اتحاديو فرنسا يرفضون إعادة إنتاج "الأزمة" داخل الاتحاد الاشتراكي    كتابة الدولة تعلن استئناف نشاط صيد الأخطبوط وفق قرارات تنظيمية جديدة    حرارة الصيف تشعل أسعار الدجاج وتحذيرات من الأسوأ    ميناء الحسيمة يسجل تراجعا في مفرغات الصيد البحري خلال النصف الأول من 2025    إحداث أزيد من 6200 مقاولة مع متم ماي الماضي بجهة الشمال    البيت الأبيض يكشف: ترامب مصاب بمرض مزمن في الأوردة الدموية    بأمر من المحكمة الجنائية الدولية.. ألمانيا تعتقل ليبيا متهما بارتكاب جرائم حرب وتعذيب جنسي    نادي الهلال السعودي يجدد عقد ياسين بونو حتى 2028    فيلدا : كل التركيز منصب على الفوز ومالي تطورت كثيرا    سقوط من أعلى طابق ينهي حياة شاب في طنجة    انفجار قوي يهز مطعما في مراكش ويخلف أضرارا مادية جسيمة    هولندا.. مصرع امرأة بعد اعتداء داخل منزلها وتوقيف شريكها للتحقيق    كيف يمكن للذكاء الاصطناعي مساعدة الكتاب والأدباء والإعلاميين وصناع المحتوى..    حرب خفية على المنتجات المغربية داخل أوروبا.. والطماطم في قلب العاصفة        بنسعيد يربط نجاح تنظيم المونديال بتطوير رأس المال البشري في المغرب    اشتباكات بين عشائر ومقاتلين "دروز"    ترامب يهدد صحيفة أمريكية بالقضاء    حكم قضائي يمنح زوجا نصف فيلا سجّلها باسم طليقته    إحباط تهريب الشيرا ضواحي الجديدة    قاضي التحقيق يودع ثلاثة موظفين سجن عكاشة بملف سمسرة قضائية    "البيجيدي": تهديدات أخنوش ضد تيكوكين غير مسؤولة وتمس بمبدأ استقلالية الجماعات الترابية    حزمة عقوبات أوروبية تستهدف روسيا    "أنا غني".. سجال هاشم يستعد لإشعال صيف 2025 بأغنية جديدة    مدينة تيفلت تفتتح سهرات المهرجان الثقافي الخامس بباقة موسيقية متنوعة    دراسة: الذكاء الاصطناعي يحول تخطيط القلب العادي إلى أداة فعالة لاكتشاف عيوب القلب الهيكلية            بلاغ صحفي تمديد استثنائي لآجال التصريح والأداء عبر بوابة "ضمانكم" برسم شهر يونيو 2025    جيش الاحتلال الصهيوني يواصل مجازره ضد الفلسطينيين الأبرياء    بورصة البيضاء .. أداء سلبي في تداولات الافتتاح    مجلس النواب ينتظر صدور قرار المحكمة الدستورية بشأن دستورية قانون المسطرة المدنية    افتتاح بهيج للمهرجان الوطني للعيطة في دورته ال23 بأسفي تحت الرعاية الملكية السامية        رحيل أحمد فرس.. رئيس "فيفا" يحتفي بالمسيرة الاستثنائية لأسطورة كرة القدم الإفريقية    لوفيغارو الفرنسية: المغرب وجهة مثالية لقضاء عطلة صيفية جيدة    بعد تشخيص إصابة ترامب بالمرض.. ماذا نعرف عن القصور الوريدي المزمن    الرابطة المغربية تنظم لقاء دوليا بمالقا لمواجهة تصاعد خطابات الكراهية ضد المهاجرين    "مهرجان الراي للشرق" بوجدة يعود بثوب متجدد وأصوات لامعة    مغني الراب سنوب دوغ يدخل عالم الاستثمار الكروي عبر بوابة سوانسي سيتي الانجليزي    محمد أبرشان كاتبا إقليميا للحزب بالناظور، وسليمان أزواغ رئيسا للمجلس الإقليمي    توقعات أحوال الطقس لليوم الجمعة    البنك الدولي: 64% من المغاربة تعرضوا لكوارث طبيعية خلال السنوات الثلاث الماضية    الكونفدرالية تُشدد على حماية مكتسبات المتقاعدين وتُحذر الحكومة من قرارات أحادية في ملف التقاعد    فرحات مهني يُتوَّج في حفل دولي مرموق بباريس    بطولة إيطاليا: انتر يسعى لضم النيجيري لوكمان من أتالانتا    ميتا تخطط لتطوير ذكاء اصطناعي يتجاوز قدرات العقل البشري    سانشيز: "الهجرة تساهم بشكل إيجابي في الاقتصاد الإسباني"    البيت الأبيض يعلن إصابة ترامب بمرض مزمن    "حزب الكتاب" يدافع عن آيت بوكماز    وزير الثقافة يعزي في وفاة الفنانين الأمازيغيين صالح الباشا وبناصر أوخويا    وداعا أحمد فرس    دراسة تكشف العلاقة العصبية بين النوم وطنين الأذن    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوقفوا هذا العبث
نشر في اشتوكة بريس يوم 10 - 03 - 2014

وبهمْ فَخرُ كلّ مَنْ نَطَقَ الضَّادَوعَوْذُ الجاني وغَوْثُ الطَّريد (المتنبي)
"في حنجرتي غصة استعمارية زرعها الفرنسيون، فاعذروني إن لم أستطع الحديث إليكم كما أريد، بلغتي ولغتكم العربية، لأن الفرنسيين فرضوا عليّ الجهل الكامل بهذه اللغة" عبارة اعتذار من الأديب الجزائري مالك حداد الذي كان يكتب بالفرنسية وتوقف عن ذلك بعد الاستقلال. فكم يحتاج المسؤولون عندنا من عبارات الاعتذار وصيغ الأسف عن إصرارهم على استعمال لغة المستعمر في الخطابات الرسمية والتقارير الموجهة للمواطنين أو باسم المغاربة إلى الخارج؟ بل هل يحسون اصلا بضرورة الاعتذار؟
ما يجري حاليا من خلال مسلكيات العديد من المسؤولين عبث بالسيادة الوطنية وضرب لكل قيم الدستور والانتماء. في العديد من الأحيان، حين نقدم نماذج عن الاعتزاز باللغة العربية باعتبارها أولا لغة رسمية وقبل ذلك لغة هوية وانتماء، نقابل بأن الأمر أقرب إلى الخيال وصعب التحقق ما دام تحكم النموذج الفرنكفوني في نخبنا عميقا وجوهريا حد استحالة الفكاك. فخلال المؤتمرات واللقاءات المتعددة يصادفنا المسؤولون بحديثهم للمتلقين من ابناء وطنهم وفي اجتماعات رسمية بلغة موليير، كما حدث يوم 5 مارس الماضي مع السيد وزيرالتعميروإعدادالترابالوطني، الذي يتزعم حزبا من أهم تراتيله الدفاع عن الهوية الوطنية، خلال اجتماعه مع الكتاب العامين للوزارات ورؤساء المجالس الجهوية، في أفق عقد اجتماع اللجنة الدائمة لإعداد التراب.بل الأنكى حين تقدم التقارير والمراسلات الرسمية الأممية عن قضايا الوطن بلغة غير وطنية. لكن الأمر يصل إلى درجة الفضيحة حين يصر المسؤول على الحديث بلغة المستعمر والأجنبي يتحدث بلغة الوطن كما حدث مع الوزير المنتدب المكلف بالمقاولات الصغرى وإدماج القطاع غير المنظم، على الحديث باللغة بالفرنسية في افتتاح مؤتمر الاستثمار بالمغرب، الذي نظمته مجموعة البنك الإسلامي للتنمية، بمدينة الصخيرات، في حين تحدث السفير الروسي باللغة العربية.إن الأمر ببساطة عبث بسيادة الوطن ونصوصه التأسيسية.
فالأحداث المتواترة تثبت إمكانية الخروج عن هذا الاستثناء حين تتوفر الإرادة السياسية والقناعة الذاتية لدى سادة القرار ومدبري الشأن العام. فكلنا يتذكر أن أول رئيس دولة تحدث بلغة الضاد في الأمم المتحدة كان هو المرحوم محمد الخامس. كما أننا مازلنا نتذكر صدح الوزير الاستقلالي امحمد خليفة في حكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي ضد استعمال اللغة الفرنسية في المجالس الحكومية باعتباره مناقضا لروح الدستور ولقيمة المؤسسة. وحتى لا نذهب في اجترار الأمثلة من الماضي فالنماذج المشرقة تتراءى أمامنا بين الحين والآخر. فقد تناقلت بعض المنابر الإعلامية إصرار الدكتورة سمية بنخلدون، الوزيرة المنتدبة في البحث العلمي وتكوين الأطر، على استعمال اللغة العربية في مختلف اللقاءات التي تتحدث فيها بصفتها الرسمية والمسؤولة. فقد اشرنا في مقال سابق إلى انفراد السيدة سمية بنخلدونمن بين سبعة متدخلينفي حفل تكريم البروفيسور الخمليشيبإلقاء كلمتها باللغة العربية. وتكررالأمر خلال ملتقى الخبراء الدوليين المكلفين بالبحث العلمي،المنعقد بالرباط، 27و28فبراير الماضي، بمشاركة العديد من الوفود الأجنبية، حيث ألقت مداخلتها في الجلسة الافتتاحية باللغة العربية.ونفس الأمر حين تستضاف في الخارج في مؤتمرات علمية أو سياسية إذ تقرر الاعتزاز بلغتها والخروج من شرنقة النخبة التي ترى في التداول بلغة الأجنبي اعترافا بالقوة والتقدم والانتماء للحداثة. وقبل السيدة الوزيرة كانت العديد من النماذج المشرقة التي ينبغي تحيتها. فقد وجهت الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، مذكرة إلى المصالح الإدارية العاملة تؤكد فيها على ضرورة الإدلاء بشواهد طبية محررة باللغة العربية أو الأمازيغية. كما أصر وزير الاتصال منذ ولوجه بناية العرفان على الالتزام بالتحدث باللغة العربية في لقاءاته الرسمية خاصة ندواته الصحفية الأسبوعية باعتبارها اللغة الرسمية للدولة. كما أصر السيد ادريس الازميوزير الميزانية على الحديث بالعربية في ندوة الصخيرات. هذه النماذج وغيرها تؤكدإمكانية الانتقال من مستوى التنظير إلى مستوى الأجرأة حين تكون العزة باللغة والإيمان بالذات،لكنها تظل منفردة في بابها.
إن ما يميز التجارب العالمية في باب الاحتماء باللغة باعتبارها عنوان المنعة والتميز الحضاري أنها لا تقف عند التمثل الفردي بل تجعل الاعتزاز مؤسساتيا وعلى الأفراد تمثله. فحين لاحظ الفرنسيون التنوع اللغوي الطارئ على تركيبة مجتمعهم سارعوا عام 1992 إلى التنصيص على رسمية اللغة الفرنسية في الدستور كصياغة قانونية للانتماء. لكن الأهم في ذلك أنه كان مقدمة لتشريعات متعددة: حيث اعتمدته الحكومة الفرنسية في مفاوضات الكات بمراكش1994، وخاضت فرنسا حربا ديبلوماسية ضد الأمريكان تحت عنوان الاستثناء الثقافي، وتم إصدار قانون استعمال اللغة الفرنسية المشهور بقانون توبون 1994. وقد تمثل الساسة الفرنسيون الأمر بشكل جيد لدرجة رفض الحديث بغير اللغة الرسمية. فرسمية اللغة لا تعني كتابتها في نص الدستور فحسب، ولكن المقصود هو وجوب استعمالها في الإدارات والمؤسسات العمومية، سواء داخليا، أو في علاقتها مع المواطنين، بل والإصرار على الاستعمال من طرف المسؤولين في مختلف المحافل. فاللغة هي الوجود. لكن ما يصر عليه بعض المسؤولين والوزراء يدفعنا الى تسجيل ملاحظة عبثية الوضع بشكل يجرنا الى تساؤلات استشكالية: هل نحن في حاجة الى دستور تخرق نصوصه من قبل من شارك في وضعه؟ وهل سندع الحديث باللغة الرسمية للدولة اختيارا فرديا؟ وإذا كان الامر كذلك فكل نصوص الدستور ينبغي ان تكون خاضعة للاختيارات الفرديةدون إلزام؟ وكيف يمكننا أن نأمل من حكومة تدافع عن التنزيل السليم للدستور وبينها من يصر على الانتماء لغير الوطن والانتساب لغير التراب والعبث بنص صادق عليه المغاربة؟
آن الأوان للقيام باختيارات مؤسسية تفرض التعامل بلغة الضاد في كل المحافل الرسمية والعامة وقبل ذلك فرضها على المسؤولين والوزراء المفروض انتماؤهم لحكومة وضعت نصب عينها النهوض باللغتين الرسميتين وأجرأةرسميتهما.إن الاعتزاز باللغة والهوية يعطي بعدا للوجود، وكيفما كانت النماذج الفردية التي نحييها ونساندها فإن الأصل مأسسة الاعتزاز باللغة الرسمية. ورحم الله علال الفاسي الذي قال:" لاشك أن حياة لغتنا بعث لوجودنا الثقافي، وصلة مستمرة مع ماضينا ومستقبلنا، وتحرير لنا من هيمنة الكلمة الأجنبية التي توحي إلينا من الإلهام ما يملأنا بروح أجنبية بعيدة عنا ".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.