عكاشة: "الأحرار" يستعد لانتخابات 2026 بطموح المحافظة على الصدارة    صالون "الشاي يوحّد العالم" يجمع المغرب والصين في لقاء ثقافي بالبيضاء    نايف أكرد يغادر معسكر المنتخب المغربي    أشرف حكيمي يطمئن جماهيره بصور جديدة خلال مرحلة التعافي    أسعار البيض بالمغرب تسجل ارتفاعا صاروخيا    أمينة الدحاوي تتوج بذهبية التايكواندو    نيجيريا تواجه الكونغو الديمقراطية في نهائي الملحق الأفريقي بالرباط    "إعادة" النهائي الإفريقي.. المغرب في مواجهة مصيرية مع مالي بدور ال16 لكأس العالم    دراسة أمريكية: الشيخوخة قد توفر للجسم حماية غير متوقعة ضد السرطان    النسخة الثانية من الندوة الدولية المنعقدة بوجدة تصدر اعلانها حول الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    خبير يدعو لمراجعة جذرية للنموذج الفلاحي ويحذر من استمرار "التذبذب المناخي" في المغرب    تأجيل اجتماع بوتين وترامب ببودابست    بريطانيا تتجه إلى تشديد سياسات اللجوء سعياً لخفض الهجرة غير النظامية    وفاة شخصين على الأقل إثر عاصفة قوية بكاليفورنيا    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض 20 فيلماً قصيراً في المسابقة الدولية للأفلام القصيرة    نقابة تشكو الإقصاء من منتدى جهوي    الإنعاش الميداني يجمع أطباء عسكريين‬    دراسة علمية تؤكد أن الشيخوخة تمنح الجسم حماية من الأصابة بالأورام السرطانية    ماكرون يعلن إطلاق سراح الفرنسي كاميلو كاسترو الموقوف في فنزويلا منذ أشهر    إدراج ملف جمهورية القبائل في الأمم المتحدة يزلزل أركان الجزائر    تفكيك شبكة دولية لقرصنة تطبيقات المراهنة.. الامن يوقف خمسة اجانب بمراكش    حكم قضائي يقضي بإفراغ محلات بالمحطة الطرقية "أولاد زيان"    سفير أنغولا: تكريم الملك الراحل الحسن الثاني يعكس عمق الصداقة التاريخية بين المغرب وأنغولا    من الاستثمار إلى التحالف: زيارة سفيرة كينيا على رأس وفد هام إلى العيون تفتح فصلًا جديدًا في العلاقات الثنائية    طقس الأحد.. أجواء غائمة مع نزول أمطار بعدد من مناطق المملكة    "تلوثٌ في منطقة الفوسفاط يفوق الحدود المسموح بها".. دراسة تكشف ما يحدث في تربة آسفي الصناعية    مديرية الأمن الخارجي بفرنسا تشيد بتعاون المغرب في مجال مكافحة الإرهاب    هل تمت تصفية قائد الدعم السريع في السودان فعلا؟    إيران تدعو إلى الأخوة والسلام بالمنطقة    حموشي يقرر ترقية استثنائية لمفتش شرطة بآسفي تعرّض لاعتداء عنيف    الذكاء الاصطناعي يراقب صناديق القمامة في ألمانيا لضبط المخالفين    بلباو تُهدي فلسطين أمسية تاريخية.. مدرجات تهتف والقلب ينبض    سيدات الجيش الملكي يواجهن مازيمبي الكونغولي في نصف نهائي أبطال إفريقيا    لبنان سيقدم شكوى ضد إسرائيل لبنائها جدارا على حدوده الجنوبية تجاوز "الخط الأزرق"    عمر هلال: الدبلوماسية المغربية، تحت القيادة المستنيرة لجلالة الملك، ترتكز على فلسفة العمل والفعل الملموس    أكاديمية محمد السادس، قاطرة النهضة الكروية المغربية (صحيفة إسبانية)    أكنول: افتتاح الدورة التاسعة لمهرجان اللوز    اليونان تفوز على اسكتلندا في تصفيات كأس العالم    ابن الحسيمة نوفل أحيدار يناقش أطروحته حول تثمين النباتات العطرية والطبية بالريف    الناظور .. افتتاح فعاليات الدورة 14 للمهرجان الدولي لسنيما الذاكرة    أمين نقطى: زيارة أخنوش لمديونة سنة 2021 آتت أكلها بتنفيذ عدة مشاريع لفائدة الساكنة    المغرب... دولة الفعل لا الخطاب    عامل العرائش و السلة الفارغة: كيف أنهى الأسطورة و تحققت نبوءة الانهيار!    ارتفاع سعر صرف الدرهم ب 0,2 في المائة مقابل الدولار الأمريكي ما بين 6 و12 نونبر 2025    تطور جديد في ملف "إنتي باغية واحد".. متابعة دي جي فان بتهمة تهديد سعد لمجرد    لحمداني ينال "جائزة العويس الثقافية"    وزارة الثقافة تعلن الإطلاق الرسمي لمشروع تسجيل "فن زليج فاس وتطوان" على قائمة يونسكو للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية    نواب "العدالة والتنمية" يطالبون بلجنة تقصّي حقائق في صفقات الدواء وسط اتهامات بتضارب المصالح بين الوزراء    "ترانسافيا" تطلق أربع رحلات أسبوعياً بين رين وبريست ومراكش على مدار السنة    إطلاق الموسم الفلاحي الجديد مع برنامج بقيمة 12.8 مليار درهم وتوزيع 1.5 مليون قنطار من البذور المختارة    منظمة الصحة العالمية تعترف بالمغرب بلدًا متحكمًا في التهاب الكبد الفيروسي "ب"    وزارة الصحة تطلق حملة وطنية للكشف والتحسيس بداء السكري    دراسة: ضعف الذكاء يحد من القدرة على تمييز الكلام وسط الضوضاء    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الزواج الكاثوليكي بين العدل والإحسان واليسار

كان أمرا مستحيلا لم يتنبأ به حتى المنجمون, فتحول إلى واقع...ذاك هو تحالف إسلاميي جماعة العدل والإحسان ومكونات اليسار الرديكالي من النهج الديمقراطي إلى الطليعة الديمقراطي الاشتراكي واليسار الموحد ومناهضي العولمة والأمازيغيين والتروتسكيين....

فحين خرج أتباع الشيخ عبد السلام ياسين إلى الشارع في إطار حركة 20 فبراير جنبا إلى جنب مع شباب اليسار الراديكالي ظن الجميع أن الأمر لايعدو أن يكون مجرد زواج متعة سرعان ما ينتهي بالطلاق الأبدي، لكن مع مرور الأسابيع تبين أنه زواج كاثوليكي قد لن ينتهي إلا بتحقيق مضمون الشعارات التي رفعت بمحاربة الفساد وإسقاط الاستبداد .

فمند أول وقفة دعي لتنظيمها في مختلف مدن المملكة والى الآن لا يزال الزواج الكاثوليكي بين أتباع الشيخ عبد السلام ياسين ومكونات حركة 20 فبراير مستمرا، بل أصبح يثير الإستفهامات خاصة أن الدوائر الأمنية والسلطات وحتى مختلف مكونات الطيف السياسي تتخوف من استغلال الحضور العددي لمريدي الشيخ في حدوث انقلاب محتمل لتطبيق مشروع قومتهم المؤجلة.

لم يتردد أتباع جماعة العدل والإحسان مند الوقفات الأولى ليوم 20 فبراير في النزول إلى الشارع في مختلف المدن بأعداد كبيرة والاصطفاف إلى جانب شباب ; قلة منهم مستقل في حين أن غالبيتهم ينتمون لتنظيمات سياسية وجمعوية يسارية بالخصوص عرفت بمواقفها الراديكالية تجاه الدولة/المخزن ; ومنها من لا تزال ترفع شعار النظام الجمهوري دون تحفظ, وأخرى ترفع شعار العلمانية جهارا ; بل منهم من لا يخفي كونه ملحدا ومن الداعين لاحترام الحريات الفردية في الصوم في رمضان أو عدمه تماما على غرار الحرية في ترك الصلاة أو أدائها, ورغم كل ذلك تخندق من يعرفون اختصارا بالعدلويين في صفها.

خروج الجماعة إلى الشارع بشكل منظم ومنتظم تحت يافطة حركة 20 فبراير أربك حسابات الدولة وبقية الأحزاب السياسية, وراهنت منذ البدء على استحالة الزواج المرحلي بين تلك الأطراف أو أن تتحالف يوما حول مشروع مجتمعي خاصة أنها ظلت قوى متطاحنة يتقاذف كل منها الإتهامات , وبالتالي يستحيل أن تتوحد أو تلتقي حول هدف ما.

فالعدل والإحسان وإن نسخت مشروعها من الفكر الماركسي, وألبسته رداءا دينيا, وعوضت مفهوم الثورة اليساري بمفهوم القومة القرآني, فإنها تكن العداء لليساريين مهما اختلفت تلاوينهم وظلت تنعتهم بالزنادقة والملحدين بل حاربتهم بقوة في الجامعة المغربية, و وصل الاقتتال بينهما إلى حد اللجوء للعنف والعنف المضاد, وتاريخ الاتحاد الوطني لطلبة المغرب يشهد على ذلك. كما أنها ظلت تنتقد الدولة أو ما تسميه المخزن بنفس درجة انتقادها للأحزاب السياسية وإن كان شيخها في مرحلة ما قد دعا في مؤلف شهير له لتأسيس كتلة تاريخية والحوار مع من سماهم حينها بالفضلاء الديمقراطيين. وبالمقابل فإن اليسار الراديكالي ينعت جماعة الشيخ ياسين على غرار باقي الجماعات الدينية بالظلامية واستغلال الدين في العمل السياسي بناءا على ما تسميه الجماعة في أدبياتها دولة الخلافة الراشدة مقابل الدولة المدنية التي يدعو إليها اليسار عموما.

راهنت الدولة منذ البداية على تحييد شبيبة الأحزاب السياسية المشاركة في المؤسسات, والتي لم يتخذ أغلبها القرار بالمشاركة من عدمه في مسيرة 20 فبراير إلى حدود ليلة ذلك اليوم, خاصة أن كوادرها تلقوا التبرير الجاهز بأن الحركة تنفذ أجندة خارجية, قبل أن تستفيق من سباتها بعد أن تخوفت من أن يتجاوزها الشارع المغربي الذي شاركت فئات وقيادات تاريخية ورجال أعمال وفنانين وإعلاميين في المسيرات والوقفات التي دعت إليها, وتضامنت مع شعار الحركة " الشعب يريد التغيير" و"الشعب يريد إسقاط الفساد".

عكس بقية التيارات السياسية, التقطت جماعة عبد السلام ياسين الإشارة مبكرا, وفهمت درس إسلاميي حزب النهضة بتونس وإخوان مصر و أقباطها, وأدركت أن التغيير ممكن في المجتمع ولو بالتحالف مع من تخالفهم التصورات والقناعات وضد من يستفيدون من الوضع القائم من ناهبي المال العام والمفسدين المحيطين بدوائر القرار. ولذلك أبانت عن قدرة على استيعاب التطورات الإقليمية التي أسقطت نظاما بوليسيا قمع الحريات في تونس ونظاما فاسدا تحكم في البلاد والعباد بمصر.

وإن كانت بدورها جماعة بحاجة لدمقرطة هياكلها والفصل بين التيار الدعوي والسياسي ; بل والقيام بمراجعات جريئة لمشروعها السياسي.

كان نهج جماعة الإخوان المسلمين بساحة التحرير نموذجا استلهمت منه جماعة الشيخ ياسين موقفها. فالإخوان لم يترددوا في الإنضمام الى مختلف التيارات المستقلة واليسارية وكدا الأقباط, وعلى غرارهم نزل أتباع الشيخ ياسين بدورهم إلى الشارع, وصدحت حناجرهم بشعار "بالوحدة والتضامن لي بغيناه يكون يكون", بل التقت أيادي شبابها الذكور بأنامل فتيات حركة 20 فبراير دون غطاء الرأس واللواتي كان يصفهن في مضى بالمتبرجات, بل إن كثيرا منهم دافعوا عنهن بأجسادهم أثناء استعمال العنف لتفريق وقفة شباب الحركة في زنقة أكادير بالدار البيضاء يوم 13 مارس المنصرم.

إن كانت الدولة تتخوف من اليسار القادر على التعبئة للخروج في يوم واحد وبعدد من مناطق المملكة ولو بأعداد قليلة للتنديد بغلاء الأسعار أو دفاعا عن الحق في السكن لساكنة دور الصفيح والفئات الهشة في المجتمع, وأيضا في إنتاج خطاب تلتف حوله الفئات الإجتماعية المسحوقة, فإن العدل والإحسان بدورها تؤرق الجهات الرسمية بعدد أتباعها وقدرتها على تعبئة الشباب المتعلم والكادحين, وأيضا على التنظيم المحكم وتوفير الدعم اللوجيستيكي لأي اعتصام محتمل قد يتم تنفيذه للرفع من درجة الضغط لقبول مطالب حركة 20 فبراير, ولعل ذلك ما دفع السلطات للجوء إلى القوة المفرطة لتفريق وقفات 13 مارس وبعدها 22 ماي مخافة تحولها إلى اعتصام قد لا ينتهي إلا بما انتهى إليه اعتصام شباب ساحة التحرير بمصر أو يستمر إلى أجل مسمى كما يحدث في البحرين واليمن أو يوقد شرارة أحداث عنف أريد لها أن تطوى من تاريخ المغرب ومن سنوات الجمر والرصاص.
بعد 22 ماي بدأ تخوف المتتبعين ومعها الدولة في نوايا العدل والإحسان وهيمنتها المحتملة على حركة 20 فبراير خاصة أنها رفعت شعارات مخالفة لما تم الإتفاق عليه بين مكونات الحركة, ولا يخفى عدد من المنتسبين اليها حلمهم بدولة دينية دستورها القرآن, وهو ما قد فهم منه البعض النوايا المضمرة وغير المعلن عنها وهي إقامة دولة دينية على غرار ثورة الخميني في إيران, وبالتالي امكانية الركوب على حركة 20 فبراير واستغلال الهامش الديمقراطي لتحقيق مشروع العدل والإحسان المتمثل في دولة دينية طبق ما تسميه أدبيات الجماعة المنهاج النبوي, ذاك ما يتخوف منه بعض الحداثيين الذين يرون فيها مجرد استبدال استبداد سياسي ديني بآخر ديني تحت مسمى الخلافة الراشدة على منهاج النبوة..

رغم وجاهة تلك التخوفات, فإن الدولة المغربية بدل أن تفكر في الخروج من المأزق الحالي بتوفير أجواء التغيير وتنقية البيئة الملائمة للانتقال الديمقراطي, فإنها تعيد عقارب الساعة إلى الوراء, دون أن تدرك أن الثورات الاجتماعية أشبه ما يكون بثورات الزلازل والبراكين قد تثور وتأتي على الأخضر واليابس دون استئدان كالتسونامي السياسي الذي قد يغير موازين القوى في أية لحظة, ولذلك لا سبيل غير الإنحناء للعاصفة الإجتماعية وسماع صوت الشعب وما تريده قواه التواقة للتغيير ولو كانت فئة قليلة, كما حدث بمصر وتونس ويحدث بليبيا وغيرها, وتدرك أيضا أن حركة 20 فبراير أبانت عن توجهها السلمي الذي شكل الإستثناء المغربي بل أضفى مشروعية أخرى على الدولة ومكنها من تفادي سيناريوهات عنف من طرف مجتمع لا يزال يشكل أغلبية صامتة لا أحد يمكن التنبؤ بتوجهاته الحقيقية.

بخروجهم إلى الشارع أضحى أتباع الشيخ ياسين رقما أساسيا في لحظة المطالبة بالتغيير التي تفترض مشاركة كل الحساسيات في إنجاحها, بل وأصبح مفروضا على الدولة إشراكها في الحوار تماما كما يجب إشراك كل القوى ولو المطالبة بنظام جمهوري وليس البحث البحث عن درائع واهية لاقصائها, فلابد من إعادة النظر في علاقة الدولة بالمجتمع لأن العنصر الإقليمي وحركية الشارع هو عنصر ضاغط لحتمية الانتقال نحو التغيير الذي هو في صالح الوطن والمغاربة جميعا بل والعرش أيضا لأنه الضامن الحقيقي لدوامه واستمراره.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.