنية هي الدولة التي يطرحها الفقه الإسلامي ولا يطرح سواها في المذاهب السنية.. دولة مدنية غير علمانية ولا دينية أو عسكرية أو بوليسية..
أنواع الدول
وقبل أن نأتي لتفصيل مدنية الدولة في الإسلام أوضح بداية أن أنواع الدول هي الدولة المدنية ويقابلها الدولة العسكرية التي يحكمها الجيش، وربما كان هذا المعنى ( دولة العسكر ) معنى اصطلاحي فقط إذ تتفرع من الدولة العسكرية أنواع منها الدولة البوليسية التي تعتمد على تحكم الشرطة وأجهزتها، أو الدولة الديكتاتورية، أو غيرها من الأشكال والتفريعات.. أما الدولة الدينية الثيوقراطية حكم رجال الدين ( أو الأكليروس ) فهي الدولة التي تمارس الحكم الإلهي وفيها يحكم الحاكم باسم الله ويكون نائبا عن الله في حكم المجتمع، ويكتسب الحاكم وقوانينه وممارساته قداسة مطلقة هي من قداسة الله تعالى ذاته، وهذا النوع من الدولة الدينية هو الذي كان سائدا في أوربا في العصور الوسطى وأدى إلى فكرة الثورة على اللاهوت والحكم الديني، بينما الدولة الدينية بهذه الصورة لم توجد في التاريخ العربي الإسلامي قديمه وحديثه ومعاصره ، وتشكل دولة ولاية الفقيه عند الشيعة الإثنى عشرية نموذج آخر من نماذج الدولة يختلف عن دولة الأكليروس في عصور أوربا الوسطى، فحسب النموذج الإيراني الشيعي الاثنى عشري تقوم الدولة على مؤسسات منها رئيس الجمهورية والحكومة والبرلمان مع وجود سلطة روحية عليا هي سلطة الفقيه الذي يحمي التوجهات العليا للدولة، وهذا النموذج رغم اختلافه الكلي عن النموذج المرعب للدولة الدينية في أوربا، واقترابه بمؤسسات الدولة المستقلة من نموذج الدولة المدنية المعاصرة في جوانب كثيرة – وحديثنا هنا عن النظرية بعيدا عن الممارسات التطبيقية – فهو نموذج يقتصر على الفقه الشيعي ولا يوجد نظير له في الفقه السني، وعلى هذا يمكن اعتبار الدولة المدنية هي دولة القانون والمؤسسات في مقابل أي شكل من أشكال الدولة العسكرية والثيوقراطية.
تعريف الدولة المدنية
الدولة المدنية هي: دولة القانون هكذا هي عندنا ببساطة وبالتالي فهي ليست دولة رئيس الوزراء ولا دولة رئيس الجمهورية أو الملك، ونريد هنا التأكيد على الطبيعة الموضوعية لتلك الدولة التي تؤسسُ على قاعدة الفصل بين السلطات الثلاث، الفصل بمعناه الحقيقي وليس الإعتباري، والفصل هو المُكون الرئيسي لطبيعتها المادية وثقافتها المجتمعية. راغب الركابي موقع الحوار المتمدن
وفق هذا التعريف للركابي وغيرها من التعريفات الكثيرة نجمل أسس وأركان الدولة المدنية في :
بشرية الحاكم وعدم قداسته
الشعب مصدر السلطات
حرية إبداء الرأي ( الشورى أو الديمقراطية بدرجاتها )
الفصل بين السلطات
التمثيل النيابي للشعب
حق المواطنة ..
ونلاحظ أننا بهذه الأسس الستة قد غطينا كافة التعريفات المتوفرة للدولة المدنية، ولم نحصل على تعريف واحد منها يغطي هذه الأركان الستة مجتمعة، ولذا فهذه الأسس تشمل كل ما يدخل في تعريف الدولة المدنية الحديثة.. حيث أن الصورةُ المتكاملةُ للدولةِ المدنيَّةِ كما تسبق للأذهان الآن و القائمةِ على مؤسساتِ المجتمعِ المدنيِّ، والعقدِ القائمِ بينَ الأفرادِ وبينَ السلطةِ العُليَا التي وصلتْ لمنصبِهَا بالانتخابِ، وبأغلبيَّةِ الشعبِ، والحفاظِ على مبدأِ فصلِ السلطاتِ، وحقِّ الشعوبِ في الاعتراضِ والثورةِ، هذه الصورةُ المركبَّةُ الشائعة= لَا تكادُ تُوجدُ مكتملةً كمفهومٍ للدولةِ المدنيَّةِ سوى عندَ جون لوك
وعندما نسقط مفهوم الدولة المدنية الحديثة بأسسها الستة هذه على الرؤية الإسلامية للدولة نستطيع أن نثبت أن الدولة في الفكر الإسلامي دولة مدنية تماما وفق المعايير التالية:
1 – لا قداسة للحاكم وهو لا يمثل خليفة لله تعالى على شعبه، وهو العنصر الأبرز والأخطر في تعريف دولة الإكليروس في عصور أوربا الوسطى..إن أعظم حكام المسلمين قداسة وتعظيما وعصمة هو النبي صلى الله عليه وسلم، وعنه يقول الحق تبارك وتعالى مثبتا بشريته في أكثر من موضع من مواضع القرآن الكريم: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ }آل عمران79 إن هذه الآية الكريمة تنسف فكرة الدولة الدينية وقداسة الحاكم النائب عن الله تعالى في الأرض من الأساس.. ويقول تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}الكهف110 ويقول عز وجل: { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً }الإسراء93وغير ذلك كثير من الآيات التي تثبت بشرية النبي صلى الله عليه وسلم ، وتعاتبه أيضا على بعض اجتهاده مثل قوله تعالى{عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ }التوبة43 وقوله سبحانه: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }الأنفال67وغير ذلك من مواضع العتاب القرآني الأخرى، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : أنتم أعلم بأمر دنياكم ..أخرج مسلم (2363 ) من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون فقال: لو لم تفعلوا لصلح قال: فخرج شيصًا فمر بهم فقال ما لنخلكم؟ قالوا: قلت كذا وكذا، قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم..وهذا كما قال العلماء في الأمور التي لا وحي فيها وإنما هي من اجتهاد بشرية النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم ذلك دون كثير تعقيد وفلسفة، فسأله الحباب بن المنذر في غزوة بدر يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل ، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل.. بن اسحاق – السيرة النبوية لابن هشام..
لقد ميز الحباب بن المنذر بين نوعين من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وهما الوحي، والاجتهاد، واعتبر الاجتهاد يصيب ويخطئ، وهذا ما أقره عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل على رأيه ومشورته..
2 – الشعب مصدر السلطات، فهو الذي يختار الحاكم وهو الذي يعزله، وهذا واضح غاية الوضوح في قصة اختيار الخليفة أبي بكر الصديق بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فانعقدت له بيعة الناس – أي اختيارهم ثم قال لهم في خطبته الأولى: أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم.. ومثل ذلك قال عمر بن الخطاب: فإن رأيتم في اعوجاجا فقوموني.. فالأمة أو الشعب هي التي تختار الحاكم، وهي التي تعزله إن رأت فيه اعوجاجا عن الصواب.
3 حرية إبداء الرأي ( الشورى أو الديمقراطية بدرجاتها ): يقول الحق تبارك وتعالى:{ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }آل عمران159 ، كما قال: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }الشورى38 وثبت عن البني صلى الله عليه وسلم في أكثر من مناسبة أنه أهاب بالناس إلى الشورى فقال: أشيروا علي أيها الناس، وجاء في السنة ما يثبت أن الرسول ما ترك المشاورة قط، بل قال أبو هريرة: "ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله لأصحابه".
4 الفصل بين السلطات.. أو استقلال السلطات، وأبرزه في الإسلام استقلال القضاء ومثال ذلك القاضي شريح أبو أمية شريح بن الحارث بن قيس الكندي من أهل اليمن، وقد حكم في القضاء لصالح خصمين لأميري المؤمنين عمر بن الخطاب لصالح خصمه الإعرابي، وضد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب زمن خلافته لصالح خصمه الذمي ( النصراني ) في قضية الدرع المشهورة.. فإذا كان القاضي يحكم ضد الحاكم فهو قاض مستقل فضلا عن عدله..
5 التمثيل النيابي للشعب: لقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم نظاما للتمثيل النيابي قبل أن تمارسه البشرية بمئات السنين لما أخرج البخاري في الصحيح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أوطاس لما أتاه بنو هوازن فسألوه أن يرد عليهم السبي والغنائم قال:«ما كان لي ولبني هاشم فهو لكم وما كان للناس فدعوني حتى أسألهم، فسأل الناس فكثر عليه اللغط فلم يدرِ من قبل ممن رفض، فقال: أخرجوا إليّ عرفاءكم، فأخرج الناس إليه عرفاءهم فأخبروه أنهم رضوا»، فالعرفاء هم النواب الذين ينوبون عن الناس فيمثلونهم، لأنه لو تكلم الناس جميعا لم يعرف من قبل ممن رضي ممن رفض، ولذلك قال: أخرجوا إلي عرفاءكم، وقد أخرج أبو داود في السنن أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لا يستقيم الناس إلا بعرفاء» .
6 حق المواطنة..ولقد ضمن القرآن الكريم لغير المسلمين حرية العقيدة {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ }البقرة256{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ }الكهف29، كما كفل لهم الإسلام حرية العبادة، وحماية دور عباداتهم، ووضع لهم قاعدة المواطنة ( لهم ما لنا وعليهم ما علينا ) وقد ثبت ذلك في صحيفة المدينة بين الرسول صلى الله عليه وسلم واليهود، وهذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم: من آذى ذميا فقد آذاني ومن آذاني كنت خصمه يوم القيامة، وروى أبو داود بسند لا بأس به قوله صلى الله عليه وسلم: ألا ان من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفسه فانا خصمه يوم القيامة، وهناك أحاديث في هذا المعنى صحيحة منها ما في البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال: من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً. وفي الترمذي حديث بهذا المعنى..
أقوال معاصرة في مدنية الدولة في الإسلام:
د.محمد حبيب: ( إن ما قرره الأزهر من أن الإسلام لا يعرف الدولة الدينية سليم 100% ، حيث إن الإسلام لا يعرف التمييز بين المواطنين، أو أن تكون هناك سيطرة لرجال الدين على مؤسسات الدولة، أو حكم رجال الدولة بما يمكن تسميته الحق الإلهي.. فهذا مرفوض ويرفضه الإسلام ) ويضيف : (ما يؤكد ذلك هو أن الإسلام تحدث عن التساوي بين المواطنين جميعا في الحقوق والواجبات أمام القانون، ولا توجد سيطرة لرجال الدين، وعليه فالدولة التي يعرفها الإسلام هي دولة مدنية لها مرجعيتها الإسلامية، وهي دولة مؤسسات.. تشريعية وتنفيذية وقضائية، مع وجوب الفصل بينهما )
ويقولُ الشيخُ القرضاويُّ: إنَّمَا الدولةُ الإسلاميَّةُ إذا نظرنَا إلى المضمونِ لَا الشَّكلِ، وإلى الْمُسمَّى لا الاسمِ «دولةٌ مدنيَّةٌ مرجعُهَا الإسلامُ»، وهي تقومُ على أساسِ الاختيارِ والبيعةِ والشورَى، ومسؤوليَّةُ الحاكمِ أمامَ الأمَّةِ، وحقِّ كلِّ فردٍ في الرعيةِ أن ينصحَ لهذَا الحاكِمِ، يأمرُهُ بالمعروفِ، وينهاهُ عن المنكرِ.. والحاكمُ في الإسلامِ واحدٌ مِنَ الناسِ ليسَ بمعصومٍ ولا مُقدَّسٍ. يجتهدُ لمصلحةِ الأمَّةِ؛ فيصيبُ ويخطئُ . وهو يستمدُّ سلطتَهُ وبقاءَهُ في الحكمِ من الأرضِ لا مِنَ السماءِ، ومِنَ الناسِ لا مِنَ اللهِ، فإذَا سحبَ الناسُ ثقتَهُمْ منهُ، وسخطتْ أغلبيتُهُمْ عليهِ لظلمِهِ وانحرافِهِ؛ وَجَبَ عزلُهُ بالطرقِ الشرعيَّةِ، ما لم يؤدِّ ذلك إلى فتنةٍ وفسادٍ أكبرَ، وإلَّا ارتكبُوا أخفَّ الضررينِ، والحاكمُ في الإسلامِ ليسَ وكيلُ اللهِ، بل هو وكيلُ الأمةِ، أو أجيرُهَا، وكَّلَتْهُ إدارةُ شؤونِهَا، أو استأجرَتْهُ لذلكَ.. والدولةُ الإسلاميَّةُ لا يقومُ عليهَا رجالُ الدينِ بالمعنَى الكهنوتيِّ المعروفِ في أديانٍ عدَّةٍ ؛ فهذا المعنَى غيرُ معروفٍ فِي الإسلامِ، إنما يوجد علماءُ دينٍ مِنْ بابِ الدراسةِ والتخصصِ، وهذَا بابٌ مفتوحٌ لكلِّ من أرادَهُ وقدرِ عليهِ. ( في النظامِ السياسيِّ الإسلاميِّ ص/4547 باختصار )
ويقولُ الدكتورُ محمدُ عمارةُ:الدولةُ الإسلاميَّةُ دولةٌ مدنيَّةٌ تقومُ على المؤسساتِ، والشورَى هي آليَّةُ اتخاذِ القراراتِ في جميعِ مؤسساتِهَا، والأمةُ فيها هي مصدرُ السلطاتِ شريطةَ ألَّا تُحِلَّ حرامًا، أو تحرِّمَ حلالًا، جاءتْ بِهِ النصوصُ الدينيَّةُ قطعيَّةُ الدلالةِ والثبوتِ، هي دولةٌ مدنيَّةٌ؛ لأنَّ النُّظُمَ والمؤسساتِ والآلياتِ فيها تصنعُهَا الأمةُ ، وتطورُهَا وتغيِّرُهَا بواسطةِ مُمَثِّلِيهَا، حتَّى تُحقِّقَ الحدَّ الأقصَى مِنَ الشورَى والعدلِ، والمصالحِ المعتبرةِ التي هي متغيِّرَةٌ ومتطوِّرَةٌ دائمًا وأبدًا، فالأمةُ في هذه الدولةِ المدنيَّةِ هي مصدرُ السلطاتِ؛ لِأَنَّهُ لا كهانَةَ في الإسلامِ، فالحُكَّامُ نوابٌ عن الأمةِ، وليسَ عن اللهِ، والأمةُ هي التي تختارُهُمْ، وتراقبُهُمْ، وتحاسبُهُمْ، وتعزلُهُمْ عندَ الاقتضاءِ، وسلطةُ الأمةِ، التي تمارسُهَا بواسطةِ مُمَثِّلِيهَا الذينَ تختارُهُمْ بإرادتِهَا الحرةِ لَا يحدُّهَا إلَّا المصلحةُ الشرعيَّةُ المعتبرَةُ، ومبادِئُ الشريعَةِ التي تلخصُهَا قاعدةُ :لَا ضَرَرَ ، وَلَا ضِرَارَ .. والدولةُ الإسلاميَّةُ دولةُ مؤسساتٍ، فالمؤسسةُ مبدأٌ عريقٌ في الدولةِ الإسلاميَّةِ، تستدعِيهِ وتؤكدُ عليهِ التعقيداتُ التي طرأتْ على نُظُمِ الحُكْمِ الحديثِ؛ ولأنَّ الدولةَ الإسلاميَّةَ دولةُ مؤسساتٍ، كانتِ الْقيادةُ فيهَا والسُّلطةُ جماعيةً ترفضُ الفرديَّةَ، والدِّيكْتَاتُورِيَّةَ، والاستبدادَ، فالطَّاعةُ للسلطةِ الجماعيَّةِ، والردِّ إلى المرجعيَّةِ الدينيَّةِ عندَ التنازعِ.. (في النظامِ السياسيِّ الإسلاميِّ ص/4547باختصار )
وهكذا نجد أن الدولة المدنية بتعريفها وأقسامها هي مطلب إسلامي أصيل، لا يشوش عليه رفض البعض للمصطلح باعتباره مصطلحا غريبا نشأ في بيئة غير بيئتنا وربما أريد منه غير ما ظهر، فلا مشاحة في الاصطلاح، والعبرة بالمسميات لا بالأسماء، ويظل اسم المدينة هو الاسم الذي أطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أول وأقدم عاصمة لدولة إسلامية على وجه الأرض اسما له دلالته واعتباره، فإذا ذكرت كلمة المدينة مجردة، فلا تعني في الأذهان والعقول سوى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي أسسها على صحيفة ( دستور ) تحدد الحقوق والواجبات، وتوزع الأدوار بين فئات المجتمع المختلفة من مسلمين ويهود وعرب مشركين لم يسلموا بعد ! !
حَالَةُ الِاضْطِرَارِ
وهي حينَ يضيقُ مجالُ العبارةِ على المجتهدِ ، إمَّا لكونِهِ في مقامِ ردِّ شبهةٍ ، أو لوجودِهِ في معتركٍ سياسيٍّ يضيقُ فيه بابُ الحلالِ المحضِ ، ويضطرُّ فيه لِاستعمالِ شيءٍ مِمَّا لا يجوزُ استعمالُهُ في حالَةِ الاختيارِ لغلبةِ المصلحةِ المرجُوَّةِ من وراءِ استعمالِهِ ،ولصعوبة استخدام مصطلح وسيط،ولحاجته لاستخدام مصطلح شائع لنفي شبهة تعيق الخطوات الأولى للدولة الإسلامية .
فحينَ يكونُ المجتهدُ في مقامِ ردِّ شبهةِ من يتَّهِمُ الإسلامَ بأنَّهُ دولةٌ دينيَّةٌ «ثِيُوقْرَاطِيَّةُ» ، أَوْ في مقامِ الردِّ على مَنْ يطالبُ بدولَةٍ مدنيَّةٍ ، ويجعلُ الإسلامَ ضدًّا لهَا ، أو في معتركٍ سياسيٍّ يقومُ فيهِ أولى الطائفتينِ بالحقِّ بمحاولةِ جذبِ الجماهيرِ عنْ طريقِ دفعِ الدعايةِ المشوهةِ للإسلامِ ، فيستعملُ هذا المصطلحَ ؛ فإنَّا نرى جوازَ فعلِ ذلك إذا غلبتْ مصلحتُهُ ، ودعتِ الحاجةُ إليهِ وفقَ تقديرِ المجتهدِ مع الحفاظِ ما أمكنَ على قيدِ المرجعيَّةِ الإسلاميَّةِ ، والزيادةِ عليه بمَا يفيدُ الإلزامَ ، فيُقَالُ : «لَا مانعَ من دولةٍ مدنيَّةٍ مرجعيَّتُهَا الملزِمَةُ هي الإسلامُ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.