صُراخ مِنْ عُمْق القبْو...

(إلى القابعين هناك في ظلمات الأقبية حيث لاأحد يسأل عنهم ..
إلى المعتقلين السياسيين ..حبي.. وسلامي..وحزني.. )
***
مَاذا أبْكِي فِي واقِعِكمْ ..
حُزنِي.. حُلُمِي ..دَمْعِي..
أمْ أبْكِي حَالَ شعُوبٍ سَحَقتهَا النكبَاتْ ..؟
رَائِحَة الجُرْح البَائِتِ..تزكمُ أنفِي ..
وَبقايَا مِنْ عُلبِ السّردِينْ ..
ودَمَارُ السّنواتْ..
أشيَاءٌ أخْرَى لا أعْرفهَا ..
وَنفايَاتْ ...ونِفايَاتْ..
إسْفلتُ زُقاق أدْمَتهُ الخطواتْ
خَطوَاتٌ...خَطواتٌ ..خَطوَاتْ..
أسْمَعُهَا تطرُق بَابَ الذاكِرةِ الجَوْعَى
فِي أعْمَاقِي
الطاعُونُ هُنا يَمْشِي فِي صَلفٍ
يَرْسُمُ فوْق الإسْفلتِ الدّامِي جُرحَ سُعَالِي
مَمْزوجاً بجرَاح النكبَاتْ..
فِي أيّ جَحِيمٍ مِنْ بَطنِ الأرْض أنَا ..؟
مُنذ مَتى ترَكونِي فِي القبْو هُنا ؟
أعْطوْنِي مِفتاحَ النار ِ
وَقالوا للناسْ.. وَلأهْلِي قدْ مَاتْ
هَا إني..
بَيْن زحَام الجُرْذانْ.. وَصُراخ الجُدْرانْ
وَأنين الحَشرَاتْ ..
مَامَعنى العَيْش هُنا..
الدّوْلة ُ ..السّلطة ُ ..العَسْكرُ..المُجْتمَعاتْ..
أيُّ ظلامٍ ..أيُّ كلامٍ ..أيُّ طغاة ْ
مِن كوّةِ قبْري فِي قبْوي..
أبْصِرهُمْ ...يَصْطفّونْ
عَلى أرْصِفةِ الذلةِ كالحَشراتْ
يَصْطفّونْ ...يَصْطفّونْ ..
كيْ يَرْضى جَلادُوهُمْ..
لكِنْ..مَامَعْنى عَاش المَلكُ..؟
جَاءَ الدّرَكُ..؟
مَا مَعْنى مَاتْ.. ؟
فِي أيّ زمَان أحْيَا ..؟
وَلمَاذا أحْيَا ..؟
لوْ أنّ ابْنَ الرّومِي
أبْصَرنِي كانَ رثانِي
لوْ أنّ الحُطيْئة أدْرَكنِي كانَ هَجَانِي
وَلذمّ زمَانِي
وَالمُتنبّي.. كانَ سَيبْصُق فِي وَجْهي
تْفوووووو..وَاقِعُكمْ مُحْض فُتاتْ..
مُنذ مَتى وَأنا فِي القبْو هُنا ..؟
وَأدُقّ عَلى البَاب العَربيْ..
وَالحَاكِمُ فِي الدّاخِل..
فِي القصْر ِ ..
مُنشغلٌ..
مُوسِيقى...مُوسيقى..
غِلمَانٌ..خمْرٌ..فاكِهَة ٌ..وَبناتْ..
وَأدُقّ البَابْ..وَأدُقّ البَابْ..
هَلْ مِنْ أحَدٍ..يَسْمَعُنِي ..؟
هَلْ مِنْ أحَدٍ..يَرْحَمُنِي ..؟
وَأدُقّ البَابْ..
حَتّى أدْمَى مِني البَابُ القبَضَاتْ
وَيَضِيعُ صُراخِي
بَيْنَ حَدِيدٍ ..رَمْل ..إ سْمَنتٍ ..وَرُفاتْ
وَأحَاولُ أنْ أنهَضْ ..
مَجْرُوحَ القلبِ ..
مَكسُورَ الخَطوَاتْ ..
وَأحَاولُ أن أنهض ..
لكِنّي أرْتدُّ إلى قاعِ القبْو حَسِيرًا
أرْقبُ حَتفِي فِي كلّ اللحَظاتْ..