بين أسوار المدن العتيقة، وممرات الأسواق المزدحمة، والشواطئ الممتدة على واجهتي الأطلسي والمتوسط، تتكرّس صورة المغرب في الأذهان كوجهة سياحية مميزة، تتقاطع فيها الضيافة العريقة مع تنوع ثقافي غني. غير أن هذه الصورة الآسرة باتت عرضة للتشويش بفعل ظاهرة مقلقة تتزايد وتيرتها في الخفاء: التحرش الجنسي بالسائحات.* حادثة الصويرة، التي وثقها مقطع فيديو لسائحة فرنسية ضاقت ذرعا بمضايقات أحد الشبان، لم تكن استثناء. فقد سبقتها وتلتها حوادث مماثلة في طنجة وشفشاون ومراكش، انتشرت على المنصات الرقمية كالنار في الهشيم، حوّلت سلوكا فرديا إلى مادة تستهلك عالميا، وأثارت تساؤلات حقيقية حول مدى استعداد المغرب لاستقبال فعاليات كبرى، مثل كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030. جاهزية البنية التحتية مهمة، لكن الجاهزية الأخلاقية توازيها أهمية. في مثل هذه الوقائع، لا تفرّق السائحة بين تصرف فردي وبين صورة البلد المضيف. فهي لا تجري تقييما إحصائيا، بل تعيش تجربة شخصية مباشرة. وقد تكفي لحظة تحرش واحدة، موثقة بكاميرا هاتف، لإسقاط جهود سنوات من الترويج السياحي والدبلوماسي، ولزرع الشك في نفوس الآلاف من الزائرات المحتملات. ورغم أن المشرع المغربي، خاصة بعد دخول القانون 103.13 حيز التنفيذ سنة 2018، يجرّم بوضوح أفعال التحرش ويحدد عقوبات زجرية تصل إلى الحبس والغرامة، إلا أن المعضلة تكمن في ضعف التفعيل. صعوبة الإثبات، وغياب التبليغ، وتطبيع اجتماعي يجعل من التحرش سلوكا "عاديا"، كلها عناصر تجعل النص القانوني غير كاف ما لم يسنده وعي جمعي ومؤسسات داعمة. وتزداد الصورة قتامة حين نستحضر تقارير دولية، كتصنيف صحيفة "ديلي ميل" البريطانية قبل سنوات التي وضعت المغرب ضمن الدول التي تُنصح النساء باتخاذ الحيطة عند زيارتها. وإذا كانت هذه التوصيات قابلة للنقاش، فإن أثرها في تشويه السمعة السياحية للبلد لا يمكن إنكاره، خصوصا في زمن تصنع فيه الانطباعات من الفيديوهات أكثر مما تصنعه الحملات الرسمية. في المقابل، يسجّل للمجتمع المدني تحركه الحيوي في مواجهة الظاهرة، من خلال مبادرات مثل "ما ساكتاش" وحملة "الصفارة"، التي حولت الفضاء العام إلى ساحة مقاومة رمزية. لكنها تبقى جهودا جزئية لا يمكن أن تنوب عن الدولة في وضع سياسات طويلة المدى، تشمل التربية، والإعلام، والإرشاد الديني، وتكوين رجال الأمن. وقد شكّل إطلاق أول نظام وطني لمكافحة التحرش الجنسي في المنطقة العربية وإفريقيا سنة 2023، تحت رعاية الأميرة للا مريم، خطوة مفصلية تنمّ عن وعي مؤسساتي بأن حماية النساء، سواء كنّ مغربيات أو سائحات، لم تعد شأنا حقوقيا فحسب، بل قضية سيادية تمس صورة المغرب في الداخل والخارج. إن التحرش ليس مجرد جنحة عابرة، بل مؤشر عميق على اختلالات ثقافية واجتماعية تستوجب أكثر من مجرد زجر قانوني. فحين تختزل المرأة في جسد، يختزل البلد في صورة هشّة، وتُسحب من المجتمع إحدى ركائزه الأخلاقية الأساسية: الاحترام. قد تنجح الأجهزة الأمنية في توقيف متحرش هنا أو هناك، لكن المعركة الحقيقية تخاض في المدرسة، وفي المنزل، وفي المساجد، وعلى شاشات الإعلام. إنها معركة تربية ووعي قبل أن تكون معركة قانون وعقاب.