ما علاقة الإعلام بتجويد النقاش العمومي؟    تدشين أول وحدة صناعية لمواد بطاريات الليثيوم - أيون بالجرف الأصفر    كأس العالم للأندية لكرة القدم.. إنتر ميلان يطيح بريفر بلايت ويتصدر مجموعته    طقس حار مرتقب اليوم الخميس بعدد من مناطق المملكة    الجهود متواصلة لإخماد حريق غابة "ثاندا إفران" بالحسيمة بعد تحويط بؤر النيران    وفاة شاب إثر سقوط من سطح منزل بطنجة    حريق يُخلّف إصابتين في حي بوحوت بطنجة    تعيين عالمة الأحياء المغربية جنان الزواقي عضوا في الأكاديمية الإيبيرو-أمريكية للصيدلة    طنجة: وفاة الأربعيني الذي أضرم النار في جسده بشارع أهلا متأثرا بحروقه البليغة    بنك المغرب: ارتفاع الديون المتعثرة ب4,5 في المائة    700 مليون درهم لدعم مربي الماشية وإعادة تكوين القطيع الوطني    وزارة الصحة الإيرانية تعلن مقتل 627 شخصا في الهجمات الإسرائيلية    موجة حر غير مسبوقة تضرب المغرب لستة أيام متتالية.. الأرصاد الجوية تحذر وتعلن مستوى يقظة برتقالي    أولمبيك الدشيرة يحرز لقب أول نسخة من كأس التميز    تفاصيل الحكم بالسجن على بطل الكيك بوكسينغ جمال بن صديق في بلجيكا    الداخلية تشرع في إعداد لوائح المجندين الجدد تنفيذا للتعليمات الملكية    موازين.. الفناير تراهن على التراث والتجديد لمواجهة ضغوط السوشيال ميديا    كأس العالم للأندية.. مبابي يستأنف تدريباته الجماعية مع ريال مدريد    إعلام فرنسي: أشرف حكيمي قدم موسما استثنائيا ويستحق الكرة الذهبية    نزاع حول حقوق هولوغرام عبد الحليم حافظ يشعل مواجهة قانونية بين XtendVision ومهرجان موازين    ولد الرشيد يجري مباحثات مع نائب رئيس جمهورية السلفادور حول سبل تعزيز التعاون الثنائي    توقعات طقس الأربعاء في المغرب    لجنة مركزية من وزارة الصحة والحماية الاجتماعية تحل بشفشاون لمواكبة التلقيح ضد الحصبة    أول مصنع من نوعه خارج القارة الآسيوية .. المغرب يدخل عصر البطاريات الخضراء باستثمار 20 مليار درهم    بعد وفاة مؤسسه بنعيسى... موسم أصيلة الثقافي الدولي يواصل مسيرته بصيغة صيفية حافلة بالفنون    ابتلاع كيس يحتوي على مخدرات يودي بحياة موقوف بطنجة خلال تدخل أمني    انطلاق أول عملية توريق للديون المتعثرة وأخرى قيد الإعداد    الملك محمد السادس يهنئ أمير قطر بذكرى توليه الحكم    ارتفاع حصيلة شهداء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 56 ألفا و156 منذ بدء الحرب    إيران تؤكد أن منشآتها النووية "تضررت بشدة" جراء الهجمات الأميركية    مبادرة مدنية ترفض حرمان الجمعيات من التبليغ عن الفساد وتعتبره دوسا على الدستور والالتزامات الدولية للمغرب    اجتماع بوزارة الداخلية لتحديد معايير استخراج أسماء المدعوين لأداء الخدمة العسكرية برسم الفوج المقبل للمجندين    السياحة المغربية تحقق أداء قويا في 2025 بارتفاع العائدات وعدد السياح    دراسة تحذر: انتكاسات كبيرة في برامج التلقيح تعرض الأطفال لخطر الأمراض القاتلة        كأس العالم للأندية.. طاقم تحكيم كندي بقيادة درو فيشر يدير مباراة العين الإماراتي والوداد الرياضي    بنكراد: معظم المحتجين في 20 فبراير بمجرد ما عرضت عليهم المناصب ذهبوا لها وانفضوا    بكين.. مؤتمر يستكشف أوجه التعاون الصيني – المغربي في قطاع السياحة    المنتخب المغربي النسوي يبدأ تحضيراته استعدادا لكأس أمم إفريقيا    مع استمرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران جيش الاحتلال يواصل استهداف غزة واتصالات لوقف الحرب وسط وعود جديدة لترامب        عودة الدواجن البرازيلية إلى الأسواق المغربية بعد زوال المخاطر الصحية    مقتل 6 من جنود اسرائيليين في قطاع غزة    أكاديمية المملكة تنظم تظاهرة دولية    مجلس النواب الأميركي يرفض مبادرة لعزل ترامب    ترامب يؤكد مجددا أن المواقع النووية في إيران "دمرت بالكامل"    كأس العالم للأندية لكرة القدم.. فلامنجو البرازيلي يتعادل مع لوس أنجلوس الأمريكي (1-1)    أموال الناظور تمول مدنا أخرى.. أين الأبناك من تنمية المنطقة ودعم الرياضة والثقافة كما أرادها جلالة الملك؟    مجموعة بريكس تدعو إلى "كسر حلقة العنف" في الشرق الأوسط    والي بنك المغرب يدعو الحكومة إلى إنجاح برامج تمويل المقاولات الصغرى    مؤسسة أحمد الوكيلي تطمح إلى إخراج "الآلة" من النخبوية الموسيقية    بعد غياب طويل.. عودة الإعلامية لمياء بحرالدين للساحة الإعلامية بشكل جديد    قهوة بالأعشاب الطبية تثير فضول زوار معرض الصين – جنوب آسيا في كونمينغ    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في تبيان المضمر من خطاب الأستاذ عبد الالاه بنكيران

وانا اتصفح جريدة أخبار اليوم في عددها ليوم 15 يناير 2019, استرعى انتباهي ما جاء على لسان الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية الأستاذ عبد الالاه بنكيران في شأن الملكية واليسار ،والوحدة الترابية وإمارة المؤمنين . فتساءلت مع نفسي عن دلالات هذا التصريح ومقاصده .
فهل يمكن اعتباره تصريحا لخلط الأوراق، وتوجيه الرأي العام الوطني عن ما يتداوله عبر وسائل الإعلام ، ووسائل التواصل الاجتماعي حول مسلكيات بعض عضواته واعضائه القياديين ؟، و التي كان بالإمكان اعتبارها تدخل ضمن إطار الحياة الشخصية للأفراد ،لو لم تقترن بما يتناقض وما يقدمونه للمجتمع من منظومة اخلاقية بديلة ، مستمدة من شرع الله وحقه على عباده كما يعتقدون.
ام ردة فعل على إعادة فتح النيابة العامة لملف أحد قيادييه المتورط في جريمة قتل الشهيد ايت الجيد بنعيسى ؟ ،وما صاحب تقديمه من تصريحات يشككون من خلالها في المؤسسات التي يتولون مسؤوليتها من داخل الحكومة ،و من تجييش للأنصار والمليشيات برئاسة الأستاذ بن كيران أمام المحكمة في مشهد جعل المتتبعين يعتقدون وكأنهم أمام فيلم من أفلام آل باتشينو . أو حتى للرد على بعض مواقف أعضاء حزبه التي يمكن أن يفهم منها أنها منحازة للمواقف المطالبة بالملكية البرلمانية ،ولو ان موقفها يمكن أن يأخذ تأويلات متعددة ، والتأكيد على كونه ،ومعه حزبه ،لا زال مدافعا على الملكية كمؤسسة دستورية تسود وتحكم.
ام انه تصريح يأتي في سياق التهجم على قوى اليسار، التي يتواجد مشروعها المجتمعي على نقيض ما يعتقد به ؟ والتي طالما عبر عن حقده اتجاهها وذلك منذ النشأة ،إبان مرحلة وزير الداخلية السابق المرحوم ادريس البصري، و التي يعتبرها الآن كذلك مسؤولة عن حملة التشهير التي طالت أعضاء وعضوات حزبه ؟. وبما أن عملية تخوين المناضلين الشرفاء لا تستقيم في الأدبيات السياسية المغربية دون التشكيك في وطنيتهم واتهامهم بالتآمر على العرش والوطن. فكان من الطبيعي أن يعتبر اليسار عنصر فتنة ودعاة الحاد وخونة للوطن والعرش، وهي تهمة طالما حوكم وعذب واعدم بسببها الكثيرون من المناضلين الشرفاء.
ام أن كل هذه القراءات لا تهم الا الظاهر من التصريح، و لا تلامس ما تبطنه من استراتيجية غير معلنة في تفكير حزب العدالة والتنمية ومن خلالها حركات الإسلام السياسي ، في كيفية التعاطي مع الدولة والمجتمع حتى ،وإن استهلتها بالدفاع عن العرش وإمارة المؤمنين التي نعرف جيدا أنها تتعارض واستراتيجيتها القاضية بإقامة دولة الخلافة والولاء المطلق لمرشدها العام؟.
وبالتالي فهل يمكن اعتبار هذا التصريح دفاعا عن العرش والملكية ؟.وهل هو دفاع عن الدين والوطن مما يتهددهما من قوى اليسار ؟.أم هو دفاع عن قوى الاسلام السياسي ومن ضمنها حزب العدالة والتنمية وما يبطنه من قيم مناقضة لقيم الديمقراطية والحداثة؟.
من اجل محاولة تلمس الاجوبة لمجمل ما طرحته من اسئلة، لا بد من الوقوف عند ثلاثة عناصر اساسية وردت في تصريح الاستاذ بن كيران.
1/ الاسلام السياسي والمسألة الديمقراطية والملكية .
عندما نتحدث عن المسألة الديمقراطية كآلية لنظام الحكم في العصر الحديث، فإننا نستحضر كل المخاضات العسيرة التي مرت منها هذه المسالة، وما قاسته الشعوب من معاناة مع أنظمة الحكم الاستبدادية والشمولية من اجل ان تفرض نفسها كشريكة في الحكم والسلطة من خلال مؤسسات تشريعية وتقريرية منتخبة بشكل حر وديموقراطي، تربط المسؤولية بالمحاسبة، و اجهزة تنفيذية تخضع لآليات المراقبة تشتغل وفق المقتضيات التي يقرها مبدأ فصل السلط، الذي يشكل الى جانب الانتخابات الحرة والنزيهة بين الفرقاء السياسيين، احد اعمدة أنظمة الحكم الديمقراطية . كما لا يفوتنا في هذا السياق التذكير بما عانته النخب الفكرية من قمع ونفي واعدامات من أجل تسييد قيم الديمقراطية والحداثة والمضامين الجديدة لنظرية العقد الاجتماعي التي تجعل من الشعب شريكا في العملية السياسية الديمقراطية . ويمكن الاستشهاد هنا بما عاناه جان جاك روسو من حيف وتهديد بالقتل من طرف الحكام ورجال الدين المسيحيين بأوروبا ،الذين اعتبروه محرضا للشعوب على حكامها ، و ملحدا، رغم كونه كان من أشد المعارضين للمتهجمين على المعتقدات الروحية ، كيف لا وهو القائل " لا علم بدون اخلاق و لا حضارة بدون ضمير". فعملوا على تهميشه ونفيه في أواخر سنوات عمره، ليموت ويدفن بعيدا ،في قرية نائية بفرنسا ،قبل أن تعترف به رجالات الثورة الفرنسية بعد عشرة سنوات من مماته ، ليعيدوا دفنه في مقبرة العظماء بباريس .هذا في الوقت الذين كان فيه رجال الدين المسيحيين، من أمثال أستاذنا ،يزكون الاستبداد والحكم المطلق ويعتبرون أن ما يحل بالشعب من فقر وأمراض ومجاعة هي قدر إلهي وعقاب الله لعباده عن ما يقترفون من خطيئة وخروج عن طاعة الحاكم.
أقول قولي هذا من اجل وضع كلام الأستاذ عبد الإله بن كيران في سياق ما راكمته الشعوب من تضحيات في سبيل إحقاق الديموقراطية والحرية ..وأن ما صرح به في كونه يدافع على الملك والملكية بالقول انه ضد الملكية البرلمانية، وأنه مع الملكية التنفيذية والتقريرية التي تتجسد في شعار الملك يسود ويحكم ، فهو بذلك يتماهى مع ما كان يصرح به رجال الدين المسيحيين في دفاعهم المستميت على نظام الحكم المطلق ، ولا اظنه بذلك يدافع عن الملكية أو الملك ونحن في القرن الواحدوالعشرين ، بل يدافع عن حقيقة تصوراته المذهبية والفكرية المنافية للديمقراطية والحداثة ،حتى وإن اعتمد هذه الاخيرة كالية تكتيكية وليس قناعة استراتيجية للوصول إلى السلطة من أجل توفير المزيد من الشروط للتحكم في مفاصل الدولة والمجتمع في انتظار ما يمكن أن تتطور اليه الاحداث، حتى يستظهر ما يبطنه في استراتيجيته التي هي ،استراتيجية الإسلام السياسي السني ،التي تروم الى اقامة دولة الخلافة على عموم البلاد الاسلامية في حدها الاقصى، وفي التحكم في مؤسسة العرش في حدها الادنى ، عندما تضعف هذه الاخيرة و تفقد شرعية وجودها، وينأى المجتمع عنها بعد.ان ينسب إليها كل الاخفاقات في تدبير السياسات العمومية ،وذلك بحكم المسؤولية السياسية للملك بصفته رئيسا للدولة ،حتى وهو غير خاضع للمحاسبة ،وهو ما يتنافى أيضا حتى مع الأنظمة الديموقراطية الرأسية .وبالتالي فدفاعه عن الملك بالشكل الذي يدعيه ،وفي القرن الواحد والعشرين بما تشهده شعوب العالم بصفة عامة والمغرب بصفة خاصة من تحولا ت عميقة ، ونزوع الى الديموقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية ، لا يمكن اعتباره دفاعا عل العرش بل هو في عمقه يسعي الى اضعافه في افق تقويضه او احتواىه ، بعد ان يفقد المجتمع ثقته منه نهاىيا نتيجة ما يعيشه من احباطات متكررة ،واوضاع اقتصادية وسياسية صعبة ترخي بظلالها على فئاة اجتماعية واسعة والتي اصبحت في غالبيتها مدركة، حتى وان لم تعلنه علانية وبشكل جهور ، ان الملك بصفته رئيسا للدولة يتحمل القسط الوافر من المسؤولية حتى وان لم يكن خاضعا للمسائلة القانونية والدستورية ،وهو ما يمكن استنتاجه كذلك مما وصل اليه المجتمع من مراحل متطورة في وعيه الجمعي، الذي فقد الثقة في الوسائط والمؤسسات ،واصبح يتجه نحو رفع مطالبه للملك مباشرة بصفته رئيسا للدولة.
إذن وفي مثل هذه الأوضاع والظروف الدولية والوطنية، فأن من يريد ان يطور نظام حكمنا السياسي ،ولا اقول الدفاع عن العرش ،هو من يتجرأ بقول الحقيقة للحكام ، وتنبيههم الى ما هم عليه، وإلى ما يحيط بنا من أخطار تمس استقرارنا السياسي والاجتماعي، وأن لا خلاص الا بتوفير شروط الانتقال إلى الملكية البرلمانية كمدخل من مداخل الانتقال إلى الديمقراطية ،وليس الدفاع عن الحكم المطلق وما يصاحبه من فساد سياسي واقتصادي الذي يشكل سمة ملازمة لانظمة الحكم اللا ديمقراطية سواء كانت ملكية أو جمهورية والتي تشكل البيئة الحاضنة ل ترعرع كل انواع التفكير السلفي والخرافي .
كما ان الاستاذ بنكيران والرعيل الأول من جماعته ،حتى وإن أبدوا هذا الدفاع المشكوك فيه عن الملك والعرش، بحكم الوعد الذي قطعوه على أنفسهم أمام شيخهم الدكتور الخطيب في هذا الشأن. إلا أن لا ضمانة مع المنتسبين الى حزبهم من الشباب المتشبع بالفكر السلفي ومنهج النبوة ،الذين يكفرون الحاكم والمحكوم ،وكل من يخالفهم الرأي ،ويعتبرون أنفسهم في حلة من الوعد الذي قطعه أسلافهم من الرعيل الأول لحركة الإخوان المسلمين .
2/اليسار والمسألة الديمقراطية والملكية
صحيح أن اليسار بكل مكوناته قد عمل في مرحلة تاريخية الى احداث التغيير بالقوة ، ومنهم من تبنى نظرية العنف الثوري من اجل انجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية خاصة في أواخر الستينات ومرحلة السبعينيات من القرن الماضي ،التي كانت تشهد مدا واسعا للفكر اليساري ليس على مستوى المغرب فقط ، بل على مستوى العالم .وهي المرحلة كذلك التي عمد الملك الراحل الحسن الثاني من خلالها الى تعليق العمل بالمؤسسات الدستورية، ليتحول على اثرها الى الحاكم المطلق والمستبد بالشأن السياسي، مع كل ما رافق هذه المرحلة من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في حق معارضيه من التقدميين واليساريين .لكن وابتداء من اواخر السبعينات وحتى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي التي اتسمت بانهيار حائط برلين وانهيار الكثير من الانظمة الاشتراكية عبر العالم ، عمد الكثير من اليساريين المغاربة الى احداث مراجعات فكرية تؤسس لفعل سياسي جديد يقطع مع العنف الثوري كالية لحسم السلطة، ويتبنى النضال الديمقراطي الجماهيري عبر ما يتيحه ما سمي آنذاك ب الهامش الديمقراطي الذي اتى نتيجة للتضحيات التي قدمها المجتمع المغربي وفاعليه السياسيين من وسط واقصى اليسار ، وليس الإسلاميين أمثال الأستاذ عبد الاله بنكيران ، الذي كان يضع وجماعته حينها يده في يد وزارة الداخلية ويقدم فروض الطاعه والولاء ،والتعبير عن استعداد جماعته لوأد اليسار من الشارع واجتثاثه من الجامعات كما ورد في رسالته الشهيرة لوزير الداخلية المرحوم ادريس البصري سنة 1986 . بالاضافة الى الوضع المأزوم الذي وصل إليه نظام الحكم في المغرب وما شهده من عزلة داخلية وخارجية توجت بمحاولتين انقلابيتين في ظرف سنة واحدة ، يمكن إضافة كذلك التطورات الماساوية التي شهدتها الأقاليم الصحراوية .. كل هذا ادى بالملك الراحل الى إطلاق ما سمي آنذاك بالمسلسل الديموقراطي والاجماع الوطني، إيذانا بعودة المؤسسات الدستورية في أواسط السبعينات من القرن الماضي .
وقد توجت هذه المراجعات السياسية في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات بنقاشات حادة بين صفوف أغلب مكونات اليسار حول المسألة الديمقراطية التي تم اعتبارها خيارا استراتيجيا ،واعتبار المرحلة مرحلة للنضال من أجل الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان ،وبالتالي تبني الدفاع عن مجموع القيم الانسانية التي تجد أصولها الفكرية والفلسفية في أنظمة الحكم الليبرالية والراسمالية دون أن يغفل اليسار عن جوهر مرجعيته التي تحازب الفئات الشعبية المتضررة في المجتمع .
وفي سياق تبني القوى التقدمية واليسارية لاستراتيجية النضال من أجل الديموقراطية ،كان لا بد من تغيير الموقف من المؤسسة الملكية بالنسبة للكثير من مكونات اليسار في اتجاه تبني موقف الملكية البرلمانية بديلا للملكية المطلقة ، كمدخل من مداخل الانتقال إلى الديموقراطية وتطويرا لها ،وليس دفاعا عنها ، بما ينسجم ومطالب الشعب المغربي في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية .وذلك بعد أن اقتنع غالبية اليساريين المغاربة كون الديمقراطية كآلية للحكم والسلطة ،ليست بالضرورة صفة ملازمة لنظام الحكم الجمهوري ، كما الاستبداد ليس بالضرورة صفة ملازمة لنظام الحكم الملكي.
إذن فمطلب الملكية البرلمانية عند اليساريين المغاربة هو نتيجة صيرورة تاريخية من التضحيات والمراجعات الفكرية والسياسية ، تهدف إلى تطوير نظام حكمنا السياسي بما ينسجم ومتطلبات التغيير الديموقراطي، وليس تهجما على العرش و الملك ،أو دفاعا عنهما ،كما يروج الاستاذ عبد الالاه بنكيران وجماعته.
3/اليسار والموقف من الوحدة الترابية
مما يجدر الاشارة اليه في هذا الصدد، كون أن اليسار الجديد ،و في مرحلة الصراع العنيف مع الملكية والنظام السياسي المغربي الذي كان قد علق العمل بجميع المؤسسات الدستورية، و أعلن حالة الاستثناء التي مارس من خلالها ابشع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في حق معارضيه ،وخاصة اليساريين منهم ، يبرز مشكل جهة الصحراء الغربية التي كانت لا تزال تحت الاحتلال الإسباني ، والذي تصدر مواجهته ثلة من المناضلين الصحراويين الذين كانوا يدرسون في الجامعات والمعاهد المغربية ، وكان بعضهم ضمن صفوف مناضلي اليسار الجديد ،الذي كان في نفس الأن يشهد مدا جماهيريا واسعا ،خاصة في الحقل الطلابي . فكان موقف اليسار الجديد من قضية الصحراء موقفا انفعاليا أكثر مما هو عقلاني ومفكر فيه ،وأن مساندته لجبهة البوليساريو في مراحل معينة لم يكن موقفا استراتيجيا يروم الى فصل الصحراء عن عمقها المغربي ، بقدر ما كان موقفا تكتيكيا يروم إلى تأسيس بؤرة ثورية في الجنوب لتشكل قاعدة خلفية في مواجهة النظام السياسي . وهو الموقف الذي أملته ظروف المرحلة وما كانت تشهده من صراع مرير مع نظام الحكم وما يتسم به من استبداد. لكن وفي إطار تطور عملية الصراع السياسي في المغرب ، والمراجعات السياسية التي أقدمت عليها جل مكونات اليسار في شأن نظام الحكم والمسألة الديموقراطية، كان من الطبيعي أن يطور اليسار موقفه من قضية الصحراء ،وكان من رواد المنتقدين لانفراد الدولة في تدبير هذا الملف في إطار موقف هلامي قائم على مغربية الصحراء . وهو الموقف الذي لا يستحضر التعقيدات التي أوصلته الدولة إليها بتدبيرها السيء لهذا الملف ،وبعد أن أصبح متداولا بين اروقة الامم المتحدة . فكان أول من عبر عن موقف مغاير ومتقدم في شأن هذه القضية ، هي حركة الديمقراطيين المستقلين عندما طالبت في صيف 1997 بالحل السياسي المتفاوض عليه على أساس لا غالب ولا مغلوب ،وبما يضمن حق الأقاليم الصحراوية في الحكم الذاتي في إطار جهوية سياسية تشمل باقي الجهات التاريخية في المغرب، وبما يخدم بناء وحدة المغرب الكبير.وهو الموقف الذي تبناه المؤتمر الاندماجي لليسار الاشتراكي الموحد المنعقد بالدار البيضاء في سنة 2000 بعد أن أجريت عليه بعض التعديلات من طرف باقي المكونات الاخرى وخاصة منظمة العمل الديموقراطي الشعبي .كما طورت بعض مكونات اليسار الاخرى كذلك موقفها من هذه القضية مطالبة بالحل السلمي المتفاوض عليه .هذا دون أن نغفل أن اليسار كان دائما في أدبياته يطالب بتحرير ما تبقى من الثغور المحتلة.
اذن فموقف اليسار تاريخيا من الوحدة الترابية هو موقف ثابت ، حتى وإن خضع في مراحل تاريخية معينة لحسابات تكتيكية أملتها ظروف الصراع العنيف مع نظام الحكم، ولا مكان للمزايدة عليه في هذا المجال من طرف الأستاذ عبد الإله بنكيران وجماعته، الذي ابدى عجزه حتى في إبداء الرأي في هذه القضية، عندما اقترح الملك محمد السادس صيغة الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية سنة 2003 وطالب الأحزاب بتقديم مقترحاتهم في هذا الشأن.
خلاصة
اذن فالاستاذ بنكيران مع كل احتراماتي له , لا يدافع عن الملكية ولا على على الملك، بل يدافع عن مبررات وجود جماعته ومرجعيتها المنافية لقيم الديمقراطية والحرية، والتي لا يمكن أن تستمر وتتقوى الا في اطار نظام حكم شمولي يستمد مشروعية حكمه من الله ومن أهل البيت ،الذي ،ينتسب هو ايضا اليهم حسب تعبيره ، مما يجعله وريثا شرعيا للحاكم باسم الله ، وليس من الشعب الذي يجب أن يبقى ضمن إطار الرعية التي عليها واجب الطاعة للحاكم والمرشد أو الفقيه . وما تهجمه على اليسار واتهامه بالكفر والإلحاد وخيانة الوطن ، سوى محاولة يائسة لإظهار ولاء زائف، على حساب تضحيات اليسار من أجل مغرب حر ديمقراطي ومتعدد يقر بالحريات بما فيها حرية المعتقد وحق ممارسة الشعائر الدينية للمغاربة، مع التنصيص على فصل الشأن الديني عن الشأن السياسي ،حتى لا يترك المجال مفتوحا لاستاذنا الجليل وجماعته، اوغيره من السلفيين في التوظيف السياسي لموروثنا الروحي و الديني ، و اقحامه في الصراعات والأمور السياسية التي هي شأن دنيوي .وحتى لا يتحول هذا الارث الروحي والديني المشترك بخصوصياته المغربية الى مجال للمنازعات المذهبية والطائفية.
طنجة في 19 يناير 2019


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.