مجلس جماعة الدار البيضاء يصادق على اتفاقية شراكة لتسريع إنجاز مشروع المحج الملكي    حوادث السير تودي بحياة 24 شخصا في أسبوع    إصدار أول حكم بالعقوبات البديلة في سوق أربعاء الغرب    عبد اللطيف الجواهري ضمن أفضل محافظي البنوك المركزية في العالم    إصابة 12 شخصًا في حادث سير خطير بمدخل سبت الزينات على الطريق بين طنجة وتطوان    بريطانيا.. اختبار جديد قد يساعد في الكشف المبكر عن مؤشرات الإصابة بمرض الزهايمر    المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة يستعد للمونديال بمواجهتين وديتين أمام أمريكا    أخبار الساحة    – كيف كتبت لوموند «تحقيقها»؟ لمن كتبته؟    المجلس الوطني للمنافسة يؤشر على استحواذ "Ports4Impact" على شركة نادي الرجاء الرياضي    تقرير: كلفة خلق منصب شغل في بعض المشاريع الصناعية الكبرى تتجاوز نصف مليون درهم    أثافي الشعرية الأمازيغية من خلال كتاب «الشعرية الأمازيغية الحديثة» للناقد الأمازيغي مبارك أباعزي    الدورة الثانية لمهرجان «سينما الشاطئ» تحط الرحال بالصويرة    الدورة ال 25 من «ملتقى الشارقة الدولي للراوي» ما بين 22 و26 شتنبر الجاري بمشاركة المغرب    المنتخب المغربي يواصل استعداداته لمواجهة النيجر        بدء أشغال تهيئة خط الTGV نحو مراكش    وادو يتعرض لحادث سير خطير رفقة أفراد من طاقمه في جنوب إفريقيا    "الحر" يطلق جديده الفني "صرا لي صرا"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    مباريات موحدة لذوي الإعاقة تفتح 200 منصب في 19 وزارة    تصريحات عنصرية في حق اهل الريف تثير استنكاراً واسعاً ومطالب بفتح تحقيق    مارسيليا يضم المغربي نايف أكرد من وست هام في صفقة ب23 مليون يورو        مندوبية التخطيط: خمس جهات تستحوذ على 74% من نفقات استهلاك الأسر في المغرب    إسرائيل تستعد لهجوم شامل على غزة        كارثة إنسانية بالسودان.. انزلاق أرضي يمحو قرية بكاملها    المغرب يواصل الصعود بينما الجزائر تَتَداعَى نحو السقوط    حملات سياسية مغرضة تستهدف مجموعة الخير وحزب الاستقلال يرد بالحقائق    المغرب يرسخ حضوره الإفريقي بزيارة برلمانية كينية رفيعة.. من الرباط إلى الصحراء المغربية    ميناء طنجة.. إحباط محاولة تهريب 1152 من المفرقعات والشهب النارية    متابعة مدير في شبهة استغلال قاصر    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض    الخارجية الفلسطينية: الاعتراف بدولة فلسطينية "ليس رمزيا"    سعر الذهب يحطم رقما قياسيا جديدا    محكمة دوسلدورف تدين مغربيا بتهمة التجسس على أنصار "حراك الريف" بألمانيا    80 فنانًا من دول مختلفة يشاركون في المعرض الجماعي للفن التشكيلي بتطوان    تراجع الإقبال على برنامج تعليم اللغة العربية والثقافة المغربية في الأندلس    اختصاصي في جراحة العظام يكشف فوائد المشي حافي القدمين    سماعة طبية معززة بالذكاء الاصطناعي تكتشف أمراض القلب في 15 ثانية    المغرب يعزز قوته الجوية بصفقة لاقتناء مروحيات "كاراكال" متعددة المهام        ألمانيا تُجرّب حافلات ذاتية القيادة في 15 مدينة    بطولة انجلترا: الفرنسي كولو مواني ينتقل لتوتنهام على سبيل الإعارة    صيف 2025 الأشد حرارة في بريطانيا منذ 1884        المغرب يختبر تجربة رائدة بألواح شمسية عائمة للحد من تبخر المياه وتوليد الطاقة النظيفة    كرة قدم: باير ليفركوزن يحسم صفقة المغربي إلياس بن صغير    الإخوان المسلمون والحلم بالخلافة    دراسة جديدة تكشف أن عقول المصابين بالتوحد منظمة بشكل مختلف    الأوقاف تعلن موعد أداء مصاريف الحج للائحة الانتظار من 15 إلى 19 شتنبر    ليالي العام الهجري    الملكية وتد ثبات الأمة وإستمرار الدولة المغربية    دخول القانون المتعلق بالصناعة السينمائية وبإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي حيز التنفيذ        جديد العلم في رحلة البحث عن الحق    الزاوية الكركرية تنظم الأسبوع الدولي السابع للتصوف بمناسبة المولد النبوي الشريف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرايس الحاج بلعيد .. أيقونة فنية أمازيغية بسوس
نشر في اشتوكة بريس يوم 01 - 04 - 2016

يلقب ب"زرياب الأغنية الأمازيغية"، وتخلع عليه كذلك صفة "عنوان الشعر الأمازيغي"، هو الفنان الكبير الراحل الرايس الحاج محمد بلعيد الذي يعد من أبرز الأسماء الفنية التي تلألأت في سماء الأغنية الأمازيغية في منطقة سوس، ومن شعراء ورواد الأغنية الأمازيغية، التي ينسب إليه تأسيسها ووضع لبناتها الأولى.
مرّت 71 سنة على رحيل هذا الهرم الفني المغربي، الأب الروحي للأغنية الأمازيغية السوسيّة، الذي نحت اسمه في سجل الخالدين من الفنانين المغاربة الرواد والكبار، رمز فني وثقافي قل أن يجود الزمان بمثله، فالزمان بأمثاله لبخيل، صاحب الكلمة الهادفة واللحن الرائع والحنجرة القوية، هو إرث جماعي لكل المغاربة قمين بالعناية والتأريخ، بما ترك من رصيد فني وأدبي وطني تظل الحاجة ماسة إلى دراسته واستكناه أسراره واستجلاء درره.
وتجمع مجمل الدراسات الجامعية والأبحاث التي أنجزت عن الرايس الحاج محمد بلعيد أنه أسطورة من أساطير الفن الأمازيغي، ومرجعية بالنسبة لكل المجموعات الغنائية والفنانين الروايس الذين أتوا من بعده، يرددون، بشكل كبير، أغانيه التي كلها حكم ومواعيظ، نظرا لوقعها الجميل في الوجدان والذاكرة.
وتفيد كتب التاريخ والتراجم بأن الرايس الحاج محمد بلعيد يتحدر من أسرة فقيرة استقرت منذ تاريخ غير معروف في مدشر "ءانو ن عدو" بجماعة "ويجان"، الواقعة شرق إقليم تزنيت، وهناك ولد في سنة غير محددة ، إذ لم يستطع كل الذين كتبوا عنه تحديد سنة ميلاده إلا على وجه التقدير والاحتمال. والمعطيات المتوفرة في الموضوع ترجح أن يكون ميلاده أواخر الربع الثالث من القرن ال19، وولادته بالتحديد ما بين 1870 و1875، فيما يرجح، حسب الباحثين، أن تكون وفاته في منتصف الأربعينيات من القرن العشرين، مابين 1943 و1948، والمرجح أنه توفي سنة 1945.
ويعد الحاج محمد بلعيد مدرسة فنية وأدبية تاريخية قائمة الذات، تحمل العديد من الرسائل الرمزية التي تؤكد أن التشبث بكل ما يرسخ الهوية المغربية واجب حضاري وطني من أجل جعل المغرب يتطور، بشكل إيجابي، دون التفريط ونسيان التقاليد المغربية المرعية.
وفي بحث خص به الفنان الراحل، قال الأستاذ شفيق الزوكاري إن الحاج بلعيد تفوق على مجايليه من الروايس، الذين كان لهم السبق في التسجيل ما بين 1930 و1936 نظرا لتألقه وبراعته وتفرده في طريقة وحسن الإلقاء الخارج عن الرتابة والابتذال، والعزف الذي لم يتقنه إلا القليل من الفنانين الذين عاصروه، مضيفا أن عددا من الدارسين اهتموا بمنتوج هذا المبدع الكبير، بتقديم بحوثهم الجامعية لنيل الإجازة والماستر من بينها "شعر الشهادة عند الحاج بلعيد" و"شعر الرايس الحاج محمد بلعيد " لابن يحيى الحسين الوجاني.
ويضيف باحث آخر أن عشق الحاج محمد بلعيد للتجوال والترحال جعله يتنسم أنسام الآفاق التي زارها، وينبض بها قلبه الخفاق، وتمتلئ بمشاهدها الأصداء فيضج الرباب، ويصدح لسانه بالغناء، راسما المشاعر والأحاسيس التي تنتابه في ذلك الواقع، فكان بحق شاهدا صادقا على عصره، ومؤرخا أمينا لأحداثه وقيمه وأفكاره وعواطفه، فكان رايسا مثقفا، لا ككل الروايس في غزله ووصفه، وفي نقده لمساوئ مجتمعه، واضح الحجة، حكيما في خطابه، قوي الدليل في العتاب والشكوى، صادق القول والدعوى في مدارج العشق والنجوى، عارفا بأصول التراث الفني الأمازيغي السوسي وقواعده، من قصص دينية وعاطفية، وأمثال وحكم، متمرسا في أساليب الإلقاء الشعري والغنائي المتوارثة عن شيوخ مدرسة تارايست بسوس.
وأضاف أنه "كان بارعا في التلوين الصوتي، خفضا ورفعا، سرعة وبطئا على أوتاره الصوتية الحادة المنغومة، ما ينم عن غنى محفوظه من الألحان والإيقاعات الأصلية المتواترة عن الأسلاف، والتي أعاد صياغتها من روحه، وطبعها بطابع عصره، وعلى طريقته في الإنشاد، فكان له فضل تدوينها، والسبق إلى تجديد روايتها في الناس، وتخليدها فيهم على الاسطوانات، لتحكي عن ملامح الخلق والإبداع، وتبقى رمزا تاريخيا فنيا يجسد الحد الفاصل بين ألوال الطبائع الأمازيغية السوسية وألوانها الزاهية الأصيلة، وبين الفجاجة والنعيق والإسفاف المتفاحش مع نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، وتزايد المؤثرات الجديدة لبريق التمدن الصناعي وأخلاقه وقيمه المزيفة في الفكر، والفن، والسلوك، وسبل الكسب والعيش مما كان له انعكاس قوي في مدرسة تارايست بعد جيل الحاج بلعيد".
ولعل من مظاهر العناية بأيقونة الغناء الأمازيغي، هو التكريم الذي خصصته له مدينة تزنيت سنة 1914 بنصب تمثال من حديد له يوجد عند مدخل الفضاء الأخضر لدار الثقافة بتزنيت بجوار المكتبة، ويتضمن منحوتا حديديا يصل طوله إلى مترين وتبلغ قاعدته حوالي نصف متر استخدم في إنجازه خليط من المواد الصلبة مثل الحصى والإسمنت المقوى والحديد، فضلا عن الجبس.
توفي الرايس محمد بلعيد في منتصف الأربعينيات من القرن العشرين، في صمت وغفلة من الناس عن أمثاله، وفي ظروف تحكمها أهوال الكوارث الطبيعية من أوبئة ومجاعات، وتسودها الصراعات السياسية العالمية المتتالية قبيل الحرب الكونية الثانية، بعد مسار حافل من العطاء ما يزال إلى حدود الآن يشكل معينا لا ينضب لفن الروايس، حيث استطاع، بحسه الفني ونبوغه وعبقريته المتفردة، أن يطبع المشهد الغنائي الأمازيغي ماضيا وحاضرا.
وما تزال أشعار وأغاني الرايس الحاج محمد بلعيد خالدة يتغنى بها الأمازيغ، شاهدة على روعة وعبقرية مبدعها الأول، حيث قامت مجموعة من الفرق الغنائية المعاصرة بإعادة غناء ميراث الحاج بلعيد بلمسة عصرية، وبآلات موسيقية حديثة متطورة، دون تغيير للحنها الأول، ولا تبديل لكلماتها التي ألفها شاعر استحق عن جدارة لقب "عبقري ومعجزة الشعر الأمازيغي" إنه الرايس الحاج محمد بلعيد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.