اقترب مني دركي يحمل مذكرة يدوية صغيرة وقلما، وهمس في أذني يطلب معلومات حول طاقم التصوير وبرنامجه، زودته بما طلب في اختصار شديد. لم يتحرك الدركي من مكانه وعرفت أنه يستعد لطرح سؤال آخر. وبصوت خافت قال "عافاكوم صورو ليزونبيلونص،،،راه دايرن شي تصاور فالانترنيت بلي كايهزو الجثث بالكاميو ديال الزبل". كنا داخل مستشفى محلي بيبوزكارن، حين يغسلون جثامين السبعة الأخيرة التي عثروا عليها يوم الاثنين بعد فاجعة "تيمسورت"، هذا المستشفى عبارة عن خربة رمادية مهترئة، الجذران، الأبواب، النوافذ، لا تحيل على أنك داخل مؤسسة صحية تقوم باستشفاء المرضى... سألت احد المرافقين، هل هذا هو مستشفى بيزكارن؟ أجاب: نعم هذا هو المركز الرئيسي هنا". لاحظت أن الماء الدافئ الذي يغسلون به الجثامين يأتون به من الخارج، وعرفت أنه يأتي من حمام شعبي في أحد الأحياء المجاورة، لماذا ؟ لأن المستشفى لا يوجد به ماء دافئ ولا حتى امكانية ذلك. كل هذا أمام أعين السيد المندوب الجهوي لوزارة الصحة بكلميم.. دفنت الجثامين السبعة في جنازة مهيبة وشعبية بمقبرة "تيمولاي" بعد صلاة المغرب مساء يوم الاثنين،- الفاجعة وقعت مساء السبت- الجنازة لم يحضرها أي وفد رسمي من ولاية كلميم، ولا حتى من الرباط. بعض رجال السلطة المحليين ورجال الدرك في منطقة بويزكارن، هم الذين يقومون بإجراءات روتينية في مثل هذه الأحداث، حضروا وعاينوا عملية الدفن. اعتقدت أن ولاية أكلميم حضرت دفن تسعة جثامين الذين دفنوا يوم الأحد، ولا داعي للحضور مرة أخرى. لكن جواب احد أفراد عائلة المتوفين ينفي ترجل الوالي الى تيمولاي، جعلني أشعر بالموت المزدوج لهؤلاء البسطاء. عبر لي مجموعة من سكان تيمولاي عن امتعاضهم الشديد من هذا الصمت المريب، وبرودة المسؤولين الجهويين والمحليين في تعاملهم مع هذه الفاجعة، لم يحضر الوالي ورجال الدولة والوزراء لعزاء الأسر في بيوتهم كما تجري العادة في كل الاقاليم، لم تحدث اتصالات هاتفية مطمئنة.... وقعت فاجعة مهولة ذهبت بروح 16 مواطن مغربي ولم تحرك شعرة في نفوس الجالسين على كراسي المسؤولية في ولاية أكلميم وغيرها... "ازد نكني نكا اشلحين ايت تمولاي غايان أفاغ حكرن" هكذا تحدث احد المصرحين للبرنامج في جماعة تيمولاي.. لو سمعت هذا التصريح في مكان آخر، أكيد أنني لن أصدقه، لكن حضوري إلى هذه المناطق وتتبع لبعض ما جرى بعد الفاجعة، جعلني أثق في كلام هذا المواطن المكلوم. فعلا؛ هنالك ضيم وحكرة وعنف معنوي تجاه هذه المناطق... لأن مواطنيها مغاربة شرفاء، بسطاء. "تيمسورت" واد خطير يسري من شعاب وتلال عديدة، من آيت رخا وإمجاض ومن يدري حتى من فجاج بعيدة. حسب سكان المنطقة، فقد شهد مآسي كثيرة قبل هذه الفاجعة، ذهب ضحيتها سائق شاحنة، ومسافر آخر في السنوات الماضية. جمعيات وجماعات قروية وأفراد، طالبوا بانجاز قنطرة لهذا الوادي، طلباتهم وصلت منذ مدة إلى مديرية التجهيز ومقر ولاية كلميم والجهة ...وبقيت مركونة في الرفوف كباقي المطالب التي تكلف وقتا كبيرا وجهدا مضنيا ومصاريف كثيرة للمواطنين حتى يوصلونها إلى المسؤولين وترمى في سلة المهملات.... بشقة الأنفس، تمكنا من مسائلة المدير الجهوي لوزارة التجهيز والنقل، كلميمالسمارة، نطرح عليه سؤالا محددا واضحا، لماذا لم تنجزوا قنطرة على وادي "تيمسورت" بالرغم من مطالبة السكان والجماعة بها؟ يتهرب من الإجابة ثلاث مرات أو أكثر..."أسميتو" ولم نعرف لماذا ؟ رحم الله شهداء تيمسورت وتالمعدرت.. صحفي بالقناة الثامنة (الأمازيغية)