نشر نشطاء مغاربة منتمون إلى حركة 20 فبراير على الموقع الاجتماعي العالمي "الفيسبوك"، خبر مفاده أن قوات الأمن المغربية اغتالت يوم الأحد 29 ماي 2011 بمدينة أسفي الشهيد كمال العماري، وتم ذلك خلال إحدى تظاهرات هذه الحركة، التي كان ينشط فيها، وقد تم هذا الاغتيال بعد أن تأثر بجروح بليغة أصيب بها أثناء تفريق قوات الأمن لمسيرة نظمتها نفس الحركة، حيث انهالت عليه هراوات خمسة أفراد من قوات الأمن بالضرب والرفس، كما خلف هذا الهجوم الوحشي و الاعتداء الهمجي على الشهيد إصابات خطيرة على مستوى الرأس و سائر الجسد، بالإضافة إلى تدخل المسؤولين الأمنيين لمنع سيارة الإسعاف من نقله إلى المستشفى، مما دفع ببعض النشطاء إلى نقله عن طريق سيارة خاصة لأحد المواطنين، وسط أصوات وصرخات مهيبة بسبب الآلام التي خلفها الاعتداء. وبعد أيام معدودة ، غادرت الروح الجسد، جسد الشهيد كمال العماري، بعد أن عجز عن تحمل العدد الكبير من الضربات التي استقبلها جسده، و توفي عشية الخميس 2 يونيو2011، حيث أقيمت له جنازة حضرها عشرات الآلاف من المشيعين. وبالتالي، فلأحد يستطيع أن ينكر و يشك في شهادة هذا المناضل إلا الجاحدون، العماري مات من أجل قضية امن بها و قدسها، هي قضية محاربة الظلم و الفساد والاستبداد، واستشهد في سبيل تأسيس دولة مبنية على الحق و القانون، تسود فيها العدالة الاجتماعية و يحضى فيها المواطن بالكرامة والحرية. و كلنا أمل أن نلقي نفس المصير و نموت شهداء على قضية مبدئية و"مقدسة" و في سبيل العيش الكريم و مغرب للجميع، و ليس مغرب أل الفاسي و بعض الرباطيين ممن ولدوا وفي أفواههم الجشعة والعريضة "ملاعق" من ذهب وفضة وماس. وعودة إلى عنوان المقال، وبدون شك، سيتساءل القارئ عن مغزاه، و ما العلاقة التي تجمع بين العماري و شهداء الريف بالحسيمة؟ و ماهي أوجه التشابه والاختلاف بينهم؟ نعم من حقكم أن تتساءلوا ! و من واجبنا أن نجيب عن تساؤلاتكم . بالطبع هناك علاقة بين العماري و شهداء الريف بالحسيمة و شهيد صفرو و شهيدة بني ملال و آخرون قادمون لا محال. فالعماري الذي كُرّم و رفعت صوره في كل المدن و سميت إحدى مسيرات الحركة باسمه تكريما لروحه الطاهرة، و تعالت الزغاريد في كل ربوع الوطن(...) لم يكن أول شهيد للحركة كما نشر وعلق بعض نشطاء الحركة في "الفيسبوك" ! ! ! و كما روّجت مجموعة من القنوات العالمية ( الجزيرة ، فرنس24، BBC ...) و حتى الجرائد الوطنية و الدولية... بل يحمل شهادة رقم سبعة، وان أول شهداء حركة 20 فبراير، هم شهداء الريف بالحسيمة، الذين سقطوا ضحايا التعذيب المخزني الهمجي في سريات تابعة للأمن و المخابرات، في أول يوم تظاهرت فيه الحركة، لكن لا أحد رفع صورهم، و لم تشعل الشموع حدادا على أرواحهم، و بدون زغاريد! بل قتلوا في صمت، و رحلوا في صمت، و دفنوا في صمت، و لم يشر إليهم أحد لا من قريب و لا من بعيد، باستثناء تنسيقيات الجمعيات المدنية بالحسيمة، بل الكل اعتبرهم مخربين و فوضاويين، تصديقا لكلام وزير الداخلية المغربي. هذا الأخير الذي أشار في خطابه بعد الأحداث إلى أن الضحايا لقوا حتفهم بينما هم يحاولون سرقة مصرف بنكي، فباعثتهم النيران في غفلة من أمرهم و نفس الخطاب تناقلتها وكالة المغرب العربي للانباء. لكن، هل من المنطق أن نصدق خطاب وزير الداخلية أو وكالة المغرب العربي للأنباء؟ إذا كان ما صرح به وزير الداخلية صحيحا، فلماذا رفض وكيل الملك بمدينة الحسيمة الكشف عن شريط "الفيديو" المسجل للمصرف أثناء احتراقه والمبيّن لكل التفاصيل؟ و لماذا طالب وكيل الملك بالحسيمة ما قدره مليار سنتيم لعائلات الضحايا الذين طالبوا بمنحهم الشريط المسجل للتأكد من ادعاأت المخزن؟ كما أن أحد الشهداء الخمسة انتبهت والدته خلال معاينتها لجثته المتفحمة إلى وجود تهشم وتكسير لأسنانه !!! الشيء الذي يؤكد بالآن الأمر لا يتعلق باحتراق، بل بشيء آخر قد يكون موجود في الأشرطة التي سبق أن تحدثنا عنها، كما أن من بين القتلى شاب غادر منزل أسرته بعد أعمال التخريب، استنادا إلى ما جاء على لسان والدة أحد الضحايا!!! إذن هذه أدلة ملموسة حسب اعتقادي ولا يمكن أن ينكرها عاقل، تثبت أن القتلى كانوا ضحايا عنف مفرط مورس عليهم أثناء الاعتقال، بل هم ضحايا الإعلام المخزني و معه بعض "الإخوة" الذين انخدعوا وصدقوا قصاصات المخزن. إن التشويه الهمجي الذي تعرض له شهداء الريف بالحسيمة، لم يكن سابقة في تاريخ المنطقة، فهو امتداد تاريخي لشرعنة العنف ضد الريفيين، و تبرئة ذمة المخزن عن طريق تسخير أقلام مأجورة و بث أخبار زائفة في القنوات الرسمية، بل سبقته أحداث أخرى أشد مأساوية، خلال سنتي 58/59 عندما قتّل و اغتُصب و شُرّد أبناء الريف و أتلفت المحاصيل و بُقرت بطون الحوامل و جوعت المنطقة، بكل حقد وكراهية. ووصف المخزن الريفيين إذ ذاك، بأعداء الوطن و الخارجين عن الطاعة و اصحاب الفتن (...) لا لشيء، سوى لتبرئة ذمته الملطخة بدماء الريفيين من هذا العمل الإجرامي، فمثلا صاحب كتاب "صديقنا الملك" لمؤلفه "جيل بيرو" أكد فيه أن الملك الحسن الثاني كان مسؤولا عن العمليات العسكرية في هذه الفترة وكان يتحدث في جلساته بكل فخر واعتزاز عن مشاركته في تلك العمليات) نفس السيناريو سيتكرر بعد 30 سنة، حيث ستكون منطقة الريف قبلة للجيوش المغربية وقاعدة عسكرية لكل أنواع الأسلحة من دبابات و رشاشات، وتتحول إلى مسرح لأبشع الجرائم ضد الإنسانية. ورغم مرور ثلاثة عقود من الزمن، لا تزال الجروح لم تندمل بعد، وستبقى 84 محفورة في ذاكرتنا إلى الأبد، و لا أعتقد أن الريفيين سينسون الجريمة التي أودت بحيات عشرات القتلى ومئات الجرحى والمفقودين، وكلنا نتذكر خطاب الحسن الثاني الذي وصف فيه الريفيين بالأوباش!!! ومما زاد الطين بلّة، ولتبرير هذه الجريمة النكراء، كما العادة أتهم أبناء الناظور والريف عامة بأنهم رفعوا الأعلام الإسبانية وشعارات مناوئة للنظام، لكن الغريب في الأمر أن سنة 84 اندلعت فيه عدة انتفاضات وفي مدن مغربية كثيرة (فاس ،مراكش، الدارالبيضاء...) لكن تعامل النظام حينها مع الريف شكل استثناء، حيث لم يسقط ضحايا كالذين سقطوا في الريف، ولم يكن هناك خطاب شديد اللهجة كالذي وجّه لأبناء الريف. لسنا هنا لتبرئة و الدفاع عن شهادة الفتية الخمسة الذين ماتوا تحت التعذيب المخزني الهمجي، فهذا تحصيل حاصل، بل رغبة في إزالة الغبار والتوضيح للإخوة المنخدعين و للقراء حقيقة لفها الغموض المقصود تماما كما هي و كما يراها المحايدون، لا كما يتصورها المخزن الذي شوه صورتهم و صدّقه الجميع للأسف. لازلت أصر على أن تخريب الحسيمة و بعض المناطق الأخرى من تدبير المخزن، ليشرعن العنف ضد المدنيين بالإضافة إلى تقزيم الحركة و ذلك عن طريق تخويف الجماهير المحتجة و عائلتهم مما أدى وسيؤدي إلى تراجع عدد المتظاهرين في المسيرات الأخيرة والقادمة. لكن الغريب في الأمر أن التخريب في أول أيام 20 فبراير وقع في عدة مدن مغربية، إلا أنه لم يسقط ضحايا إلا في مدينة واحدة وهي الحسيمة الريفية، ومن العجائب والغرائب أن المدن التي كانت ضحية التخريب أغلبها مسيّرة من طرف أشخاص محسوبون على الأصالة و المعاصرة(...) وهنا يطرح التساؤل المشروع ! هل هي صدفة أم أن الأمر مدروس؟ مع العلم أنه مباشرة بعد التخريب، توالت الأخبار عن استقالات جماعية من الحزب و منذ ذلك الحين و ممثل الحزب في الريف يعيش في مأزق حقيقي و غاب نهائيا عن المشهد السياسي! إن هذا الحيف والظلم الذي طال شهداء الريف بالحسيمة من حركة 20 فبراير نفسها، بدون شك سيؤثر سلبا على نفسية عائلاتهم (وهن يتصورن فلذات أكبادهم كمخربين وجثث مفحمة احترقت في الدنيا و"ستحترق" في الآخرة ) وضع حيادية الحركة تحت المجهر !!! واعتبار شهيد أسفي أول شهيد في صفوف الحركة يعتبر أمرا مجحفا في حق الفتية الخمسة الذين قتلوا وهم في ريعان شبابهم ولم ينصفهم أحد، ماتوا بسبب العنف المفرط الذي تعرضوا له، وقد أفلح المخزن في توهيم المغاربة عن طريق إخراج مسرحية انتهت منذ بدايتها. الذين قتلوا وهم في ريعان شبابهم ولم ينصفهم أحد، ماتوا بسبب العنف المفرط الذي تعرضوا له، وقد أفلح المخزن في توهيم المغاربة عن طريق إخراج مسرحية انتهت منذ بدايتها. لكن حتى وإن وصفو بالمخربين ومنعت صفة الشهادة عنهم، فإن الزمان سينصفهم يوما ما، وستكتب أسمائهم من ذهب في كتب التاريخ وستنصب لهم تماثيل وسط المدن تكريما لأرواحهم الطاهرة التي قدموها للحرية وللمقهورين، وستنبت أجسادهم ورودا وبشجاعتهم سنرسم سبيل الحرية والتحرر لهذا الريف الجريح. ... أيها الناس، ما في قلبي وعقلي قد عبّرت عنه...والكلمة لكم، ولم يتبقى لي سوى أن أقول لشهدائنا الأبرار من اسفي إلى الحسيمة.. أرقدوا بسلام وفي آمان أيها الأبطال.