تشهد الأوساط الطبية والعلمية موجة من التفاؤل الحذر بشأن إمكانية التوصل إلى علاج جذري لمرض السكري من النوع الأول، بعد تسجيل نتائج واعدة في تجارب سريرية اعتمدت على تقنيات الخلايا الجذعية والتعديل الجيني. وقد دفعت هذه التطورات بعض الأطباء إلى الحديث عن "بداية نهاية المرض"، وفق ما نقلته صحيفة "لوموند" عن البروفيسور إتيان لاجر، رئيس قسم السكري في مستشفى كوشان بباريس. ويعد السكري من النوع الأول مرضاً مناعياً ذاتياً يتسبب في تدمير خلايا "بيتا" المسؤولة عن إنتاج الأنسولين في البنكرياس، مما يضطر المرضى إلى تلقي حقن الأنسولين مدى الحياة. ويصيب هذا النوع من السكري نحو 260 ألف شخص في فرنسا، أغلبهم من الفئات الشابة. في السنوات الأخيرة بدأت تجارب زرع خلايا "بيتا" بهدف استعادة إنتاج الأنسولين داخل الجسم. وكانت هذه الخلايا تُستخرج غالباً من بنكرياس متبرعين متوفين، ويُزرع معظمها في الكبد، لكن محدودية المتبرعين من جهة، والحاجة إلى علاج مثبط للمناعة مدى الحياة من جهة أخرى، جعلتا هذا الخيار متاحاً فقط للحالات الأكثر خطورة، مثل المعرضين لنوبات هبوط السكر التي قد تودي بالحياة. التحول النوعي جاء عبر تطورين متوازيين: أولهما استخدام الخلايا الجذعية لإنتاج خلايا "بيتا" في المختبر، وثانيهما تطوير تقنيات تجعل هذه الخلايا غير مرئية للجهاز المناعي، مما قد يُغني عن الحاجة إلى الأدوية المثبطة. في هذا السياق تستحضر الصحافية الفرنسية فلورانس روزييه عبر جريدة "لوموند" حكاية العالم الأمريكي دوغلاس ميلتون، أستاذ البيولوجيا بجامعة "هارفارد"، الذي دفعته إصابة نجله الرضيع بالسكري عام 1992 إلى تكريس مسيرته العلمية لمحاولة إيجاد علاج. وبعد أكثر من عقدين من الأبحاث تمكن ميلتون من برمجة الخلايا الجذعية لإنتاج خلايا "بيتا" بشكل صناعي، وأسس شركة "سيما ثيرابيوتكس"، التي اشترتها لاحقاً شركة "فيرتكس" العملاقة. وفي يونيو 2025 نشرت مجلة "نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين" نتائج تجربة سريرية من المرحلتين الأولى والثانية، شملت 14 مريضاً تلقوا حقنًا في الكبد تحتوي على مئات الملايين من خلايا "بيتا" المشتقة من خلايا جذعية. وبعد عام من المتابعة أظهرت النتائج أن جميع المرضى كوّنوا جزرًا من الخلايا المنتجة للأنسولين، وتمكن 10 منهم من الاستغناء عن الأنسولين الخارجي تمامًا. ومع ذلك توفي اثنان من المشاركين لأسباب غير مرتبطة مباشرة بالتجربة، أحدهما نتيجة عدوى فطرية مرتبطة بالعلاج المثبط للمناعة. بالتوازي مع ذلك اتجهت فرق علمية نحو استخدام خلايا جذعية "ذاتية"، أي مأخوذة من المريض نفسه. ففي تجربة نُشرت عام 2024 في مجلة "Cell"، تمكن أطباء في الصين من معالجة شابة تبلغ 25 عامًا باستخدام خلايا مأخوذة من نسيجها الدهني، حُوّلت إلى خلايا "بيتا" وزُرعت في عضلات البطن، وبدأت لاحقًا بإنتاج الأنسولين بشكل طبيعي دون الحاجة للحقن. غير أن هذا النهج لا يزال يتطلب علاجًا مناعيًا لتفادي رفض الجسم للخلايا المزروعة. التحدي الأكبر ظل يتمثل في التخلص من الاعتماد على العلاجات المثبطة للمناعة. وهنا برزت نتائج تجربة جديدة أجراها باحثون سويديون، نُشرت في غشت 2025، إذ نجحوا في تعديل خلايا "بيتا" جينيًا لتصبح غير مرئية للجهاز المناعي. واستخدم الفريق تقنية "كريسبر" لتعطيل جينات مسؤولة عن التعريف الخلوي (HLA)، وأعادوا تفعيل جين آخر (CD47) يمنع الخلايا المناعية من مهاجمة الخلايا المزروعة. وتم زرع هذه الخلايا في عضلة ساعد أحد المرضى، فظلت مستقرة، وبدأت تنتج الأنسولين بعد ثلاثة أشهر دون ظهور مؤشرات على الرفض المناعي، رغم عدم تلقي المريض أي علاج مثبط. ويُنظر إلى هذه التجربة باعتبارها خطوة استثنائية. فحتى إذا عادت بعض الخلايا المزروعة إلى حالة "جنينية" وبدأت في الانقسام العشوائي، يمكن- كما يوضح الجراح الفرنسي فرانسوا باتو- استخدام جسم مضاد يستهدف CD47ليقوم الجهاز المناعي بتدمير هذه الخلايا غير المرغوب فيها. ورغم ما تحمله هذه الإنجازات من أمل، يبقى العلماء حذرين، فنجاح التجارب على نطاق ضيق لا يكفي، كما أن السلامة على المدى الطويل لم تُحسم بعد، سواء من حيث فاعلية الخلايا أو المضاعفات المحتملة. ومع ذلك يرى عدد متزايد من الأطباء أن العالم يقترب لأول مرة من كسر المعادلة المستحيلة في علاج السكري من النوع الأول عبر الجمع بين مصدر دائم لخلايا الأنسولين وتقنيات تحميها من المناعة الذاتية، دون إغراق الجسم بالأدوية.