برلمان أمريكا الوسطى يجدد دعمه للوحدة الترابية للمغرب ردا على المناورات    برلمان أمريكا الوسطى يُجدد دعمه الكامل للوحدة الترابية للمغرب ويرد على مناورات خصوم المملكة    مربو الدجاج يثمنون توجه الحكومة لإعفاء الفلاحين الصغار ويدعون لإدماجهم الفعلي في برامج الدعم    طقس الخميس: أجواء حارة في السهول مصحوبة برعد وهبات رياح قوية    اتحاد تواركة يبلغ نهائي كأس التميز على حساب الوداد الفاسي    ياسين بونو يهدي الهلال تعادلا ثمينا أمام ريال مدريد رياضة    اليوفي يكتسح العين في الموندياليتو    كارثة صامتة .. ملايين الهكتارات العربية على وشك الضياع    طنجة.. سيارة تدهس "مقدّم" بعدما دفعه متشرد نحو الطريق    كأس العالم للأندية.. الوداد الرياضي ينهزم أمام مانشستر سيتي    توقيع اتفاقية شراكة بين بنك المغرب والمؤسسة المالية الدولية لتعزيز الشمول المالي في القطاع الفلاحي المغربي    غامبيا تشيد بمصداقية الحكم الذاتي ودينامية التنمية بالصحراء    صواريخ إيران تُشرد 2000 عائلة إسرائيلية    إطلاق الهوية الجديدة ل "سهام بنك" خلفًا ل "الشركة العامة المغربية للأبناك"    تعاونيات إفريقية تستفيد من المغرب    خدش بسيط في المغرب ينهي حياة بريطانية بعد إصابتها بداء الكلب    كومنولث دومينيكا تجدد تأكيد دعمها لمخطط الحكم الذاتي المغربي في الصحراء    الأمم المتحدة/الصحراء.. سيراليون تجدد تأكيد دعمها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية    بونو يحبط ريال مدريد ويمنح الهلال تعادلا ثمينا في كأس العالم للأندية    بونو ينقذ الهلال من مقصلة الريال    الأزهر يثمن "الكد والسعاية" المغربي    احتجاج جديد أمام البرلمان.. خريجو الجامعات يصعّدون ضد شروط الإقصاء في مباريات التعليم    المغرب يستعد لإحصاء وطني جديد للماشية ويعد بشفافية دعم الكسابة    انتخاب المغرب نائبا لرئيس المجلس العلمي لاتفاقية اليونيسكو حول حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه    لقجع: المغرب ملتزم بجعل مونديال 2030 نموذجا للاندماج والاستدامة البيئية    نشرة إنذارية.. طقس حار وزخات رعدية مصحوبة ببرد وهبات رياح    فطيمة بن عزة: برامج السياحة تقصي الجهة الشرقية وتكرس معضلة البطالة    الأحمر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    مباحثات رئيس مجلس النواب و"سيماك"    معرض باريس الجوي.. مزور: 150 شركة طيران تتوفر على وحدة إنتاج واحدة على الأقل بالمغرب    تفكيك شبكة دولية لتهريب السيارات المسروقة نحو المغرب عبر ميناء طنجة المتوسط    السعودية تُعلن فتح باب التقديم لتأشيرات العمرة لموسم 2025 بشروط جديدة وتسهيلات موسعة    السيّد يُهندس مسلسل شارع الأعشى في كتاب    ثلاثة مغاربة ضمن قائمة أغلى عشرة لاعبين عرب بمونديال الأندية    النقابة الوطنية لموظفي التعليم العالي تفقد الثقة في إصلاح النظام الأساسي    إيران: سيطرنا على أجواء الأرض المحتلة اليوم وبداية نهاية أسطورة الدفاع للجيش الصهيوني    أفلام قصيرة تتبارى على ثلاث جوائز بالمهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة    الدرك الملكي يحجز 8 أطنان من الشيرا    السعودية تدعو إلى ارتداء الكمامة في أداء العمرة    التصعيد الاسرائيلي – الإيراني.. تأكيد خليجي على ضرورة وقف إطلاق النار ودعم جهود السلام في المنطقة    فجيج بين ازيزا النادرة والتربية العزيزة.. حكاية واحة لا تموت    دورة تكوينية وورشات فنية لفائدة الأطفال والشباب بالمركز الثقافي لمدينة طانطان    مسرح رياض السلطان يحتضن أمسيات شعرية موسيقية من الضفتين وقراءة ممسرحة لرواية طنجيرينا وأغاني عربية بإيقاعات الفلامينغو والجاز والروك    جلالة الملك يهنئ رئيس السيشل بمناسبة العيد الوطني لبلاده    خامنئي: إيران "لن تستسلم أبدا" للضغوط    أردوغان: "نتنياهو تجاوز هتلر في جرائم الإبادة"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    "واتساب" ينفي نقل بيانات مستخدمين إلى إسرائيل    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    ورزازات تحدث تحولا نوعيا في التعامل مع الكلاب الضالة بمقاربة إنسانية رائدة    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    برنامج "مدارات" يسلط الضوء على مسيرة المؤرخ والأديب الراحل عبد الحق المريني    الصويرة ترحب بزوار مهرجان كناوة    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    برلماني يطالب بالتحقيق في صفقات "غير شفافة في مستشفى ابن سينا الجديد        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تمتلك الفصائل الإسلامية آليات الحوار؟
نشر في هسبريس يوم 14 - 05 - 2009

في ندوة صحفية عقدت صباح الأربعاء 22 أبريل 2009 ضمن فعاليات الملتقى الوطني 11،أطلقت الكتابة العامة للجنة التنسيق الوطني للاتحاد الوطني لطلبة المغرب مبادرة وطنية للحد من ظاهرة العنف بالجامعة وترسيخ ثقافة الحوار،و في هذا السياق يأتي المقال إسهاما منا في التأسيس لثقافة الحوار، ومشاركة في إرساء مبدأ نبذ كافة أشكال العنف المادي والمعنوي الذي بدأ ينخر الجسم الطلابي حيث صارت بعض المواقع الطلابية مسرحا لحرب ميليشيات سقط ضحيتها العديد من الطلبة والطالبات . ""
مضى عقدان من الزمن ونيف على الوجود الإسلامي في الجامعة المغربية* ،وهي –في نظري-مدة كافية جدا لتقييم التجربة من أجل تثمين الإيجابيات من جهة، و لوضع الأصابع على مواطن الضعف والخلل من جهة أخرى ، قصد إصلاح النقائص للمضي قدما بالعمل الطلابي الإسلامي لأنه محط الأنظار إذ يعتبر نجاحه أو فشله اختبارا للخيار الإسلامي في الشارع السياسي إلى حد بعيد... ولئن كان هذا التقييم يقتضي صراحة و موضوعية علمية فهو يتطلب منا جرأة وشجاعة بنفس القدر، مع الأخر ومع الذات لننصف كل الأطراف الفاعلة في الساحة خاصة أن الضرورة صارت ملحة الآن إلى توحيد الصفوف داخل الجسم الطلابي ولم الشمل لإنقاذ الجامعة المغربية من أجواء التمييع والعسكرة التي تعيشها وتدارك ما يمكن تداركه حتى تستطيع القيام بأدوارها العلمية والفكرية والتنموية المرجوة، لكن هذا الهدف النبيل والمطلب السامي لتوحيد الصفوف وتنسيق الجهود لا ينبغي بأي حال من الأحوال،أن يدفعنا إلى التسرع والاستعجال الذي يفضي حتما إلى صياغة حلول جزئية أو ترقيعية سرعان ما تنتج عنها كوارث فيما بعد.إذ أنه لابد قبل أي محاولة توحيدية من قراءة دقيقة لكل مكونات الساحة الطلابية قراءة متأنية ورزينة بعيدة عن التنابز بالألقاب والتقاذف بشتى أنواع النعوت من أمثال الإقصائية والظلامية أوعدم الشرعية- وغيرها... ولابد أيضا لكل فصيل أن يراجع أوراقه ويقوم بالوقوف مع ذاته صادقا، ليمارس "النقد الذاتي" حتى يحدد مطالبه وشروطه بدقة فأكبر مشكلة تعاني منها الفصائل الطلابية الآن، هي أن أغلبها لا تعلم ما تريد أولا تمتلك برنامجا تفصيليا. وهذا ينتج عنه بالطبع تضارب في المواقف وغموض في الرؤى حتى بين أبناء الفصيل الواحد، فالمفروض على الفصائل إذا أن تتقدم للجماهير الطلابية بمشاريعها وأن ترضخ لقرار الطلبة واختيارهم انسجاما مع مبدأ الديمقراطية الذي تتبناه أوطيم وارتضاه الجميع ،كما ينبغي على الفصائل الطلابية أن تكون واقعية في التعامل مع خصوصيات الواقع الطلابي. من خلال استيعاب مجموعة من قواعد لا يمكن حجبها لأنها واضحة وضوح الشمس في رائعة النهار، ولأن الإقرار بها في رأيي هو أول خطوات الحوار لتحقيق التقارب بإذن الله.
1. القاعدة الأولى: رحمة الاختلاف
علمتنا حقائق الواقع وتجارب الحياة ومجريات الأمور، أنه ليس في مقدور أي فصيل طلابي أن ينفرد بالقيادة وتأطير الساحة الجامعية مهما بلغت قوته تنظيميا وعدديا وسياسيا. ومهما تراكم لديها من تجارب، ورغم ما يحظى به من دعم جماهيري ومصداقية لأنه سرعان ما يسقط فيما يمكن أن نطلق عليه "بالتآكل الذاتي" فالأشياء تعرف بنقائضها وأضدادها فلمعرفة صحة أو أصالة أو صواب أي فكرة أو برنامج لابد من تعدد الاختيارات ليتم الترجيح وتفضيل رأي على الأخر ووجهة نظر على أخرى.
ولأنه من شأن التعدد أن يكون دافعا للابتكار والتجديد في الأفكار والوسائل كما من شأن التنوع والاختلاف أن يدفع إلى التنافس ويساعد على إذكاء جذوة الحاجة إلى التوحيد والتنسيق لدى كافة الطلبة باختلاف مشاربهم وهذا هو مربط الفرس لهذا من المهم أن ننظر إلى الاختلاف نظرة ايجابية ونجعل منه عنصر قوة لا عنصر ضعف فربنا سبحانه و تعالى يقول :"وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ "... فإن لم نستطيع أن نكون من المرحومين فلا أقل من أن نستفيد من رحمة الاختلاف. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " والنزاع في الأحكام قد يكون رحمة إذا لم يفض إلى شر عظيم من خفاء الحكم و لهذا صنف رجل كتابا سماه ( كتاب الاختلاف ) فقال له الإمام أحمد سمه :( كتاب السعة )و إن الحق في نفس الأمر واحد و قد يكون من رحمة الله ببعض الناس خفاؤه.
وفي كتاب "المدخل إلى السنن الكبرى" نقل الإمام البيهقي عن القاسم بن محمد قوله: اختلاف أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم رحمة لعباد الله،وفيه أيضا عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يقول: ما سرني لو أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا، لأنهم لو لم يختلفوا، لم تكن رخصة،وفيه أيضا عن يحيى بن سعيد أنه قال: أهل العلم أهل توسعة، وما برح المفتون يختلفون، فيحلل هذا ويحرم هذا، فلا يعيب هذا على هذا.وقال عبد الله الفارسي: هذا في الأمور الاجتهادية التي يسوغ فيها الاجتهاد وليست في الأمور التي وضح فيها النص صحة ودلالة.
2. القاعدة الثانية: اقسطوا هو أقرب للتقوى
حين نؤكد على تقبل الاختلاف واستيعابه لأنه أول خطوات الحوار والتعايش، فهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أننا نغمض أي فصيل من الفصائل حقه أو ننكر ما قدمه للجامعة المغربية وما أسهم به من عطاءات وتضحيات في الساحة الطلابية، منذ تأسيس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والى الآن.
وإن كنا نركز في هذا المقال على التجربة الإسلامية، التي دشنت بدخولها في أواخر الثمانينات عهدا جديدا أو مختلفا إلى حد.المفاصلة بين مرحلتين من مراحل الحركة الطلابية في تاريخ المغرب:
1- المرحلة الأولى: تميزت بسيطرة فصائل التيار اليساري بمختلف مكوناته على قيادة وهياكل الإتحاد الوطني لطلبة المغرب، وهي مرحلة طبعت بعدة خصائص أهمها الراديكالية و العداء المطلق لما هو غيب ودين ولسنا بحاجة إلى التدليل على ذلك فأدبيات هذه الفترة زاخرة برفض لكل أنواع [الرجعية والظلامية] إلى درجة يحرم فيها الطلبة من ممارسة شعائرهم الدينية وعلى رأسها الصلاة، حيث لم يكن يجرؤ أيا كان على افتتاح حديث باسم الله فضلا عن الأذان والصلاة...
2- المرحلة الثانية: دشنتها الحركة الإسلامية خاصة فصيل طلبة "العدل والإحسان" حيث لبست خلالها الجامعة المغربية رداء الإسلام ونزعت عنها ثياب الارتداد الديني ومعاداة الإسلام ،ولم يكن ذلك أمرا سهلا فقد قدم الفصيل عددا من التضحيات العظيمة وهذه هي حقيقة لا يستطيع إنكارها أي أحد .. فشهداء الفصيل عديدون وسجناؤه أكثر. ولائحة المعتقلين والمخطوفين والمعذبين والجرحى أكبر وأكثر من أن تحصى ليس المقصود بهذا القول أن يجعل الفصيل من هذا تكأة أو سببا لاستجلاب المصداقية أو الحصول على المشروعية التاريخية –كما تفعل بعض الحركات السياسية (في العالم العربي التي تشتري بالتضحية ثمنا قليلا)- ولكن هذا من باب الشهادة التاريخية التي يجب على أي قارئ منصف أو باحث الإدلاء بها لله وللأمة وللتاريخ ومن باب الاعتراف للناس بفضلهم وهذه قيمة الفضلاء من الناس. وهي أيضا أولا وأخيرا من باب الشرع والدين خاصة ونحن بصدد الحديث عن التجربة الإسلامية فأولو السابقة في الإسلام –وفي ميزان سيدنا عمر رضي الله عنه- المرء وسابقته وغناؤه في الإسلام مقدمون ومعتبرون، يقول الله تعالى: ﴿لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبيرا﴾ هذه مزية وسابقة ينبغي لأبناء الحركة الإسلامية أن يقدروها حق قدرها لهذا الفصيل، الذي بفضل الله وتأييده وبسبب ما قدمه بنوه و بناته من تضحيات جمة وما يقدمونه الآن صار لأبناء التيار الإسلامي موقع قدم تحت شمس الجامعة، وارتفع الأذان عاليا وأقيمت الصلاة واهتدى إلى الله أفواج وأفواج من الطلبة والأساتذة. وأنعم به من مكسب عظيم... فلا ينبغي أن يشغلنا اختلاف الانتماء أو الانتصار لأحد الفصائل عنا مجانبة القسط واحترام آداب الشرع وأحكام الدين فالاعتراف بالفضل لأهل الفضل والسبق لأهل السبق خلق رفيع.
3- القاعدة الثالثة: الحد بين الواقعية والمبدئية
الاقتناع بالمبدأ والإيمان بصوابه وصحته والدفاع عن ذلك بكل الوسائل المشروعة شيء طيب ومطلوب لكن أن يتحول هذا الإيمان إلى استخفاف برأي الآخر وتحقيره وعدم إعطائه حقه من الدراسة والتحليل والتمحيص.إلى اعتزاز جماعي مرضي وعدم احترام الغير فهذا أمر مذموم للغاية فعلى الفصائل أن تترك مساحات للحوار باحتمال الخطأ في تصوراتها أو على الأقل قبول رأي الأخر باعتباره يحمل جزءا من الصواب من خلال استحضار القاعدة الحوارية التي ثمنها فقهاؤنا الكرام رحمهم الله "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"، فالمرونة أمر حيوي ومطلوب لأية حركة تغييرية والمرونة في التعامل والحوار وقبول الأخر لا تعني بحال من الأحوال "الميوعة" أو التخلي عن المبادئ وعدم "توطين" النفس كما ورد في الحديث الشريف،يوضح لنا حدود هذه "المرونة" موقفين من مواقف رسول الله صلى الله عليه وسلم أوردتهما السيرة النبوية العطرة:
أ-الحد الأول موقفه صلى الله عليه وسلم من قريش حين ساوموه وهددوه ليترك الدعوة إلى الله ونشر الإسلام ،فقد روى ابن هشام في سيرته : " مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه يظهر دين الله ويدعو إليه ثم شرى الأمر بينه وبينهم حتى تباعد الرجال وتضاغنوا ، وأكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها ، فتذامروا فيه وحض بعضهم بعضا عليه ثم إنهم مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى ، فقالوا له يا أبا طالب إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا ، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا ، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا ، وعيب آلهتنا ، حتى تكفه عنا ، أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين أو كما قالوا له . ( ثم ) انصرفوا عنه فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم ولم يطب نفسا بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ولا خذلانه .
فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يا ابن أخي ، إن قومك قد جاءوني ، فقالوا لي كذا وكذا فأبق علي وعلى نفسك ، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق قال فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بداء أنه خاذله ومسلمه وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه . قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عم ، والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته قال ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ثم قام فلما ولى ناداه أبو طالب فقال أقبل يا ابن أخي ، قال فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اذهب يا ابن أخي ، فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشيء أبدا . " قمة الثبات على المبادئ خاصة إذا علمنا ظروف هذا الموقف فالمبادئ لا مساومة ولا تبرير فيها.
ب- الحد الثاني لهذه المرونة: صلح الحديبية بكل مراحله والقصة مشهورة في كتب السيرة ولعل ابرز معالمها رجوعه صلى الله عليه وسلم دون أداء فريضة الحج. ومحوه لاسمه الشريف وفي صلح الحديبية دروس وعظات عظيمة في المحبة والأدب مع الجناب الشريف والطاعة إن في ذلك لعبرة لمن يعتبر والأمثلة كثيرة.
نخلص من خلال هذين الموقفين أنه لابد من تنازلات مرحلية لأي حركة تغييرية، ولا يعني كونها على الصواب وعلى الحق أن تتصلب على مواقفها، فأول خطوة على طريق التنازل هي القبول بالحوار مع الأخر حوارا جادا ومسؤولا يبحث عن نقط الالتقاء ويؤجل القضايا المختلف فيها إلى حين، لأن الزمن كفيل بتقريب البعيد وتيسير العسير المهم أن تكون الإرادة صادقة (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما)، وعلى كافة الأطراف التحلي بالصبر والتخلي عن "حوار الطرشان" من جهة وحوار المجاملات المعسولة من جهة ثانية لأنه إذا كان النوع الأول يضر بالغرض لكونه يسد كافة أبواب التواصل والاتصال لأن كل طرف يستمع لنفسه فقط، فالنوع الثاني أي حوار المجاملات يجعل من الحوار ونتائجه بناء هشا لا أساس له صحيحا يقيه الانهيار العاجل، نعود إلى صلح الحديبية لنقرأ كيف أن سهيل بن عمرو ممثل قريش كان محاورا حاسما لا يجامل في قضية قومه وحزبه قال النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا علي كاتب وثيقة الصلح "اكتب بسم الله الرحمان الرحيم" قال سهيل: أما الرحمان فو الله ما أدري ما هي ولكن أكتب باسمك اللهم فقال المسلمون والله لا نكتب إلا بسم الله الرحمان الرحيم، فقال النبي صلى الله عله وسلم: أكتب باسمك اللهم ثم قال: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن أكتب محمد بن عبد الله فقال رسول الله :والله إني لرسول الله إن كذبتموني أكتب محمد بن عبد الله (في رواية مسلم فأمر علي أن يمحوها فقال علي والله لا أمحوها فقال رسول الله صلى الله عليه سلم أرني مكانها فأراه مكانها فمحاها).
رفض سهيل بن عمرو أن يكتب بسم الله الرحمان الرحيم وأن يكتب محمد رسول الله وهذا موقف ينم عن جدية المحاور وعدم تنازله في قضايا تراها قريش جوهرية في حين أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يدقق في قضايا تعد شكلية أو ثانوية مع الغرض من الحوار الذي هو تحقيق الصلح و حقن الدماء، فقبل الرسول صلى الله عليه وسلم حذف اسمه الشريف وإن قرر المبدأ وأكده "والله إني لرسول الله وإن كذبتموني" لم يكن الغرض من هذا الحوار إقناع قريش برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم فهذه قضية أخرى فالمعطى الواقعي هو أن قريش كافرة مشركة ومع ذلك تريد الحوار في قضية محددة هي رده عن الحج وقريش أيضا تستوعب هذا المعطى الواقعي وتفقهه جدا لأنها تعتبر المسلمين قوة لا يمكن تجاهلها أو إقصاؤها فهم طرف في الحوار ورقم مهم في المعادلة رغم الاختلاف العقدي الجذري.الأفكار المتصلبة والعقول المتحجرة لا مكان لها ولا اعتبار لها في مقياس الإسلام ولا اعتبار أيضا لمن يشطر العالم شطرين شطر صائب وأخر خائب في زعمه.
قد مضى زمان كان يرى فيه البعض الرأي المخالف خطأ -إن لم نقل- خطيئة، وأقبل زمان آخر ينبغي أن يكون النقاش فيه ليس بمقياس الخطأ والصواب وإنما بمقياس الصائب والأصوب والحسن والأحسن، فيكفي كل الاجتهادات أنها داخل الإسلام، لنسلم لها ونقبلها مرجحين بعضها على بعض. وليكن شعار كافة الإسلاميين من الطلبة قول الإمام المجدد حسن البنا رحمه الله "فليعاون بعضنا البعض فيما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه "نقط الخلاف قليلة جدا بين أبناء الحركة الإسلامية والتوحيد بينها اختيار إستراتيجي وضرورة واقعية ومطلب شرعي" فنسأل الله أن يكشف عنا بلاء الفرقة"، ولا وحدة إلا بتنازلات جدية من كافة الأطراف ولا تنازلات إلا بحوار جدي ومسؤول أمام الله والأمة والتاريخ. مع ذلك لابد من التأكيد أن الرغبة في التوحيد لا يجب أن تدفعنا إلى التسرع فرب بناء يبنى على عجلة ينهار على عجلة. فالتدرج سنة كونية وحكمة شرعية يتعين مراعاتها، فكما قال الإمام العادل عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه لابنه "ان الناس ان حملتهم على الحق جملة واحدة تركوه جملة واحدة " هذا إن كنت على الحق، فكيف بك إن كان رأيك وجها من وجوه الحق فقط.
4- القاعدة الرابعة: "سرطان الغرور الجماعي"
الغرور في حق الفرد داء خبيث يسري سريان السرطان في الجسم فلا يبقى على الدين ولا المروءة والإنسانية وهو إذا كان في حق الفرد منقصة ومبغضة فهو في حق الجماعة أبغض وأقبح وأفظع .فأخطر ما يمكن أن تعاني منه الحركة الإسلامية هو ما يمكن أن نطلق عليه "الغرور الجماعي" الذي يصيب أي جماعة في مقتل لأنه بكل بساطة يؤدي إلى تضخيم "الأنا"، وإذا تضخمت هذه الغولة لم تستمع إلى رأي الأخر ولم تحترمه.وصارت لا ترى العالم إلا من الداخل من خلال قراءة مغلقة يستحسنها أبناء الفريق الواحد ويؤيدها ويزينها بعضهم جملة وتفصيلا"كل حزب بما لديهم فرحون". دون أن يمتلكوا الجراءة على النقد والتحليل لأن احتمال الخطأ غير وارد أساسا فالمحيط الذي يعيشون داخله يطبعهم بوجهة نظر وحيدة مسيطرة والأمثلة على هذا الأمر أكثر من أن تحصى، حتى إن هذا الغرور الجماعي لا يكتوي بناره الآخر "المفترض". بل سرعان ما يجد أبناء التنظيم الواحد ريحه هذا إن لم يكتوو بناره، حين يفشو فيهم الاستبداد بالرأي والقرار وتضيق حويصلاتهم بالرأي المخالف أو حتى النقد الملاطف، فتغيب الشورى وتختفي المناصحة وتموت المحبة وتذوي، فإذا من نذر نفسه لمجابهة الظلم- في زعمه -صار طاغوتا صغيرا وتلك أول خطوة على درب صناعة الطغاة.
*نخص في هذا المقال الفصائل الإسلامية، على أنه لنا كلمة مع باقي الفصائل في مقالات قادمة إن شاء الله تعالى .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.