لم يكن الشاب المغربي يوسف العزوزي مجرد اسم في سجل المتفوقين؛ بل قصة تختزل واقع جيل كامل من الشباب المغربي: جيل يبرهن في كل محفل دولي أن المغرب غني بعقول لا تقل عن نظيراتها في وادي السيليكون أو مختبرات هارفارد، لكنه يكتشف، في المقابل، أنه لا يحصل في وطنه على ما يستحق من دعم أو احتضان. منذ 2019، حين فاز العزوزي بلقب أفضل مخترع عربي، إلى ابتكاره الأخير لأول جهاز في العالم لتصفية الدم من داخل الأوعية الدموية، ظلّ هذا الشاب ينجز ما تعجز عنه مختبرات كبرى، لكن بموارد جمعها من محسنين لا من ميزانيات وطنية. هنا تكمن المفارقة المؤلمة: كيف يُترك باحث بمستوى عالمي يقاتل وحيدًا، في حين تُهدر المليارات في مشاريع استهلاكية قصيرة النفس؟ صحيح أنه تم الإعلان هذا العام عن إطلاق البرنامج الوطني لدعم البحث التنموي والابتكار بميزانية تصل إلى مليار درهم، وهي خطوة مهمة تُظهر بداية وعي بضرورة ربط البحث العلمي بالأولويات الوطنية: الماء، الاقتصاد الأخضر والأزرق، والعلوم الطبية. لكن المطلوب اليوم هو رؤية وطنية طويلة المدى تجعل البحث العلمي في قلب النموذج التنموي. رؤية تضمن تمويلًا مستدامًا يتجاوز شعارات المناسبات، وتفتح الباب أمام الشراكة مع الجامعات والمقاولات، وتضع التحفيز العلمي في مرتبة لا تقل عن التحفيز الضريبي للاستثمارات العقارية. يوسف العزوزي قدوة، لكنه لا يجب أن يبقى استثناءً يُستشهد به كلما احتجنا إلى جرعة فخر أو لتغطية خذلان جماعي. نريد عشرات العزوزي، ومئات العقول الشابة التي تجد مختبرًا مجهزًا وتمويلًا كافيًا وتشجيعًا مؤسساتيًا داخل المغرب، بدل أن تبحث عن أبواب الخارج. شباب المغرب بحاجة إلى أكثر من قصص نجاح فردية تُصنع رغم العوائق. إنهم بحاجة إلى منظومة تؤمن بأن البحث العلمي ليس ترفًا، بل خيار حياة أو موت. بحاجة إلى مدارس تُربي على الفضول العلمي، وجامعات تُعطي الأولوية للمختبرات بدل البيروقراطية، وحكومات تُدرك أن الاستثمار في العقول هو الاستثمار الوحيد الذي يضمن المستقبل. إن مستقبل أي أمة لا يُقاس بعدد ملاعبها أو بناياتها، بل بعدد مختبراتها وبقدرتها على تحويل الاكتشاف إلى دواء، والابتكار إلى صناعة، والفكرة إلى ثروة. والعالم لا يرحم المتأخرين. لقد آن الأوان أن تتحول مبادرة المليار درهم إلى بداية سياسة دولة، لا مجرّد جرعة أوكسجين. فإما أن نعتبر البحث العلمي أولوية وجودية، أو نواصل نزيف الكفاءات ونكتفي بالتصفيق كلما رفع أحد أبنائنا راية المغرب في محفل علمي بالخارج.