بعد أكثر من عام من الجمود، أعادت الحكومة الإسبانية تفعيل المبادرة التشريعية الشعبية الرامية إلى تسوية أوضاع حوالي نصف مليون مهاجر يعيشون في وضعية غير قانونية داخل البلاد، وهو ما اعتبرته منظمات المجتمع المدني خطوة "إيجابية" لكنها ما تزال "قابلة للتحسين". المبادرة، التي جمعت دعمًا استثنائيًا بلغ 700 ألف توقيع وتأييد ما يقارب 900 منظمة، تمثل سابقة في المشهد السياسي الإسباني. فقد حظيت عند عرضها بتأييد جميع الكتل البرلمانية باستثناء حزب "فوكس" اليميني المتطرف، ما فتح الباب أمام إدراجها في جدول أعمال البرلمان. في هذا السياق، باشر الحزب الاشتراكي الإسباني مفاوضات جديدة مع حلفائه بهدف الدفع نحو المصادقة النهائية على المشروع، رغم الصعوبات التي تفرضها الحسابات البرلمانية المعقدة. وتأتي هذه الخطوة بالتزامن مع اعتماد تعديلات جديدة في قانون الهجرة أثارت جدلاً واسعًا، لكونها تركت آلاف المهاجرين بدون وثائق إقامة، وفق ما أكدته إديث إسبينولا، الناطقة باسم حملة "Regularización Ya!" التي قادت جهود جمع التوقيعات. المنظمات المدافعة عن حقوق المهاجرين اعتبرت إعادة بعث النقاش حول القانون مؤشراً "مبشراً"، لكنها دعت إلى مراجعة عدد من الجوانب، أبرزها تاريخ الأهلية المحدد ب31 دجنبر 2024، واقترحت تمديده إلى 20 ماي 2025، تاريخ دخول قانون الهجرة الجديد حيز التنفيذ، ضماناً لشمول فئات أوسع. كما عبّر المدير العام للجنة الإسبانية لمساعدة اللاجئين، ماوريثيو باليينتي، عن مخاوفه من أن تؤدي الصيغة الحالية إلى استثناء آلاف طالبي اللجوء الذين لن يُحتسب لهم وقت الإقامة خلال فترة انتظار البت في طلباتهم، ما قد يدفعهم مجددًا إلى الهشاشة القانونية. ووفق تقديرات الجمعيات، فإن نحو 275 ألف طالب لجوء قد يجدون أنفسهم في "الفراغ الإداري"، إضافة إلى قرابة 500 ألف مهاجر غير نظامي، ما يعني أن ما يقارب 800 ألف شخص يعيشون في إسبانيا دون اعتراف قانوني. وتؤكد هذه المنظمات أن تسوية أوضاعهم ستعود بالنفع على المجتمع برمته، من خلال إدماجهم في الاقتصاد الرسمي وتمكينهم من المساهمة في الضمان الاجتماعي والمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية. رغم دعم بعض أحزاب الأغلبية، يبقى مصير المشروع غير محسوم داخل البرلمان، في ظل تحفظات من بعض القوى، أبرزها الحزب الشعبي، الذي يرفض منح "شيك على بياض" للحكومة. ومع ذلك، فإن الضغوط المتواصلة من منظمات المجتمع المدني، والدعم السابق من الكنيسة الكاثوليكية والاتحاد العام للمقاولات، قد يلعبان دوراً حاسماً في التأثير على المواقف. وفي خضم ما يصفه الحقوقيون ب"الردة الإنسانية" وازدياد السياسات المتشددة ضد المهاجرين في أوروبا، يعتبر المراقبون أن إسبانيا أمام فرصة تاريخية لاعتماد نهج إنساني بديل، وأن هذه المبادرة ليست سوى تذكير صارخ بفشل الآليات الاعتيادية في الاستجابة لواقع الهجرة.